نص مسرحي: " حــــــلــــم" / تأليف : عماد مطاوع
(مسرحية قصيرة في لوحات)
شخصيات العمل :
هي
هو
( اللوحة الأولى )
(أمام مبني قديم الطراز طلاء جدرانه متساقط , يقف “هو” محدقا في المبني , وبين لحظة وأخرى ينظر في ساعة يده, ثم يقطع المكان جيئة وذهابا, تدخل “هي” من يمين المكان تنظر صوب المبني القديم , تحدق في ساعة يدها وتقترب منه ).
هي : هل تأخرت عليك ؟
هو : (ينظر إلى ساعة يده) قليلا
هي : ( تنظر إلى ساعة يدها ) إنها بضع ثوان فقط
هو : ( بلهجة محتدة ) إن حياتنا يمكن أن تحددها هذه الثواني
هي : لا تغضب
هو : لست غاضبا .. لكن لو كنت تأخرت أكثر من ذاك ربما كان تسرب إلى الغضب
هي : ( تضحك ساخرة ) انتظر … لا يوجد موعد بيننا أصلا
هو : ( ضاحكا ) حقا … لقد ظننت أن ثمة موعد ما
هي : لقد ظننت أنا الأخرى ذلك
هو : عموما يمكننا ان نتعارف
هي : ألم نتعارف بعد ؟!
هو : كلا
هي : حسنا لنتعارف إذن
هو : هذا أمر يسعدني , لكن قبل ذلك علينا أن نعقد اتفاقا مُهمًا
هي : أي اتفاق ؟
هو : لا تتأخري على ثانية
هي : ( ضاحكة ) لن أتأخر
هو : ( يمسك يديها ويحدق في عينيها ) هل هذا وعد ؟
هي : وعد
هو : لنتفق إذن على الموعد القادم .
– إظـــــــــــــلام –
(اللوحة الثانية )
( أمام نفس المبني في اللوحة الأولى تقف “هي” تحدق في المبني وتنظر إلى ساعة يدها وتقطع المكان جيئة وذهابا, يأتي “هو” من يسار المكان مسرعا ينظر إلى المبني ثم يحدق في ساعة يده ).
هو : ( متلاحق الأنفاس ) أعتذر بشدة .. لقد تأخرت عليك
هي : ( بلهجة محتدة وهي تنظر إلى ساعة يدها ) بضع دقائق أخرى وكنت سأذهب
هو : ( مهدئا ) لا تغضبي أرجوك
هي : لست غاضبة
هو : لكن ملامحك تشي بغير ذلك ( يقترب منها محدقا في عينيها ثم يمسك يديها بين يديه )
هي : لماذا تأخرت ؟
هو : لقد حدث شيء رهيب اليوم
هي : ( مندهشة ) أي شيء هذا
هو : لقد استغرقت في حلم طويل ولم أرد أن أفسده باستيقاظي
هي : (متعجبة وهي تنزع يديها من بين يديه) حقا .. هذا أمر رهيب بالفعل, عليك أن تذهب إلى الطبيب
هو : ( قلقا ) هل تظني الأمر يستحق ؟
هي : أعتقد ذلك
هو : لكنني لا أشعر بأي ألم ولا توجد أية جروح بجسدي
هي : عليك أن تذهب للطبيب كي تطمئن
هو : هل تخافي على إلى هذه الدرجة
هي : ـأجل … كما أنني أخاف على نفسي كذلك , أليس من الممكن أن يكون هذا الأمر معديا
هو : هل يمكن ؟!
هي : من يدري ؟!
هو : أصدقك القول لقد كان حلما لذيذا .. لكم وددت لو لم أستيقظ أبدا من النوم
هي : ( بلهجة هلعة ) أرأيت .. لقد كنت محقة , عليك أن تراجع الطبيب
هو : أنت تحملين الأمر أكثر مما ينبغي .
هي : عليك ألا تستخف بما حدث .. لقد كانت لي قريبة أصابها نفس الشيء وقاست بسبب ذلك طويلا
هو : وماذا حدث لها ؟
هي : لا شيء
هو : وأين هي الآن ؟
هي : في القبر
هو : ماتت ؟
هي : ربما
هو : و الحلم ؟
هي : حلمك ؟
هو : كلا .. بل حلمها
هي : ماذا به ؟
هو : عن أي شيء كان ؟
هي : لست أذكر .. لقد كان ذلك قبل أن أولد بسنوات طويلة
هو : وكيف عرفت إذن ؟
هي : ربما يكون أحدهم قد قص على الأمر
هو : (يمسك بيدها ويفرد ذراعه كأنما سيراقصها ثم يقف قبالتها وهو يشير بإصبعه نحوها) لقد رأيتك في الحلم
هي : ( مندهشة ) حقا ؟!
هو : أجل
هي : وماذا كنت أرتدي ؟
هو : وهل هذا مهم ؟
هي : ربما .
هو : لم تكوني ترتدي شيئا
هي : ( بلهجة محتدة وهي تلوح بيدها أمام وجهه ) كيف تجرؤ ؟!
هو : لقد كان حلما
هي : ولو .. كان عليك أن تكون أكثر تهذيبا ولا تنظر إلى وأنا عارية
هو : ( مدافعا ) لقد …
هي : (تقاطعه) لا أحب أن تنظر إلى وأنا عارية (بلهجة حزينة) فأنا لست.. أقصد..إن جسدي..أنا أعرف انني لست كالأخريات الــــــــــ…..
هو : ( يقاطعها ) لكنني أراك أجمل منهن جميعا
هي: (بلهجة محبة) حقا؟! هل يعجبك جسمي؟! (تلف حول نفسها كأنها عارضة أزياء تقوم بعرض قطعة ملابس)
هو : (بلهجة مغوية) يثير جنوني (يقترب منها يضمها إليه وهي مستسلمة لها تماما..يهم بتقبيلها ثم يتوقف فجأة) من قال أنك كنت عارية ؟
هي : ألم تقل أنني لم أكن أرتدي شيئا ؟
هو : أجل .. لكنك لم تكوني عارية
هي : ( مندهشة ) كيف ذلك إذن ؟!
هو : كنت تقفين وسط دائرة من نور (يلف حولها) نور قوي مشع كان يغطي جسدك بخيوطه الذهبية
هي : وأنت ماذا كنت تفعل ؟
هو : كنت أبكي
هي : لم ؟
هو : لأنني كنت سعيدًا
هي : وهل يبكي السعيد ؟
هو : السعيد حقا هو من يبكي
هي : هل نذهب الآن ؟
هو : أجل .. فإنني أود أن أقص عليك بقية الحلم (يمسك كل منهما بيد الاخر ويخرجان من يمين المكان) .
– إظــــــــــلام –
( اللوحة الثالثة )
(في نفس المكان وأمام نفس المبني نرى “هو” و “هي” قادمان من يسار المكان, تتأبط “هي” ذراعه .. يحدقان في المبني القديم وينظران إلى ساعتيهما ).
هي : لقد تأخرنا
هو : ليس كثيرا .. إنها بضع ثوان فقط
هي : لكنهم ذهبوا .. لقد غضبوا بلا شك
هو : كان عليهم أن ينتظروا .
هي : كان علينا أن نحرص على الوقت
هو : ( لائما ) أنت السبب
هي : ( محتدة وقد وقفت قبالته بتحد ) كلا .. بل أنت السبب
هو : فلنكف عن الكلام … ماذا سنفعل الآن ؟
هي : لست أدري
هو : علينا أن نعود أدراجنا
هي : أود المكوث قليلا
هو : لم ؟
هي : ( تتطلع إلى المبني ) أشعر أنني جئت إلى هنا من قبل
هو : ( يحدق في المكان ) و أنا أيضا ينتابني هذا الشعور
هي : إن هذا المبني يذكرني بأشياء حدثت في الماضي
هو : إنه يذكرني بحلم قديم
هي : أي حلم
هو : لست أذكره
هي : أنت تخفي عني أحلامك
هو : ( ضاحكا ) أنا كتاب مفتوح أمامك يا عزيزتي
هي : خبرني عن حلمك إذن
هو : صدقيني لم أعد أذكر منه الكثير .. كل ما تبقى منه في ذاكرتي مجرد ظلال وأشعة ضوء وجسد امرأة
هي : ( محتدة ) أتفكر في امرأة أخرى غيري ؟
هو : قلت لك كان حلما
هي : ولو .. هذه خيانة
هو : ليست خيانة .. إنه حلم
هي : الأحلام أصداء لما يعتمل داخل نفوسنا
هو : لا عليك .. لقد كان حلما , المهم الآن أن نعود سريعا فربما يذهبون هم إلينا
هي : وهل يمكن أن يفعلوا ؟
هو : ولم لا
هي : هذه ليست عاداتهم
هو : ربما غيروها
هي : وهل تسمح القواعد بذلك
هو : نحن من نصنع القواعد ونحن أيضا من يخرقها
هي : وهل يسمح بخرق القواعد
هو : لقد وجدت القواعد كي تخرق
هي : وماذا سيحدث بعد ذلك
هو : لن يحدث شيء
هي : فلم كل هذا التعب إذن؟ كان من الممكن أن ندخر جهدنا ونبقى في مكاننا
هو : كان علينا أن نقوم بذلك
هي : ولم ؟
هو : لأنني رأيتنا نفعل هذا من قبل
هي : أين ؟
هو : في الحلم
هي : ( ضاحكة ) حقا .. هل رأيت ذلك .. قص على حلمك إذن ..أرجوك قصه على
هو : سأفعل , لكن عليك أولا أن تعديني بشيء مهم
هي : وما هو يا تري
هو : لا تتأخري على ثانية
هي : لن أتأخر
هو : فلم تأخرت اليوم
هي : لقد كنت أحلم
هو : ( مندهشا ) حقا
هي : أجل .. كان حلما لذيذا ولم أرد أن أستيقظ من النوم
هو: عليك أن تزوري الطبيب.. فقد يكون الأمر خطيرا (بلهجة مضطربة) حلم .. إنه شيء مخيف وينذر بالخطر
هي : هل تظن ذلك حقا؟
هو : أعتقد هذا .. فلقد كان لي قريب حدث له نفس الشيء
هي : وأين هو الآن ؟
هو : في القبر
هي : ( بلهجة متفاجئة ) مات
هو : لست أدري
هي : متي رأيته أخر مرة
هو : لم أره مطلقا .. لقد حدث ذلك قبل أن أولد بسنوات طويلة
هي : وكيف عرفت هذا الأمر
هو : لقد أخبروني .. ( مترددا ) أو أصدقك القول .. لقد رأيت ذلك في حلم
هي : ( ضاحكة ) أنت أيضا
هو : ( ضاحكا ) إنه حلم غريب سأقصه عليك ريثما نصل (يمسك بيدها ويواصلان الضحك ويخرجان من يمين المكان ثم تركز الاضاءة على المبني لعدة ثوان ثم يظلم المكان تدريجيا ويسدل الستار بهدوء ) .
ـ ختــــــــــــــام –