نص مسرحية: "المقبرة"/ تأليف: محمد عبد الخضر الحسيناوي

المكان: (غرفة صغيرة وبقايا اثاث قديم طبلة صغيرة تتوسط المكان ومجموعة اغطية بالية متكدسة فوق منضدة وحصيرة ممزقة مطوية بركن من اركان الغرفة، كرسي قديم هزاز بجانب الطبلة، إطار باب وشباك صغير مغطى بأكياس فارغة، سرير بالعمق تنام امرأة كبيرة عاجزة في مكان مظلم، (الجوَرّ)ٌ صوت امطار قوية برق ورعد بين فترة وأخرى يهتز له الجميع)
الزمان: ليلا
الابن: (شاب في العشرين يحمل عكاز) مطر. مطر. مطر. السماء تمطر والأرض تمطر والسقوف البالية تمطر وربما تسقط فوق رؤوسنا، حتى الجدران بدأت تمطر يال هذا المطر القاتل الذي غير تركيبة الأشياء وغالط السماء أي عطف هذا، ايتها السماء، توقفي والا سقطت تلك الاعمدة وانهار الكوخ على من به
الاب: (في الستين من العمر كثيف اللحى متحجر في ركن الغرفة) الامطار خير، الامطار خير، الامطار بركة السماء للفقراء
الابن: أي خير هذا انظر هل ترى الخير أي بركة تلك، الخير هناك في ارض لا حدود لها يسكنها البشر ولا يتلف بها المال أي خير هذا الذي يسرق المليارات ويغرق الفقراء
الاب: الامطار تحيا بها الأرض
الابن: أي ارض تحيا، تلك الصحراء التي لانبت فيها ولا زرع، تلك المياه التي تأتي من هنا (يشير للشمال) ومن هنا (يشير للأعلى) لتذهب كما هي في البحر أي ارض واي خيرات ونحن نستورد كل شيء من الجارة والجارة والجارة الاكل والملبس والشراب حتى الماء نستورده من الجارة أي خير ومات كل خير فينا.
الاب: الخير قادم، الخير باهل الخير
الابن: الخير قادم ونحن بهذا الكوخ الخير قادم ونحن نيام بين الأموات، ايتها السماء الا تستحي وانت تنتفضين على الفقراء لتسعدي السفهاء، اصمت بأصواتك اللعينة التي تنذر بالقيامة وكأنها الصفير
الاب: الحساب ات لا محال تلك هي علامات النهاية
الابن: أي ساعة تلك، نسمع بها منذ مئات السنين
الاب: تلك هي بداية النهاية
الابن: هي البداية لعالم الأموات، هي البداية لفساد ارض لا ينتهي، تعفن الاكل والاغطية ورائحة المكان يملأها العفن نتنفس العفن.
الاب: امتزجت كل الأشياء بعظام الموتى
الابن: بجوارنا يسكنون او نحن بجوارهم نسكن المهم تفسخت الجثث بعد غرق القبور
الاب: لست وحدك من تعاني
الابن: اعرف هذا اعرفه جيدا واعرف بان من يعاني (يشير على الجمهور) هؤلاء الموتى الذين لا حراك لهم سوى الانتظار تجرفهم العواصف وتسيرهم السيول وتحرقهم الشمس وتأكل ما تبقى منهم تلك الديدان وهم ينتظرون
الاب: لا نملك ولا يملكون سوى الانتظار
الابن: تنتظرون من صاعقة تنزل من السماء تنهي كل شيء
الاب: ربما
الابن: لم نسمع بصاعقة السماء تقتل الفاسدين ربما تسقط هنا بهذا المكان لتقتلنا وتحرق ما تبقى من الأموات
الاب: قدرنا الانتظار
الابن: خدرونا بهذه الكلمات، القدر، الانتظار، كل تلك الأمور لابد ان تأتي لحين قدوم الفارس المغوار يأتي من خلف الضباب وينقذ الموتى الراضخين
الاب: هو آت لا محال
الابن: قالها الأجداد منذ عصور
الاب: ونقولها للأحفاد، ان جاءنا الاحفاد
الابن: أي شيطان هذا الذي يقنع الأموات بالموت الابدي، أي شراب تجرعنا لنكون جيل بعد جيل خرفان بقطيع ونتباهى
الاب: الصبر لا نملك سوى الصبر
الابن: الصبر لا يكفي، ابدا لا يكفي من قطع هذه (يشير بيده على قدمه)
الاب: الحرب
الابن: الحرب، الحرب، الحرب الغباء كله لمن يهرول نحو الحرب ليكون الضحية ليجلس الجبناء ويتغنون بانتصارات الحرب ويتركوننا نلهث ونداوي الجراح ونسكن مقبرة الاحياء قرب الأموات لنتغنى وننتظر
الاب: غيرنا سكن الشارع
الابن: وابناؤهم سكنوا السحاب
الاب: ربما نحن أفضل حالا
الابن: نحن أفضل حالا منهم أي جنون يتحكم بنا
الاب: الأرض تدور
الابن: كذب من قال هذا وصدقناه، الأرض واقفة كما هي منذ عصور عمالقة الزمان تديرها متى شاءت ولا تديرها الا لغاية
الاب: غيرنا لإيجاد مأوى
الابن: وما لفرق في ذلك، ونحن نسكن شارع المقبرة وهم يسكنون مزابل المدينة
الاب: الأموات لا يتكلمون ولا ينافقون ولا يتسكعون اخر الليل ولا يسخرون منا
الابن: من قال بأنهم لا يتكلمون بالأمس تكلمت مع أحدهم
الاب: أوهام
الابن: وما هذا الذي نحن فيه حقيقة ام وهم
الاب: ماذا قال لك
الابن: سألني عن أولاده قلت لا اعرفهم قال وهل تستطيعون نسيان أبناء الشهيد قلت بلا اعرفهم
الاب: لا تقل له الحقيقة
الابن: قلتها بلى قلتها قلت له يتسكعون بالطرقات وينامون على الأرصفة ويأكلون الوعود الكاذبة
الاب: وماذا قال
الابن: قال وأين دولة العدل التي وعدونا بها
الاب: دولة العدل.. لا ترجو من غريب وجائع انصافك
الابن: قلت ضاعت كما ضعنا صرخت كل القبور وكأن الأرض انشقت من صراخهم وتبعثرت اشلاءه ومات من جديد
الاب: الحذر، الحذر من دماء الشهداء
(أصوات الرعد والبرق تهز ارجاء المكان ترعبهم يتحرك الابن يسارا ويمينا ويفتح غطاء الباب ليعود من جديد/صمت)
الابن: ايتها السماء.. ايتها السماء الا تستحي وانت تغرقي الفقراء وتنعشي السفهاء
الاب: البرد يحجر دمي والرعد يهزم افكاري أعطني ما تبقى من الاغطية او احفر الأرض واردمها فوقي
الابن: لا تحتاج الأرض من يردمها ردمتها السيول وجرفت من تحتها، خذ غطائي، هذا كل ما تبقى احمي به نفسك من الخير الكثير
الاب: لا تنسى أمك لعلها تجمدت كن قريبا منها
الام: (وهي نائمة في السرير مقعدة ترفع يدها وتمسك كرسي المعاقين بجوارها) مازلت اتنفس او ربما احلم باني اتنفس ولكني اسمع الصراخ واصوات الهالكين وبهذا عرفت باني مازلت بالدنيا
الابن: هل زال الألم
الام: يزول متى زلت ولكني مازلت أحس به
الاب: سينتهي قريبا كل شيء
الام: نحن ام كل شيء
الابن: لا يهم كلاهما نهاية
الاب: ان شئت خذي غطائي
الام: تجعد الجلد فلا أحس بالبرد هل ما زالت الأرض تدور
الاب: لم اراها بعد
الابن: هي كما هي تعاقب من فوقها وتحتها، لا تتحرك ولا ترحم لا تحيي من تحتها ولا تدفن من فوقها
الام: أعطني دوائي لعله يرحمني من صراخ السماء
الابن: لم يبقى من الدواء الا حبة الصرع ونفذت كل الادوية
الام: وكيف أعيش، الضغط، السكر، القلب…
الابن: (مقاطعا) لا تهتمي ان شئت اذهب بهذا الجحيم واجلب كل شيء
الاب: الصباح قريب لم يتبقى سوى ساعات
الام: وهذا البحر الدامي وغضب السماء متى ينتهي
الاب: سينتهي ويهدأ كل شيء الصبح قادم، خذي هذه الحبة وتناسي كل شيء
الام: ساعدني لأنهض قرب تلك العربة لأجلس بها تحجر الجسد
الاب: البرد يقتلك
الام: ومن قال لك لم اقتل منذ زمن لا يغرك الصوت والحركة للأشجار حفيف يرعب ساعدني فحسب لعلي انهي هذه المهزلة وانا واقفة
الابن: استندي، خذي هذه الاغطية
الام: ما هذا الصراخ
الابن: المقبرة تستغيث
الاب: صفير الرياح
الام: لا بل هو صراخ يتعالى
الاب: انه الرعد
الابن: المقبرة تستغيث
الاب: انه صوت وكفى
الام: اصغي جيدا انه صراخ وعويل
الاب: يال هذه الليلة المجنونة
الابن: المقبرة تستغيث
الاب: الا تكف عن هذا الهراء
الابن: صه الا تسمع
الاب: انها الريح تحمل ما تحمل
الابن: بل هو صراخ الأموات
الاب: لا تجعل من مخيلتك عشا يرتمي به الرعب
الابن: أي رعب أكثر من هذا
الاب: الرعب ان تستمع وتصدق، انظر من خلف ستار الباب لترى ما تسمع
الابن: لم يعد لنا مكان
الام: لن اترك مكاني
الابن: اعرف هذا سأحملك على ظهري
الاب: لن نترك لهم كل ما نملك ونرحل
الابن: أي أملاك تتحدث عنها، لا نملك شيئا
الاب: نملك كل شيء
الام: الصداع يقتلني
الابن: الفاسدون يتكاثرون
الاب: الخيرون أكثر
الام: الصداع ينال مني
الابن: امتزجت الوانهم
الاب: قلوبهم مازالت نقية
الام: لم اعد اسمع شيئا
الابن: النقاء.. النقاء والنية والتمني لن تغير تلك الكلمات شيئا، أكثر اللذين اعرفهم يملكون تلك الأشياء وعندما زاد الحمل عليهم تغير النقاء، تغير النقاء، لينظموا لدائرة الألوان السوداء، الحاجة لا ترحم
الام: اختلطت الأشياء
الاب: الحاجة، تلك الحجة التي يحاول الاغبياء تبنيها ليبرر حجم السواد بداخله، أي حاجة تلك التي تجعل من الانسان ذئب يفترس الاخرين
الام: لم اعد اسمع
الابن: حتى الذئاب لا تفترس جلدتها
الاب: لا تجعل من الحاجة عذر
الابن: لست انا، هم أولئك القابعون بقصور غير بيتوهم.. انا لم يعد لي خيار ولن يحتاجني العذر لأكون مصيدة الضياع.. الرحيل خير لي ولكم
الام: المقبرة الأقرب
الاب: الا تراها، الا ترى نفسك، الا تراني.. كيف وباي حال نرحل، من يتقبل الأموات
الابن: نرحل
الاب: لا نستطيع العيش باي مكان
الابن: بل نستطيع
الام: الصداع
الاب: نفقد الحياة
الابن: من قال باننا احياء
الاب: نتنفس
الابن: (باستهزاء) ونأكل وننام ونذهب كل لحظة للحمام
الاب: هذه هي الحياة
الابن: لا.. لا.. ابدا هذه تفاهات، يحاول الاخر ايهامنا بان الحياة لا تتعدى الاكل والشرب والتكاثر
الام: امر لا اتحمله
الاب: لن تستطيع بكلماتك ان تغير ما املكه منذ سنين
الابن: لا تملك شيئا منذ سنين، لو سافرت ونظرت وتحدثت مع الاخر لاقتنعت باننا لا نختلف عن تلك القبور او تلك الجمادات التي تنتظر من يحركها لا تؤمن بان الخالق يحب عباده الخانعين والراكعين والساجدين لغيره
الاب: لنا الجنة التي وعدنا بها
الابن: من قال لك هذا، ماذا فعلت بالدنيا لتكرم بها
الاب: لم نؤذي أحد ولم نسرق واتبعنا وصاياه
الابن: أي الطرق التي اخترناها، ما اخترنا سوى طريق الاختباء ومداعبة الارجل وتقبيل الظلام
الام: الا يكفي
الاب: ماذا تريد مني وانا لم اعد اقوى على صراخ وجدال
الابن: نرحل
الاب: ارحل وحدك، انا وأمك لم تعد اجسامنا ولا ارواحنا تحملنا
الابن: لن اسمح لقدري ان يكون هذا المكان، اموات بين اموات، تجردنا من كل شيء، كل شيء (يسقط ارضا)
(اثناء هذه الحوارات الساخنة يدفع كل منهم كرسي الام للآخر.. صمت.. أصوات الرعد وضوء البرق يهز المكان)
الاب: من القادم
الابن: ربما أجساد الأموات التي تجاورنا
الاب: أي هراء هذا
الام: جاء ليأخذ ما تبقى مني
الابن: مازلت لا تؤمن
الاب: لا نملك غير الدعاء
الابن: وأين كنت قبل هذا
الاب: لم انقطع يوما
الابن: وأين اجتمع كل هذا الدعاء، لو أنك جمعت حصى صغيرة لا صبح جبلا نحتمي به من هذا المطر والهواء القاتل
الاب: تجتمع هناك.. ليوم لا حراك به ولا دعاء
الام: اقتربت نهايتي
الابن: يال سواد هذه الليلة التي لا تنتهي، الصوت يقترب أكثر
الاب: انظر من خلف ستار الباب لعلك تعرف
الام: أيا كانت ملامح القادم ستكون نهايتنا هنا لا مهرب من جحر لا منفذ فيه
الاب: يالله.. لا وجه غير وجهك الكريم نلجأ اليه
الام: انه يقترب أكثر
الابن: ربما هو القدر.. النهاية التي لا رجاء فيها، من انت أيها الظلام وسط العتمة، من انت أيها الباحث عن خراب النفس وهدم الأمان أي قدر رمتك لتكمل ما بدأه الخوف
الاب: (بخوف) من الاتي
الدفان: (رجل في الخمسين طويل القامة يرتدي الكثير من الملابس ملثم اثار المطر والطين بملابسه)
الابن: انت، الدفان، كاد الخوف يأخذ ما تبقى منا
الام: لم تنقطع انفاسي بعد، مازلت اتنفس، عد من حيث اتيت
الاب: كيف وصلت بهذا الدمار
الدفان: وصلت، ومن غيري يبحث بين القبور
الابن: وكيف وصلت بهذا الرعب والمطر
الدفان: مثلما يصل الى أي مكان حالي مثل ملك الموت لا تمنعنا السيول ولا الامطار ولا هذا البرق القاتل
الابن: ما ورائك
الام: تصور باني غادرت دنياه
الدفان: اعرف بانك قوية لم يحن وقتك بعد
الاب: ولماذا انت هنا
الدفان: لا يسأل الدفان في ارضه.. ميت اخر
الابن: بهذا الوقت
الدفان: سيأتون الكثير
الاب: اغرقتهم السيول
الدفان: الموت واحد يا هذا والأسباب كثيرة، التصق أحدهم بأعمدة الكهرباء البالية ومن الغباء جاء الاخر لينقذه التصق به، يرحمهم الله، الرزق يا هذا، الله يرزق من يشاء وهذا رزقنا، حتى أنى بدأت أفكر بتوسيع عملي لتكون شركة اجل هذا ما أفكر به شركة رسمية بها الاف الموظفين اقصد الدفانين وقسم اخر للحفارين
الابن: الا تفكر بقسم اللطامين
الدفان: وقسم اللطامين لما لا، فعلا بحاجة الى هذا القسم لأني أرى عوائل انتهت بالكامل.. من يلطم عليهم الا يستحق الميت من يلطم عليه الاخرون، وكل شيء بثمنه،
الابن: من يعطيك الثمن إذا كان الميت اخرهم
الدفان: المتبرعون لا تنسى المتبرعون نضع في كل ركن صندوق للتبرع نكتب عليه تبرع أيها المؤمن لتدفن غيرك، او نكتب تبرع لتدفن ويبكي عليك الاخرون أي الأسماء التي نكتبها لاتهم المهم تبرع ونحن نفكر كما يفكرون وبهذا نجمع الكثير من المال.
الاب: لن تأخذ شيئا من هذه الدنيا
الدفان: لم اعد أفكر بهذا، لا وقت لدينا دعنا نذهب لنهيئ الحفرة لا تنسى المعول
الابن: نخرج بهذا الجهنم
الدفان: لم نرى جهنم بعد، ولكنها لا تختلف كثيرا هيا نلحق قبل ان يأتوا اكرام الميت دفنه
(يأخذ الابن المعول والمسحاة من قرب الباب ويخرجون)
الاب: لم يبقى سوانا في هذا القبو
الام: بل يوجد الكثير، الآلام والبرد والخوف
الاب: كل تلك الكلمات أصبحت جزءا منا لم تعد تزعجنا رغم الظلام، الصباح قادم
الام: لم يعد للشفق معنى
الاب: بل كان له
الام: كان، وكان للأشياء معنى..
الاب: كنا نحلم
الام: كان حلما
الاب: نبني بيتا نحصن جدرانه
الام: بيت يبنى من جثث ابناءه لا خير فيه
الاب: تغرد البلابل وتزغرد العصافير على اشجاره كل صباح
الام: نعيق الغربان لم يفارقنا
الاب: كان حلما
الام: ماذا جنينا من كل تلك السنين وما هذا الذنب الذي لا يغتفر لنكون هكذا بلا مأوى ولا عنوان أي ذنب كبير وقعنا به
الاب: انه القدر
الام: اللعنة على تلك الاقدار
الاب: احمي نفسك بتلك الاغطية
الام: لم يعد جسمي ملكا لي.. لم تعد مجساتي تعمل، لا أحس باي شيء، بدأت أفقد كل شيء
الاب: انتظري قلبي لم يعد يتحمل فجيعة أخرى
الام: لم اعد انتمى لهذا الفراغ المزعج، أحس بان كل الأشياء تبتعد عني وتتلاشى، اطرافي اراها ولا اراها بدأت تختفي
الاب: انتظري.. سأبحث لك عن العلاج، ستكونين بخير
الام: فات الأوان، لا علاج للرحيل
الاب: لا.. مازال.. اجل.. ما زال.. مازال متسع من الوقت اصمدي فحسب. سأبحث هنا، او ربما هنا، او هناك
(يبحث بكل الأماكن مع صرخات هستيرية، يبعثر الأشياء الموجودة) ربما في هذا.. او هنا.. لابد من وجود الدواء لا يمكن ان يكون نفذ بالكامل.. انتظري ساجد لك شيئا.. وجدت هذه الحبة هنا بين الاغطية لابد انها وقعت ولم نراها، خذيها ستكونين بخير
الام: (بين الحياة والموت) لا اعرفها ليست لي
الاب: هي بالتأكيد لك ربما سقطت ولم نشعر بها خذي (يعطيها الحبة وقدح الماء وهو في حالة هستيرية بين الفرح والترقب ويتحرك بأرجاء الغرفة مترنحا) هل تشعرين بتحسن.. هااا
الام: (شاردة تتلوى وتراقب وتتفحص الأشياء) مازالت تبتعد الأشياء وتقترب أشياء لم اراها من قبل أرى كل اطرافي تختفي لتجتمع في مكان اخر، أرى العتمة بجانب الضياء
الاب: لا، انت هنا وكل ما تتحدثين عنه هنا.. اجل هنا.. ستكونين بخير كوني قوية انت سندي وكل ما تبقى لي احذرك الرحيل قبلي هكذا تعاهدنا اياك والا لن اسامحك (تسقط الام من الكرسي المتحرك يمسك بها ليعيدها) ابقي ولا تتركيني، هكذا تعاهدنا.. لن تتركيني ابدا.. تحركي.. لن اسامحك.. ما هكذا اتفقنا.. لن اسامحك..اسامحك، اسامحك على كل شيء استيقظي عودي اياك ان ترحلي وتتركيني ما عاد بالعمر بقية لن اتحمل هذا،
الابن: (يدخل مسرعا) لم اتأخر كثيرا، المطر توقف والصب … ما بها استيقظي يا بلسم الجرح ما بك.. سأذهب الان واجلب لك العلاج.. لن اتأخر
الاب: لم تعد بحاجة اليه
الابن: ماذا.. ماذا بها
الاب: اعطيتها الحبة الأخيرة ولم تنفع
الابن: أي حبة لم يعد لديها أي حبة هنا
الاب: وجدتها بين الأغراض
الابن: (مقاطعا) ماذا، الحبة الصفراء
الاب: اجل هي الصفراء
الابن: هنا بهذا المكان.. يال حظي واقدار السماء.. تلك التي اشتريتها لا غادر هذه اللعبة المهينة بعد عجزي
الاب: (مقاطعا) ماذا تقصد.. إني قتلتها بتلك الحبة
الابن: (مقاطعا) بل انا من قتلها.. يال تلك السماء الغابرة التي يتلاشى بها كل شيء كأننا لعبة سومرية قديمة قبل الاندثار.. او ربما فكرة لم تكتمل في عالم النسيان.. اين تختفي كل تلك الأشياء، هل كانت هنا واختفت ام هي لم تكن موجودة.. اين عقلي الذي لا يسمح بابتلاع الخطايا واي خطيئة كبرى تحدث ونحن شركاء بها.. اقفلي ابوابك ايتها السماء ما عادت نجومك ولا قمرك ولا شمسك تضيء السواد.. انا من قتلها انا من قتلها
الاب: بل انا من قتلها
الابن: لا.. انا القاتل
(لحظة صمت واستدارة نحو الجمهور الاثنان معا)
الاثنان: هم القتلة.. هم القتلة.. وأنتم
ستــــــار/ انتهـــــــــت
 
** محمد عبد الخضر الحسيناوي
 (5 كانون الثاني2019 الساعة الثانية صباحا)
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت