نص مسرحي: "نزهه في الجحيم"/ تأليف : نهاوند الكندي

الشخصيات :
الشخصية 1، الشخصية 2، الشخصية 3، الخادم و صوت امرأة :
المكان : (غرفة تحتوي على باب ومصباحين وثلاث أرائك  فقط)
البدايـــــــــة:
الشخصية 1 : ها قد وصلنا ، أ هذا هو المكان ؟
الخادم : أجل هذا هو
الشخصية 1 : لا بأس به ، اوف الجو هنا حار ؟
الخادم : ستعتاد عليه
الشخصية 1 : (يتحسر) أجل سأعتاد عليه، وخاصة أن المدة  طويلة، طويلة جدا، فهي الى ما لا نهاية ، الى الأبد، حسنا .حسنا ، هل جلبت معك حقيبتي ؟
الخادم : (يضحك) حقيبتك ؟! ارجوك يا سيدي ألا تستوعب الحقيقة ؟
الشخصية 1 : (بهدوء) أجل أجل استوعب الموقف، والحقيقة هي، ما حاجتي بالحقيبة، ما حاجتي بقميصي الأحمر، و بنطلوني البني، وربطة  عنقي الفرنسية، وحذائي الايطالي الراقي، ما حاجتي  بمحفظة نقودي، المصنوعة من جلد التمساح المسكين، ما حاجتي  بجواز سفري، هذا المكان الوحيد في الكون، لا يحتاج الى جواز سفر، طقت اصبع (يطق اصبعه) وتنطفئ انوار الحياة، اوووووه  يا ل حماقتي، لا ازال  احمل الكبرياء، والغرور الانساني اللعين، لا ازال اشعر باني بشري، كائن حي، تسري الدماء في عروقي لتبعث الدفء في  جسدي، و عينيّ  يبرقان من نور الوجود الخائن،  أليست هذه هي الحقيقة ؟
الخادم : لا عليك يا سيدي فجميع من يأتي الى هنا يسأل نفس سؤالك، أين حقيبتي؟ ينسون حالهم، وما صاروا إليه (يضحك مستهزئا) بلا خيال، بلا ظل ، بلا اسم ، هناك كانوا هم اشباح ، يسيرون في الأرض كالسكارى يترنحون ، يخبطون رؤوسهم بعضهم ببعض ، أما هنا ، فهم الحقيقة المرة التي كانوا يهربون منها
الشخصية 1 : (دون اهتمام) على أية  حال (يدور في الغرفة يتفقدها) لا يوجد شيء في الغرفة سوى هذا الباب ، وهذه الأرائك الثلاث ، هذه البيضاء مكتوب عليها (يقترب ليقرأ) فرعون ؟! (يقترب من الثانية) وهذه الحمراء مكتوب عليها، عازف المزمار ؟! (يسرع للثالثة) وهذه الخضراء مكتوب عليها، فأر؟! عجيب، ماذا يعني فأر؟! ماذا يفعل الفأر بهذا المكان؟! ما هذه الأسماء؟ ومن اصحابها ؟
الخادم : (يضحك من استغرابه) لا عليك يا سيدي ،  هذه اريكتك ، البيضاء
الشخصية 1 : ولكن لماذا لم يكتب عليها اسمي ؟ هل ينسون  أسمائنا ؟ أم هم يتعمدون نسيانها ؟ اذا بماذا سينادون علينا ؟
الخادم  : بوظائفكم يا سيدي
الشخصية 1  : ولكن لماذا ؟
الخادم :  لان اعمالكم اصدق من اسمائكم
الشخصية 1 : اممم في هذه حكمة، وهذين من هما؟ (يشير الى الارائك)
الخادم : هما رفيقيك  في السكن
الشخصية 1 : ماذا؟ رفيقي في السكن؟ّ!  برغم من أني اكره أن اكون وحيدا، في هذه الظروف  الكئيبة، والى الأبد، لكنها لقسمة ضيزى أن يكون معي في بؤسي هذا، عازف مزمار، و فأر، كنت اتوقع أن يكون معي ملك، أو أمير، أو وزير حتى، أنها حقا لقسمة ضيزى (يدور في المكان يتفحصه)  ومتى يحضران؟  (يضحك) فأر ؟
الخادم : عندما يأذنون
الشخصية 1 : يأذنون  ؟! من هم ؟
 الخادم  : الموظفون الزبانية
الشخصية 1 : وماذا يعني هذا ؟ أيطول غيابهما ؟
الخادم : لا اعلم ، ربما يوم ، ربما اسبوع ، ربما شهر ، ربما سنة ، ربما ( يقاطعه)
الشخصية 1 : ربما لا يأتيان مطلقا
الخادم : لا يا سيدي أنهما أتيان لا محالة ، فلا وجود للمزاح هنا ، كل شيء معد مسبقا ، و بيقين لا يحتمل الشك
الشخصية 1 : (يضحك مستهزأ) صدقت بيقين لا يحتمل الشك، وهذه هي علة العلل هنا، لا نستطيع الكذب، أو الخداع   (بصوت مرتفع ومفاجئ ) ولكن أين هي ؟
الخادم : من هي يا سيدي ؟!
الشخصية 1 : ادوات التعذيب !
الخادم : (يضحك قليلا) لا توجد ادوات للتعذيب
الشخصية 1 : كيف لا توجد ادوات للتعذيب ، أليست هذه غرفة التعذيب ؟
الخادم: (يضحك) لا يا سيدي هذه غرفتك أنت والى الأبد، ضحكاتك الى الأبد، بكائك الى الأبد، سعادتك، تعاستك والى الأبد
الشخصية 1: هذا فقط ؟
الخادم : اجل يا سيدي ، هذا فقط
الشخصية 1 : (يضحك بقوة) أنت لا تعرف ماذا كانوا يخبروننا هناك..عن هذا المكان! النيران من كل مكان، الصخور من نار، والسلاسل من نار، و الاعواد من نار (يتكلم بسرعة) نحرق بالنار، نشوى بالنار، نسلخ بالنار، نار نار نار (يضحك طويلا) وبالأخر لا يكون ألا هذا فقط ؟!
الخادم: (يضحك) يا سيدي، لا احد يعرف حقيقة هذا المكان، ما لم يأتي (يضحك) كلها حكايات وقصص، ما بعد  منتصف الليل، يرعبون بها اطفالهم المصابين بمس شيطاني، لا تهتم يا سيدي فها أنت هنا ، وستكتشف الحقيقة بنفسك
الشخصية1:  لو كنت اعرف الحقيقة سلفا، لأكثرت مما كنت اعمل
الخادم: وماذا كنت تعمل؟
الشخصية 1 :  كان لي كنزي الذي لا ينضب، قوة وسلطة مطلقة، أمر ونهي، سلطان لا حدود له، بمداد الأرض الرحبة، السلطان والنفوذ على  البشر، و الحجر، والشجر (صندوق الدنيا) الزاخر بالملذات، الطرب والغانيات، الخدم والحشم، الطعام والشراب، الضحك والرقص على اوتار (يقاطعه)
الخادم  : على اوتار المساكين
الشخصية 1 : المساكين ؟! لهم رب يحميهم
الخادم : وأنت يا سيدي
الشخصية 1 : (بغضب) أنا لست ربهم ، دعني ، دعني أيها الخادم ، لا اريد أن اتذكر تلك الحياة المليئة بالمغريات ، والملذات  والمحظورات ، تركتها لذلك الأحمق من بعدي ، لا يعلم الحقيقة ألا بعد فوات الأوان ، حين تذهب أنت لجلبه الى هنا بالقوة ، دون حقيبة أو امتعة ، أو حتى جواز سفر ، أو محفظة نقود ، دعني اجلس على اريكتي البيضاء انتظر قدوم رفيقيّ في السكن (يجلس على اريكته البيضاء بصمت)
الخادم : هل تحتاج الى شيء قبل مغادرتي ؟
الشخصية 1 : اخبرني أيها الخادم ، هل كل الغرف هنا متشابهة ؟
الخادم: بالطبع لا يا سيدي ، ليست متشابه ، فأننا نتعامل مع كل الأجناس , والألوان والأصناف والأذواق ، فكل غرفة لها ضيوفها ، هنا بالذات الناس ليسوا سواسية ، والآن يا سيدي اذا لم تكن بحاجتي ، سأنصرف
الشخصية 1 : لا بأس اذهب (يخرج ويغلق الباب خلفه.. يتمشى في الغرفة، يتذمر من الوحدة) لا  اعلم ما المدة التي سأقضيها وحيدا ، بين هذه الجدران العازلة للحياة ، بسببها لا اعرف  وقت الليل من النهار ، وهذان المصباحان متى  ينطفئ نورهما ، الكهرباء هنا لا تنقطع ابدا ، لا جدول لها ، مستمرة الى الأبد ، لا عنصرية و لا مساومة ، الاستحقاق  فقط (ينام على الأريكة الخاصة به ) آه الوحدة  ، هل هي نوع من التعذيب ؟ الوحدة القاتلة ببطء ، مع من اتكلم ؟  فأنا لا اجيد شيء سوى الكلام ، الخطابات ،  الشعارات ، الوعود ، هؤلاء الحمقى كانوا يحومون من حولي  ، كالذباب حين يحوم حول قطعة من الحلوى ، كم كنت محظوظ هناك  ، والآن لا شيء غير الصمت ، الصمت ، و لا شيء غير الصمت (ينفتح الباب )
الخادم : تفضل يا سيدي
الشخصية 2: شكرا لك
الخادم : هذه هي الأريكة الخاصة بك يا سيدي
الشخصية 2: (يجلس على اريكته) اذا هنا سيتم تعذيبي؟ على هذه الأريكة الحمراء ؟ ولماذا حمراء ؟ هل يعني سأغرق في بحرا من الدماء ؟ أم هم خمنوا أني اعشق اللون  الدموي ؟  أيها الخادم  ، ألا استطيع أن اجلس على تلك الأريكة البيضاء ؟ أو تلك الخضراء ؟
الخادم : لا يا سيدي لا تستطيع، فهذه الحمراء مكتوب عليها عملك، هذه قدرك الى الأبد ، صنعت لأجلك ، وعلى  مقاسك ، وذوقك والى الأبد
الشخصية 1: (يتنحنح)
الشخصية 2: ومن هذا الرجل ؟
الخادم : أنه رفيق مسكنك
الشخصية 2: ماذا ؟ هل يعني هذا أنه سيبقى معي ؟
الخادم : اجل يا سيدي
الشخصية 2: والى متى ؟ كم من الوقت سيبقى معي ؟
الخادم : الى الأبد يا سيدي
الشخصية 2: (ينتفض من مكانه) ولكن أنا اريد أن اكون وحدي، لطالما كنت بحياتي وحيد، الوحدة تجعلني ألملم افكاري المبعثرة، لا احب البشر، لا احب اصواتهم، همساتهم منطقهم، وحتى تفكيرهم، أنهم ثرثارين مغفلين، اصاب بالجنون من غبائهم، لا اريد أن اكون معهم، اتمنى لو ينقرضون من على وجه الدنيا، لا اريد أن اكون معه، اخرجني من هنا، أو يخرج هو
الشخصية 1: (ينهض بغضب) على مهلك، لم ارسل في طلبك، و لم اختار وجودي معك، والخادم غير معني بذلك ايضا ،  فلا تكون فظا ، سليط اللسان ، غليظ القلب
الخادم : أيها السادة  ، أني ذاهب الى عملي ، حاولا أن تنسجما معا ، ولا داعي أن تنبذا بعضكما ، فالوقت مازال طويييييلا امامكما ، ستشبعان من اللوم والعتاب ، والشجار والتهديد والوعيد ، فلا خيار لكما هنا ، حاولا أن تسترخيان ، وان تكونا لطيفين مع بعضكما  (يخرج ويغلق الباب خلفه)
الشخصية 1: لماذا أنت غاضب ؟ هل انتزعوا الحياة  منك بالقوة ؟ وكأنك كنت تتمسك بالحياة بيديك و اسنانك ، ولا تريد أن تغادرها ابدا ، هل كنت خائف ؟
الشخصية 2: (ينظر له بحقد دون أن يجيب)
الشخصية 1: يا لك من مسلوب الحياة ، متعجرف
الشخصية 2: (يجلس على اريكته غير مبالي له) لا تثرثر معي
الشخصية 1: (يطيل النظر له من بعيد ويدقق في وجهه ) هل اعرفك ؟ وجهك مألوف ، ولكن لا اتذكر أين ومتى رأيتك
الشخصية 2: (يتذمر) قلت لك لا تثرثر معي
الشخصية 1: (يواصل الكلام) كيف لك أن تكون هادئ؟ فأنا و الصمت لا ود بيننا  ماذا ؟ اسمع (يمثل الاستماع) أنهم يتحدثون الآن عنك في رأسي، حسنا، حسنا لنهدئ، الآن وقد اصبحنا هنا، بعيدين عن واقعنا و احلامنا، وعن ملذاتنا اللعينة، وبعد كل تلك المطاردة اللعينة لبعضنا، ككلاب الصيد، حين تتسابق على الفريسة، نسرق بعضنا، نقتل بعضنا، نخفي كيانات بعضنا، اصبحنا الآن فارغين من كل شيء، مجردين من كل شيء، لا نملك أي شيء، عرايا كما ولدنا، شفافين مثل الزجاج، استطيع الآن رؤية قلبك الفارغ من نبض الحياة، لكنه مليء بالدم الخبيث، لا تستطيع أن تخفي غضبك، أو خوفك، أو حتى جريمتك، هم يتكلمون في رأسي عنك، أنك مترع من شرب الدماء، أنك وحش، مسبحتك تقطر دما، لقد وصلنا الى نهاية المطاف، فلا داعي لتذمر (يتذمر) أوف الحر شديد، وسيشتد اكثر فأكثر
الشخصية 2: (يضحك بقوة) وكما قلت لك أنكم تثرثرون بغباء، تتكلمون بعقول حيوانية فارغة، ألا تفقهون من أمركم شيء؟ وهل تعتقد أننا كنا في رحلة سياحية؟ نتعرض لبعض العقبات البسيطة، وبعد انتهاء الرحلة، نسير شيئا فشيء نحوى الهاوية، يا لك من احمق، كلا منا له جريمته، لا تدعي النبل والبراءة، الآن هم يتكلمون في رأسي عنك، أني أراك في صورتك الدنيوية، أنت مجرد غول قذر، تفوح من فمك رائحة السحت، والسرقة، أنت، أنت (يصمت لحظة) أنت عاهر
الشخصية 1: (بعصبية) أنا لست كذلك ، أنهم يكذبون ، أنهم يتلاعبون بنا (يصيح) مكيدة أنها مكيدة ، كيف لهم أن يشوهوا صورتي ؟ كنت مثالا  لرجل دولة  ناجح ، كانوا  يهتفون باسمي ،  تهليلا وتصفيق ، يحومون من حولي حاملين قدورهم القذرة ، يرتجون صدقتي وأحساني ، لست السبب  لفقرهم ، أو غبائهم ، أو حمقهم ، لم اطلب منهم حملي فوق اكتافهم ، أو عرض عليّ نسائهم ، او اهدائي ممتلكاتهم (يصرخ) أنا رجل دولة  ناجح ، ناجح ، ناجح
الشخصية 2: (مستهزأ) بل فاشل
الشخصية 1 : (يصرخ) ناجح
الشخصية 2 (ببرود) وسارق
الشخصية 1(يصرخ) ناجح  ، ناجح ، ناجح
الشخصية 2(بقوة) وعاهر
(يفتح الباب ، يسود الصمت)
الخادم: تفضل يا سيدي
الشخصية 3: ( خائف)
الخادم : تفضل ،  لما أنت خائف ؟
الشخصية 3: لا لا أنا (يتلعثم) أنا أأأأ ، أين أنا ؟
الشخصية 1: (بغضب)  أنت في الجحيم ، ألا تشعر بحر الجحيم ؟
الشخصية 2: (بغضب) اصمت ولا تتفوه بالحماقات ، وأنت أيها الخادم من هذا ؟
الخادم : أنه رفيقكما في السكن ، تفضل يا سيدي هذه هي اريكتك
الشخصية 2: انتظر لحظة، هل سنكون نحن الثلاثة في مسكن واحد؟ في غرفة واحدة ؟ هل هذه هي الطريقة ؟ تعذيبنا ببعض ؟! هذه مهزلة ، لا بل أم  المهازل
الخادم : (ببرود) والى الأبد
الشخصية 2: ومن قرر؟ من خطط ؟ (بحزن وقنوط) من رسم هذه الخطة الداهية ؟ لم اكن لأخطط مثلها ، أنها اكبر من دهائي ، لا استطيع  البقاء معهم (يصيح) اخرجني ، اخرجني من هنا
الشخصية 3: (خائف) أين أنا، ارجوكم اخبروني، لا يزال ذلك السيف (يمسك عنقه) يلتهب حرارة في عنقي، وهذا الخادم لم يمنحني فرصة  للسؤال، رأيته واقفا خلف قاتلي، ينتظر من رأسي اللعين أن يسقط بين قدميه، لأنه في عجلة من أمره
الشخصية 1: (ببرود ) متى  كان …..؟
الشخصية  3 :  ماذا ؟
الشخصية 1 : (يضحك بهدوء) لا عليك ، لا اريد افزاعك ، متى انتزعت منك الحياة؟
الشخصية 3: (خائف) ماذا ؟ متى انتزعت ؟ لالالا ادري متى ، لالا منذ اسبوع تقريبا
الشخصية 1 : وكيف كان ذلك ؟ اقصد كيف كانت الطريقة لذلك ؟
الشخصية 3  : بالسيف
الشخصية1: (ينظر الى الشخصية 2) أوه ، لقد اقشعر بدني ، السيف  ؟هل تصدق ذلك يا رجل ؟
الشخصية 2: (غير مبالي)
الشخصية 1:  يا لك من مسكين، وكيف حدث ؟
الشخصية 3: (على اريكته الخضراء يتشجع للكلام ) كأني لا ازال أرى حفل مذبحي، شككت بعقيدتي، وتغيرت قناعتي، ولكن بعد فوات الأوان، اجثوا على ركبتيّ، مقيد اليدين، اتلفت يمينا وشمال ابحث عن النجاة بعيون الجماهير من شدة الخوف، انظر الى رفاقي من حولي، يصفقون، ويهتفون، تعالت اصوات صفيرهم، فرحين لمذبحي، كأنهم كانوا يتلهفون لسقوطي، اخفوا في قلوبهم العداء لي، انظر لهم الواحد تلو الأخر، و اقول في نفسي لا تبتهجوا هكذا، سيأتي دوركم، فلستم سوى بيادق متحركة، بيد القادة المستترين خلف الكواليس عن الأنظار، كنت اعلم أني سأسقط في يوما ما، كنت ارى جميع الأرواح البريئة، المسافرة الى عليين، بصدور وجباه مثقوبة، من أثر الرصاصات الخبيثة، اطلقتها عليهم بحقد، على غفلة من امرهم، اشعر بوجودهم في ساحة الاعدام، يتفرجون ويتشفون بيّ، ومن بعيد اسمع صياح أمي الباكية الفزعة تصرخ (صوت امرأة من الخارج) اتركوه لا تذبحوه، أنه رضيعكم، تغذى من شركم ، لماذا تذبحوه؟ ألم يكن كلبكم المخلص؟ ألم يكن مطيعا لكم ؟ ألم ينفذ امركم ؟ ألم يقتل من اجلكم؟ (صمت)
الشخصية 3 : تصرخ بكل ما بقي من عمرها، وبكل ما بفي من صوتها تصرخ، وتصرخ، هناك في ذلك الركن البعيد خلف الرجال المتفرجين على مذبحي، ولكن السيف كان اسرع من صوتها، واقوى من صرخاتها وبؤسها، وهذا الخادم لم يمهلني فرصة للسؤال، أو حتى جلب امتعتي، تركت أمي المسكينة تلملم اجزائي، وتحتضن رأسي اللعين الممتلئ بالأسئلة دون جواب، تغسله بدموعها الحارقة حزنا،لالا لا بل جزعا وحسرة على تسعة اشهرا في احشائها، وثلاثين سنة في حضنها، بكل ما تحمل من حلاوة ومر، وبشقائها وذلها تبحث عن كفن، لجسدي الدنس، تبحث وتبحث مسرعة، فتجد خرقة جلبتها من اقرب مزبلة لها، مسرعة لدفني، قبل التمثيل بجثتي العفنة، او حرقها، أنا وهذا الخادم واقفين نتفرج على حزنها، اناديها أمي الحبيبة، اتركيها غارقة بدمها الخبيث، اتركيها تحرق وتذر في الفضاء، اتركيهم يمزقونها الى اشلاء كما فعلت أنا مع تلك الارواح، فلا استحق حزنكِ، لا لا استحق دموعكِ، لا استحق قلبك الطاهر، اناديها بصوت جهوري، لكنها لا تجيب منشغلة بتكفيني، وهذا الخادم خطفني بسرعة، من ذلك المسرح الحزين، واسرع بيّ برحلة طويلة وسريعة، لم يعرفني بنفسه، فقط يحملق بعينيه الذابلتين، اسأله من أنت يا سيدي؟ الى أين تسرع بيّ ؟ ينظر لي باشمئزاز ولا يجيب (يتوسل بشدة) ارجوكم اخبروني، ارجوكم لا تقولوا أنها الجحيم، أين أنا ؟ أين أنا ؟
الخادم : هذه هي الأوامر، لا يسمح لي أن اجيب على اسئلة النافقين من الحياة، الآن يا سادة أن لم تكن لكم حاجة،  سأنصرف الى عملي، هناك الالاف من الضيوف ينتظروني لاستقبالهم (لا جواب، ينصرفون الى ارائكهم هادئين، يخرج الخادم ، صوت قفل الباب من الخارج )
الشخصية 3 : (يطيل النظر بهما) هل تقابلنا من قبل في ذلك المكان؟ (ينظران له دون جواب) اعلم أنه توجد الكثير من الأسئلة ، لكني فقدت رأسي الاشعث المغبر من الجهل ، وبه كل الاسئلة
الشخصية 1: اراك وقد ذهب عنك الخوف؟
الشخصية 3 : (يضحك بهدوء) اجل لقد ذهب الخوف،  لا داعي للخوف الآن، فلم يبدأ عذابنا بعد، الآن هم يتحدثون عنا في رأسي المقطوع، ينتظرون منا أن نبدأ بالملل، و الاضطراب، وكذلك الخوف، فعلمت لا مبرر لخوفي وحزني الآن، ما هي ألا  لعبة لعينة يلعبونها معنا، ونحن الثلاثة ابطالها، فليس لنا سوى المصارحة، والاعتراف والمكاشفة،لنبدأ المصارحة، لعلنا ننتهي من هذه المحنة، وسأكون أول من يعترف، لعلهم يشفقون على جسدي، لأنه فقد رأسه ( ينهض يتمشى في الغرفة وهو واثق  من نفسه) حين تبدأ بخسارة نفسك، فسيكون خسارة ضميرك شيء سهل، سهل جدا، قلبك يتوقف عن الشعور بالندم، وبما أن ضميرك ميت، وقلبك لا يشعر، فمن السهل عليك القتل، ورؤية الاعناق تقطع، و الاجساد تحرق، و الاحشاء تتناثر  تتخلى عن كيانك البشري، لتصبح حيوان ذاتيا ، لم ترتعش روحي عند القنص، اركز، واسدد، ثم اصوب بكل فخر، لم اضيع الوقت بالتفكير، لا اعطي لنفسي الفرصة للتردد، والانسحاب، أو حتى الشفقة على فريستي، رميتي بين العينين مباشرة، حتى تقع الفريسة جثة عفنة، ولا اعود الى بيتي كئيبا أو حزينا، بل  مسرورا لأني أنجزت مهمتي بدقة واحترافية، اعود احمل الثناء والاحترام والتقدير، من قادة  تنظيمي، يحتفون بيّ رفاقي لعزمي، و اخلاصي للقضية، ولأني قتلت حيوانا يشاركنا الحياة، يزاحمنا بملذاتها، وكأن هذه الدنيا خلقت لنا وحدنا، لا يستحقها من يخالفنا، أولا يؤمن بقضيتنا، لا فرق عندي كلهم حيوانات ضارة، طفل، امرأة، رجل، كبير، صغير، لا يهم، البقاء للأقوى، والحقيقة هي خلاف ذلك كله، اكاذيب وخداع للقوة والنفوذ، لعبة للوجود، هم قادتها، ونحن بيادقها، ثم اكباشها، ولجهلنا وغبائنا صدقنا لعبتهم، و اصبحنا قتلة ومجرمين، وها هي عدالة السماء تظل هي الأقوى، جاءت لتسترجع الحقوق  المستباحة، في لعبة للزبانية، اتجرع بها ما سقيته لضحاياي، وها أنا تركت خلفي كما تركوا هم، أما وأبا وأخا وحبيبة، وفلذات اكباد جياع، ضائعين يبحثون عن الحياة  (يبكي)
الشخصية 1: كفكف دموعك، فلا قيمة للدموع في هذا المكان، لا يؤثر الندم  في مشاعرهم، فات الوقت لذلك، عملنا فضح كل شيء، الآن هو وقت الشفافية، فلا الدموع ولا الندم ينفعان في هذا المكان،  المكاشفة سرهم، ولعبتهم المفضلة، فيجب ان نكون هادئين ، وحذرين لأنهم نصبوا  كاميراتهم  في كل ركن من هذه الغرفة
الشخصية 3: (يهدئ) اجل فهم يملكون صبر أيوب معنا، حتى لو بقينا هنا مليون سنة مما يعدون، لا بأيديهم يعذبونا، بل  بأيدينا يضربون (يمسح دموعه ويأخذ نفسا عميق) حسنا، حسنا اذا هي لعبتهم اللعينة، فلتكن كذلك، لنعود للمصارحة والاعتراف، حسنا وأنت متى كانت ….؟
الشخصية 1: تقصد نفوقي من الحياة ؟
الشخصية 3 : نفوقك؟! هذه الكلمة  قاسية ، وخالية من الرحمة ، الا يوجد تعبيرا الطف وانعم واقل قسوة ؟
الشخصية1 : حقا؟ لا يهم ذلك، فمنذ  شهرا تقريبا (ينظر الى الشخصية 3 و يضحك) نفقت، بطلقة غادرة من مجهول جبان
الشخصية 3 : (ينتفض خوفا من مكانه) ماذا ؟ طلقة غادرة من جبان؟
الشخصية 1 : اجل على يد مجهول جبان، فهويت كشهاب هوى في الافق، وانتهى وجودي من ذلك المكان الصاخب، المليء بالمجانين، كأحد الساقطين من لائحة المتفرعنين
الشخصية 2 : هذا يعني أنك تعترف ؟
الشخصية 1 : اعترف ؟! بماذا ؟
الشخصية 2: أنك احد المتفرعنين
الشخصية 1 : لا اعرف أن كنت كذلك ، لكني كنت مسرورا بذلك
الشخصية 3(يبتسم) مسرورا ! أن تكون فرعون على رعيتك ؟!
الشخصية 1: اجل فذلك الشعور جميل (يجلس على أريكته البيضاء، يضع قدميه فوق بعضهما، يمثل التدخين) اجلس فوق عرشي هكذا، وكان أبيضا كهذه الأريكة تقريبا، و ادخن سيجارتي الامريكية الفاخرة، احدق بمن حولي من الرعية، وهم يرتعدون خوفا، الجميع عيونهم الى الأرض طائعين وخاشعين (يضحك بقوة) وكأني ربهم الأعلى، يخشون عذابي (ينهض ويمشي بعظمة) وحين انزل من عرشي، الجميع ينحني امامي، وحين اسير بينهم  يبتعدون، يتحاشون لمسي، خوفا من لعنتي، خائفين دون سبب، صدقا لا اعلم لماذا كل هذا الخوف؟ فهم يتوارثونه عبر الأجيال، هل كانت الأمهات يرضعنهم الخوف لستين أو خمسين سنة من حياتهم البائسة ؟ لم يخرج من بينهم موسى واحد ، و يحمل عصاه السحرية ، فلهذا  كنت بغاية السعادة لذلك الخوف، كنت اكبر و اكبر ، و هم  يصغرون و يصغرون و يصغرون ، حتى  كبر  سلطاني ، وعلى  شأني ،  أليست جميلة وظيفة فرعون ، الرب الاعلى ؟
الشخصية 3: اذا خوفهم كان هو جريمتك ؟
الشخصية 1: جريمتي ؟! أنا لم اقتل احدا ، كما فعلت أنت
الشخصية 3 : (مستهزأ) فرعون ، ولم تقتل أحدا ؟! عجيب
الشخصية 1: (بغضب) قلت لك لم اقتل احدا
الشخصية 3:  ربما لم تقتل بيديك نعم ، ولكنك قاتل بطريقة ما ، اعترف فقط ، كي ننتهي من هذه اللعبة
الشخصية 2: قتلتهم بخوفهم
الشخصية 1 : (بغضب) قلت لكم لم اقتل احدا
الشخصية 2 : قتلت نفوسهم ، قتلت أيمانهم ، قتلت عقولهم ، قتلتهم جميعا
الشخصية 3 : أنت قاتل ، قتلتهم جميعا
الشخصية 1: (بغضب) قلت لكم لم اقتل احدا
الشخصية 2 : (مصرا على اتهامه) أنت قاتل ، قاتل ، قاتل ، استخدمت جهلهم لصلبهم من خلاف على ابواب طغيانك ،   قتلتهم بوعودك الكاذبة ليكبر عرشك ، ويتمدد سلطانك ، قتلتهم  بسرقة  قوتهم ليكبر كرشك  ، قاتلتهم وقتلتهم  بخوفهم
الشخصية 1 : (يأخذ الغرفة ذهابا و اياب وهو غاضب) قلت لكم لم اقتل احدا ، لم احمل عليهم سيفا ، ولم اعلق المشانق في الساحات العامة ، رعية جبناء ، مغفلين ، بؤساء ، رؤيتهم تدعوني الى القيء ، أنهم كالخراف ترى السكين ، لكنها تسرع   الى مذبحها ، ما ذنبي أن كانوا ضاحكين ؟ للباطل خاضعين طائعين ، وعن الحق ! صامتين ، صم بكم فهم لا يفقهون ، موافقين لكل شيء ، وعلى كل شيء ، لا عارض ، ولا معترضين ، ثم أني أنا أنا  أنا  لم اردد ألا كلمات ، كلمات، رعية حمقى ، يصدقون كل الكلمات  ، لم اجد ما يجبرني على الوفاء بها ، سا افعل ، وسا اعمل ، وسا يكون ، (بجنون) وسا يحصل ، وسا ، وسا ، وسا ، وسا ، كلمات ، كلمات ، هي كلمات همس بها الشيطان في أذني ، كصك أمان ، لكنهم اغبياء مغفلين (يمسك رأسه) آآآآه  رأسي ، لا تزال قدورهم  المقرفة المثقوبة تقرع في رأسي ، كقرع اجراس الكنائس ، و أجسادهم الهزيلة  الشبه عارية ، لكثرة الثقوب في ثيابهم الرثة ، واقفين بباب قصري ، ينتظرون فضلات موائدي (يصرخ) صارخين  أنت الكريم ، أنت الكريم ، أنت الكريم
الشخصية 3: (يعترضه صارخا بوجهه) تأملوا فيك خيرا،  منحتهم الأمل فصدقوك ، بعد كل تلك السنين العجاف، قل فيها حصاد الخير ، وكثر فيها حصاد الأرواح ، اعتقدوا فيك الكريم الذي لا يبخل ، فحنت ظهورهم امامك ، وأنت ! جلست فوقهم كإله يحملونه الزبانية ، جياع يتلهفون لرغيفك المعجون بخوفهم ، وهم يعلمون جيدا ، أنه رغيفهم المسروق من افواههم ، لكنهم خائفين من جهلهم (يقاطعه بصوت مرتفع)
الشخصية 1 : لكني لم اقتل احدا منهم، مجانين أن صدقوا ذلك، وعود اطلقتها بلسان فصيح، وهل للسان سلطان ؟ عجبا !هل صدقوا بعصى موسى؟ اضرب بها البحر المالح، فيصبح ماء عذب، يشربون ويترعون بالهناء والشفاء، أم املك خاتم سليمان؟ امسحه فتخرج الجن والعفاريت، من كل حدب وصوب، يبنون المحاريب، ناطحات السحاب العاليات، يرقصنّ حولهنّ الغيمات، وهنّ ينثرنّ الؤلؤ حبات المطر بمنظر بديع، ومبهج لنفوسهم العليلة، أم املك سر الرب المكنون؟ فأشير للشيء، كن فيكون (يضحك بقوة) مجانين، أنهم مجانين ليصدقوا تلك الوعود، يا لهم من رعية حمقى ومجانين (يعود الى اريكته وهو مستمر بالضحك) مجانين، مجانين، مجانين، جعلوا  مني  سوبر هيرو (الرجل الخارق) فأحببت ضعفهم وجنونهم، أنا فرعون الخالد بجسد ه، والفاني بروحه، وما حاجتي لنعيم روحي، مادام جسدي منعم بين أناس سذج، مغلوب على أمرهم ، كم كنت محظوظ ، حتى جاء موسى المجهول ، ليسدد رميته بين العينين ، فيفلق جمجمتي نصفين
الشخصية 3  : لولا فرعون ، ما وجد موسى
الشخصية 1 : (مستغربا) ماذا تقصد بهذه الحكمة ؟
الشخصية 3 : هذه هي لعبتهم ، ضرب فرعون بموسى
الشخصية 1: فرعون الذي هو أنا ؟ ( يضحك ) أنا لا اهتم كثيرا لأمر موسى ذاك
الشخصية 3  : لكنهم يهتمون لكل شيء ، كل شيء ، فقد نصبوا مصائدهم منذ ان سجد لك جميع السحرة والمحتالين ، والمنتفعين ، ممن ينتظرون سقوطك ، حتى ينقضوا على عرشك ، فيولد فرعون جديد ، و موسى جديد ، وطلقة جديدة
الشخصية 1 : (توتر) أني المس سرا ، حان وقت كشفه
الشخصية 3 : لا كذب ولا خداع ، أنهم يراقبونا ، متى ننهار؟
الشخصية 1 : (يصرخ) لا تجعل في كلامك لغزا ، فلسنا بمحل يسمحون لنا بحل الالغاز
الشخصية 3 : لكل زمان فرعون ، ولكل فرعون موسى
الشخصية 1 : (يغضب) فرعون ، موسى  ،  فرعون ، موسى ، موسى ، موسى ، فرعون ، لا تنفك عن ترديد هذين الاسمين ، اعلم اني فرعون ، وهم يعلمون ايضا ، أتحسبهم غافلين عن ذلك ؟
الشخصية 3: (يصمت)
الشخصية 1 : لماذا لا تجيب ؟
الشخصية 3 : (بصمت يشيح بوجهه عنه)
الشخصية 1:  الآن تصمت ؟
الشخصية 3 : (بصوت مرتفع) أنا هو
الشخصية 1(بغضب ) أنت من ؟
الشخصية 3 : أنا هو، أنا موسىاك المجهول (هدوء) أنا هو، فلقت جمجمتك لتغرق ببحر طغيانك، أنا هو المجهول (صمت، افكار ، ظنون ، حذر ، تهيئ للصراع ، نظرات حقد متبادلة ، ثم)
الشخصية 2: (بهدوء) حيوانات ضارة ، لا خسارة في قتلها ، العشب لا يكفي للجميع
الشخصية 3: (العشب لا يكفي للجميع ) هذه هي كلمة السر، التي بها ازهقت كل الأرواح ( حيوانات ضارة ) بها اختلط                   الحابل بالنابل (لا خسارة في قتلها) عشرات، لا بل المئات من الجماجم تناثرت ادمغتها، رصاصة واحدة تكفي لاسكاتك، والى الأبد ، لمحوك من الحياة ، ووضعك أن كنت محظوظ في صندوق خشبي ضيق ، يكتم لك ما تبقى من انفاسك ، و ارسالك الى هنا ،  لتكون أحد أبطال هذه  اللعبة (المصارحة والمكاشفة ) والسبب واحد، هو (البقاء للأقوى) أنت (يشير الى الشخصية 2) كنت اعلم منذ البداية ، أنك أنت هو
الشخصية 2: احذر أيها المجرم القاتل ، لا تكلمني هكذا
الشخصية 3 :  أنا مجرم وقاتل ؟ (مستهزأ)  بل انظر الى  نفسي بينكما، طفلا يبحث عن الأمان في حضن أمه، أنا الحمل الوديع بين ضبعين، انا يوسف بين الذئب والجب، أي صدفة هذه التي جمعتنا؟ ام هي خطة معدة سابقا؟ من هنااااااك الى هنا   (يستدير بسرعة ويشير بأصبعه نحو الشخصية 2 ) أنت هو، اجل أنت هو، انت ذلك الصياد عازف المزمار، الذي يصيد الفئران من المدينة بمزماره ، يعزف لحنه بشغف ، والفئران تتبعه بحالة السكر ، والترنح  ، حتى يغرقها في بحر الظلمات ، ظلمات في ظلمات
الشخصية 2: احذر أن تصيبني بسفاهة
الشخصية3 : سفاهة ؟! أنا لا اتحدث جزافا، أنت هو الصياد حقا (يبتسم) ونحن هم الفئران المترنحة سكرا، تبعناك بلا شعور، تبعناك حين سمعنا مزمارك المسموم يصدح عبر الأثير ، دينك المزيف ،  كلماتك الرنانة ، عظاتك الخادعة ، صلاتك (يقاطعه)
الشخصية 2: ويلك من المتابعة، لم يخدع ألا من كان في قلبه مرض، اجل أنتم فئران، خرجتم من جحوركم العفنة، جياع  لا تجدون ما تأكلون، خائفين من الصيد في  شباك القانون، تترقبون ساعة وقوعكم، و ما أن سمعتم مزماري  يدندن، حتى تهافتم نحوي من كل فج عميق، فشبعت بطونكم، و طهرت جحوركم، وحكمتم على القانون بالشنق حتى الموت، فأين أنت من الطفل البريء؟ وأين أنت من يوسف؟ وأين أنت من الحمل الوديع ؟
الشخصية 3 : (بغضب) أنت ساحر، القيت بطلاسمك، ومارست علينا شعوذتك بمزمارك الملعون، فوقعنا لك ساجدين، مغيبين، من عقولنا، ارواحنا، قلوبنا، فحززنا رقاب البائسين، وفجرنا جباههم، أنت الصياد، ونحن الفئران، تبعناك كمن يتخبطه الشيطان من المس ( حيوانات ضارة ، لا خسارة في قتلها ) كلمات تخدر العقول، تعويذة، تنويم مغناطيسي، سكارى، سمنا ما شئت، المهم، الأهم، البالغ الأهمية، أننا  قنصناهم، تلك الحيوانات الضارة، الواحد تلوا الأخر، في قائمة يطول تعدادها، كأننا نتمرن بهم على الصيد، أليست هذه حكمتك؟ يا عازف المزمار، اليس أنت من عزف بذلك المزمار؟ بتلك الكلمات الحادة؟ كحد السيف على رقاب العباد، مواعظك من احشاء الشيطان تنفضها، لتبث الفتن والنزاع، أنت هو القاتل والمجرم، المتدين، فوق المنابر، وتحت قبة بيت الله، تنعق بألحان الشيطان، لتسمع من كان به صمم، من المخدوعين، و التعساء الضالين (بحزن) وأنا كنت منهم فأر من الفئران الضاله، أنت هو القاتل، في محرابك وصلاتك، أنت هو القاتل، بكل تسبيح وتهليل و تكبير، أنت، أنت (بهدوء)  كل روحا تألمت، و نفسا شعرت بالضياع، وقلبا رجف من الخوف، كل دمعة رجل، وعويل امرأة، و صرخة طفل، كل جسدا فقد رأسه، و امرأة فقدت سترها، و أما فقدت وليدها، ورجلا فقد كرامته، أنت وشيطانك (بحسرة وندم) وأنا، كنا السبب، أليست هذه حكمتك؟ يا عازف المزمار (يشير الى الشخصية1 ) أما أنت فلن اعتذر عن قتلي أياك، لست اقل شرا منا، لم تقتل بيديك نعم، لكنك معتوه، تمكن الشر من عقلك فأغراك، فلبس فرعون قميصك الأحمر، وبنطلونك البني، وحذائك الايطالي الراقي، ويجلس على عرشك ويدخن سيجارتك الأمريكية الفاخرة، وينفث دخانها الى الأعلى بطرا، بينما الرعية يرتعدون من الخوف بحضرتك، أليس هذا أنت بشخصك؟ يا راعي الدولة
الشخصية 2: أ تتهمنا لتبرئ نفسك؟ (تمسكن حتى تتمكن) سياستك هذه لا تنفع هنا، ماذا تظن، أننا في محكمة ارضية لعينة؟ هذه محكمة عليا ، عليا ، لا تغادر منا صغيرة ولا كبيرة ألا احصوها
الشخصية 3 : الاعتراف سيد الادلة ، والاعتراف يخفف العقوبة
الشخصية 2: (يضحك) الاعتراف يخفف العقوبة؟ هنا؟ انظر من حولك، أتعتقد أنك تستطيع استغفالهم باعترافك؟ يالك من مغفل، أنت في الجحيم، أنت ملعون في الجحيم، والى الأبد، اذا فتح هذا الباب ستنهال عليك دمائهم البريئة، قطرة قطرة حتى تختنق غرقا، ستسمع  اصواتهم تنادي، احرقوه  احرقوه، بعدد طلقاته، بعدد رؤوسنا المتفجرة، هذه المحكمة العليا ألا تفهم؟  قانونها صارم، دستورها نافذ على الجميع، حكامها غلاظ، ومحاموها لا يكذبون، والشهود لا يزيفون الحقيقة، سيقفون على منصة الشهادة، ويقسموا بالله أن يقولوا الحق، ولا شيء غير الحق، اعترفت أو لم تعترف لا  فرق، انتهت كل فرص النجاة، لا حزبا ينصرك  بسيفه، ولا أما تنقذك بدعائها، أنت وحيد، وحيد، مع الشهود، والزبانية
الشخصية 3 : (يصرخ) أنت كريه أينما تكون، فوق المنابر كنت، أم في الجحيم، كريه، كريه، لماذا أنت بارد الاعصاب هكذا؟ ألا تندم على ما فعلت؟ ألا تشعر بالخوف؟ ألا يرتجف قلبك من منظر الدمار؟ دمار كل شيء، روح الانسان، حياة الانسان، سكن الانسان، حب الانسان، الانسان، الانسان، دمرنا الانسان (يهدئ) ألا يشعرك أي شيء، أي شيء بالندم ؟
الشخصية 2 : (بصوت مرتفع) لا ، لست نادما على شيء ، ولن اندم على شيء ، فأنا رجل حقيقي ، رجل فكر ، وخطط  ، ثم نفذ ، بسرية تامة ، ضربت على ذلك الوتر الذي من أجله تقتلون بعضكم ، تحطمون عالمكم ، تفجرون الدنيا فوق رؤوسكم ، تسرقون كل شيء ، وأي شيء ، وحتى تزنون ( السلطة ، والدين ، والبقاء للأقوى )  كلمات سحرية ، مزجتها لكم بكأس واحد ، فاستسغتم  طعمها حتى سكرتم ، وغبتم عن رشدكم (يشير له مهددا) اعترف أنك مجرم بالفطرة ، اعترف أنك ربيب الشيطان ، اعترف أن الشيطان كان ينام في سبات طويل ، كان يغفو في قلبك منذ إن ولدتك أمك ، أمك التي تركتها تلملم اجزائك ، بعد أن هزمتك كل الشياطين من حزبك ،  يا لكم من حمقى ، رخيصين بذاتكم ، سريعين الغضب (يمثل الاستماع ) انصتوا لهم انصتوا جيدا ، انصتوا لهم كيف يرددون  كلماتي بشغف ، لا  تزال تصدح بينهم ، حتى بعد موتي (يضحك) هذا هو السر ، إن تكون رجلا حقيقيا ، حتى بعد موتك
الشخصية 3 : (بغضب) لقد بعنا أنفسنا لك ، أنت شيطاننا الأكبر
الشخصية 2: ولماذا بعتم أنفسكم لي ؟ هل سلطت سيفي على رقابكم ؟
الشخصية 3 : بل كلماتك احد من السيف ، كلمات الرب العظيمة
الشخصية 2: (ببرود) كلمات الرب ، لم اردد سوى كلمات الرب ، وهل هي كلمات سحرية ؟
الشخصية 3 : (غاضب) كلمات الرب، لا تزال  تصدق أنها من الرب، حتى وأنت نافق من الحياة هنا ( اقتلوا، حطموا، اذبحوا ، ارجموا ، شردوا ، احرقوا ،اقطعوا ،اسبوا ، اسرقوا ، كفروا ، كفروا  ، كفروا) لم تكن هذه من كلمات الرب ، هي كلماتك وشيطانك هي
الشخصية 2: (ببرود وعدم اهتمام) ولماذا صدقتموني أذا ؟  أ احمل خمرا ، فسكرتم وطار العقل منكم ؟ أم احمل حبلا ، في رقابكم كالغنم اسوقكم ؟ (يضحك) كلماتي، مزماري  حين سمعتموها استفاقت كل شياطينكم من سباتهم ، تبعتموني لعل الدنيا تبتهج لكم ، أليست هذه حكمتك ؟  (مستهزأ) يا راعي الفئران
الشخصية 3 : (يحاول ضربه ولكن يتوقف فجئه )
الشخصية 1 : (يصفق بهدوء وهو ينظر الى اعلى الغرفة ) احسنتم، كم أنتم رائعين، خطة محكمة، ولعبة محبوكة بشكل لا تحتمل الخطأ، هل سررتم الآن؟ هل ستصبون العذاب على رؤوسنا صبا؟ ها نحن كشفنا سوءنا لكم، و اظهرنا لكم ما تخفي صدورنا الملعونة (يصرخ)  لقد نفذ صبرنا، نفذ صبرنا، وصبركم ألم ينفذ؟ بعد قليل سنمزق اجساد بعضنا المتعفنة، هل وصلنا الى نهايتها؟ أم هل من مزيد؟  أنا فرعون، وهذا موسى، وهذا الرب، الرب حرض موسى لقتل فرعون، رصاصة بين العينين ، لأنه طغى
الشخصية 2: (يواجه بغضب) لا خسارة في قتلهم، حيوانات ضارة، والعشب لا يكفي للجميع، ولدنا لنكون الصياد، والفريسة
الشخصية 3 : (بغضب) بل القاتل ، والمقتول
الشخصية 1: (بغضب) بل الخادع ، والمخدوع
الشخصية 2: (بغضب) البقاء للأقوى
الشخصية 3 (يجلس على اريكته ويحني رأسه للأسفل ) عدالة السماء
الشخصية 1 : (يجلس على اريكته بهدوء ويحني رأسه للأسفل) فرعون  ، و موسى
الشخصية 2 : (يدور في المكان) أنكم تثرثرون ، تثرثرون بعقول حيوانية ، لا تفقهون من امركم شيء ، لن اندم على شيء (يصرخ )  لست بنادم ، لست بنادم ، لولا قدري اللعين أن ينهار جسدي بهذا المرض الخبيث ، الذي جرى بجسدي مجرى الدم ، لولا هذا لكنت الآن انفخ بمزماري ، انفخ وانفخ و انفخ ، حتى تخرج جميع الفئران من جحورها ، وتستيقظ جميع الشياطين من سباتها، فادعوها لتفجر وتفجر و تفجر ، فالأقوياء يجب أن يعيشوا الى الأبد ، حتى لو بالسيف وحز  الرقاب (يشير أليهم ) أنتم اغبياء تعساء جبناء، يجب أن لا اكون معكم، أنا رجل حقيقي، حقيقي، لأغير ما صنعتم من  الرذائل ، أما أنتم فتمتلئون بعاهات الحياة المذلة ، اموال ، والقصور ، والنساء ، لا لا اريد ان اكون معكم ، لا لا اقبل ان تكون نهايتي معكم والى الأبد (يصرخ)  اخرجوني من هنا (يسرع الى الباب ، يطرق بقوة وهو يصرخ) العنة عليكم، اخرجوني من هنا، ابعدوني عنهم ، اغبياء ، حمقى ، ثرثارون ، اخرجوني ، وافعلوا بي ما تشائون ، احرقوني مرة بعد مرة والى الف مرة ، مزقوني اربا وارموني طعاما لوحوش الجحيم ، اني موافق لكل شيء ، فقط  ابعدوني عنهم (يطرق  ويصرخ) افتحوا الباب، ارجوكم ابعدوني عنهم، افتحوا الباب، أين انتم ؟ ألا تسمعون ؟ (يفتح  البا ب ، يبتعد عن الباب  شيئا فشيء بخوف ، حتى يجتمعون مقتربين من بعضهم ، صوت رياح عالية تدخل من الباب ، حرارة عالية جدا تلهب ،  يصرخون من الحريق )
الشخصية 1 : (يصرخ من الحريق) الويل لنا ، الويل لفرعون ، انتهت لعبة الزبانية ، جاء وقت الحصاد
الشخصية 3 : (يصرخ من الحريق) لماذا احترق؟ لقد اعترفت لكم، ألا تشفقون بي، ألا تخففون عني العذاب، العنة عليكم ، زبانية مخادعون ، نصبوا لنا الفخاخ ، حتى وقعنا في فخاخهم
الشخصية 2 : (يصرخ و يضحك بجنون من الحريق) لست بنادم ، لست بنادم ، حيوانات ضارة ، حيوانات ضارة ، لا خسارة في قتلهم ، افعلوا بيّ ما شئتم ، لن اندم ، لن اندم ، أنا رجل حقيقي ، أنا رجل حقيقي (يصرخون جميعا ، يسقطون ارضا وهم يتلوون من الحريق ، نغمة الختام ) …..
                                                 انتهــــــــــــت
نهاوند الكندي (28/1/2019)
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت