نص مسرحي: " أنجماد"/ تأليف: حسين العراقي

                 نص مسرحي من فصل واحد
 
الشخصيات
الرجل 1
الرجل 2
الرجل 3
طفل لم يتجاوز العام .
(بقعة ضوء في يمين المسرح وقف (الرجل 1) حاملا على ظهره حقيبة سفر وكل لحظة ينظر إلى ساعته يصل (رجل 2 ))
الرجل 2 : هل أنت من ينتظرنا
الرجل 1 : نعم لا أريد أن نتأخر وتخرج الشاحنة
الرجل 2 : هل ننتظر شخص أخر
الرجل 1: يفترض أن يكون ألان موجود
الرجل 3 : (يدخل حاملا حقيبته وهو يحمل طفل لم يتجاوز عامه الأول) أسف لتأخري
الرجل 2 : ما هذا الذي معك
الرجل 3 : مثل ما ترى
الرجل 1 : لم يكن هكذا الاتفاق مع الرجل قال ثلاثة فقط
الرجل 2 : هل هو ابنك
الرجل 3 : لا.. ولكن لا استطيع أن اتركه هنا
الرجل 1 : أذن لما جئت به ..
الرجل 3 : أنا لم أجيء به بل قدره جاء به
الرجل 2 : سوف يعرقل رحلتنا ويجلب لنا المخاطر
الرجل 3 : متى ما أحسستم انه خطر عليكم اتركوني معه واذهبوا
الرجل 2: ولما هذه المخاطره بنا وبه اتركه عند ناصية الشارع وسوف تأخذه الناس أو الشرطة ..
الرجل 3: لا تضع تفكيرك مع هذا الطفل المسكين ..أنا أتحمل كل شيء ..
الرجل 1 : هيا سوف ندخل إلى ذلك البراد بهدوء ولا تلفتوا الأنظار حتى تتحرك الشاحنة
(تطفأ بقعة الضوء في يمين المسرح ويعم الظلام المكان.تنفرج أضاءه خافته في جهة اليسار على شكل يكونه المخرج لبراد لحوم متنقل في شاحنه ويظهر عدد من علب الكارتون الكبيرة للحوم المجمدة رتبت فوق بعضها. يخرج الرجال بهدوء وحذر من عدة أماكن والصبي معهم من خلف علب الكارتون الكبيرة يضعون أذانهم على الجدران كي يستمعوا إلى الخارج ..)
الرجل1 : لقد تحركت الشاحنة .
الرجل 2 : كم يستغرق الوقت حتى نعبر الحدود ونكون بأمان
الرجل 1 : قال الدليل ثلاثة ساعات ونصف . نكون قد وصلنا إلى منطقه أمنه بعد الحدود وهناك من ينتظرنا ويخرجنا من هذا البراد المقيت ..
الرجل 2 : هل هذا الطفل حي لم اسمعه يبكي ا واراه يتحرك
الرجل 3 : اتركه وشأنه ..أنه حي.. ما مر به كان قاسي جدا فلم والله أراد أن ينجيه
الرجل 1 :ما هي حكايته
الرجل: فقد عائله في البحر بعد أن غرق بهم الزورق وهو الناجي الوحيد بعد أن انتشلناه ونحن في زورق تهريب أخر.ومن حينها لم استطع أن اتركه بهذا العالم وحيدا لا اعرف تعلقت به .
الرجل 2 : جميعنا تائهين بهذا العالم . لا نعرف ما هو القادم ونحن نرتحل على أطراف الدول نخاف من مدنها نبحث عن أدميتنا ..
الرجل 1 : اخفضوا أصواتكم ولا تصدروا ضجيج بتحركاتكم لا نعرف ما يجري خارجا.
الرجل 3 : لا احد يستطيع أن يسمع صوتنا لان الشاحنة  تسير ..
الرجل 1: سنوات طويلة داخل الوطن نصرخ من اجل حقوقنا لم يسمعنا احد لكن هنا يسمعنا رجل الشرطة بسهوله فـ لنأخذ الحذر..
الرجل 2: يا لهذا العمر الممزوج بالخوف والهروب والفراق .
الرجل 3 : كثيرة هي الأشياء التي تركناها خلفنا لا اعرف كيف لوطن يترك السارق يسرق..والقاتل يقتل.. والمخرب يهدم..ثم يخرجون علينا بقول يدعون فيه أنهم يعملون جاهدين لبناء الوطن
الرجل 1: (يقف وهو يعتصر من الألم ويتحدث بقهر) لا اعرف كيف انظر بعينيه وهو يقف أمامي ويسألني أبي هل تعود. ضاعت كل الكلمات وأحسست أن لساني غار في جوفي لم أجد ولو كلمه مقنعه أرد بها عليه.. فاضت مشاعري بأنواء لاهبة وما عرفت النوم القرير منذ فارقته.. نظراته بكل مكان تلاحقني.. لم استطع أن أقول له أن                    حياتنا  نحن من نبحث عن رغيف الخبز بكرامه.. قيمتها بالنسبة لمن عاثوا بهذا الوطن لا تعادل أكثر من قيمة الرصاصة التي يقتلونا بها حينما يقرر احدهم ذلك ..
الرجل 3 : وهل تركتهم يواجهون ما لم تستطع أن تواجه .
الرجل 1 :  بل لأجد مكان يؤمن عيشنا بكرامة في بلاد ألغربه لأننا في وطن يأكل أبناءه .لا توجد ملامح للفرح نعم الفرح أصبح كأنه حكاية من ألف ليلة وليله. حين كنا نخاف أن تسمع همسنا الجدران لان لها من خوفنا أذان           وألان نخاف من الخطوط الحمراء والأصنام التي أرادوا أن ينبتوها في رؤوسنا. كي نصبح مطيعين لأوامرهم وأفعالهم ..لهذا قررت أن ابتعد عن أنيابهم ..
الرجل 2 : (يقف ومن ثم يجلس على علب الكارتون ويتحدث يضحك) أتعرفون اليوم 11تشرين الثاني هو ذكرى ميلادي .السابع والثلاثون وأنا مختبئ في براد على ظهر شاحنه تائه في بلاد لا اعرف لغتها ولا أطباعها ذاهب نحو المجهول عسى أن أجد ما يؤمن لي دخلا مناسبا وحياة كريمه.. بعد أن تعبت في بلدي بالحصول على فرصة             عمل وأنا الذي أكملت دراستي بتفوق والأول على دفعتي كنت احلم أن تكون لدي وظيفة وزوجه وأكون أسره .. لكن وجدتها مجرد أحلام.. والسنين أخذت من جرف العمر مأخذها.. بدأت اكره نفسي حين تجلب لي أمي علبة السكائر وأبي يترك لي مصرفي كأني طفلا أو قاصر . وكل سنين الدراسة راحة هباء .حتى بدأت اكذب كل ما قرأته عن هذا البلد الذي يفترض أن يكون وطني .انه بلد ثري وغني بالثروات والخيرات وأنا لم أرى من خيراته وثرواته ما يسد رمقي ..حتى لم يتبقى لي سوى خيارين أما أن أخون مبادئي وشرفي وإنسانيتي وأكون إرهابي أو أهاجر لأبحث عن مكان فيه أجد حياة كريمه واحترام لإنسانيتي وكرامتي
الرجل1: ( مخاطبا الرجل 3 ) وأنت يا صديقي ما الذي دفعك أن تكون هنا
الرجل 3 : قبل العيد بأسابيع ونحن نخطط كيف نقضي أيامه ونزور من أولا وأين نسافر هكذا كنا نفكر ونتناقش.. كنت أنفذ كل ما يطلبان .لأننا بعد انتظار طويل جاء الولد البكر وبعد عام جاءت أخته .فهما كل حياتنا أنا وزوجتي فنحن نشكل مثال للعائلة السعيدة.. وقبل العيد بيوم واحد طلبا مني أن يذهبان إلى مركز التسوق ليشتريا بعض الأشياء للعيد ووافقت على أن أوصلهما هما وأمهما واذهب أنا لقضاء بعض المشاغل وأعود لأخذهم إلى البيت ووافقا على مقترحي وأخذتهم المكان وذهبت لقضاء مشاغلي ولشدة الازدحام تأخرت عليهم لأكثر من ساعة ونصف على موعدنا ولا اعرف انتابني حنين جارف لهم أريد فقط أن أصل واراهم وبدأت اختصر الطرق حتى لا أتأخر أكثر وحين اقتربت منه على مسافة وجدت الطرق مغلقه وسيارات الإطفاء والإسعاف منها من تخرج ومنها تدخل إلى ذلك المكان انتابني الرعب والخوف وقلبي يرتجف أخاف أن اسأل عن مكان الحادث وأحسست بأني اصرخ (يتكلم بقوه وتشتد أعصابه) لكن صوتي لا يخرج من فمي وأنا اركض وسط الشارع تاركا سيارتي           وسط الزحام  حتى وصلت مركز التسوق فلم أرى من ذلك المبنى الضخم سوى كتله كبيره من النار التي خلفها الانفجار تلتهم حتى الجدران وتذيبها منظر كان شديد الهول لا اعرف ماذا افعل سوى الصراخ بين الناس التي            كانت تصرخ وتبكي والنار تزداد ولا تخمد رغم استنفار كل قوى الدفاع المدني ..حتى اليوم الأخر حين انتهى كل شيء ولم نجد من مئات البشر التي كانت داخل مركز التسوق وخارجه بقايا أجساد منصهرة عبارة عن رماد .رماد . رماد (يحمل الطفل ويضمه لصدره ويبكي بقوه) ومن حينها لم استطع البقاء في وطن لا يعرف غير الموت ..
الرجل 2:  حين تسمع مصائب غيرك تهون مصائبك ..لا اعرف لماذا يحدث لنا كل هذا بنا .
الرجل 1 : أحس بالبرد يحيط بجسمي
الرجل 2: هذه أثار التعب والجهد الذي مررنا به نحتاج ألى راحة لعدة أيام
الرجل 3 : منذ ثلاثة أيام لم اعرف طعم للنوم مازال شبح البحر يطاردني وكيف غرق الزورق الأخر والأطفال والنساء تغرق أمامنا ونحن ليس بيدنا شيء نفعله سوى الصراخ .حاول صاحب زورقنا أن يبتعد عنهم خوفا من أن يمسكون بالزورق المزدحم بنا ونغرق جميعا ..كانت عيونهم تتوسل بنا وأياديهم تريد من يمسك بها ويسحبها كل ما أتذكر ذلك المنظر ارتعش خوفا ..حين مدت يديها إلى الأعلى حاملة هذا الطفل وهي تغرق لم اعرف كيف مسكته واختفت هي بين أمواج البحر .(يبكي بشده )
الرجل1: تخلص مما مضى وفكر بالقادم أمامنا رحله طويلة يا صاحبي..
الرجل2 : أنا أيضا بدأ أحس بالبرد
الرجل 3 : اعتقد أننا وصلنا نقطة تفتيش الحدود وكي يوهمهم شغل منظومة التبريد .
الرجل 2 : لكنها  تزداد بسرعة
الرجل 1 : اخرجوا ما لديكم من ملابس وضعوها على أجسادكم .
الرجل 3: هل اطرق له عسى أن يطفئها
الرجل 2 : لا تجلب الانتباه علينا لم يتبقى سوى ساعة وربع ونصل حسب الوقت .
(الرجل 3 يخرج من حقيبته ملابس ويعطيها للصبي )
الرجل1 : ارتدي هذه المكان بارد جدا .
(يخرج الجميع ملابس من حقائبهم ويلبسون منها )           
الرجل 3 : درجة الحرارة تنخفض بشده أذا لم تتوقف سوف نموت هنا .
الرجل 2: بعد أن نجونا من البحر نموت داخل هذه الشاحنة اللعينة ..
الرجل 1 : أذا بقينا دون حركه سوف نتجمد علينا بالحركة .
الرجل 3 : وكيف نتحرك ولا نعرف ما يجري بالخارج .
الرجل 2 : أنا سوف أتجمد من البرد سوف اطرق له حتى وان انكشف أمرنا أفضل من أن أموت داخل هذا الصندوق ( يركض إلى عمق الشاحنة ويطرق على جدارها بقوه )
الرجل 2: هل تسمع توقف . أوقف منظومة التبريد أننا نتجمد ..هل تسمعنا .
الرجل 1 : لا اعتقد يسمع حتى طرقاتنا .وان سمعنا لا يفهم ما نقول
الرجل 3 : لنطرق له جميعا عسى أن يسمعنا وألا لن يطول أمرنا بدأ المكان يتجمد
(يقوم الجميع بالطرق على الجدران بقوه.. يبدأ الصبي بالارتجاف بقوه يخرج له الرجل3 أخر قطعة ملابس في الحقيبة ويلبسها له)
الرجل2 : درجة الحرارة تنخفض بسرعة والمكان يتحول إلى متجمد
الرجل 1: قال لنا أن التبريد لا يعمل وكونوا مطمئنين من هذا .
(الرجل 3 يطرق بقوه على الجدار ومن ثم يضع أذنه على أرضية البراد ويقف مذهولا )
الرجل2 : (وهو يخرج ما تبقى بحقيبته من ملابس ويضعها على جسده) ما بك مذهولا هل سمعت شيء ..
الرجل 1 : تكلم ما بك ألا ترى أننا نتجمد وأنت تثير أعصابنا .
الرجل 3 : الشاحنة .
الاثنان معاً : ما بها .
الرجل 3 : متوقفة لا تشتغل فقط منظومة التبريد تعمل .
الرجل 1 : ماذا
الرجل 2 : ( تنهار أعصابه ) لماذا..أيها الرب ..لماذا كل هذا يحدث لنا .أصبحنا مشاريع موت مجاني . كل أساليب الموت وبشاعتها.
الرجل3 : ( يخرج من حقيبته سكين صغير ويبدأ يضرب بسقف البراد )
الرجل 2: ماذا تفعل هل هناك جدوى من هذا
الرجل  3 : علينا أن نثقب سقف البراد قبل أن نموت من الأنجماد
الرجل 1🙁يخرج قطعة الملابس الأخيرة ويلف بها الفتى) تحركوا لا تستسلموا للبرد .. لابد أن يجدونا (و يهرول في مكانه )
الرجل 2 : لا أريد أن أموت هنا في هذا الصندوق المغلق وأنا لم اشبع حتى من حنان أمي ..وألان لا تكاد تمر علي ثانية أنسى فيها دموعها وهي تودعني الهي هل من الأنصاف أن أموت ولا اعرف في أي مكان أنا .
الرجل 3 : (يعطي السكين إلى الرجل1 كي يحفر بدل منه سقف البراد ويخلع قطعه من ملابسه ويضعها على الصبي) يجب أن أخرجك من هنا كن شجاعا عليك أن تقاوم إياك أن تستسلم ..
الرجل 1 : (يتكلم وهو يضرب السقف بالسكين) هل نحن من أعاث في الوطن فسادا حتى يعاقبنا الله هكذا؟ سرقوا أحلامنا وثروات بلادنا واستباحوا دمائنا وجعلونا نثارا في بقاع الأرض هؤلاء من جفت ضمائرهم ..
الرجل 2: (يخرج من بين مكعبات الكارتون قطعت حديد ويشترك مع الأول بحفر السقف)
الرجل 1: (يتوقف ويعطي السكين لرجل3 ليكمل بدل عنه) كم من الوقت سوف يبقى ينتظر دون جدوى وأنا الذي وعدته أن أعود حين قال أبي هل سوف تعود عندها قلت له وكيف لا أعود وأنا الذاهب. لأجلكم حينها رأيت الشك في عينيه.. وأنا الذي لا يعرف احد لي اسما أن وجدوا لي جثة منذ أن مزقنا وثائقنا الرسمية كي لا يعيدونا حين يمسكونا إلى أوطاننا التي هربنا من جحيمها (ويخلع ما تبقى عليه من ملابس ويلف بها الصبي الذي بدأ يرتجف              بقوه)
الرجل3 : (يضرب بقوه على السقف بالسكين ثم يخلع قميصه يلف به الصبي ويعود للضرب) عليك أن تصمد ها أني أحاول أن افتح السقف .
الرجل2 : ( يرجف وتصعب حركته ويحاول أن يقاوم لكنه يسقط )
الرجل 1 : ( يحاول أن يأخذ منه قطعة الحديد ويضرب على السقف بقوه حتى ثم تبطئ حركته وتصبح صعبه وهو يرتجف )
الرجل3 : ها أني اقترب من ثقبه احتاج الوقت القليل عليكم أن تصمدوا (يضرب بقوه في الأعلى)
الرجل 2: ( يقرفص ويلم جسده وتتوقف حركته )
الرجل1 : ( يلتصق بالرجل2 يحاول أن يكسب بعض الدفيء وتخف حركته )
الرجل 3 : (يضرب بقوه حتى تصعب حركته وتبدأ تتباطأ يدخل ضوء من السقف ويبدأ يتسع مع ضرباته وهو يصرخ بصعوبة) ها هي السماء (ويضرب حتى يتسع الثقب وتدخل حزمة ضوء . يحمل الصبي بصعوبة نحوها)          إياك أن تستسلم انقل حكايتنا لجميع العالم تكلم حين يجدوك قل لهم بكل ما جرى ..قل للعالم أنهم هربوا بسبب زمر المأجورين من اغتصبوا واستلبوا أدميتنا .هؤلاء المدجنون والمهجنون هم من ينشرون الفساد والجور والجوع
الرجل 2 : (وهو يصارع الموت) اخبر العالم أننا هربنا من غمامة الطائفية السامة والدخان العرقي الخانق الذي خلقوه هؤلاء من خلقوا بيئة موبوءة تنفث الخيانة وتحضنها وتتبناها وتبررها .
الرجل 3 : (يرفع الصبي إلى الأعلى ويخرجه من الفتحه إلى الخارج ويجثو على ركبتيه) أمي .. أذا ما مت لا تبكين يا أمي كثيرا كفكفي الدمع.. وقولي.. لم يعد.. من كان يملأ الدار غناء وصفيرا..مات.. وانحلت خطاه..             في دروب..لم يطأها .. حينما .. كان صغيراً أمي.. قولي أي شيء.. ترتئي .. ألا الرثاء!
تمــــــــــــــــــت
حسين العراقي (تشرين الثاني 2018)
 
 
 
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت