بمناسبة اليوم الوطني للمسرح : ماذا أعددنا للجيل المسرحي الجديد…؟/ محمد أديب السلاوي
-1-
المسرح الذي يطلق عليه العلماء والأدباء والفنانين، “أب الفنون” هو الفن الذي تلتقي عنده فنون الرقص، التشكيل، الشعر، القصة، الرواية، الصور المتحركة، التعبير الجسدي، الموسيقى، وكل الفنون الاخرى،إذ ليس بين الفنون التي عرفتها البشرية منذ عهد افلاطون حتى اليوم، فن استطاع ان يصل لاحتضان كل هذه المعارف والإبداعات، إلى التلقي والاستقبال، فالمسرح منذ البداية، كان وما يزال يعتمد في شكله وجوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام.
لذلك حرصت مناهج التعليم في الغرب، وفي اليابان والصين على أن تجعل “الفن المسرحي” درسا أساسيا في برامجها الابتدائية، لا باعتباره نشاطا موازيا، ولكن باعتباره فنا من الفنون الأساسية التي تقرب المعرفة إلى عقل الطفل وميولاته الحسية، وهو ما يحقق له المتعة والمشاركة والانفتاح على الفنون والمعارف الأخرى.
وقد أكدت التجارب بهذه البلاد وبغيرها، أن “الدرس المسرحي” للأطفال في التعليم الابتدائي، قد أسهم في تحقيق تقدمهم الدراسي، الذي قد يستمر معهم طوال حياتهم الدراسية القادمة.
في نظر العديد من المربيين الخبراء بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا، ان “الدرس المسرحي” في المناهج الابتدائية، لا يسهم فقط في تنمية استعداد التلاميذ / الأطفال لاستقبال المواد العلمية والفنية التي يستقطبها “أب الفنون” وفي توجيههم الوجهة الاجتماعية والتربوية السليمة بالمشاركة مع بقية المواد الدراسية الأخرى، ولكنه أكثر من ذلك ينمي قدرات التلاميذ ومواهبهم الفنية، ويعمل على توجيههم الوجهة الاجتماعية الصحيحة.
بعني ذلك، أن المدرسة الحديثة في هذه الجهات، وفي جهات أخرى من العالم، استطاعت ” بالدرس المسرحي” أن تربح الرهان في تربية التلاميذ وتنشئتهم بفعالية، ذلك لأنها اعتمدت فن المسرح كحقل للتفكير، خلاق، فعال وايجابي، وقادر على تكييف الطفولة اجتماعيا وتربويا…وثقافيا.
-2-
الدرس المسرحي” في المناهج الابتدائية، هل هو حديث النشأة في العالم…؟
يؤكد العديد من المؤرخين، والدارسين والنقاد والمهتمين، ان العالم الحديث، عرف هذا الدرس في بداية القرن الثامن عشر، وان مدارس أوروبا نتيجة ذلك عرفت ” مسرح الأطفال” بكل مكونات العمل المسرحي : ( النص،الأداء،الإخراج، بمشاركة التلاميذ ) وهوما أصبح يعرف في أوروبا ب “الدراما المدرسية”.
تقول المرجعيات التاريخية، أن العديد من الأدباء والكتاب والمؤلفين ساهموا في تنشيط “المسرح المدرسي” خلال هذه الفترة، بكتابة نصوص مسرحية خاصة للأطفال ذات صفة تربوية، تستجيب للمناهج الدراسية الرسمية.
و أكدت العديد من الكتابات النقدية التي أنجزت عن ” المسرح المدرسي” خلال القرن الثامن عشر، أن هذا الصنف من المسرح، حقق للتلاميذ الصغار، إضافة الى روح المسرح، متعة حسية وفكرية، ساعدتهم على استيعاب دروسهم العلمية والفكرية والجمالية بإيجابية، وعلى تحقيق تكيفهم المدرسي، وتعديل سلوكهم التعليمي، وتنمية قدراتهم التخيلية والإبداعية.
وفي الزمن الراهن، أكدت العديد من الدراسات التربوية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا، أن “المسرح المدرسي” أصبح يسهم بفعالية في توصيل المعلومات الدراسية للتلاميذ الصغار، ذلك لأن “اللعب التمثيلي” يساعدهم على استيعاب المعلومات التاريخية والاجتماعية والسياسية، كما يساعدهم على تفجير طاقاتهم الإبداعية وبلورتها في أعمال وسلوكات.
السؤال الذي يطرح نفسه علينا في هذه الحالة : أين برامج التعليم الابتدائي بالمغرب من “الدرس المسرحي / من المسرح المدرسي ؟.
من يغيب هذا الدرس…؟ هل ترى برامجنا المدرسية، أن لا فائدة منه…؟
يرى العديد من الباحثين، أن فوائد المسرح المدرسي، لا تعد ولا تحصى، وأنه أكبر دعامة تربوية للتلاميذ الصغار، فهو يساعدهم على زيادة قدراتهم في التعبير والخطابة، ويوجههم نحو روح التآزر والتعاون والمثابرة في العمل، ويزيد من معلوماتهم الثقافية، في الآداب والفنون والمعارف الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى ما يتعلمونه من مهارات وخبرات، وقيم أخلاقية ودينية، تجعلهم يفهمون ما حولهم من أحداث وقضايا وإشكالات.
هل من أسباب جوهرية لغياب هذا “المسرح” عن المدرسة الابتدائية ببلادنا…؟
هل لا نتوفر على الإمكانات الضرورية لإحداثه وتنشيطه وإبراز مواهب أطفالنا الصغار من خلاله…؟
أقترح هنا، على نقابتنا العتيدة، وعلى فرقنا المسرحية إعداد مشروع متكامل للدرس المسرحي، وللمسرح المدرسي، من أجل تقديمه إلى المسؤولين بوزارتي التربية الوطنية والثقافة والإعلام، لإدماجه في المناهج الدراسية الأولية بتعليمنا الابتدائي.
وأعتقد جازما، أنه حان الوقت، لتأسيس الإبداع المسرحي من جديد، على يد براعمنا الصغار، من أجل ضمان أجيال مسرحية، قادرة على الإبداع، وعلى العطاء وعلى التواصل مع الحداثة الثقافية في عالمنا الحديث، خاصة بعدما تحول مسرحنا إلى إطار هلامي، وحولنا في العديد من لقاءاته ومهرجاناته وتظاهراته إلى كائنات تضحك…ولا تعرف لماذا تضحك، تتفرج ولا تدري ما القصد من فرجاتها.
أدعو كل المثقفين والفنانين والمبدعين، طرح هذا الموضوع للنقاش على منابرنا الاعلامية والثقافية، من
أجل وضعه في صيغته الثقافية والتربوية، علنا نربح رهان هذه المسألة التي نعتبرها من أهم ما يواجه مستقبلنا المسرحي.
أفلا تنظرون…؟