نص مسرحي: " أبناء الجمهوريات"/ تأليف: حسين السلمان
(المسرح عبارة عن غرف بيضاء متداخلة الواحدة في الاخرى لتشكل حالة فيها من الغرابة والدهشة، وهي ربما تشبه الى حد كبير مستشفى أو جزء معين منه، انها حالة لا تقترب من الواقع لكنها جزء” منه ..مجموعة من الاسرة والافرشة البيضاء تنتشر هناك وهناك … بعض من الاشياء المعلقة فوق الاسرة… حركة سريعة لمجموعة شخصيات تتقاطع في حركتها وتختلف في حالاتها النفسية ..شيء ما يشبة الهلع والفزع يعم المسرح بكامله …أصوات تشبه الانين البشري ..صراخ قوي متقطع..)
(من احد ابواب صالة المسرح يدخل رجل يحمل بيده اوراق كتب عليها ما يقوله لاحقا )
رجل 1 : (صارخا بقوة موجها كلامه للجمهور) ايها الناس..ايها الناس..نرجوكم ونتوسل اليكم أن تمنحوننا بعض الوقت للانتهاء من معالجة ما عندنا من مرضى، وهم باعداد كبيرة للغاية.. الرجاء ..الرجاء (يوزع بعض من تلك الاوراق على الجمهور)
( يصعد الى خشبة المسرح…في هذه الاثناء يدخل رجل آخر وهو ايضا يحمل أوراقا )
رجل 2 :(صارخا بقوة وموجها كلامه الى الجمهور) يا أهل هذه الديار..يا أهل هذه الديار..هذا آخر أنذار لكم أن لم تكفوا عن مراجعة مستشفياتنا فاننا سنتخذ الاجراءات الازمة لذلك ومنها الاضراب العام وهنا نقول أعذ من أنذر..أعذر من أنذر (يوزع الاوراق على الجمهور.. يصعد الى خشبة المسرح وهو يردد كلماته الاخيرة (
(من المقاعد الامامية للصالة ينهض المؤلف ويصعد الى خشبة المسرح ويبدأ حديثه الى الجمهور مباشرة …)
المؤلف : جمهورنا لكم قبلة حب وسلام من مؤلف هذه المسرحية حسين السلمان..شاكرين لكم حضوركم وعناء مجيئكم وكل ما أنقتموه لمشاهدة هذا العرض المسرحي الذي يقدم التاريخ، لكنه من خلال هذا التاريخ يناقشكم وفي احيان يحاكمكم ..فهل أنتم على أستعداد لتقبل هذا العرض؟؟؟ نحن هنا نقدم التاريخ كما نراه وكما نريده، فان كنتم معنا صفقوا لنا وأن كنتم ضدنا،وهذا ما نريده، فما عليكم الا أتخاذ ما ترونه مناسبا لكم..من حقكم الاعتراض علينا ونقدنا ..أصرخوا ضدنا لان مسرحنا هو طقس يعمل على تغير المشاهد وهو مسرح لا يبحث عن الايهام بحدث درامي، فانتم عقل يقظ.. لان مسرحنا يعمل على أيجاد علاقة بين الممثل والجمهور ..نحن نبحث عن متفرج يتساءل عن الادراك..متفرج متحول لا يخضع لرؤية النص فحسب بل نريد متفرجا يتمتع بموقف..أسف جدا ربما حديثي غير منسجم وغير متجانس..لكني أقول من أخطر الامور التدميرية أن ننظر لطريقتنا فقط دون النظر الى طريقة الاخرين ..وهذا يجعل الاعداء يتكاثرون لانهم لا يفكرون كما نفكر نحن …شكرا لكم متمنيا لكم مشاهدة لنقل طيبة (ينزل من على خشبة المسرح ويجلس في مكانه داخل الصالة )
(من خلال إضاءة على شكل بقع ضوئبة تتوزع على مساحة المسرح..يدخل شخصان بملابس بيضاء، أحدهم يدفع عربة تشبه عربة اسعاف ( انه رجل 3 ) والاخر يضع شرشفا ابيض على تلك العربة (أنه رجل 4) تبدأ ضجة كبيرة من خارج المسرح فيدخل رجل 5 ورجل 1 ورجل 2حيث يقفون امام باب كبيرة مغلقة ..أنهم في حالة بؤس، حالة غضب.. حالة يشوبها الجنون، أنهم اقرب الى من خرج من تفجير كبير..)
رجل 5: (رجل رقم 5يضرب بقوة على الباب) افتحوا الابواب..الا تسمعون ..نحن منذ زمن ننتظر هنا ..أفتحوا ماذا تنتظرون..لقد ابلغناكم بحالنا منذ فترة ..اخبرونا قبل فوات الاوان.
رجل 2 :نعم هذا ما يجب ان يكون ..ما عادت الامور كما تتصورون
رحل 1: ستنفجر روؤسنا وحينذاك تتحملون المسؤولية بكاملها
رجب 3: هم لا يدركون قساوة الوضع ـ لذا يعتقدون ببساطة الامر، فهم يرون الاشياء من خارجها ولا يدركون حجم الكارثة التي حلت بالوطن ..اننا الان امام خيار واحد وهو نهايتنا التي نأكدها بانفسنا ..وهذه هي الخيانة (الى الجمهور) ارجوكم لا تفهموا الامر متعلقا بخيانة زوجية او خيانة عمل أو خيانة وطن او خيانة صديق او صديقة او أي خيانة ..لان هذه الخيانات اصبحت متداولة ومتعارف عليها ، فاذا بقي الحال هكذا يتصبح من الامور الاعتيادية ويتحول المجتمع من خلالها….
رجل 5 : (يضرب بقوة ) الا تسمعون ..ها أنذا أفقد السيطرة على أعصابي ..هل تفهمون ماذا أعني بذلك ؟؟
رجل 3: هذه صورة واضحة للخيانة ..الخيانة في كل مكان من هذي الارض
رجل 4: يا رجل نحن مؤمنون .مجتمع مؤمن
رجل 3: وهذه هي الخيانة..مؤمنون ولكنهم لصوص..مؤمنون ولكنهم قتلة..يا سيد نحن الان على أعتاب مرحلة خطيرة سيصبح فيها الالحاد أفضل من الايمان ..
رجل 4: يا سيد توقف عن ذكر هذا الالحاد فانه يطرد الخير والبركة
رجل 3: لا ..أنت لا تدرك المعنى الدفين في هذا..جاءتني امرأة مع أبنها الملطخ بالطين من رأسه حتى قدميه..
رجل 4: لعلها تعتقد عندنا حماما عموميا
رجل 3: لا أنها تعرف ماذا تريد ..تعرف أن هذا الولد يبحث عن اصله
رجل 4: بدأت اشك في وضعنا النفسي ..هل انت على ما يرام!!
رجل 3: لك الحق في هذا الشك لان كل ما حولنا يحتاج الى الشك
رجب 4: دخلنا اعتاب الفلسفة
رجل3 : كل شيء قلسفة واليك صديقي فلسفة قصة هذا الولد الملطخ بالطين وهو يصرخ في وجه أمه ويقول أماه كيف خلقنا الله من طين ..وانا منذ الصباح أحاول خلق أبي ولم أستطع .
رجل4 :دعنا نعمل
رجل 3: عملنا الان يا صديقي هو خيانة ( يتحرك في اتجاهات مختلفة وهو في حالة خوف ورعب ..رجل 4 يراقبه …)
رجل 4: دعنا نبدأ العمل
رجل 3: انا لا اريد العمل ..
رجل 4: ماذا تقول !ّ!!
رجل 3: لن أعمل في هذه المهزلة
رجل 4: أنت حقا تجاوزت كل التوقعات ..تتحدث عن الخيانة وانت الان تمارسها
رجل 3: ( يصرخ) انت لا تفهم ..انا لا ارفض العمل ،بل ارفض نوعية العمل ..والفارق بينها كبير
رجل 4: دعني افهمك واضحا ..انت موظف ؟
رجل 3: نعم
رجل 4: والموظف يجب ان ينتج
رجل 3: ليس شرطا أذا فهمنا الامر من الجانب الاقتصادي
رجل 4: اقصد عليه ان يقدم خدماته
رجل 3: نعم
رجل 4: أذا هيا الى العمل ..هؤلاء الذين ينتظرون عند الابواب المغلقة يحتاجون عملنا..هكذا كتب علينا وهكذا كتب عليهم.. وما علينا الا تنفيذ عملنا
رجل 3: أتعلم كم من الحزن يحتويني حينما يصدر أمرا او قانونا لانني اتصور ان هذه القوانين وهذه الاوامر ستبني وطنا..لكننا في الحقيقية نخسره ..
رجل 4: دعك من هذا وتوكل على الله
رجل 3: كان الله قريبا منا,,يطبطب على ظهر طيبتنا ..يوسع من باب محبتنا ..يضيق على الحزن بضحكات حلوة كالعسل …كان معنا قبل أن ياتي هؤلاء المنادون باسمه ويغلقون الباب دونه .
رجل 5: (يضرب بقوة) انتم خلف الابواب والجدران ماذا تنتظرون!!! لقد سأمنا الانتظار..يبدو اننا تحولنا عندكم الى أرقام خرساء..ارقام ضائعة ضمن حساباتكم (يتوقف وينظر فيما حوله) عندي سؤال يا سادة هل انتم قطاع اهلي ام حكومي ؟
رجل 3: الر جل ينتظر جوابا
رجل 4: أجبيه أنت
رجل 3: الاصول الادارية تقتضي الاجابة أن تصدر منك لانك المسوؤل
رجل 4 : )يسحب رجل 3) اريد أن أسألك
رجل 3: غريبة
رجل 4: ما هي الغرابة!!
رجل 3 : عمرك ما سألتني
رجل 4 : السؤال وقت الحاجة ..انا لا أحب أن يسألني أحدا .
رجل 3 : اذا لماذا أنت تسأل ؟؟!!
رجل 4 : أقصد هؤلاء (يؤشر باتجاه الشخصيات الاخرى) لماذا يتكاثرون ؟؟
رجل 3 : لان لديهم مشكلة
رجل 4 : وهل المشاكل تجعل البشر يتكاثرون؟
رجل 3 : أنا شخصيا أعرف أن المشاكل تقتل البشر مثل الامراض ؟
رجل 4 : نعم هذا صحيح ..هل هم مرضى ؟
رجل 3 : أذهب وأسألهم ..أنهم بالقرب منك و لا تحتاج الى عناء كبير
رجل 4 : نعم ..هذا واضح ..ذاهب أنا ( يتحرك خطوة الى الامام وخطوتان الى الخلف ..)
رجل 3 : هذا هو التقدم الوطني..مقرف أمرنا نحن العرب. فأشياؤنا في تناقض تسير، فكلما تقدم ضياء علم الناس كلما ذهبوا في تفكيرهم الى ظلام الفتن والقتل..
رجل 4 : (مستمرا في حركته السابقة) ماذا قلت ؟
رجل 3 : قلت أنك ستظل في جهلك تدور
رجل 4 : شكرا لك
رجل 3 : ولماذا هذا الشكر !!!
رجل 4 : لانك وصفتني بالدروان..والدوران عنصر من عناصر تقدم البشرية..أنت تعلم أن أجدادنا السومريين هم الذين اكتشفوا الدوران متمثلا ذلك باكتشاف العجلة التي أشرقت وجه الحضارة حيث استطاع اجدادنا تاكيد قوتهم وجبروتهم
رجل 3 : نعم وجاءت العربة لقتل الاخرين وتأكيدا القوة والسلط الجائرة
رجل 4 : لا يستقيم الكون الا بالقوة
رجل 3 : (الى الجمهور) أيها الناس سيأتيكم زمن حينما تشتمون النظام تقتلون وزمن تشتمون النظام علانية حتى تنفجر روؤسكم من كثرة الصراخ والعويل .
رجل 4 : اذا ماذا نفعل ؟!!
رجل 3 : نذهب للناس ولنعرف ماذا يريدون ...(يقترب منه) أريد تنبيهك لشيء مهم
رجل 4 : وهل هناك أشياء مهمة !!!
رجل 3 : أنا أخشى هؤلاء الناس
رجل 4 : وأنا أيضا ..هم لا يبدون بذلك الجمال ، أنهم أقرب الى
رجل 3 : (يقاطعه) أنا لا أقصد هذا ..أقصد ينفعلون ومن ثم يثورون
رجل 4 : (يضحك) ابدا …ابدا ..أطمئن
رجل 3 : أذا كنت هكذا مطمئنا أذهب اليهم
رجل 4 : نعم علينا الذهاب اليهم وهذا واجبنا الاساس (يتحرك اربع خطوات الى الامام وخطوة الى الوراء..يكرر الحالة .. يلتفت الى رجل 3 ) ها صديقي الا ترى تحركي قد تجاوز الدوران
رجل 3 : نعم وأنتقل الى مرحلة العميان (يصرخ غاضبا) يكفي ..علينا التحرك قبل فوات الاوان …أنا ذاهب للناس لاستطلع ما لديهم
( يتحرك رجل 3 لكن رجل 4 يوقفه )
رجل 4 : هذا خروج عن الاصول
رجل 3 : أن تحركنا قلتم خروج عن الاصول وأن بقينا قلتم اين المبادرة
رجل 4 : طيب أنت ..لطيف انت ..حسنا دعنا نبدأ العمل ..
رجل 1 : الا يكفي هذا الانتظار ..افتحو الابواب..( يطرق على الباب )
رجل 2 : هذا آخر أنذار لكم والا سنقتحم كل الابواب والحواجز
رجل 4 : حسنا ايها الاصدقاء لقد بدأ الان عملنا الرسمي. فاهي هي الساعة الثامنة من هذا الصباح الجميل حيث نتشرف بحضوركم البهي ونستقبل بكل ترحاب طلباتكم (يقترب من الرجال خلف الباب) الان لدي أسئلة صغيرة ..هل سجلتم أسماؤكم ؟
الكل : نعم
رجل 4 : جميل ..هل معكم ارواقكم الثبوتية ؟
الكل : نعم
رجل 4 : هل تتبعون التقاليد؟
رجل 2: عن ماذا يتحدث هذا ؟!!
رجل 5 : اتركه ولا تفتح علينا بابا ريحها كريهه
رجل 2 : أنه يشك فينا..هل هو أفضل من؟؟ ثم هذا قول ميت، لان أتباع التقاليد لا يعني أن الاموات أحياء، بل أن الاحياء أموات
رجل 5 : هذا أجراء روتيني يختلف باختلاف الانظمة الحاكمة ..فهناك من غرق في مستنتقع الماضي وظل يتغنى به ، بل ويطالب بالتأرات لما حدث قبل الف واربعمائة سنة
رجل 2 : دعني اعرف قصده بالتمام
رجل 5 : لا تشغل بالك بكل ما يقال..هذه الايام امتلأت البلاد بالاقاويل ..أسمعني ثلاثة أمور عليك دراستها اولا لا تثق باحد ثانيا لا تتوسل لاي أحد وثالثا لا تتوقع أي شيء من أي أحد
رجل 4 : جميل ..الان من يدخل اولا..
( الرجال الثلاثة يتدافعون بشكل مثير للدهشة والاستغراب )
رجل 1 : أنا الذي وطئت قدماه هذي الارض ..وهذا هو ابسط الاستحقاقات
رجل 2 : أنا الذي أنبأت العالم بأمرنا وفتح الافاق لاصواتنا
رجل 5 : اذا أنا خارج السرب أغني..يا للعار..من طرق الابواب ومن ركل الحواجز!! يا للعار..انتم كنتم في فراشكم تنعمون بالدفء وأنا هنا وحيدا أقاتل بسيف الثلج (يتقدم للجمهور) ايها الناس نحن جريمة حرب دائمة الخضرة ..حتى دمائنا تعلق على حبل غسيل، هناك من يعتبرها دماء رخيصة لانها هدرت من أجل نظام آخر، وهي من جهة أخرى دماء طاهرة ..زكية ..شهيدة لانها تعود لنظام آخر..
رجل 4 : الرجاء ثم الرجاء عليكم اتخاذ امرا فاعلا وليتقدم احدكم
ر جل 3 : لماذا لا ندعو نحن أحدهم أو نتخذ طريقة من الطرق المتبعة في الدخول
رجل 4 : (يضحك) كبيرهم مثلا او من هو على اليمين …دعهم ينشغلون بأمرهم
رجل 3 : (يضحك بالم) اذن سنبقى على التل بانتظار أن يأتي البعير..ولم ار في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام
رجل 4 : (يضحك) أعدك بانهم لن يجدو حلا
(رجل 3 و4 يجلسان على العربة…رجل 1و2و5 يبدؤون بالتدافع من أجل الدخول ….)
رحل 3 :أنظر أنهم لا يتدافعون بل هم يتقاتلون
رجل 4 : حسنا أنت تصف الاشياء بشكل جميل ..ويبدو أنك من الشعراء
رجل 3 : وهل هذه جريمة ؟!!
رجل 4 : هذا يعتمد على نوعية الشعر ..المهم دعنا نستثمر وقتنا ونلعب النرد
رجل 3 : ماذا تقول !!! تلعب وهؤلاء يتقاتلون !!!
رجل 4 : وهل هذا ذنبي ..ما شأني بهم اذا لم يتقفوا
رجل 3 : يتوجب علينا اتخاذ ما يلزم
رجل 4 : أنت هنا تتهمني بالخيانة …الا ترى أنك تجاوزت الحدود ، وهذا لن ولا أقبل به
رجل 3 : ما أحلاك وانت تخطب شاجبا ، رافضا ..عاش الخطباء وما أكثرهم
رجل 4 : وهذا تطاول جديد ..أنا أنسحب (رجل 4 يتحرك للخروج من المسرح الا أن رجل 3 يوقفه بلطف )
رجل 3 : اولا دعني افهم اسباب الانسحاب ونحن على أعتاب مرحلة جد خطيرة
(أصوات مرعبة ومثيرة لتحطيم أبواب وشبابيك …أنبعاث غبار كثيف يعم المسرح مصحوبا بصراخ نسوي مرير.. جميع الرجال على المسرح يؤدون حركات تعبيرية تعكس حالة الخوف والهلع التي تسيطر عليهم…من بين هذا الخراب الكبير تخرج امرأة تبدو وكانها ميتة خرجت للتو من قبرها بتلك الملابس البيضاء الممزقة التي أكلت الوانها دخان وغبار الاماكن التي أجتازتها في رحلة عذابها هذه ..وعلى الرغم من هذه الحالة المتعبة تبدو المرأة بأبهى عنفوانها ورقة وحنان أمومتها….)
المرأة: هذا الموت بساعاته الصدئة.. يكبر داخلي كالوحش المفترس.. ويركض في جهاتي بحوافره الحادة.. مخلفا في جسدي الدمار والجروح.. هذا الموت وحش ضاري.. أحمله داخلي مرغمة.. وأرقبه متفرجة..وهو بستعذب في جسدي النهش.. ولا يرحم.. امومتي…أنوثتي..عشقي وموقد أحلامي.. وفاكهة بستاني.. وموطن أقدامي .. وحسن مقامي
رجل 4 : من أنت !!! من الذي أتى بك الى هنا
المرأة :من خراب روحي ..من وجعي الغائر في اعماقي اتيت
رجل 4 :أ أ نت مخيفة ..ربما انت ساحرة
المرأة: ساحرة.. مجنونة …ميتة أبعث من جديد …قل ما شئت
رجل 4 : هذا مكان ليس للامراض العقلية
المرأة: نحن النساء في كل مكان يصح وجودنا.. ما من بقعة أرض الا ونشرنا افراحنا واحزاننا ..تعال وأبدأ بمعجزتي لعلك تستطيع معي صبرا
رجل 4 :أولا أرجو منك الهدوء
المرأة : هل أنا عكس ذلك ؟
رجل 4 : لا ابدا ..أنت هادئة وجميلة
المرأة: منذ زمن لم اسمع هذه الكلمات الرقيقة
رجل 4 : الاوضاع الراهنة لا تسمح
المرأة: متى تسمح لنا الاوضاع بتبادل هذه الكلمات الحلوة والرقيقة
رجل 4 : عفوا هذا ليس من اختصاصي .. هل يمكن أن أقترب منك ؟
المرأة : هل أنا مخيفة الى هذا الحد ..
رجل 4 : لا أبدا ..تفضلي ( تذهب المرأة لتقف بالقرب من العربة ..يتبعها رجل 4 الذي يقف خلفها ) ماذا بك ؟
المرأة: (المرأة تنظر الى جميع الرجال …تنظر الى الجمهور منتظرة ان يتم الهدوء الكامل سواء على خشبة المسرح أم في الصالة) أريد ألغاء ذاكرتي (صمت مطبق…الكل ينظرون الى المرأة التي تنفض الغبار عن ملابسها ..) نعم أريد الخلاص من ذاكرتي ، انها ما عادت تنفع بشيء..كل ما فيها هراء..كل ما فيها دمار وخراب ..خذوا كل ذاكرتي وساقول لكم شكرا جزيلا ..أنها لم تعد صالحة للاستعمال البشري وتوجب على الغائها .
رجل 1 : يا ويلي أنا قادم لهذا الامر أيضا
رجل 2 : كنت أعتقد أن الرجال فقط يعانون من فساد الذاكرة
رجل 5 : إذا اردنا نحن الرجال الخلاص من ذاكرتنا فلربما تموت أو تتعطل العديد من مفاصل المجتمع، لكن أن تموت أو تتعطل ذاكرة المرأة فهذا الخراب العام للمجتمع
المرأة: ( المرأة تتحرك نحو رجل 3 الذي يبتعد خائفا عنها .تتحرك نحو رجل 4 الذي يحاول الهرب الا أن المرأة تمسك به ) لا تهرب يا صديقي أنا لم افعل شيئا ضدك
رجل 4 : أنا صاحب عائلة
المرأة : أعرف كلنا متزوجون وربما ثانية وثالثة ورابعة وما ملكت ايمانكم…حتى الاطفال، بل الجنين متزوجة :أعرف أ لانه يعاني من اشكاليات …المشكلة ليس في الزواج ..مشكلتنا في (تتوقف عن الكلام)آه لو كنت قادرة على أختراق روحي (تمسك رجل 4 ) ما لطبول أحزاني تدوي طوال اليوم.. آه يا الهي لماذا كل هذا الظلام يخيم على حياتنا ويبعثر حتى أحلامنا الصغيرة
رجل 4 : أتركيني أرجوك ..هذا غير مستحب
المرأة : تستحرم أن تمسكك امرأة ولكنك لا تستحرم أغتصابها وتدمير حياتها
رجل 4 : (لرجل 3 ) أبعدها من هنا ..لتذهب الى مكان علاجها
رجل 3 : المرضى لا يستبعدون، المرضى يعالجون
رجل 4 : (رجل 4 يذهب مسرعا نحو رجل 5 ) هل الدور لك ؟
رجل 5 : مرضنا واحدة والحمد لله ..عالج المرأة أولا
رجل 4 : هذا ليس اختصاصية اولا
رجل 5 : هل نرميها في الشارع ؟؟
رجل 5 : يا رجل أنا اختصاص رجال
رجل 5 :الامر لا يتعلق بالامراض التناسلية
رجل 4 : أنت لا تعرف الفرق بينهما
رجل 5 : نعم أنا لا أعرف بعلم الطب، لكني لا أجد علاقة بين الذاكرة والاعضاء التناسلية ذكورية كانت أم أنثوية
رجل 3 : (يتحرك نحو رجل 1 و 2 )عذرا لماذا أنتم هنا؟
رجل1 : اريد إلغاء الذاكرة
رجل 2 : اريد إلغاء الذاكرة
رجل 5 : وانا أيضا أريد إلغاء الذاكرة
المرأة : حسنا دعونا ننظم أنفسنا ونظهر بمظهر لائق وجميل
رجل 5 : هكذا هي قارورة الجمال والالق تنصب نفسنا دليلا
المرأة: شكرا ..وحتى لا نثقل على الكادر الطبي سأقسمكم الى أقسام وكل قسم ينتمي الى فترة أو لنقل الى جمهوريات …من يترشح لإلغاء ذاكرة الجمهورية الاولى؟
رجل 3 : عفا الله عما سلف (يهتف) عاش الزعيم الغالي واتحاد فيدرالي وهناك ما هو اجمل اسال أسسل الشرطة وماذا تريد وطن حر وشعب سعي
رجل 5 : أنا حاضر
رجل 1 : وأنا حاضر
رجل 2 : وأنا حاضر
المرأة: كم اصبح الموت سهلا فنحن نذهب اليه طوعا..هذه الفوضى لا تؤدي بنا الى نتيجة..اسمعوني..أنت (تتقدم نحو رجل 1) أنت تذهب الى الجمهورية الاولى..وأنت (تتقدم الى رجل 2 ) الى الجمهورية الثانية .. و أنت (تذهب الى رجل 5 الذي ينظر لها برقة ) هل أنت شاعر؟
رجل 5 : عذرا …. لا ..لكني عاشق
المرأة: بلد بلا شعراء لا حب فيه (لرجل 5) أنت تذهب الى الجمهورية الثالثة…أما الجمهوريات الباقية لي الجمهورية الرابعة. أما الخامسة والسادسة فانها توزع علينا بالتساوي(تنظر للجميع)إذن اتفقنا..أو دعونا نتفق ولو لمرة واحدة..هذا حزن عام حمله العراقي منذ سومر وحتى الان ..
( إظـــــــــــلام )
(مكان لا ملامح واضحة فيه..شيء أقرب الى العيادة الطبية أو أنه صالة واسعة ذات فضاء مفتوح)
رجل 1 : (يدخل يتجول في المكان خائفا مرعبا) هل من أحد هنا ؟؟؟ يا أبناء الجمهورية الاولى اين أنتم…لقد ارسلوني لكم وها هي أوراقي الثبوتية .أنا أبحث عن طبيب.(يدور في أماكن مختلفة..يلمح رجل 4 الذي يقف بالقرب من سارية يريد رفع علم …)
رجل 1 : هل أنت من هنا؟
رجل 4 :ماذا تعني من هنا !!!!!
رجل 1 : أقصد من هذي البلاد
رجل 4 :هل أنت غريب؟ ..لحظة لا يبدو عليك غريبا
رجل 1 : نعم لست غريبا ..أنا أبن هذا الوطن لكني مريض
رجل 4 : المستشفيات منتشرة في عموم الجمهورية
رجل 1 : عاش الزعيم
رجل 4 : عاش الزعيم (رجل 4 يعمل على تحريك حبال العلم ويبدو أنه يعاني من مشكلة)
رجل 1 :هل تريد أن أساعدك
رجل 4 : لا
رجل 1 : كم هي قاسية هذه اللا…يبدو أنك تريد رفع العلم
رجل 4 : لست على عجلة من أمري
رجل 1 : هل أنت طبيب
رجل 4 : نعم …تعال (يأخذه بالقرب من العربة) أصعد وأفتح صدرك
رجل 1 : (يضحك) لست مصابا بطلقة مقاومة
رجل 4 : إذن لماذا أتيت ؟؟
رجل 1 : أريد إلغاء ذاكرتي
رجل 4 : (رجل 4 يهرب فيلاحقه رجل 1) أنتم خطرون …لقد أذيتمونا كثيرا
رجل 1 : لا تخف ..إلغاء ذاكرة ليس مرضا معديا ..انها اسهل من الزائدة الدودية
رجل 4 : أنت لا تفقهون مصيبة ما تعملون .. أنتم تلغون تاريخا
رجل 1 : وما فائدة التاريخ اذا كان فاسدا
رجل 4 : التاريخ هو التاريخ …وهكذا يظل هو تاريخا
رجل 1 : حتى وأن كان ظالما وقاتلا …ارجوك هناك دجلا قديما حول التاريخ لا اريد تحريكه لان فيه رائحة كريهة…أنا ساسهل عليك الامر لاني أعرف اسرار ذاكرتي واعرف أين تختبئ..تعال وانظر (يمد راسه للرجل 4 الذي ينظر بلا مبالاة) سارشدك الى المواقع التي عليك إلغائها..هنا تاريخ بليد أنه يحب او يعشق المؤامرات والمشانق والاعدامات..انظر كيف يهاجم بل يدمر الجمال ..أرفع بملقطتك الجميل كل هذه الترهات وكل هذه الترسبات السخيفة
رجل 4 : حسنا سابدأ العمل (يبدأ النظر الى رأس رجل 1) لاشيء .لا ارى شيئا
رجل1 : لا يهم أن ترى أو لا ترى ..فكل شيء هنا في رأسي افتراضي
رجل 4: (يفتش ويبدو عليه الاهتمام) هنا شيء يشبه المستنقعات..شيء يبدو لي جميلا لكنه سرعان ما يتحول الى اشياء قذرة نتنة
رجل 1 : مهلا..مهلا هذا ليس مستنقعا،أنه يا سيدي مزرعة حب أنشأتها في رأسي لكني في اليوم التالي أجد من بنى بجانبها مقبرة .
رجل 4 : وهنا شيء آخر يتدفق لكنه يبعث رائحة نتنة ايضا
رجل 1 : كلما أحفر نهرا كي أتنزه على ضفافه أجد من شيد على ساحله مغتسلا للموتى
رجل 4 : (بفزع ) ما هذا !!! يا للهول..ذاكرتك تتدثر بغطاء سميك ولهذا أنت تشعر بثقلها عليك
رجل 1 : أنه ثوبي الابيض الواسع الجميل يقولون أنه كفن
رجل 4 : لم ار في حياتي مثل هذا (يتحرك في حوض المكان) هذا شيء لا يصدق..أشواك كثيرة كالغابة تنمو بين أنسجة الذاكرة..شيء خارج عن كل التصورات العلمية
رجل 3 : (يدخل مسرعا) ماذا حدث !!!
رجل 4 : العجب ..العجب …تعال وأنظر
(رجل 4 يفتح مجالا لرجل 3 …ينظران لرأس رجل 1 الذي يبدو طبيعيا جدا حيث تعلو وجهه ابتسامة )
رجل 3 :غريبة هذه الامراض ..يبدو أن الساعة آتية لا ريب فيها
رجل 1 : هل انتهت التحليلات؟
رجل 3 : أنتم المرضى لا تصدقون ..هنا (يؤشر الى رأس رجل 1) كل شيء واضح
رجل 4 : العمل هنا جد صعب وهو يحتاج الى تحليلات وأشعة ملونة
رجل 1 : لا تستعجل الامر ..أنها شجرة الجوري التي زرعتها في حديقة منزلي والتي أسقيها كل يوم كي تعطي وردا عطرا ..لكنهم تلفقوا عليها ويقولون أنها أشواك عاقول..أنها أشواك ضارة لا تعطي غير الغرنوب..إذن هم يقتلون أمنياتنا ويريدوننا أن ننسحب من ميدان الحياة…أكمل أرجوك ستجد ما هو جميل أيضا
)الرجلان وباهتمام كبير ينظرا في رأس الرجل ….)
رجل 4 :حقا هنا شيء جميل ..أنظر أنه يشبه هذا المكان الذي نحن فوقه …نعم مسرح وجمهور
رجل 1 : (ينهض فرحا( مرحى..مرحى..لقد عثروا على اعمق مكان في الذاكرة..أهلا بك أيها المسرح الجميل ..لقد شرفتنا باطلالتك البهية…أيها المسرح أتوضأ بك انطلاقا…
(من خارج المسرح يسمع صراخ قوي …يدخل رجل 2 مسرعا )
رجل 2 : ارجوك لا تلغي هذا الجزء المتعلق بذكريات تربطني مع صديقي هذا
رجل 1 :نعم ..نعم كنا طلبة في معهد الفنون الجميلة ..اهلا بك صديقي (ينهض ويصافحه بحرارة ) خذ يا صديقي ما تشاء فذاكرتي تحت تصرفك
رجل 4 : (لرجل 2( كيف دخلت !! من سمح لك !! هذه فوضى
رجل 3 :أهدأ ..ربما لديه ما يفيدنا
رجل 4 : هذه صالة عمليات معقمة ولا يصح دخولها لغير العاملين
رجل 2 : لا تخف ..الجراثيم للجراثيم أصدقاء
رجل 4 : هل انت افهم مني بعملي
رجل 2 :الجراثيم تهرب مني لانني ممتليء بفايروسات قاتلة
رجل 3 :تفضل ..هل من خدمة؟
رجل 2 : لقد كنا وصديقي (يؤشر نحو رجل 1) طلبة في معهد الفنون الجميلة..حين اشرقت علينا الجمهورية الاولى انخرطنا فرحين مؤمنين أنها بداية البناء والتقدم، ولهذا بدأ مسرحنا ..
رجل 1 :نعم ..قدمنا أجمل المسرحيات وأحلى اللوحات وأرقى الموسيقى.. ما من شعب فرح بجمهوريته مثل شعب العراق..غصت بنا المدن والشوارع ..نرقص ونغني ونهتف للعسكر..أنها لم تزل شاخصة أثارها الجميلة .. وانها تحولت الى رموز وطنية (يذهب نحو رجل 2 ويحتضه) آه يا صديقي ..لم تزل طرية تلك الذكرى التي قدمنا فيها مسرحية بستان الكرز لتشيخوف..كان حلمنا مثلما أراد الكاتب أن يتحول بلادنا من بلد زراعي الى صناعي نتحول من الاقطاعية الى الاشتراكية التي لم نذق طعمها حتى الان ..
رجل 2 : وكانت الشعارات مثل اللهيب في ارض الوطن : صداقة سوفيتية واتحاد فيدرالي
رجل 3 : لا زعيم الا كريم
رجل 1 : ( يتحرك نحو رجل 4 ) أرجوك هشم هذا الحلم فهو أول الدمار
رجل 2 : (يصرخ بقوة ) لا …لا ..لا أسمح لك بتدمير حلم شعب باكمله
رجل 1 : كثيرا ما غرقت الشعوب باحلامها..سترى لاحقا ان التاريخ غبيا يعيد نفسه في الجمهوريات اللاحقة لان الثوري لم يستطع أن يجعل الثورة شيئا جميلا يحبه الجميع
رجل 2 : ( يصرخ ) هذا لا يعنيني ..لن أسمح بالغاء هذه الذكرى لانني شريك معك فيها
رجل 1 : لو كانت الشراكة نظيفة وجميلة لجعل الله له شريكا (يقترب من رجل 2 ) يا صديقي الذاكرة مرمية على ارصفة الطرقات وتسربلت الى المجاري الثقيلة ..اذهب لعلك تجد ما تريد
رجل 2 : لن اسمح بهذا
رجل 1 : هذه ذاكرتي ..وهذا رأسي وأنا حر بهما
رجل 2 : لكنها ذاكرتي أيضا
رجل 1 : يا صديقي وشريك ذاكرتي لتعلم.. لك ذاكرتك ولي ذاكرتي..فأحتفظ بما أنت مؤمن به، وأنا أحتفظ بما أنا مؤمن به
رجل 2 : دعنا نتفاهم لايجاد مخرجا من هذه الازمة
رجل 1 : يا صديقي لا تذهب للازمات والحلول لان طريقها دائما مسدودا..(يتحرك نحو رجل4 ) أبدأ العمل بإلغاء كل الذاكرة
رجل 2 : لن أسمح لك (الى رجل 4) اذا فعلت شيئا مما يريد فانت مسوؤل امامي
رجل 4 :وما شأني أنا ..!!! انتما تتخاصمان وانا بعيد كل البعد عنكما
رجل 2 : انت تقتل ذاكرتي والقاتل مطلوب لنا
رجل 4 : وذهبت الى التخلف والتهديد ..أنا منسحب (يتحرك نحو رجل 3 ) تعال لقد اصبح عملنا لا حرمة له..انتم تستبيحون حرمة الطب وقوانينه، هذه المهنة الانسانية جعلتموها مهزلة وهذا ما لا نفبله بل نرفضه
رجل 2 : تريد قتلنا باسم حرمة الطب وقوانينه !!! اذن أبدأ معي
رجل 4 : عندي مريض وعلى اكمال عملي معه
رجل 2 : أتركه
رجل 1 : ما هذا التطفل ..انت باي حق تاخذ مكاني؟
رجل 2 : ذاكرة جمهوريتك تحتاج لوقت طويل ..اما جمهوريتي ..
رجل 3 : يقصد جمهورية الرئيس الحاج أو ما كانوا ينادونه بابننا الحاج ،لانه اول رئيس أقر رسميا مراسيم عاشوراء في الاذاعة والتلفزيون. لو ببدي لزوجت كل العراقيين
رجل 2 : (يقترب من رجل 4 ) هنا ..نعم هنا تختمر علتي (يؤشر الى رأسه)
رجل 4 : (ينظر الى راس رجل 2 يسرعة) حقا وضعك استثنائي ..اتركونا لوحدنا
رجل 1 : وأنا ابقى هكذا معلقا بين الحياة والموت …ساقدم دعوى ضدك
رجل 4 : ما لهذه الجمهوريات تتصادم وتتقاطع..الواحدة تاكل وتدمر الثانية..كلما سقطت جمهورية نهشتها الجمهورية اللاحقة .. وهكذا انقلاب في رحم انقلاب والعاقبة للمتقين (يقترب من رجل 1 ( ارجوك بلا دعوى ولا عشيرة .. اجلس ماذا تريد؟
رجل 1 : شيء يصرخ في راسي ..نيران من الالم تحيطني …انظر وسترى الهول الكبير
رجل 4 : (ينظر بلا اهتمام) لا شيء..لا شيء ابدا ..حتى ان دماغك لا تلافيف فيه..انه مسطح كالمرآة
رجل 1 : لا يهمك دماغي ومستوى الذكاء فيه ..أدخل الى العمق ..ها ..هل رايت شيئا ؟
رجل 4 : نعم ..نعم انها وديان وصخور ودماء
رجل 1 : ( فرحا ) جميل..جميل جدا .نعم هي الصخور والوديان والدماء قد تداخلت في جريمة واحدة
رجل 4 : هنا شيء … شيء لا استطيع … لا . انه ملابس شعبية
رجل 1 : نعم انها لصديقي الكردي
رجل 4 : لكنه بعيد غاية البعد عنك
رجل 1 : لا . .. لا اعتقد هذا ..انه صديقي ..ربما انت لا ترى الاشياء على حقيقتها
رجل 4 : نعم هناك ضبابية
رجل 1 : انت ماهر هذه المرة..نعم الحدث كان في يوم ضبابي وكان باردا جدا خاصة بعد توقف سقوط الثلج
رجل 4 : نعم ارى شيئا من هذا القبيل
رجل 1 : قل لي هل يبدو صديقي مرتاحا ؟
رجل 4 : لا ادري
رجل 1 : هل يمكن ان تساله ؟
رجل 4 : هذا غير ممكن
رجل 1 : مؤسف الطب في بلادنا متخلف ..حسنا هل هو نائم ام يقظ؟
رجل 4 : لا اعرف ..انا ارى ظهره
رجل 1 : اقلبه
رجل 4 : لا استطيع
رجل 1 : حسنا ساقلب راسي لعلك ترى وجهه
رجل 4 : لا يمكن سيظل ثابتا مثل الذاكرة
رجل 1 : حزين انا على نفسي وعلى صديقي..كنت اتمنى ان يرانا ونحن نشتغل.. حسنا عليك الغاء هذه الذكرى ..لقد كان صديقي الكردي يطعمني في النهار ويقدم لي الشاي الساخن ..ذات صباح بحثت عنه في القرية التي كنا نعسكر فيها فلم اجده..سالت الكثير من الرجال من دون ان احصل على جواب.الا ان طفلا جميلا قال لي انه قتل ليلا فوق الجبل ..حينها عرفت انه الشخص الذي قتلته البارحة ليلا عندما هاجم ربيتنا..انه صديقي في النهار ويقاتلني في الليل
رجل 4 : لم اعد ارى شيئا
رجل 1 : (يضحك) لم نزل في اول الدرب..هذه الجمهورية فتحت علينا النار من كل الجبهات خاصة العربية منها ..كانوا يريدون امتصاص ارواحنا وتقشيرعظامنا يستغلون فتوة الثورة وجرها لمصالحهم ..انهم فتحوا ابواب التآمر و العنف الذي يتغذى من العروبة العنصرية ومن دجل الاسلام السياسي
رجل 4 : اين ذهبت بنا ..صور معتمة تغلفها الدسائس والمؤامرات
رجل 1 : لم اذهب بعيد..كل الاهداف تحت مرماي.. ها هي اسلحة بور سعيد..كل ما حدث للجمهورية الفتية هو تقويض جاء من الاشقاء الاعداء.وهكذا تغذى العنف من طعام دعاة العروبة والاسلام.ارجوك انظر فقط هنا..نعم هنا في هذا المكان يبدو لي انه مكتظ بالصور المتناقضة… هل ,,هل وجدت شيئا؟
رجل 4 :لا شيء ..اعتقد ان الامور اصبحت جيدة
رجل 1 : دقق ثانية..كيف انت لا ترى وانا ارى كل شيء!!! ها هو الرئيس المشير الذي يهوى التصوير الفوتغرافي ويحب الزراعة المنزلية ويتابع الافلام العربية..
رجل 3 : وازيدك علما انه يرتبط بعلاقة صداقة مع المطرب الجميل ناظم الغزالي
رجل 4 : يا للغناء الاصيل….بالمناسبة انت فنان هلا نسمع منك اغنية من ذلك الزمن الجميل ..
رجل 1 : اسف جدا صوتي لا يساعد من كثرة السكائر وملحقاتها
رجل 2 : انا اغني بشرط واحد
رجل 4 : الاشتراط في الفن غير مقبول
رجل 2 : هكذا اريد ..اغني بشرط
رجل 1 : طيب ما هو شرطك
رجل 2 : وافق اولا
رجل 1 : موافق
رجل 4 : كيف توافق من دون ان تعرف الاتفاق!!!
رجل 1 : هزلت كل اتفاقاتنا ..الا ترى خارطة الوطن تفقد تدريجيا اتفاقاتها
رجل 4 : دعونا نعمل بما هو اجمل .انا من المعجبين بغناء القبنجي وداخل حسن وزهور حسين
رجل 2 : الان اسمعو شرطي… ان لا تلغي ذاكرته
رجل 4 : انت يهودي البندقية
رجل 1 : طيب موافق ..غن
( يبدأ رجل 2 بالغناء … اغنية على جسر المسيب لناظم الغزالي )
رجل 1 : (لرجل 4 ( قل لي كيف استطاع المشير الجمع بين الغناء وتلك المؤامرات التي قادها ضد اصدقائه (يتحرك سريعا منفعلا نحو رجل 2) هذه القاذورات تريدني ان احتفظ بها ..خذها ما دمت تحبها ..اما انا يا صديقي فاتني ان ابصق عليها وعلى من فيها (بانفعال كبير يذهب نحو رجل 4 ) ارجوك دمر هذه الذاكرة العاهرة..لا حاجة لي بذاكرة تقطر خيانة وخساسة (يتحرك نحو الجمهور صارخا باكيا) لا اريد ذاكرتي البائسة..انقذوني ايها الناس من هذا الشر المستطير الذي جل ما اخشاه ان ينتقل اليكم ..ارحموني اريد ان اكون انسانا امارس دوري بصدق في بناء فردوس النعيم في بلادي.( يبكي بحرقة) ارجوكم ارحموني..سادعوني بحق العراق وارض العراق.. فالخديعة احتوتنا من الراس الى القدم تمر علينا كسحابة سوداء مقيتة بعمامات وعبائات المقدس (مواصلا البكاء)
رجل 3 : (يتقدم نحوه ويحتضنه مواسيا) حسنا ,,عليك ان تستريح (يسحبه جانبا) لقد آلمتني كثيرا ..اجلس هنا
رجل 1 : لماذا ؟؟
رجل 3 : كثيرا ما تكون العملية الاولى فيها اشكاليات
رجل 1 : يعني عمليتي فاشلة
رجل 3 : انت الان تحت التخدير..سنواصل معك لاحقا..استرح لعل الذاكرة تشيخ وتسقط من جانبيك ..استرح (يجلسه على العربة فينطرح رجل 1 عليها وينام)
رجل 2 : (يقفز فرحا) اذن حان دوري الان ..انا جاهز وبكامل وعي وبارادتي (يهرع مسرعا نحو رجل 4 و3)
رجل 3 : ارجوك احتفظ بهدوءك و لا تتحرك كثيرا خوفا من حدوث اعراض جانبية
رجل 2 : اريد حذفا كاملا
رجل 3 : لماذا تكذب ؟؟
رجل 2 : (بعصبية محتجا) لا اسمح لك انا لم اكذب
رجل 3 : ماذا قلت لصديقك فبل قليل..
رجل 2 :هذا لا يخصك ..هذا شاني الخاص
رجل 3 : هذا تلونك الخاص ..هذا قناعك الخاص
رجل 2 : ( الى رجل 4 ) ابعد عنى هذا
رجل 4 : حسنا لننهي الامر ..
( رجل 3 يذهب بعيدا )
رجل 2 : انا رجل هادئ ومسالم، لا انتمي الا لنفسي (ينظر فيما حوله) اين ذهب صاحبك؟؟
رجل 4 : استراحة قصيرة …الا ترى اننا متعبان للغاية
رجل 2 : اذا كان هو متعبا.. فانا جريح..انا مهجور على ذمة الموت.. لا احد يشعل سراجي..نصفي مجنون.. ونصفي الاخر غير عاقل اتوضا قبل الحب.. مفترضا انه النجاة..ألوح للمراكب التي لا تجيء.. واشد على المتعبين..لانهم تركو الذاكرة..بلا ضحية
رجل 4 : (يفحص رجل 2 ( انت بذات الداء وذات المشكلة
رجل 2 : انظر في هذه الدائرة ..نعم الدائرة السوداء المغلقة والمحاطة بشريط دموي ..انها جمهورية المهيب ..جمهورية الاب القائد
رجل 4 : نعم هي تتضح امامي …يا للمصيبة
رجل 2 : ولم هذه المصيبة !! عليك ان تقول يا للفرحة..يا للبهجة والسعادة.. ها ماذا وجدت ؟؟
رجل 4 : حذاء
رجل 2 : (ينهض فرحا وهو يدور في المسرح) مرحى ..مرحى لقد تحققت الامنية التي انتظرها منذ عهود ..ها انذا قد حصلت عليها ..انها تعادل ايقونة ثمينة ستدر على الملايين ..لتعرف زوجتي واولادي وبناتي اننا اصبحنا اثرياء بعثورنا على هذا الحذاء.. (يقترب من رجل 4 ) قل لي مبارك …لا تسكت ..لماذا لا تحب الخير للناس؟؟ ارجوك اريد ان اسمعها منك
رجل 4 : (بلا اهتمام ) مبارك
رجل 2 : الحذاء يعني بالعراقي قندره طبقا لقول الاب القائد قندرة الزعيم تشرفكم..المفارقة المؤلمة ان قائل هذا الكلام هو من المتآمرين على قتل الزعيم ..وقد مات بمثل ما تآمر به على اصدقائه ..
رجل 4 : (فرحا) ها… هذا جميل
رجل 2: لن تجد الا الجميل عندي
رجل 4 : انه ….انه ..نعم ..انه كتاب
رجل 2 : دعه لا تمسه..هو من الذكريات الجميلة، هو يذكرني بسنه تخرجي من الاكاديمية..انه يوم اعلنت منظمة اليونسكو عام 1977 بان التعليم في العراق يضاهي تعليم البلدان الاسكندنافية (يلتفت الى رجل 4 ) هل تستطيع فرز الذكريات حسب تواريخها او حسب مواقعها، حسب كتلها، احزابها اقصد هل الطب قادر على اصلاح العطب..انا لا اريد تجميلها.. ابدا اريد فقط تقديمها سالمة للاخرين
رجل 4 : لا افهمك ..ماذا تريد ؟
رجل 2 : (يتحرك داخل المسرح مثيرا استغراب رجل 4الذي يتابعه باهتمام كبير) انا انسحب من هذي المعركة
رجل 4 :عن اي معركة تتحدث !!!!
رجل 2 :معركة الانسان مع ذاكرته ..ارجوك اعد الحذاء والكتاب الى مكانيهما لانهما بستحقان الاحتفاظ وبعناية فائقة
رجل 4 : اسف ..كل شيء انتهى ..تم الحذف
رجل 2 : يا لخسارتي..يا لخيبتي..لا احسد احدا على صباه.. انا الشيخ الراحل بلا ذاكرة.. الى خراب وشيك.. انظر لمصيبتي.. فاراها بلهاء.. امام شهداء.. الحرب القادمة.. لكن الناجون.. هم لصوص الفوضى.. حيث يغتصبون.. رغيف الجياع
رجل 3 : (داخلا المسرح) هل انتهينا ؟؟
رجل 2 : (مستقبلا رجل 3 بترحاب) اهلا بك صديقي ..هل تستطيع مساعدتي ؟
رجل 3 : نحن نعمل من اجل الناس
رجل 2 : اسف صديقي ..هلا سمحت لي (يمسكه برقة من يده) اتحدث معك بوضوح ..انا ستكون عندي الكثير من الاموال، بل ستكون ثروة طائلة لوجود الحذاء الثمين هنا .ساعطيك الكثير والكثير عندما تستعيد ذاكرتي من جديد.. تفاهم مع صديقك وانا حاضر لما تريد
رجل 3 : انا معلوماتي متواضعة في الطب، لكن العلم تطور واصبح كل شيء ممكنا
رجل 2 : هذا قول حكيم..اذن اتفقنا..سانتظرك عند الباب..وداعا صديقي.. عفوا. قبلة واحدة تكفي عربونا لاتفاقنا..وداعا..انتظرك عند الباب ..لا تنسى (يخرج رجل 2 ضاحكا)
رجل 4 : اشعر بغثيان رهيب
رجل 3 : لقد تعبنا..كان يوما ثقيلا جدا
رجل 4 :اريد ان ارتاح قليلا
رجل 3 : ( خائفا ) لا تتركني وحدي
رجل 4 : لا بد من احد يبقى هنا
رلاجل 3 : بدات اخاف
رجل 4 : حقا هذه الجمهوريات مخيفة
رجل 3 : اكثر رعبا من افلام الرعب المعاصرة
رجل 4 : يجب ان اكتب التقرير اليومي
رجل 3 : لقد كتبته ..وقد اصبح جاهزا
رجل 4 : لا اقصد التقرير الاداري..انه تقرير خاص عن هذه الظاهرة الجمعية..ارى انها حالة تستحق الدراسة .كثيرا ما تتعرض الشعوب النامية الى مثل هذه الصدمات
رجل 3 : حالة تحتاج الى تحليل اجتماعي وسياسي
رجل 4 : واقتصادي ..اريد ان اضعها امام الساسة
رجل 3: (يضحك) انت حقا تشعر بالغثيان …تعال ساحكي لك حادثة مرعبة حتى ننام ..(يخرجان )
(يتعالى شخير رجل 1 .. هو الان في حلم جميل ..كل ما على المسرح في حلم …العربة تبدا بالتحرك على ارضية الامسرح ..رجل 1 يشعر بالحركة فينتبه لنفسه ..يرفع راسه وينظر فيما حوله باستغراب حيث تتغير الديكورات وتصبح اجواء اخرى اشبه بفضاء فارغ تشغله اضاءة ملونة..العربة تطير وتدور في فضاء المسرح .. )
رجل 1 : ما هذا !! هل الارض تحركت !!! (يضحك) الان ايقنت ان الارض تدور وان الانسان قادر على الطيران.. اين انت عباس بن فراس..لقد حققت احلامك..لا..لا علاقة له بهذا..اعتقد ان الامر يتعلق بالذاكرة..انا افقد ذاكرتي اذا انا افقد وزني( يضحك مسرورا) انا اتحرك لا انا اطير (يحدث صوت عاصفة قوية ورعد وبرق ..يدب الخوف في قلب رجل 1 )ما هذا !! ما الذي حدث !! لقد انقلبت الاجواء فجأة .. ما معنى هذا الذي يحدث !!
(ضحكات متقطعة لصوت نسوي انه صوت المرأة..يمكن ان تؤدي الدور المرأة بعد ان ترتدي ازياء تناسب المشهد)
المرأة: (وهي طائرة في فضاء المسرح) هذا يوم الحساب
رجل 1 : (يضحك) انه اجمل يوم حساب ..دعينا يا ام الحساب ان نحلق عاليا
المرأة : الان عليك الاعتراف
رجل 1 : انا لم اتآمر على احد..انا لم اقتل احدا..انا لم اسرق لا مالا خاصا ولا مالا عاما..على من اعترف !!
المرأة : لا تتهم الاخرين .عليك التوقف عن هذا الحرام
رجل 1 : ليس هناك توقف ولن يكون ثمة توقف وسنتقدم أكثر فأكثر فاكثر *
المرأة :عليك ان تتطهر من هذا الفعل الرجس
رجل 1 : التخلص من عفونة الذاكرة يعد رجسا من عمل الشيطان !!! لم يبق شيئا نافعا تدعين اليه لقد مارسنا كل طقوس الدنيا والدين فلم نجد مأوى لافكارنا ولا لاجسادنا..
المرأة : توكل على الله واترك هذا الطريق الاسود
رجل 1 :لو كان الامر فقط من الله لما اصبحنا بهذه الحال..انت وانا والله وملائكته نراهم ما يفعلون..السؤال ماذا حدث !! ماذا تغير !!
المرأة : مارس طقوسك بعيدا عن السوء والبغضاء
رجل 1 : كيف !! لقد تداخلت الاشياء وما من احد قادر على فصلها..تصوري ان ابشع جريمة في الحياة هي تذهب للحج او العمرة وتموت هناك ويدفنونك وتتحلل وتصبح نفطا.. ويصدرونك لامريكا التي تحلل النفط الى مواد خام حينها تاخذك الصين وهي بدورها تعيدك الى بلادك على شكل حذاء بلاستيك
المرأة : الافكار الشريرة تقود الى العصيان والالحاد
رجل 1 : اصبت وهي تقود الى النظام البائد والارهاب ..نحن الان نرمي احلامنا في طرقات الجهل والموت
المرأة : الرحمة واسعة الابواب
رجل 1 : صديقتي انا اسبح في حوض الموت ولا اريد ان اضيع وقتي..هل ترغبين ان نمارس طقسا جميلا ..طقسا يعيدنا الى ما يجب ان نكون عليه
المرأة: ها ظهرت حقيقتك الحيوانية
رجل 1 : ابدا لم اقصد هذا الامر وان كان مطلبا حقيقا وجميلا..لولاه لسقطت البشرية في حرب دائمة منذ هابيل وقابيل..شكرا لسوء الظن..ما كنت اقصده هو ان نغني للجمهوريات المنقرضة
المرأة : انا اكره السياسة
رجل 1 : عجبا اذن لا حساب ولا كتاب للسياسة وافعالها..الان اعلن نفسي سياسي من الدرجة اصحاب الحصانة ..تعرفين ماذا تعني هذه الدرجة ؟
المرأة: هذه مصطلحات دنيوية
رجل 1 : تعني ان اكون في الجمهورية الاولى شيوعيا وفي الثانية قوميا وفي الثالثة متارجحا حسب الاهواء والرغبات وفي الرابعة ان اكون بعثيا وان لم انتمي وفي الخامسة تجمد العراق باسم حفظه الله ورعاه أما السادسة فهي خليط من تلك الجمهوريات المنقرضة يضاف لها الارهاب والاسلام السياسي..نعمة الله الواسعة
المرأة : انما الاعمال في النيات
رجل 1 : هل تعلمين ان اجمل واعذب حرية هي ان تموت والغناء في فمك ( يدندن باغنية شعبية ..المرأة تختفي … يتنهي الحلم ..يعود المشهد كم كان سابقا …)
(يدخل رجل 3 و4 … رجل 1 ينزل الى الارض وهو مستمر بالدندنة.. يصفقان له.. ويبدؤن الرقص على انغام الاغنية .)
رجل 4 : عاش الطب ..لقد تم شفاؤك صديقي
رجل 1 : اتعرفون اصدقائي بان الغناء شكل رائع للشفاء ..لذا ادعو الجميع ان يغني فانه حياة
(تصدح اغنية شعبية جميلة.. يخرجون فرحين متعانقين..تسمع جلبة قوية جدا..اصوات غاضبة تهز المكان.. تدخل المرأة بحالة عصبية ورجل 5 في حالة توسل واعتذار …)
المرأة: لن اسكت عن هذا ولن اتساهل عن هذا السلوك الرخيص
رجل 5 : فقط امنحيني فرصة لتوضيح سلوكي
المرأة: لماذا هذا التعامل البذيء معنا..لماذا تضعونا في هذه الزاوية الضيقة من العورات..انتم موطن العورات والسخف والهبل
رجل 5 : انا لم اقل ما يسيء اليك
المرأة: كل هذا وانت تصر على برائتك !!!عجبي عليكم يا من تنظرون من زاويتكم الاحادية الجانب
رجل 5 : خائن لجنسه من يرى الجمال ولا يعشقه..خائن من يعشق الجمال ولا يتذوقه ..الحب بلا جنس كالحياة بلا موت ..الجنس دون خطر كالنعيم دون شيطان
المرأة: وبعد ايها الجميل !!
رجل 5 :كل ما بعد الجمال هو الطريق الذي يرسمه الجمال
المرأة: الان استبدلت الاقوال، في الظلام الذي كنا فيه كان لعابك يسيل..في الظلام الذي كنا فيه كانت غرائزك تندلق كلسان ثور ..لقد تحولت الى كتلة تفوح منها النتانة
رجل 5 : كلنا سواسية هنا ..لعلمك هنا تضمحل الطبقات والفئات
المرأة: كثيرا ما تنحنون امام القوة
رجل 5 :انا اعترف ان في ذواتنا حشرة الطائفية والقبلية والكهنوت المتخلف..انها دوما تخلق الطبائع الفاسدة التي غالبا ما تستمد قوتها من هيمنة الدولة الفاسدة..لا سيدتي الدولة القوية ليست بستانا للنزهة والاستجمام.. انها اقتصاد متين وصناعة متطورة وسلم وسلام وامان وحب
المرأة: ويحك ماذا نبشت يا ظالم ..انت تحفر عقلي بمعاول العالم. لقد ايقظت نفسي، ايقظت طفل بريء..شاخ هذا الطفل من ويلات الحروب والتسلط والقمع والاضطهاد والعدوان على الناس..دائما اقول هل يحتاج الله كل هذه القرابين البشرية كي بعرف اننا ندرك انه جميل يحب الجمال !!!!
رجل 5 : اسف لاثارة الاوجاع..انت تذهبين الى الله وانا ذاهب الى ابليس لان الله جعل منه مسوؤلا عن الضلال المتمثلة بالموسيقى والرسم والسينما والمسرح
المرأة : بقدر ما انا حزينة احب ان اتحدث معك بفرح
رجل 5 : يقولون غن بفرح ..وكيف نغني وكل عشرة في العالم العربي هناك واحد يعمل باخلاص واثنان يشكرونه على عمله وثلاثة يشككون في نواياه والعشرات يرددون له يوميا..لن تنجح
( يدخل رجل 3 ورجل 4…يهرع لهما رجل 5 والمرأة)
المرأة : اهلا وسهلا باهل العلم
رجل 5 : اهلا بقاتلي الامراض المستوطنة والسارية
المرأة: مرحبا بسكاكين وملاقط الموت الجميلة
رجل 5 : تحية لبناة الصحة والجمال
رجل 4 : (مستغربا ينظر الى رجل 3 )هذا ترحيب مخيف
رجل 3 : رد التحية او باحسن منها
رجل 4 : وها تراها تحية خالصة!!
رجل 3 : بل واجمل تحية
رجل 4 : انتظر وسترى العجب ( رجل 4 يقترب من المرأة ورجل 5 ..يتفحص بعض من اعضاء جسميهما )
رجل 5 : انظري هذا هو الواحد المخلص في عمله ونحن الاثنان نشكره …شكرا ..شكرا
المرأة: شكرا …شكرا
(رجل 4 مستمرا في الدروان وفي تفحص رجل 5 والمرأة…)
رجل 5 : يدور حولنا لانه يريد ان يبدأ من الخارج ثم فجأة يغوص عميقا في الداخل
رجل 4 : (ينتقض فجأة ويمسك يالمرأة) انت موطن الداء والفضاء
رجل 5 : هذا من المشككبن
رجل 3 : لا اعتقد النجاح في هذا التشخيص
رجل 5 : وهذا من الذين يرددون لن تنجح..لقد انطبقت علينا الامثال من دون تمثيل
رجل 4 : ذات الامراض وذات المشكلة
رجل 3 : (لرجل 4 ) عليك الاستعجال لان المنتظرين في تزايد كبير..ولتعلم ان الاقتتال بينهم واقع لا محال ..انا اخبرتك وانذرتك في آن .
رجل 4 : حسنا لنبدأ العمل… مع من ابدأ ؟
رجل 5 : انا ذاكرتي تكاد تنفجر …أريد التخلص منها
رجل 4 : متى ولدت؟
رجل 5 : 1950
رجل4 : اذهب بذاكرتك الى ساحات الحرب وقاتل هناك حتى تفقد ذاكرتك
رجل 5 : لا أريد راتبا ولا وساما فان مكرمة جهادي وطن آمن مستقر
رجل 3 :(لرجل 5 ) الان ومن دون مزايدات عليك الخروج وفسح المجال امام الاخرين
رجل 5 : لكنه دوري وهو حقي …كيف تريدني ان اتنازل عنه
رجل 3 : انت تحتاج لعلاج طويل ..ارجوك امنحنا الوقت لان وضعنا عسير
رجل 5 : طيب سانتظر هنا
المرأة : اخرج ارجوك
رجل 5 : تاخذين دوري وتطلبين منى الخروج ..ايعقل هذا !!انت تمارسين سلطة قمع ضدي
المرأة : انت لا تعرف هذه الكلمة
رجل 5 : بل ادرك كل مقوماتها..السلطة نهر عظيم عندما يجري في حوضه فانه يبدو في غاية الجمال، يوزع بركاته على الاخرين، لكنه حين يخرج خارج حياضه فسوف يدمر كل شيء، فيكون في غاية القبح، لانه تحول من مانح للحياة الى مانح للموت
المرأة: انا اعتذر
رجل 5 : فاضت ارواحنا من الاعتذار والتقصير والاخطاء
المرأة : ارجوك هناك ما اريد البوح به والكشف عنه
رجل 5 : جيد ..دعينا نعرف المسكوت عنه
المرأة : انا امرأة وخاضعة لفحص طبي
رجل 5 : وما الفارق انا رجل وهو رجل ايضا
المرأة: الفارق هو طبيب يصون سري ويستر عرضي
رجل 5 : نحن كالاطفال نقدم ألعابنا ونحن نبتسم ونطلب اعادتها ونحن نبكي (يقترب من المرأة ويهمس في اذنها) ان لم تستطع المجازفة بالقبل لا تتخيل انه يمكنك ان تحب ( يخرج ضاحكا …)
رجل 4 : تفضلي هنا
المرأة: ( تذهب بالقرب من رجل 4) انا متعبة فارجوك ان ترفق بحالي
رجل 4 : كلنا متعبون ونحتاج الرفق
رجل 3 : انت تعلمين ما مقدار الفوضى التي تعم البلاد ,,فارجوك لاتطلبي اكثر من طاقتنا
( تنطفيء الكهرباء وتعم الظلمة )
رجل 4 : انها غير محظوظه اطلاقا ..ماذا علينا ان نفعل ؟؟
رجل 3 : نذهب الى صالة الطوارئ
رجل 4 : قد تكون محجوزة
رجل 3 : دعنا نذهب
(نسمع صوت خروجهم مسرعيين.. نسمع صوت رجل 2 قادما من بعيد..لم تزل الظلمة )
رجل 2 : اين انت صديقي ..لماذ اطفأت الضوء..انتم المستشفيات غير مشمولين بالظلمة (يضحك) حظي العاثر شملكم بالقطع.. لماذا لم تشتركوا مع المولدات الكهربائية الاهلية اسف قد لا تملكون دفع المستحقات لهم (يضاء المسرح من جديد) رحمك الله يا صديقي، لقد نورت ارواحنا المظلمة (يدور في ارجاء المسرح وهو يفتش المكان بدقة متناهية) لا احد..نعم لا احد هنا.اين اذهب؟؟ ماذا افعل ؟؟؟ انا مستعد لان ادفع كل ما املك لاستعيد ذاكرتي.. كيف لا والحذاء سيجلب لي ثروة طائلة..ستتوافد علي كل محبي الزعيم..بل اكثر من هذا ستاتي وفود من الخارج.. نعم اؤلئك الذين يقتنون الاشياء التاريخية الثمينة..اين انت يا رجل الا تريد ان تستفيد ( يتوقف وينظر فيما حوله…تقف عيناه على الجمهور .يتقدم نحوهم)هل من احد منكم يريد مشاركتي ويستعيد ذاكرتي..ها..لا احد..يا لمصيبتي..يا لحزني وماساتي..لا احد من هذا الجمع يريد مشاركتي بحذاء الزعيم) ينزل بين الجمهور …)حزين انا.. حزن العراق.. اذا بكى.. حزن العراق.. اذا اشتكى.. حزن العراق.. اذا رحل (يبكي بحرقة) ذاهب الى الشوارع والطرقات لعلي اجد من يشتري حذاء الزعيم ( يخرج باكيا …)
المرأة: (تدخل صارخة وهي تمسك براسها ومن خلفها رجل 4 ورجل 3 ..) ماذا فعلتما ..ما هذا الذي يضرب بمعاوله في جوف راسي..آه اما آن لك ايها الماضي ان تتوقف.وان لا تبعث صورة هذا الحاضر على شكل اسود اين انت يا انت.. يا من تعطفت علي حتى في اخطائي.. يا من تقدر على زرع الكبرياء في دم حقير.. ساعدني على فتح فمي الذي يصرخ بصمت.. واعطني حريتي حتى لو كنت انتحب.. انت ايها القادم.. الا تعلم .. انك مستوطن في قلبي.. فلماذا تريد.. ان تهاجر.. لوطن خر
رجل 4 : (يقترب من المرأة وينظر الى راسها ) اشم عطرا فواحا
المرأة : انه عطري انا ..انه المسك الذي دهنت به جسد ابني الجندي كي اميزه بين رائحة القتلى
رجل 4 : ليس للموت سوى رائحة واحدة
المرأة: احفر لي حفرة هنا لعل الذكريات الجميلة تتساقط فيها
رجل 3 : اذا اجتمع الحزن والفرح يصاب المرء بالهذيان
رجل 4 : ( ينظر بدقة ) يا لسعادتي
المرأة: ماذا قلت!!
رجل 4 : يا لسعادتي
المرأة : كررها ارجوك
رجل 4 : يا لسعادتي ..يا لسعادتي
المرأة :هذه السعادة اريد ان المسها ولو لمرة واحدة
رجل 4 : ( بفرح ) اني ارى فارس قلبك هنا
المرأة: (تضحك ) انا نصفي لجوعي ونصفي لحبي
رجل3 : هذا قول طموحات متعبة لا تمسك بالواقع
المرأة: تعبت احلامنا من رسم المراثي التي تتدلى منها اسماء الشهداء..تعبت دماؤنا من الصراخ وسط نيران القتلة.. تعبت ايامنا من المكوث بين اضراس الفاسدين ومخالب الوحوش.. تعبت عيوننا من رؤية البراءة المتخمة والطفولة المبتورة والامومة المفجوعة.. تعبت انفاسنا من معاشرة دخان الموت.. تعبت ألسنتنا من تذوق خبز قابيل المغمس بالكراهية.. تعبنا ولم يتعب الذباحون من نحر واكل قلوبنا المسكينة
رجل 4 : رفعت الكثير من الهموم لكن ذاكرتك مليئة
المرأة : خذ ما تشاء ..خذ مليون والف مليون حكاية ..فقط احتفظ لي بذكرى زوجي وولدي
رجل 4 : هذه كتل متناثرة ..وهذه قاعة دراسية
رجل 3 : حتما نجد هنا ولدها او زوجها
المرأة: لا ولدي ولا زوجي..هذه حكاية استاذ التاريخ العربي وهو بستعرض بالكلمات ما فعله هولاكو يوم مر على العراق، الا ان الصورة ظلت غير واضحة للطلاب، فما كان من الاستاذ الا ذهب من الكلمات الى الصور، فجمع عددا من الصور لمدن عراقية مدمرة وعرضها على طلابه قائلا :لم يفعل هولاكو بمددنا مثل ما ترون في هذه الصور (تنهض باكية وهي تدور في ارجاء المسرح) يا الهي كم هو مخيف حاضرنا (تجري مسرعا نحو رجل 4…) احفر …ارجوك احفر هنا ..فان كان هذا موتي فانه انتصار الامي واوجاعي (اثناء كلامها تتمايل وتسقط على الارض ميتة.. يسارع نحوها رجل 3 و 4 ..يضعانها في العربة ويخرجان بسرعة …)
رجل 5 : (يدخل صارخا مقلدا حركة شاعر) يا ابن الزنا.. يا ابن الزنا..اانت العراقي ام انا اين انتم يا رجال الطب.الالاف في الشوارع والطرقات ينتظرون ..وانبئكم بان الجمعة القادمة هي تظاهرة عارمة في كل البلاد ضد فساد الذاكرة، فنحن وبطريقة ما وبلمحة صغيرة من العمر الذابل جعلناها حقيقة وربما حقيقة مكتملة خارجة من عيوبها حيث رؤية المستقبل ..كل شيء نريده ان يمضي لجانبه المشرق..لذا مضينا معا نحارب..اين انتم يا اصدقاء..لا شيء اريد سوى خلاصي من هذا العبء الثقيل..جئتكم هاربا، مذعورا، مصعوقا من الجمهورية الاولى خوفا ان اتهم بالشيوعية، وهربت مدحورا من الجمهورية الثانية خوفا ان يتهموني بالقومية والعروبية..هكذا انا اهرب من حرب الى حرب حتى اليوم ..ها انذا حر الا اني مجهول، مهمل في جمهورية التفسخ والفساد.. يا عزيزي يا وطني يا صاحب السعادة لماذا تنخرط منك السيادة.. هل انت قادر على الغاء ذاكرتنا ..لقد ذهبنا خائفين وتحت الرصاص لانتخابك ..انا الان اريد منك حقي ان تلغي ذاكرتي ..آه من هذا الوجع المدمر القاتل (يصرخ) لم اعد احتمل..اريد الغائها ..اللعنة عليكم لقد افسدتم اغنية وطن (ينظر الى الجمهور وبلطف وحب كبيرين يخاطبه)انتم ملاذي ومرفأ سفينتي انت وحدكم تعرفون اوجاعي والامي.. وحتما عندكمالعلاج الذي لايخطأ ابدا (ينزل الى الجمهور) انقذونا تنقذون انفسمكم
وتغــلق الستارة
ة : الفارق هو طبيبب يصون سري ويستر عرضي
تنزه على ضفافه س رجل 1 )نتم تلغون تاريخا