العرض الجورجي” بيروسماني”…ثلاث دمى…تأسر جمهور المسرح الدائري/ رسمي محاسنة

عن: ميديا نيوز
ياخذ العرض الجورجي اسم” بيروسماني”،وهو اسم الفنان الأكثر شهرة، رغم كل ماعاناه من تجاهل وتهميش، الا انه باسلوبه الغير متكلف، اصبح ايقونة تشكيلية، وإن كان بعد مماته، لكن العرض يذهب إلى أبعد من هذا،وينطلق من منهج الرسام الفطري، ليقدم رحلة روحانية، بذرتها “بيروسماني”، وفضائها الانسان بكل تجلياته المطلقة، وفضاءاته وحريته.
لكن المدهش في الموضوع هو المشهدية البصرية للعرض، التي اعتمدت الدمى في احترافية عالية، باستبدال الممثل البشري، بهذه الدمى دقيقة الحركة، والتي جعلت من الممثلين الذين يحركونها، عناصر عرض مساعدة، فكان هذا الأداء المقنع للشخصيات الدمى، في الحركة، وردات الفعل، لدرجة ان المتلقي يندمج معها حد الاعتقاد أنها من لحم ودم، لقدرة محركيها على على الإيهام باحساسها، وتلك النظرات، وزوايا التحريك، والحركة المتقنة التي تحاكي الحركة البشرية.
وتأتي الموسيقى والغناء المرافق لظهور المطربة، التي كانت تلون المفردات بحركاتها،وتوصل الى المتلقي احساس الموسيقى والاغنية.
كل ذلك يدور على اطار خشبي مغطى بالقماش،تحيط به اضاءة عادية، لكنها اضاءة “النيون” البيضاء، وهو اختيار ذكي له دلالاته المرتبطة بمنهج وفكر ورؤية المخرجة، لتوظيف هذا العنصر البسيط في شكله وتركيبة، والذكي في الاستخدام، فهو يؤطر “المسرح الذي تقوم فيه الشخصيات “الدمى” بأدوارها،وفي نفس الوقت يحقق شرط الاضاءة دون فذلكة أو استخدام غير واع للاضاءة.
وتنحصر حركة الممثلين “اني اندغولادزي، ونيكا كفاراتشكيليل، واليكا تزيكفاشفيلي، واراكلي كفير غيليدزي”، على تحريك الدمى باتقان وتوازن وتوقيت وثبات مذهل، إلى جانب الحركة المحدودة التي تمثل وضع أدوات الرسم والألوان، وبخلاف ذلك فان الدمى” الشخصيتين والمطربة” هم ابطال العرض، وهم من سرقوا اهتمام وانتباه الجمهور.ذلك ان الدمى الثلاث،وبمهارة الممثلين الأربعة، استطاعوا ان يقدموا حياة الرسام “بيروسماني”، وتتبع منعطفاتها،واحباطات، ولحظات الابداع والدهشة في حياتها،وتنقلنا معها الى قناعات الرضى، والى حالات التسامي بعيدا بذاءات الحياة،وتهميش وإقصاء البشر للمبدعين الحقيقيين، كل ذلك عبر الدمى المصممة بابداع حقيقي،جعلها قادرة على التعبير، وبث الاحساس في الصالة، بشكل قريب من الأداء البشري، حيث يقف الى جانب هذا التصميم المحكم، ممثلين يحركونها بانسجام وتوقيت دقيق للحركة.
والى جانب ما يحمله العرض الجورجي للمخرجة المتمكنة” ايلينا ماتسخوناشفيلي”، من رسائل عبر عنها عبر ادواته، فانه يشير الى مسالة مهمة، وهي ان الصدق والاخلاص في العمل الإبداعي، يصل الى المتلقي، ويتفاعل معه،أما الاختباء خلف المصطلحات المحنطة، والتعالي على الجمهور، والادعاء، والتبجح بتقديم مسرح مختلف، فإن هذا كله لن يستر عورة الموهبة الغائبة.
كما ان مثل هذا العرض، وعروضا اخرى ربما يطرح سؤالا “بريئا”، وهو لماذا لا تختار المهرجانات أعمالا عربية وعالمية بمثل هذا المستوى والتنوع، والإصرار على أعمال هي أقل جودة من الأعمال المسرحية عندنا؟؟؟.
عرض” بيروسماني”، مدهش بهذا التصميم المبتكر للدمى، والغناء والموسيقى المعبرة، واللوحات،وبالطبع تطويع الأداء والتعبير عند الدمى، والتركيز الكبير عند الممثلين، كل هذه كانت تحمل أفكارا، ومشهدا بصريا حقيقيا حد الدهشة، بعيدا عن الادعاء.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت