المراة و الهيمنة الذكورية.. بين الموورث و الاستسلام/ بشرى عمور
ملخص فعاليات اليوم الثاني من مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي ال 14
ضمن فعاليات ثاني ايام مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي في دورته 14، عُرضت الأمس، الأحد 28 أبريل الجاري، مسرحيتين: الأولى خارج المسابقة وهي: “نساء بلا ملامح” للمسرح الحر ـ الأردن للمؤلف: عبد الأمير شمخي، دراماتورج: علي عليان و إخراج: إياد شطناوي. والثانية، التي ضمن العروض النافسة، “فلانة” للفرقة الوطنية للتمثيل من العراق، تأليف: هوشنك وزيري واخراج: حاتم عودة,
“نساء بلا ملامح” تبادل أثار التعذيب بين الضحية و الجلاد
بالمسرح الدائري / مسرح محمود أبو غريب، قدمت مسرحية: “نساء بلا ملامح” التي تناولت تجربة ثلاثة نساء حبالى اختزلت فهن نماذج مختلفة من مظاهر القهر و الاستبداد والاضطهاد للمرأة في المجتمعات العربية. يعشن تحت تعذيب متواصل بسوط جلاد قاهر يتلذذ بوصلات همجية تارة تعد عقاب لفعهلن و طورا حالة نفسية مرضية تعبر عن جلده لذاته المقهورة من جراء الاجهاد والتراكمات السلبية. لتتجلى ملامح أثار التعذيب المتبادل بين الضحية و الجلاد.
اختيار فضاء العرض بالامس كان موفقا، بحيث ساهم مكان (القبو) في استدراج مشاعر المتلقي وتهيئته أن يتقاسم الهم و الحالات النفسية المتعثرة بتبنيه القضية، (قبو) يترجم المنطوق المخنوق سُيجت جغرافيته للتضيق على نفسيتنا بطاقة سلبية لدرجة الاختناق وأيضا ترجمت فيه حالة الانكسار المادي و المعنوي الذي يهمن على حالتنا اليومية. تأثتت الخشبة ببراميل فارغة متفاوتة الحجم والشكل أستخدمت لأغراض متنوعة (التعذيب، تغير الملابس، سرير…)، بينما اقتصرت الإضاءة على ثلاثة بقع مسلطة على بطالات العرض دون نسيان بؤرة الجلاد (سواء فوق الخشبة أو وسط الجمهور). هذا المزج الذي حصل بين الاضاءة و الديكور ساهم بشكل دقيق في تمظهر حالة الاستيلاب الذي يتعرض اليه الإنسان بصفة عامة.
اعتمد العرض على اللغة البسيطة التي وصلت بوضوح كل رسائله للجمهور بمختلف انتماءاته و ثقافاته و فئاته ، بتجاوبه المسترسل طيلة 60 دقيقة.
“فلانة” هيمنة ذكورية بامتياز في منظومة الحياة العربية
أما العرض العراقي “فلانة” الذي احتضنه المسرح الرئيسي / مسرح هاني صنوبر ، استقبل جمهوره على ايقاع متواصل لضربات القلب التي تحيل إلى قراءات متعددة (انتظار، ترقب، توثر) و أيضا إلى حالة الانعاش/ الموت الإكلينيكي، خصوصا حينما تبدأ عملية ايزاح الستارة السوداء التي توسطت الخشبة والفاصلة بين العالم الخارجي / الجمهور و العالم الداخلي / بيت تقطنه أسرة بسيطة يكتنفها الغموض و التـاويلات و تهيمن عليها البرودة بكل تجلياتها (حسيا و نفسيا) إلى جانب الفوضى و الفراغ الذي يترجم عدم التماسك و التقارب و التلاحم بين أعضاءها. هذا الانشقاق الذي انعكس سلبيا على تصرفات و هواجس أفرادها ليعيش كل واحد منهم في حالة مبهمة يكتنفها الضباب و الصراع الداخلي الذي يؤدي غالبا للانفصام.
“فلانة” اسم و وصف مجهول للمرأة، سواء من باب التجاهل أو الاقصاء أو التحقير، ( في الثقافة الشعبية المغربية فلانة / الولية) يطلق على المراة المغلوبة على امرها. و في هذا العرض تجلت الهيمنة الذكورية أولا في قهر الأم التي اتهمت بتقصيرها في انجاب الولد الذي يعتبر في موروثنا الثقافي و العادات السائدة أنه الوتد و السلالة. بينما الأمر هو قدر و نصيب يتحمله الطرفين ( الزوج و الزوجة). هاته الأم تعيش دوما حالة القهر و التشتت وتحمل نفسها ما لا طاقة به. كما جاء في إحدى حواراتها : ” ما يشتغل.. جربت الدعاء و الصلاة و شربت الاعشاب…. وجربت السحر.. وما يشتغل). فرغم كل مساعيها تبقى في نظر الزوج أنها المسؤولة على معاناته و عجزه في تحقيق غروره الذكوري المتكلس بأن المرأة التي لا تجيب الولد هي مجرد حفرة للتفريغ وليس للتفريخ الفحول. ويعبر عن سخطه بتنكيلها و احتقارها المستمرين. ثانيا في خيبة الأمل التي وقعت فيها البنت وهي لم تتجاوز 15 سنة من عمرها، حينما وقعت فريسة غرام كاذب لرجل يكبرها ب 20 سنة، يستدرج احتياجها لرجل يقوم بدور الاب و الزوج في آن واحد يعوضها الحنان و الاستقرار و الحرية التي حرمت منهم في بيت أهلها. لتجد نفسها سقطت في بؤرة البؤس و الاضطهاد لكن هذه المرة بشكل مختلف، مرغمة على العيش مع ذكر لا تستوفى فيه اثار الفحولة. فتتحمل قدرها معه بقمع أحاسيسها الانثوية في قمة ذروتها لكنها تستلم لمصيرها المحتوم لتكتشف ذات مرة أن هذا العاجز يخونها مع نساء اخريات وكأنه يتفنن في طرق تعذيبها التي وصلت لحد حرمانها حتى من قتله حينما ينتحر و يجعل لحياته البائسة حدا.
ترجمت هذه المعاناة بثلاثي بارع شكل مثلثا متساوي الأضلاع، (باسل شبيب)/ الأب الذي أتقن دور الصمت المفروض الذي يظهر ضعفه و انكساره، الصمت الذي افضى إلى الخرس و الاختناق ليعوضهما بالعنف اللفظي و الاستعباد سواء للزوجة أو للبنات الست. (بشرى إسماعيل) التي عبرت باتقان عن حالة الخضوع و الاستسلام سواء بحركاتها و تعبيراتها المختزلة لاحترافها المكتسب مدى مسيرتها الفنية، ثم (ألاء نجم) هذه الكريزما الخصبة التي فلحت في تلوين أداءها البارع، وكيفية اتقانها اللعب بشحرجة صوتها لتجعل منه سمفونية. حيث أنها تمتلك براعة التمثيل الإذاعي الذي يغني ملكة الخيال لدى المتلقى.
هذا التناسق الأدائي لم يـأت من العدم، بل هو فعل إبداعي أحسن صياغته المخرج (حاتم عودة) سواء باختياره لفضاء يختزل أزمنة واماكن مختلفة ذات دلالات مضبوطة، فلقد اشتغل على عالمين متوازيين، عالم داخلي وهي الأسرة كنموذج مصغر للمجتمع وأيضا عالم الخارجي المعبر عن حضارة مقننة بتقاليد و اعراف تسيج من انفتاحها و تعايشها مع الآخر. أيضا اختياره للموسيقى و الإضاءة و الديكور و الاكسوسورات ما هي إلا أدوات عبر من خلالها على حالة الاضمحلال الذي نعيشه في مجتمعنا العربي.