دور حقي الشبلي في تفعيل المسرح في ميسان/ الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي
ينقسم هذا الدور الى مرحلتين تحدد نوعية الدور الذي قام به حقي الشبلي في المسرح في ميسان وهما كالاتي :-
المرحلة الأولى :- وتبدأ من عام 1928 وهي أول زيارة فنيـــــة لحقي الشبلي الى ميسان وتنتـهي ف عام 1935 عندما سافر الشبلي لدراسة المسرح في فرنسا .
المرحلة الثانية:- وتبدأ من عــــام 1940 وتنتــــــهي في عــــــــام 1975 وهو عــام تشكــيل الفرقة القومية للتمثيل في ميسان.
المرحلة الأولى
يرى احمد فياض المفرجي بأن كل تفتح في الحركة المسرحية في العراق يتبعه مجيء فرقة جديدة من الأقطار العربية اثر كل انتعاش نعمت به الحركة المسرحية عندنا ، ولا شك إن فرقة حقي الشبلي قد حققت ما يكفي لان يجلب لنا عدداً جديداً من الفرق العربية إلى بغداد والمحافظات العراقية الأخرى ومن بينها ميسان حيث تشير عدد من المصادر إلى إن الزيارة الأولى لحقي الشبلي إلى الجنوب ومنها ميسان كانت في عام 1928 وذلك عندما سافر برفقته فرقة (فاطمة رشدي ) وذلك لتقديم عروض مسرحية في عدد من مناطق العمارة ومدارسها حيث كان أكثر المشاهدين لتلك العروض هم من طلبة وقد ساهمت الزيارة الأولى للشبلي في تحقيق انجاز مهم تجسد في قيام حركة مسرحية في ذلك القطاع من البلاد.
تكررت زيارات الشبلي مرات أخرى وكانت هذه المرة ليست فنية فقط بل كانت تجارية ,فقد عرف عن الشبلي بعلاقات التجارية التي كانت تربطه بالتاجر العماري المعروف آنذاك (كرم الوتار) أو ( كرم المصرنجي )الذي ارتبط مع الشبلي بتجارة (المصارين ) التي كانت رائجة آنذاك وكان يحضر أثناء زياراته التجارية بعض العروض المسرحية والتي كانت تقدم في مدارس العمارة وخصوصاً مدرسة ( السنية ).
وجاءت زيارة حقي الشبلي الفنية الثانية والتي تزامنت أيضا مع زيارة فرقة (فاطمة رشدي ) الى ميسان، واتت هذه المرة بعد عودته من مصر في عام 1930 ، حيث كانت الظروف في المحافظة خلاف الحالة الأولى ، وذلك لان مدارس العمارة لم تفتح أبوابها إمام عروض الفرقة الأهلية ومن بينها ( فرقة الشبلي ) وذلك لان توجيهات (مدير المعارف) في لواء العمارة كانت تنص بأن يكون المسرح المدرسي ملتزماً تماماً بالأهداف التربوية، ولم يعد يستوعب الأنشطة الأخرى فكان ذلك إيذانا بتشكيل الفرق الأهلية والتي كان للشبلي الدور المؤثر في انبثاقها وتسهيل مهمة القائمين عليها وخاصة بعد زيارته الثالثة برفقة فرقــــته (فرقة حقي الشبلي ) ، ومن الفرق الأهلية التي تشكلت في ميسان ( فرقة التمثيل ) في العمارة وقدمت مسرحية ( الصحراء ) على سينما النجاح في ميسان وكان العرض مقدم لمصلحة جمعية مكافحة الأمية عام 1932 ،علماُ إن الفرقة حصلت على هذا النص من خلال زيارات فرقة الشبلي وفرقة فاطمة رشدي الأولى والثانية وقام المشرفون على هذا العمل بوضع تعديلات على النص الأصلي ليكون مناسباً للبيئة الاجتماعية لأهالي العمارة ، وقد اشترك في تمثيل مسرحية (الصحراء ) عدد من أبناء ميسان ومنهم ( نعيم إبراهيم نعمة يوسف والحاج رضا و رشيد حسين و عبد الخالق حسين وتوفيق لازم وعبد الخالق كرم الوتار وغيرهم ،وإذا ركزنا قليلاً على اسم ( عبد الخالق كرم الوتار ) فهو يعود بنا الى التاجر العماري الذي يرتبط بحقي الشبلي بعلاقة تجارية، وعلى الأرجح إن ( حقي الشبلي ) كان له دور في صعود (عبد الخالق كرم الوتار) وتشجيعه لممارسة فن المسرح آنذاك .
وكذلك قدم الشبلي عدد من النصوص المسرحية في ميسان قامت بتكرار تقديمها فرق أخرى في المكان ذاته ومن بينها مسرحية (شهامة العرب ) التي قدمها الشبلي أولا في مدرسة المفيد في مدينة الكاظمية عام 1931 ، والتي قدمت فيما بعد في مدرسة الكحلاء في عام 1933 في مركز المدينة وبحضور متصرف لواء العمارة ومدير منطقة المعارف ، وكذلك قدم الشبلي في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات مسرحية (قاتل أخيه) ، وقد قدمتها ( فرقة أنصار الفن )أيضا في ميسان وقد مثل الأدوار كل من عبود عبد الغفور وإبراهيم لفته حمادي وعيسى عـبد الكريم ،وقدمت مسرحيات أخرى كان لحقي الشبلي الدور الأساس في تقديمها أوفي إيصال نصوصها المسرحية للمحافظة وذلك من خلال زيارته الى ميسان .
لقد لعبت الفرق المسرحية العراقية والعربية الزائرة الى ميسان دور في تطور الحركة المسرحية فيها ، ولكن يوجد اختلاف في نوعية الدور الذي لعبته كل من الفرق العراقية والعربية، حيث يرى البعض أن الفرق العراقية كان لها التأثير الأكبر من الفرق العربية وهذا ما يوضحه ( عبد الله العزاوي) وهو احد أفراد (الفرقة التمثيلية الوطنية) بقيادة الشبلي حيث يقول : أقمنا عدة حفلات تمثيلية في لواء العمارة في الوقـــــت الذي كانت فيه ( فاطمة رشدي ) ومعها الفنان الكبير (عزيز عيد ) تقدم هي الأخرى حفلاتها التمثيلية في العمارة كان ذلك عام 1933 واستطعنا أن نقف أمام فرقتها في (37 ) حفلة مقابل (6 ) حفلات فقط كانت قدمتها (فاطمة رشدي ). ويرى كذلك (وليد طه العبيدي ) وهو احد رواد المسرح في ميسان ،ن سبب تأثير الفرق العراقية في المسرح في ميسان أكثر من الفرق المصرية، لان المسرح المصري في بدايته كان مسرحاً مرتجلاً أكثر منه علمياً فهو يعتمد على التطريب ويعرض حفلة راقصة ووصلة غنائية في تمثيلية شعرية تقليدية غير ناجحة أحيانا أو مقتبسة من بعض المسرحيات الأجنبية وبدأ ذلك واضحاً عندما جاءت الى العمارة الفرقة المصرية التي ترأستها ( فاطمة رشدي ) وقدمت عدة رقصات أو أغان خلال الفصل الأول والثاني والثالث في إحدى المسرحيات . وإذا لاحظنا في إجابة كل من العزاوي والعبيدي سوف نخرج بمؤشر مفاده ان تفاعل الجمهور في مدينة العمارة وخصوصاً من المهتمين بمجال المسرح كان مع الفرق العراقية أكثر من الفرق العربية ، ومن بين هذه الفرق العراقية تقف (فرقة حقي الشبلي) في الصدارة وذلك لكثرة زيارتها لمحافظة ميسان وكذلك تقديمها عروض مسرحية هادفة استطاعت أن تجد الإذن الصاغية لها من الجمهور الميساني .
المرحلة الثانية
وتبدأ هذه المرحلة من بداية الأربعينات وذلك عندما عاد حقي الشبلي من فرنسا وعين في وزارة المعارف مشرفاً على النشاط الفني في المدارس كانت من ضمن زيارته في هذا الإطار إلى محافظة ميسان للاطلاع على واقع النشاط الفني في المحافظة وخصوصاً الجانب المسرحي فيها .
وبعد فتحه فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة استمرت زياراته (حقي الشبلي) إلى العمارة حيث حضرة عرض مسرحية ( قاتل أخيه ) والتي قدمتها ( فرقة أنصار الفن ) والتي تأسست في العمارة سنة 1942 ، وهو أول عمل تقدمه الفرقة بحضور حقي الشبلي.
لقد دعا من خلال زياراته في الأربعينات إلى ميسان أبناءها للالتحاق بفرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة ، وقد التحق في هذه الفترة مجموعة من أبناء المحافظة ساهموا بعد تخرجهم في تطوير الحركة المسرحية في ميسان ، ومن بينهم الفنان (زاهر الفهد) و (مكي البدري) و (نوري إبراهيم) وغيرهم.
وفي الخمسينات تأسست في العمارة (جمعية الطليعة) والتي كان لها دوراً بارز في الحركة المسرحية في ميسان و خصوصاً في الخمسينات والستينات ،ترأسها (عيسى عبدا لكريم)وضمت عضويتها عدد من فناني ميسان من بينهم (عبدا لمحسن مله خصاف ، خالد نجم ، محمد سعيد حسون ، زاهر الفهد ، إبراهيم غزال وغيرهم ) وقدمت الجمعية أعمال مسرحية عديدة من بينها مسرحية (تيمورلنك) ومسرحية (وليم تل) ومسرحية (قسمتي).
وقد حضر حقي الشبلي مجموعه من العروض المسرحية لجمعية الطليعة ومنها (في سبيل التاج)والتي عرضت على مسرح مدرسة الإمام الصادق 1956ومسرحية (اقبض من دبش)التي عرضت على قاعة الفنون البيتية ومسرحيه (الصحراء)ليوسف وهبي والتي عرضت على مسرح ثانوية العمارة ، ومن الجدير بالذكر إن حضور حقي الشبلي لم يقتصر على المشاهدة فقط بل كان يعطي الإرشادات والملاحظات للمخرجين والممثلين بعد كل عرض مسرحي.
وفي الستينات والسبعينات كان اهتمامه بالمسرح في ميسان وقد وصل الى أعلى درجاته ، وخصوصاً بالمسرحيات الغنائية وكان حضوره هذه المرة ليس للمشاهدة وإعطاء الملاحظات بعد العرض المسرحي ، بل كان حضوره في البروفات أيضا ، حيث يقول المخرج (كاظم جبر العبودي) في هذا الصدد : لقد حضر الفنان حقي الشبلي عدد من البروفات النهائية للمسرحيات الغنائية ومنها مسرحية (يولدون من جديد) للمخرج رضا جابر الساعدي و(كل ليالينا كمر)و(شموع المحلة) للمخرج كاظم العبودي ، وقد شارك الشبلي المخرجين في البروفات وقام بإعطائهم التوجيهات والإرشادات للطريقة الإخراجية الصحيحة في كيفية رسم المشاهد ، وكان من ضمن الأمور التي يؤكد عليها لدورها المهم في المسرحيات الغنائية هي الموسيقى الفلكلورية وكذلك اللوحات التعبيرية المقدمة من قبل الممثلين ، وكان يشجع كل لمسه فنية في العمل ويقول بعدها: نعم أولادي أريدكم هكذا، ويقصد به التميز في الأداء.
ولعل الملاحظة المهمة التي تؤكد زيادة اهتمامه بمسرح المحافظات الجنوبية في فترة الستينات ومتابعته ورعايته يعود الى الأوضاع التي وصل إليها المسرح العراقي في تلك الحقبة التي جعل المسرح قاعدة للصراعات الحزبية والايدلوجية فيها، بينما كان يدعوا الشبلي الى مسرح تطرح فيه القضايا الفكرية والأدبية فهو “يؤمن بالدور الاجتماعي ويعد مهمة المسرح إنسانية ثقافية لا دعائية وكان يردد كلمات مثالية جاهزة عن إن المسرح معبد مقدس … المسرح يطهر النفس… إبعاد المسرح عن الصراعات السياسية الانية.
وأخيرا وصل دعمه في ميسان بأن طالب فنانيها بفتح فرقة قومية للتمثيل ،وقد أطلق هذه الدعوة في منتصف الستينات، وكان يكررها في اغلب الزيارات إلى أن تحققت في عام 1975 عندما شكلت الفرقة القومية للتمثيل في ميسان وكان أول مدير لها الفنان(عبدا لجبار حسن) .