عن الريبورتوار المعنى ومعايير الاختيار/ محمد الروبي
في مقالين سابقين تناولنا (الريبورتوار)، ماهيته وأهميته والدور الذي يمكن أن يلعبه في إنعاش الحركة المسرحية. وفي المقال السابق مباشرة آثرت أن أرجع خطوة إلى الوراء لأتحدث عن (الفرق المسرحية) قواما وهدفا وخصوصية، وأكدت أن الريبورتوار يرتبط ارتباطا وثيقا بالفرقة، فريبورتوار الفرقة هو الفرقة نفسها، هو تاريخها الذي يعبر عنها، عن توجهاتها ورؤيتها ومن ثم عن تجددها واستمرارها.
واليوم سأسمح لنفسي أن أفتح الحوار حول السؤال: (هل كل تاريخ الفرقة المسرحية يعد ريبورتوارا؟) أو بقول آخر: (هل يصح أن تعيد الفرقة تقديم كل ما سبق وأن عرضته طوال تاريخها؟). والإجابة عن السؤال هي في صميم معنى الريبورتوار. وهي التي ستكشف ما المقصود تحديدا به.
يظن البعض أن الريبورتوار وباعتبار أنه مخزون الأعمال الفنية التي قدمتها الفرقة، فذلك يعني أن كل ما قدمته الفرقة هو صالح لإعادة التقديم. والحقيقة غير ذلك تماما، إذ إن الفرق المسرحية وهي تقدم عروضها كل موسم، يظهر منها الجيد والضعيف، يخرج منها العادي والمتجاوز، ومن الطبيعي و(الإنساني) أن تكون العروض الفاصلة في تاريخ الفرق قليلة ومحددة، وتلك تحديدا هي ما نسميها بالـ(ريبورتوار).
وهنا يظهر السؤال التالي: (ومن ذلك الذي يملك حق تقييم أن ذلك العرض يستحق إعادة التقديم وأن غيره يمر مرورا عابرا؟ فهل مثلا سيكون الحاكم في ذلك هو مدى ما حققه العرض من نجاح جماهيري؟ أم أن هناك معايير أخرى؟
بالتأكيد هناك معايير أخرى (ربما من بينها ذلك النجاح الجماهيري)، وهي المعايير التي ترتبط ارتباطا وشيجا بما سبق وأن تحدثنا عنه في سياق معنى الفرقة المسرحية (قواما وملامح).
وهنا ستظهر مهمة أخرى – نفتقدها للأسف في فرقنا المسرحية ولم نعطها أبدا الاهتمام الواجب – وهي المهمة التي يمكن وصفها بالـ(دراماتورج). نعم فالدراماتورج ليس فقط هو ذلك الشخص الذي يعكف على نص مسرحي ليهذبه بالحذف وإضافة عناصر أخرى كالرقصة والأغنية (كما يتصوره البعض). لكن الدراماتورجي هي مهمة أصعب من ذلك وأشمل، هي المهمة التي تتأسس على ما سبق وأن أشرنا إليه بـ(ملامح الفرقة هدفا وخصوصية). الدرماتورج – سواء كان شخصا أو هيئة – هو الحارس على قوام الفرقة، هو الحافظ لطبيعتها، هو وبمعنى أشمل الفرقة ذاتها. وحتى تتضح الصورة دعونا نلقي بهذا المثال العملي: تخيل أنك مؤلف شاب كتبت نصا محكما دراميا، شهد له كل من قرأه بأنه نص (عظيم)، وذهبت به إلى فرقة ما. الطبيعي أن هذه الفرقة وبما لها من ملامح واضحة ولها هيكلها الفني المحدد، ستقرأ النص عبر الدرماتورج (شخصا أو هيئة)، وستعود إليك بالاعتذار أو القبول. في حالة القبول لا مشكلة هناك. لكن ستبقى المشكلة التي ستؤرقك هي الاعتذار. وستسأل نفسك لماذا رفضت الفرقة نصي رغم أنه، وبشهادة كل من قرأه وربما منهم أعضاء في الفرقة نفسها، نص جميل. هنا لا بد لك أن تعرف أن الرفض لا يكون دائما لرداءة النص، ولكن أيضا لأن ذلك النص الجميل لا يتوافق وملامح الفرقة، لا يثري هدفها، لا يتسق ومفهومها عن المسرح الذي تأسست من أجله. وهنا سنعود مرة أخرى إلى المثل الذي ضربناه في المقال السابق الخاص بـ(السياسة التحريرية للصحيفة) و… ما زال الحديث مستمرا.