"تناقضات الخطاب والنص" كتاب للدكتور نبيل بهجت يحتفي بالمرأة المصرية عقب ثورة 1919
صدر عن الهيئة العربية للمسرح كتاب تناقضات الخطاب والنص الذي يرصد صورة المرأة في الاعمال المسرحية المنشورة في الصحف المصرية في الفترة من 23/52 ويضم الكتاب قرابة الخمسين نصا وتسعى هذه الدراسة للتعرف على صورة المرأة في الأعمال الدرامية التي نشرت في الصحف المصرية ما بين عامي 1923 / 1952 حيث شهدت تلك الفترة صدور أول دستور أقر الحقوق والواجبات للمصريين، حيثُ أعلنت المادة الثالثة في الباب الثاني من دستور 23: ” المصريون لدى القانون سواء وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من واجبات”. وامتد اختيار عينة الدراسة حتى ثورة 1952 التي أحدثت تغيراً واضحاً في نمط الحياة وصورة المصري بشكل عام.
وتسعى الدراسة أيضاَ إلى إلقاء الضوء على تلك الأعمال الدرامية التي نشرت في الصحف المصرية في تلك الفترة، ولم تلق اهتماماً من الدارسين والباحثين لصعوبة الحصول عليها، إذ إن أغلبها متفرق في دوريات مختلفة ونشرت على فترات زمنية متباعدة وهو ما يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت كذلك أصبح من المتعذر الوصول لبعضها الآن.
ولقد قمت بمراجعة عدد كبير من الدوريات في الفترة ما بين 1915 وحتى 1970 ولاحظت انتشار هذا اللون من الكتابة الذي بدأ يختفي تدريجياً منذ سبعينيات القرن الماضي. وتم تحديد زمن الدراسة بناء على الأسباب السابقة.
واعتمدت الدراسة على المنهج التحليلي للوصول إلى الصورة التي طرحتها تلك الأعمال عن المرأة وشكل الخطاب الذي رسم ملامح صورتها في محاولةٍ للوقوف على مدى استجابة هذه الأعمال لخطاب تحرير المرأة من عدمه ومعرفة موقف هذه الأعمال وكتابها من الصورة النمطية للمرأة آنذاك، وما هي وجهات النظر التي شكلت صورة المرأة في هذه الأعمال.
وتلقي الدراسة الضوء على نماذج لكتاب أمثال: توفيق الحكيم، وعبد العزيز البشرى، وزكي طليمات، وأحمد رشدي صالح، وسعد مكاوي، وحسين مؤنس، وسعيد عبده، وأحمد محفوظ، وأمين يوسف غراب، ويوسف جوهر، وإسماعيل الحبروك، ومحمد عبد القادر المازني، وسيد بدير، وإبراهيم الورداني، وأنور عبد الملك، ومحمد خورشيد، ووليم باسيلي … وغيرهم. ونلاحظ من الأسماء المطروحة أن عدداً كبيراً من الكتاب اهتم بهذا اللون من الكتابة مما أدى إلى انتشارها وذيوعها في تلك الفترة وأصبحت لوناً أدبياً مألوفاً آنذاك.
ووقفت هذه الدراسة على عدد من المحاور هي: الموروث وأثره في بناء صورة المرأة حيث اعتمدت بعض النصوص على الموروث الديني والشعبي والأدبي كركيزة لها ، وتناولت الدراسة أيضاً جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة ، وصورة المرأة العصرية ، ومفهوم المرأة الجسد وكذلك المضمر والمعلن في بناء صورة المرأة وصاحب أغلب الأعمال رسما لأحد المشاهد أو الشخصيات ويبدأ العمل غالباً بوصف المنظر من خلال إرشاد يقف على التكوين العام للمكان ويقدم معلومات عن الزمن أحياناً وينتهي بعضها بكلمة “ستار” في محاولة لمسرحة العمل.
وتميزت هذه الأعمال بالتكثيف، حيث ارتبطت بمساحات أعدت لها سلفاً داخل الصحف ، وكذلك الانتقال السريع للأحداث وصولاً للنهايات واعتمدت على الشخصيات التي كانت تستدعى من مخزون الدراما مثل : الخادمة – البخيل – الغانية .. وغيرها من الشخصيات النمطية المعروفة سلفاً إذ أن آلية العرض لا تسمح بتطور نمو الشخصيات اهتم عدد كبير من الكتاب بنشر أعمالهم الدرامية والقصصية في الصحف والدوريات المصرية مما أدى إلى انتشارها وذيوعها في تلك الفترة وأصبحت لوناً أدبياً مألوفاً آنذاك وتنوعت هذه الأعمال بين الحواريات والأشكال المسرحية. واستخدمت الحواريات كوسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي في بداية القرن الماضي ولم تحتو الحواريات على إرشادات أو وصفٍ لمنظر ما، بل كانت حواراً مباشراً بين شخصين، ولم يكن لهذه الحواريات عناوين جانبية أو فرعية، وبطبيعة الحال خلت هذه الحواريات من كافة أشكال الصراع واكتفت بكونها ساحة لعرض الآراء ومعجم الحياة الشعبية ومفرداتها المختلفة، وبجوار تلك الأبواب الثابتة أخذت تظهر بعض الأعمال المسرحية القصيرة شيئاً فشيئاً إلى أن اختفت الحواريات الثابتة من الصحف، واستقرت الأعمال المسرحية مكانها، وغالباً ما كان للأعمال المسرحية عنواناً رئيسياً يشير إلى موضوع العمل وآخر فرعي معني بتصنيف العمل والملاحظ أن الكتَّاب اختلفوا حول تصنيف هذه الأعمال.
بالرغم من أن معظم تلك الأعمال لم يكتب للمسرح وإنما للنشر في الصحف إلا أنه التزم ذات المفاهيم والمصطلحات المسرحية، مما يجعلنا نقر أنها لون من الأعمال الدرامية التي التمست من الصحف مسرحاً لعرضها، معتمدة على مخيلة القارئ لخلقها وتجسيدها.
وارتبط العنوان الرئيسي بموضوع العمل بشكل مباشر وصاحب أغلب الأعمال رسما لأحد المشاهد، ويبدأ العمل غالباً بوصف المنظر من خلال إرشاد وينتهي بعضها بكلمة “ستار” في محاولة لمسرحة العمل، وتميزت هذه الأعمال بالتكثيف وكذلك الانتقال السريع للأحداث وصولاً للنهايات، واعتمدت على الشخصيات التي كانت تستدعى من مخزون الدراما وغيرها من الشخصيات النمطية، وكانت الرسائل الواضحة والمبَاشرة والخطابية والاعتماد على الأحكام الأخلاقية أبرز ما يشكل النص لإقناع القراء بوجهة نظر المؤلف.
وتركت الموروثات بتجلياتها المختلفة آثاراً واضحة في بناء صورة المرأة في الأعمال الدرامية المنشورة في الصحف المصرية بين عامي 1923 و 1952وتنوع تأثيرها ما بين القصص الديني والتراث الشعبي سواء كان مكتوباً مثل ألف ليلة وليلة أو شفاهياً مثل الأمثال وغيرها، كما كان للتراث الأدبي واستدعاء صور محددة للمرأة نصيباً من هذا الاهتمام.
وكان لقصة آدم وحواء حضوراً واضحاً ولم يختلف موقف الكاتبةعن المنطق الذكوري في استدعاء القصة وحملت المرأة مسئولية الخطأ ، ومن ثم برر ذلك وضعها داخل السياق الاجتماعي.
ولقد طور الحكيم صورة المرأة في استدعائه لشخصية شهرزاد عن تلك التي التزمتها الليالي وتجاوزها لتصل إلى مستوى التغيير الإيجابي وامتد تأثيرها لحياة الناس وشكل نظام الحكم، فلم تحمي شهرزاد نفسها وجنسها فحسب، بل طورت الرؤية العامة للحياة.
واعتمدت بعض الأعمال الدرامية المنشورة في الصحف على التصورات السائدة في البيئات الشعبية عن المرأة كما استفادت بعض الأعمال المنشورة في الصحف من التراث الأدبي في رسم صورة المرأة.
ورفضت معظم الأعمال التي تناولت بناء العلاقة بين الرجل والمرأة الزواج دون تعارف كامل بين الزوجين، وانحازت بشدة لموقف قاسم أمين واستلهمت بعض الأعمال أحداثها مما كتبه.
وكانت بيئة الحياة الزوجية مادة خصبة لتصوير العلاقة بين الرجل والمرأة وقدمت الزوجة كنموذج سلبي ومعيق للحياة وسببٍ في شقاء الرجل، ولم تساهم تلك الأعمال في رسم صورة إيجابية لمؤسسة الحياة الزوجية، وإنما عمقت التصورات السلبية عنها، كذلك جاء نموذج الأم والحماة بذات التصورات النمطية والسلطوية أحيانا.
ولم تحتفل هذه النصوص بنموذج المرأة العاملة وانحازت للموقف المحافظ بأن المرأة لا يلزم أن تتعدى وظيفتها ، فالمنزل هو المكان الأمثل لعمل المرأة ، كما نلاحظ اختيار الكتاب لنوعية محددة من المهن انحيازا للرأي القائل بعدم قدرة المرأة على مزاولة جميع المهن.
واعتمدت هذه النصوص الثنائيات المتقابلة للتأكيد على القيمة وهو ما نراه أيضاً في في تقديم الفتاة اللعوب في مقابل المرأة الأسرة في عدد من النصوص كذلك أكدت بعض النصوص علي فكرة وراثة الأخلاق.
استمد عدد من الكتاب الأفكار المشكلة لصورة المرأة العصرية أو الحديثة من كتابي قاسم أمين تحرير المرأة والمرأة الجديدة، وناقشوا قضايا الحجاب والاختلاط وغيرها من الأفكار إلا أن الصورة العامة التي قدمتها تلك الأعمال لدعاة المدنية وللمرأة الحديثة لم تتسم بالإيجابية وناقشت هذه الاعمال الموقف من تحرير المرأة والتزمت الرأي المحافظ الذي طرحه طلعت حرب في كتابه في معظم القضايا عدا مسألة الاختلاط من أجل الزواج لما سيعود بالنفع علي الرجل.
وتم تغيب النموذج الفاعل فلم تظهر المرأة خارج مؤسسة الأسرة والزواج حيث لم نشاهدها تقتحم مجالات العمل المختلفة لتدافع عن حقوقها المتنوعة وحصرت همومها في مسألة الزواج وآليات الاختيار الحر المؤسس على معرفة متكاملة بالطرف الآخر كسلوك الفتاة العصرية.
اهتمت هذه الأعمال بجسد المرأة وناقش بعضاً منها الضوابط الاجتماعية التي يجب أن تلتزم بها المرأة تجاه جسدها ، واستمدت مفاهيم الشرف والفضيلة من موقف الشخصيات تجاه جسدها ولم يختلف في ذلك الموقف باختلاف نوع المؤلف وإنما التزمت معظم الأعمال التصور الذكوري المنطلق من أن جسد المرأة هو المعادل الموضوعي للشرف وقدمت بعض الأعمال المرأة كجسد خالص من خلال التركيز على صفاتها الجسدية، وجاءت النهايات المأساوية لبعض الأعمال كعقاب للتفريط في الجسد، كما هيمنت شروط الوعي الذكوري إذ تم التركيز على قضايا بعينها وتهميش قضايا أخرى وإغفال بعض الموضوعات، فكان الاختلاط من أجل الزواج موضوعاً متكرراً في العديد من الأعمال لما يحققه من مصلحة للرجل وتم تجاهل بعض الموضوعات مثل حق المرأة في العمل بأن تكون طبيبة ومهندسة ولم تطرح الأعمال مناقشات حول تغيير الممارسات الاجتماعية ضد المرأة أو رفع سن الزواج وغيرها من القضايا التي تتعلق بحقوق المرأة كذلك تم تهميش معالجة الدور السياسي للمرأة وكذلك تم تغيب النموذج الفاعل للمرأة داخل المجتمع، فلم نرها حتى على مستوى العمل التطوعي ركزت تلك الأعمال على الموضوعات المقبولة من الرجل واتفقت رؤية المرأة الكاتبة مع الرجل فيما طرحته من قضايا.