دونكيشوت كما راه العرفاوي/ بقلم الاستاذ حافظ خليفة
تم يوم الاربعاء 8 ماي 2019 ,و بقاعة المبدعون الشبان بمدينة الثقافة بتونس ,عرض العرض الاول لمسرحية “دونكيشوت كما نراه” للمخرج الصديق الشاذلي العرفاوي,و هو من الانتاجات المسرحية الاولى لقطب المسرح ,هته المؤسسة المسرحية التي سعدنا جدا بيداية مساهمتها على مستوى الانتاج على غرار البرمجة و استقبال العروض بمدينة الثقافة.
“دون كيخوتي دي لا منتشل” هي رواية عالمية مشهورة للاديب الاسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا و تعتبر بداية الواقعية الادبية كجزءا من الجماليات النصية بالقرن 17, و قد اعتمده العرفاوي كمادة لعمله المسرحي الجديد ,عمل ترى فيه دونكيشوت بشكل متفرد و جديد و لا ترى العرفاوي الذي عودنا بالنهل من النصوص الامريكية الحديثة ,و التي تميز بها في ديزير و برج الوصيف ,قلت لا تراه لانها ظهر لنا بحلة مختلفة جدا عما عودنا به شكلا و مضمونا.
اقترح علينا العرفاوي دونكيشوت و الذي كان مقنعا في اداءه الممثل السخي عبد القادر بن سعيد و الى جانبه الممثل المتميز منصف العجنقي ,جديدا قديما فكان وفيا لبحثه عن الطواحين و لباس الفرسان و الرمح و لكنه كان مسافرا على دراجة نارية قديمة من نوع فيسبا ثم نراه يتحرك على دراجة هوائية في محاولته الاخيرة اليائسة للتمسك بالبطولة و الفروسية ,التي اختفت في زمننا الحاضر, و كأن المخرج يربط الماضي بالحاضر ليؤكد عن خيبة الامال و انعدام البطولة حتى مع تطور الزمن و تغيره.
دونكيشوت حالم و ساع لتحقيق مثل و بطولات لم تعد موجودة لان زمن البطولات ولى و انقضى ,و يزيد في عمق الحالة لهته الشخصية التراجيدية لامتياز هذا النص الذي تم اقتراحه و الذي كان عميقا و مؤثرا و مطروزا الى درجة المتعة ,خاصة و انه قد تم اعتماده باللغة العربية الفصحى و الذي فرض على الممثلين جهدا مضاعفا للوصول الى سلاسة الاداء و التلفظ في ظل فترة جفاف و هروب ممتهني المسرح التونسي الى السهل و محاولات ركوب موجة الحداثة اللفضية المحلية و التي بانت عبر الزمن قاصرة و غير قادرة على احتواء مسرح ما بعد الحداثة.
يقترح العرفاوي نصا بصريا الى اضافة الى جمال اللفظ عبر استعمال صورا بالة العرض و التي كانت حاضرة بكثافة, و التي اعتقد انها مقصودة فدونكيشوت كان يصارع طواحين ريح التكنولوجيا و الحداثة و العولمة التي اضحت تحاصرنا و تقولب حياتنا كما تشاء,فكان صاخبا و صارخا و بشكل تجريبي و احيانا يتخذ من المصدح ملاذا لتضخيم الصوت لبعض المونولوجات الجد هامة لغويا و معرفيا و حتى فلسفيا.
دونكيشوت العرفاوي عرض لا يمكن فك شفراته و الولوج الى تفاصيلة الا بمشاهدة ثانية ,عرض يجبرك على القراءة ,و يستفزك معرفيا في علاقة الانسان بالوجود و قيمة الحياة امام كل هذا التخاذل البشري امام الحضارة المتغيرة و التي تحملنا الى هاوية الجهل و التخلف والسطحية و التستر بالخوف و الجبن النفسي.
عرض يستحق المشاهدة و التمعن في تفاصيله لانه تم بناءه بعناية فائقة و لا يراعي و لا يهادن مع الوعي البسيط لعامة الجمهور,فهو يحقق المتعة نصا و صورة و اداءا و يدعوك لامتشاق الرمح لتواصل مصارعة طواحين هواء الجهل و التخلف و التهميش و التفاهة خارج جدران المسرح بمسرح اخر اسمه الواقع.