محاولة القفز لأعلي… رؤية نقدية لمسرحية "إعتزال مخرج"/ بقلم: مروة الجبالي
(نحن نعيش فى عالم نائم علينا ان نوقظه بالحوار مع الآخرين، وما إيقاظ العالم إلا شجاعة الوجود لذا علينا نوجد ونعمل ونبحث،نخترع،نبدع، نخلق). هكذا تكلم الفليسوف الفرنسي بشلار .. وعلى ضفاف النيل الساحر وفى قلب صعيد مصر الخالد تكلم الشباب فهنا نوجد و نخترع و نبدع في مهرجان شباب الجنوب المسرحي الرابع والذي تقيمه مؤسسة (س) للثقافة والابداع فى الفترة من 11 وحتى 18 أبريل فى أطار تعاون منظمات المجتمع المدنى مع الدولة على التنمية الثقافية والفكرية لأبناء محافظات الجنوب
وفى أول أيام المهرجان وعلى خشبة مسرح قصر ثقافة أسيوط يطالعنا العرض المسرحى (اعتزال مخرج) والذى تقدمه فرقة (يلا بينا) المسرحية الحرة من تأليف:ضياء المطيرى وسينوغرافيا وإخراج: هانى محمد وبطولة مجموعة من شباب الصعيد. عرض بإمكانيات صغيرة يتبي قضايا مجتمعه الكبيرة و هذا يحسب للقائمين على المهرجان ولمبدعى العرض من الشباب المتحمس ..يناقش العرض قضية المرأة في مجتمع يجيد التعسف بها .. وهي قضية لا تزال شائكة فى معظم محافظات الصعيد.
ولأن المسرح حالة خلق وإبداع و كان دوما صوتا وأحيانا صراخا يهدف لايقاظ العالم يحمل لواء المستضعفين والهامشيين ويضعهم تحت الضوء فيطرح الأسئلة ويناقش الأسباب ليكشف عن العوار .. ونحن إزاء عرض يناقش أحد أهم مشكلات مجتمعه قهر المرأة فى المجتمع المصرى وبالأخص فى منطقة الصعيد،حيث المعاناة والتعنت الذى تواجهه الأنثى منذ لحظة الميلاد وحتى الموت مرورا بكل تفاصيل حياتها .
المؤلف (ضياء المطيرى) يطرح القضية فى إطار أقرب الي التسجيل فيستخدم تكنيكا أقرب الى الأسكتشات أو الصورالمتتابعة التى تعرض كل منها حالة من حالات معاناة المرأة مع الأفكار المجتمعية، فمن خلال مخرج مسرحى يسعى لتكوين فرقة مسرحية ومساعده يعرض عليه بعض الشبان والفتيات المتقدمين للتمثيل والغناء فيها فيقدمون الاسكتشات أو اللوحات يعرض كل منها حالة من حالات الانثي في مجتمعها .
فهذه تزوجت فى سن مبكرة وهى لا تعلم شيئاً عن الزواج ومسئولياته وينتهى بها الأمر مطلقة و فى احشائها جنينا وهى لا تعرف معنى كلمة (جنين) أصلا.
وتلك التى تحمل لقب (مطلقة) داخل مجتمع يعتبر المطلقة مذنبة لاسباب لا تمت لها بصلة ولا يلتفت لما قد تكون عانته مع زوج خائن أو جاهل او غير متكافئ معها فكريا او اجتماعيا.
و يبدو ان مخرج العرض ” هاني محمد ” عينه علي جمهوره فحاول ان يخلق اتصالا معه من خلال شخصيات سبق و حققت هذا الاتصال مع المتفرج في اعمال اخري خارج العمل المسرحي فإستوردها رغبة في ضمان النجاح فالمخرج ” في العرض”هو فطوطة ببدلته الخضراء وطريقته الشهيرة فى الكلام وصوته المميز، وعازف العود المغنى هو الشيخ حسنى فى فيلم الكيت كات بشاربه وتسريحته وتعبيراته المميزة . و علي الرغم من هذه الطريقة قد ترضي الممثل بسبب رغبته في التقليد و اثبات حرفيته خاصة في بدايته الا ان التقليد يدفعنا دائما لإستحضار الأصل و المقارنة و التي لاتكون عادة في مصلحة المقلد .
على مستوى الصورة فإن المخرج (هانى محمد) يقدم نفسه كمصمم سينوغرافيا ولعل ابرز ماقدمه هو جعل الملابس باللون الابيض والاسود و هي فكرة قديمة جديدة لاتزال قادرة علي اثارة الدهشة و هي تتماشي مع رغبة العرض في الصراخ بوجع المرأة لحد كبير . بينما خشبة المسرح خالية تماما من الديكور ولا يوجد سوى ثلاثة قطع من الأكسسوارات المسرحية وهى فستان الزفاف فى محاولة لاستخدامه كعنصر لتقديم الانثي في الصعيد علي انها تعد من خلال تربيتها فقط لفكرة الزواج ولا تتم تربيتها كإنسان قادر على فعل التغيير في مجتمعه .. و مقعدين استخدمهما المخرج والمطرب للجلوس اثناء تقديم الممثلين لاسكتشاتهم الفنية، و استخدام المخرج اجساد الممثلين كديكور حيث يقوم ممثلان مثلا برفع ذراعيهما ويشبكان كفيهما ليمثلا الباب الذى يستخدم فى الحركة، وهى فكرة اتت غريبة عن النص و لكن ذلك لم يمنعها من اثارة بعض الدهشة وغالبا لجأ اليها المخرج للتحايل على ضعف الامكانيات المادية.
وكما أعتمد المخرج والمؤلف على شخصيات مستوردة من خارج النص فإنهما قدما الأغانى علي نفس النسق مثل “اغنية حسرة عليها ” و “كروان الفن” وهي تدفعنا الي نص أخر خارج النص المسرحي مستدعية فيض من الذكريات الشخصيه للمتلقي يخرجه خارج العرض .
وفى المجمل نحن أمام عرض مسرحى يقدم صرخة فى وجه المجتمع ولكن يعيبها ما يعيب الصراخ من عدم التماسك وعدم وضوح الفكرة وضعف الأمكانيات وإن كان يحسب له فى الجرأة فى طرح والتعبير عن الألم مما يدفعنا للتعاطف و في العموم دائما ما تكون الاعمال الاولي مزدحمة بالكثير من الافكار و التكنيكات و التي قد يكون كل منها جميلا وحده لكن تجاورها يخلق نوعا من الضجيج لكن يحسب لمقدمي العرض فتح مثل هذه القضية الشائكة ومناقشتها فى مجتمع يميل في مجمله للتحفظ كصعيد مصر.
وفى النهاية يبدو من خلال هذا العرض أن صعيد مصر يحمل الكثير من الطاقات الفنية و التي تنبئ أنه بالتدريب و النضج ستكون نقطة لاحياء الفرجة في الغد القريب .