السطمبالي من عرض الزاوية الى سحر الفرجة في تونس/ الهادي جدلي

كانت عروض السطمبالي تقام في مراحل نشأتها الأولى في الأماكن المقدّسة كالزّوايا والفضاءات الدّينيّة، لكن تغيّرت العادات والتّقاليد وخرج العَرْض من الفضاء المقدّس إلى الفضاء المدنّس أي الفضاءات العامّة والشّوارع، وبدأ شيئا فشيئا يبتعد عن قداسته الأولى.

تعتمد العُروض الفرجويّة للسطمبالي بشكل أساسيّ على الرّقص؛ فالفرجة السطمباليّة أتت تعبيرًا على ما يدور بذوات الزّنوج، والحركات الرّاقصة التي كانت تؤدَّى جاءت تنفيسًا على الذّات ومصدرًا أساسّياً للتّخلّص من الأرواح الشّرّيرة والجنّ . كما أنّ الرّقصة الجماعيّة للسطمبالي تقوّي البعدَ الجَماعيّ للمجموعة وتعبّر عن البيئة الاجتماعيّة والتّاريخ المشترك الذي يربط بين الزّنوج، ” فاشتراك الأفراد في العموميّات يؤدّي إلى تشابه خبراتهم الاجتماعيّة وبالتّالي إلى تماسكهم الاجتماعيّ، وهو التّماسك الذي لا بدّ منه لأيّ مجتمع يهدف إلى البقاء والاستمرار .”[1] إذْ أغلبُ الرّقصات والأحداث التي يقوم بها السطمبالي نابعةٌ  من المخزون الفكريّ السّائد لدى الزّنوج . وجلّ العروض التي نراها لها مرجعيّة دينيّة وروحانيّة، وقد ظهر ذلك من خلال العادات التي كانت موجودة في جربة، وشخصيّة ” العرّيفة” التي كان لها تأثير كبير في حياة الزّنوج، فـ” جميعُهم يعتقدون في هاته العرّيفة، فإنّها تخبر بالغيبيّات على لسان الجنّ إذا صُرعت، وسلطة العبيد جميعهم خاضعٌ لها ،  ولها بدارِها مطمورةٌ تزعم أنّها بيت الجنّ والرّوحانيّات التي تحكُم فيهم “. [2] في هذا الإطار نلاحظ أن “العرّيفة” أصبحت تمثّل الأفكار التي يسعى السطنبالي لتجسيدها في عروضه الفرجويّة، بالإضافة إلى ذلك تبقى هذه الشّخصيّة (العرّيفة) العمودَ الفقريّ لعروض السطنبالي لسببيْن أوّلهما أنّها المادّة الخصبة التي اُستُلهمت منها أفكار العروض وثانيا كانت هي المسؤولة على إعطاء الإشارة لبداية العروض . “فهي التي تصنَع احتفالاتِ العبيد بضرب الطّبول والآلات النّحاسيّة المسمّاة عندهم بالسطمبالي ، وقد تقدّم لنا بيانُ ذلك في زيارة العرّيفة للوَليّ سيدي سعد الشوشان “[3].
بعد إعطاء الإشارة من قبل العرّيفة لبداية الحفل، يبدأ العرض بالرّقص وتحريك الجسد في تناغم مع الموسيقى المقدَّمة؛ حيث يقوم الرّاقص بالاستعراض من خلال تحريك كلّ جسمه وخاصّة التّركيز على حركة الرّأس والتي عادةً ما تكون من الأعلى إلى الأسفل مع التّمايل بجسده بالقرب من الفرقة السطمباليّة.
وأهمّ ما يرتكز عليه السطنبالي في عروضه الرّقصات المرتجَلة والتي تصل إلى حدّ تأثّرالرّاقصين، خاصّة مع ارتفاع وتيرة الإيقاعات والألحان الموسيقيّة .
فـ” الإيقاع الجسديّ للرّاقص في عرض السطمبالي يأتي بصورة طبيعيّة مع إيقاع الشقاشق والقمبري، فتقوى وتيرته إلى أن تصل بالرّاقص إلى حدّ التّخمّر، وهذه الحالة هي نتيجة الرّقص غيرالمنتظم الذي يصل بالرّاقص إلى حالة عصبيّة شبيهة بالجنون”.[4]
نستنتج إذن العلاقة اللّصيقة بين الألحان والأغاني المقدَّمة والإرث الشّعبيّ؛ فالموسيقى تكون دائما نابعة من الوجدان الاجتماعيّ، وهي بمثابة ترجمة ثقافيّة عن الطّبقات الاجتماعيّة. وقد جاء في كتاب ‘الموسيقى الرّاقية’ للكاتب باولو سكارنيكيا: ” إنّ تنوّعَ التّعابيرالموسيقيّةَ في العالم المتوسّطيّ مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بديناميكيّات الحياة الاجتماعية لشعوبها ، وهي مشبَعة بالقيم الرّمزيّة الضّمنيّة والجليّة”[5] .

·         الآلات الموسيقية المستعملة في عروض السطمبالي:

اعتمدت العروضُ الفرجويّة للسطمبالي العديدَ من الآلات الموسيقيّة التي كان لها دور كبير في جذب النّاس والمتفرّجين .فالألحان التي نبعت من تراث الزّنوج وعُزفت على آلات موسيقيّة تميّزتْ بخصوصيّة على مستوى الشّكل والصّوت، وهو ما زاد في رواج عروض السطمبالي
آلة القمبري
آلة القمبري: تعتبر من أهمّ الآلات التي نجدها في عروض السطمبالي. وهذه الآلة عبارة على آلة طرب مشكّلة من صندوق خشبيّ رنّان مستطيل مغطّى بجلد جمل أو ثور. يملك هذا العود شكلا غريبًا وله ثلاثةُ أوتار فقط مشدودةٌ بواسطة سيور مربوطة في المقبض المستدير . وهي آلة إيقاعيّة وتريّة مستوحاة   من آلة القيتار، ويعود أصلها إلى السّودان، وقد استعملت هذه الآلة من قبل الزّنوج.
النّقّارة أو الطبلة
النّقّارة هي عبارة عن طبل ذي أصول أفريقية، تُصنع من جذوع الأشجار وهي أسطوانيّة الشّكل.  تُستخدم أشجار معيّنة في صناعتها مثل أشجار الزّان. وهي عبارة على إسطوانة مجوَّفة من شجرة الحميض والزّان يبلغ طولها من (90 إلى 100صم) وقطرها حوالي (25 إلى 35 صم)، ويُستخدم جلدُ الأبقار كغطاء لفتحتيْ هذه الأسطوانة. وعند الطّرق عليها تُحدث صوتا عاليا . عَرفت قبيلةُ المسيريّة* هذه الآلة كأداة تراث وطوّروها حتى غدت لها استخدامات متعدّدة. وعادة ما يتميّز الرّقصُ المصاحبُ للنّقّارة بالعنف وتتجلّى فيه الطّقوس التّراثية الأفريقيّة.
الدفّ أو البندير
البندير: عبارة عن دائرة من الخشب قطرُثثها حوالي 40 صم وعلى حاشيتها ثقْب يولج فيه النّاقرُ إبهامَ يده اليسرى. تغطّي أحدَ جانبيه  قطعة من جلد الماعز، وعادة ما يعرَّض إلى الحرارة قبل استخدامه. لا يُستعمل في بعض العروض، ولم يكن من الآلات الأساسيّة في السطمبالي الذي يستعمل أيضا آلة  “الطبال” (أنظر عنصر البوسعدية الصورة عدد 08)، وكذلك “القصعة”.
أمّا العروض الحديثة للسطمبالي فقد دخل فيها العديد من الآلات الموسيقيّة الحديثة خاصّة عند امتزاج موسيقى السطمبالي بالدجاز.
 
 
 
 
[1]  د. محمد السويدي ، مفاهيم علم الاجتماع الثقافي ومصطلحاته . المؤسسة الوطنية للكتاب . طبعة 1 الجزائر 1991 ص 84
[2]   محمد عثمان الحشاش ، العادات والتقاليد التونسية الهدية أو الفوائد العلمية في العادات التونسية. دار سراس للنشر تونس 1994 ص 301
[3]  المرجع نفسه ، نفس الصفحة.
[4]  نور الدين الحداد ، فنون الفرجة في التنشيط السياحي بين الخصوصية والتنميط (رسالة الدكتوراه). مرجع مذكور ص 113
[5]  باولو سيكارنيكا، الموسيقى الشعبية والموسيقى الراقية. ترجمة أحمد الصمعي. مرجع مذكور. ص39

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت