كتاب الخميس (الحلقة الاولى) / عرض وقراءة: صادق مرزوق

اسم الكتاب : جماليات المكان في العرض المسرحي

اسم الكاتب: كريم رشيد

 
“جماليات المكان في العرض المسرحي المعاصر”، من المكان الخرافي ما قبل الفلسفة إلى العصر الحديث .. هكذا انطلق الكتاب بهذا العنوان وتوطئة تمتزج فيه التقانة مع البعد التأملي للجمال. يتكون الكتاب من أربع فصول مع مقدمتين إحداهما بقلم (ياسين النصير).. ومقدمة أخرى بقلم المؤلف.. بالإضافة لمباحث المؤلف في اصطلاح جماليات المكان، فإنه يحاول فك التشابك بين مفهومي المكان والفضاء.. كذلك فإن المؤلف هنا يعرج على التوأمة بين المكان والزمان وهما يشكلان بنية المشهد الحركي.
وتشير مقدمة الكاتب (ياسين النصير) على أن مؤلف كتاب جماليات المكان (كريم رشيد) قد أخذ أبعادا جديدة ورائدة بعدما كانت الدراسات السائدة في هذا المضمار، تناولت المكان بطريقة أقرب إلى التنظير في الرواية والقصة لكن (كريم رشيد) وسع الدائرة ليشمل المسرح بنظرة أكاديمية فاحصة. حيث استطاع المؤلف أن يخرج دراسته من الإطار الأكاديمي التعليمي إلى إطار ثقافي أوسع.
كما تشير مقدمة (ياسين النصير) حول كتاب جماليات المكان لكريم رشيد بأن (المكان والزمان) من أجمل المباحث وأكثرها دقة .. وفي مقدمة لمؤلف الكتاب يؤكد (كريم رشيد) صاحب هذا الإصدار المعرفي الجمالي على سعي هذه الدراسة لأن تكون مدخلا معرفيا لمناقشة السؤال الجمالي في موضوع المكان المسرحي لأطراف العملية الإبداعية. (المبدع/المتلقي/الناقد) كما تسعى هذه الدراسة وحسب مقدمة الناقد أيضا فان هذه الدراسة تسعى للبحث والتنقيب في آليات العمل الفني (نظام عمل وعلاقات التكوين العام للأثر الفني) ودراسة شبكة العلاقات التي تربط بين عناصر العمل الفني و وخذاته ونظم أساقها البنيوية.
الفصل الأول : تمهيد لفك الاشتباك الاصطلاحي
من أجل عدم الوقوع في متاهات المصطلحات الفنية والفلسفية يحاول المؤلف أن يضع إشارات للمفاهيم الأساسية التي تدخل ضمن إطار هذه الدراسة مثل مفهوم الجمال وما يعنية كمصطح وما يقود إليه كظاهرة حياتية، وهل أن الجمال نفعي أم غير نفعي؟ وهل أن الإحساس بالجمال مرتبط بالذات أم بالموضوع؟ ، وهل هو مسألة نسبية يعتمد الخبرة البشرية على حد قول “والتربيتر”؟.
ولا يذهب المؤلف بعيدا في معترك النظريات الجمالية للفن كون أن أساس البحث هو جماليات المكان المسرحي تحديدا، ولأن بنية المكان عامل أساس في خلق التأثير الفني. يرى المؤلف أنه يصبح لزاما على أن تذهب هذه الدراسة نحو إدراك المعنى البنيوي للمكان ودراسة البني المكونة للموضوع والعلاقات التي تربط عناصره بعضها مع البعض الآخر، وبالتالي إنتاج نسقا بنيويا يحكم الإنشاء العام ويمنح الموضوع وحدته الفنية. ويؤكد (كريم رشيد) أن بنية المكان لا تعني هيأته الخارجية بل النظام الذي يحكم مفرداته ونسق العلاقات القائمة بينها.
ويعد المكان المسرحي الحقل الفني الأكثر اكتظاظا بأنماط مختلفة من العلامات، لأنه يجمع بين عدة فنون في آن واحد ومنها الرسم والعمارة وفنون أخرى كالإضاءة وكل ماله علاقة بالحركة . ومصطلح المكان تعرض للتنوع والتباين في اللغة والفلسفة والفن ، حيث يكثر استخدام مصطلح المكان المسرحي في الدراسات النقدية في المسرح المعاصر الذي حرصت على تنوير المكان المسرحي ومغادرة الثوابت المعمارية للبناية المسرحية.
وقد ساهمت الترجمات في إحداث خلط في تحديد معنى المصطلح، إذ يرد أحيانا الفضاء المسرحي وأحيانا أخرى المكان المسرحي مع أن المفردتين وحسب المؤلف تتباينان في المعنى لمن يتوخى الدقة في التعبير العلمي.. حيث يرد المكان في الدراسات الفلسفية بوصفه السطح الذي عليه الجسم في حين يراه البعض أنه الجسم الحاوي للجسم المحوي. وقد تطرق المؤلف للمكان عبر الحضارات القديمة ومنها حضارة وادي الرافدين والحضارة الإغريقية.
و يبقى المفهوم الاصطلاحي للمكان في الفن المسرحي هو الأكثر أهمية في مباحث هذا الكتاب كونه ينحى باتجاه البحث العملي مضافا إلى ذلك الجانب العلمي فقد خضع تطور مفهوم المكان فنيا لمؤثرات كثيرة منها تطور العلوم الهندسية والفيزيائية ابتداء من ظهور مفهوم المنظور في الرسم وفن العمارة وهما يمهدان لفن المسرح. وفي فن المسرح تكون للمكان ثنائية مترابطة هي مكان العرض ومكان الحدث. فإن المكان المسرحي هو الحيز العام متضمنا كل التكوينات البصرية والعلاقات المكان الناتجة عن كل من العمارة المسرحية والديكور المسرحي والواقعان ضمن صياغة مكانية واحدة ولهما تأثير جمالي مشترك، ومن الضروري حسب المؤلف التفرقة بين مكان العرض ومكان الحدث.. في العلاقة بين المكان والزمان يؤكد (كريم رشيد) من خلال مؤلفه هذا على العلاقة المتلاحمة بين الزمان والمكان فلا يمكن دراسة إحداهما دون دراسة الآخر، بالرغم من أن هناك تباينا بين طريقة إدراك الزمن وطريقة إدراك المكان، حيث أن الزمن يرتبط بالإدراك النفسي .أما المكان فيرتبط بالإدراك الحسي.. ويذكر المؤلف ما ذهب إليه المخرج (فيسفولد مايرهولد) حول العلاقة الوشيجة بين الزمان والمكان في العرض المسرحي بقوله: “قبل الإخراج تكون الموسيقى لوحة وهمية في الزمان . وفي الإخراج يتم التغلب على المكان بالموسيقى، ويغدو الوهمي واقعيا عبر إيماءة الممثل وحركته الخاضعتين للرسم والموسيقى ..”.
 
الفصل الثاني:
يتناول المؤلف في هذا الفصل أهم الملامح لتطور الفهم الجمالي للمكان المسرحي .. يتناوله تطور المكان المسرحي من المسرح الإغريقي وحتى مسرح العلبة الايطالي وما طرأ من تطور خلال تلك الحقب التاريخية. حيث تعد الانطلاقة الأولى لفن العمارة المسرحي على وفق المنظور الهندسي عند الإغريق.
فقد اتصف الشكل العام لبناء المسرح في العهد الإغريقي بصياغة أشكال هندسية دقيقة تظهر فيها الخطوط والدوائر والمثلثات وتحيط مساحتها بالأعمدة وقد احتكم فيها البناء ـ حسب المؤلف ـ إلى قواعد هندسية صارمة بما يتناسب مع الصفات الكلاسيكية للبطل ولأحداث المسرحية .. وقد ورث المسرح الروماني معظم الأشكال الهندسية من المسرح الإغريقي وطورها لاحقا. حيث اتسعت النظم المكانية وتطورت من حيث المعمار واتسمت بالفخامة والزخرفة والتزيين كما تم إنشاء وسائل الراحة. إلا أنه وحسب (رشيد) لم يطرأ تغييرا في المفاهيم الجمالية للمكان المسرحي وهذا ما جعل المؤلف يمر سريعا على المسرح الروماني لأن ثرائه كان من حيث العمران لا من حيث الجوهر.. أما في القرون الوسطى فقد أخذ المكان الصفات الدينية كما هو الحال في المسرح الإغريقي.فقد امتزج العرض المسرحي بالطقس الاحتفالي الديني.
ولكن بعد أن خرج المسرح من الكنيسة تخلص من الهيمنة الدينية والاقتراب من الواقعية الدنيوية. ومع خروج المسرح من سطوة الكنيسة تلاشت فكرة المكان المركزي. حيث تمرد المسرح على الأبنية الكنسية وتلاشت فكرة المكان الخرافي على حد قول المؤلف.. وفي العهد الإليزابيثي أصبحت العمارة سيدة المكان وتم تصميم المسارح على شكل مربع أو مثمن مجوف.. وقد تميزت المسارح في العصر الإليزابيثي بالمرونة المكانية بوجود عدد كبير من الوحدات كالخشبة الداخلية والخارجية والشرفات والطابق العلوي والأبواب الجانبية وهذا يعطي حرية الكتابة لمؤلفي المسرح بانطلاقهم من تنوع المكان وتعدد وحداته..كما ساهمت الخشبة الممتدة باتجاه الجمهور بخلف وشائج واتصال بين طرفي الإبداع والتلقي في تلك المسارح.. وقد ظهر أهم تجديد في عالم المسرح من خلال إنشاء مسرح العلبة الايطالي الذي لازال مهيمنا حتى يومنا هذا.
كذلك مع مسرح العلبة ظهرت المناظر المرسومة كما توالت التطورات ومنها ما يتعلق بالتقنيات ومنها الإضاءة المسرحية وأساليب تقنية في تغيير المناظر حسب تغير الأحداث في مجريات الفصول.. وهكذا ومع مرور الزمن تطورت التقنيات حتى وصلت في القرن العشرين أوجها حتى صار بعض المسرحيين يدعون إلى عودة المسرح الخالي من تلك التقنيات التي ساهمت في بعض العروض بتكبيل الممثل وتراجعه إزاء هيمنة التكنلوجيا المعقدة.
*ادولف آبيا والأماكن الإيقاعية :
في هذا المبحث الذي افرده المؤلف عن جماليات المكان عند ادولف آبيا . يؤكد (كريم رشيد) هنا على التحولات في مفهوم الديكور وعلاقته بالضوء والممثل وكذلك مفهوم العمارة المسرحية وقد تمردت على المسرح التقليدي وغادرته برؤى إخراجية في المكان المسرحي المغاير للمألوف .حيث سعى آبيا إلى تطوير مكان العرض والربط بين وحداته المختلفة الساكن منها والمتحرك . وقد آمن آبيا بالممثل ودعمه بحلول جمالية للمكان تجعله يتسم أي المكان بخواص النسق الموسيقي.. كما يعرض المؤلف طرائق كوردن كريج وريادته في تحديث جماليات المكان حيث أكد على قدرة الفن على التأثير من خلال التكوينات التجريدية فتخلى عن محاكاة الواقع والطبيعة . وهنا وحسب المؤلف فان كريج لايبتعد عن اشتغالات آبيا في الاختزال والتجريد.. كما يتطرق الكاتب إلى المكان التكويني عند فيسفولد مايرهولد بعد أن تخلى عن الإيهام عند أستاذه ستانسلافسكي وتبنى مبدأ الإنشائية أو البنائية حيث استخدم تراكيب آلية وسطوح معلقة وسلالم ومنحدرات ومستويات متباينة ابتعدت عن التشخيص البصري للواقع ليضع المتلقي أمام وظيفة سيميائية تتضح دلالاتها من خلال تعامل الممثل معها.
وفي الحديث عن جماليات المكان يؤشر المؤلف إلى التجربة المهمة في المسرح الفقير لكروتوفسكي الذي جاء ردة فعل عكسية على هيمنة التكنولوجيا في مسارح الغرب، فهو قد حرر المكان من هيمنة التقنيات من خلال إيجاد علاقة حية بين الممثل والمتفرج من خلال حذف المنصة فكان المكان لدى كروتوفسكي متداخلا ومتنوعا من عرض لآخر ولا يحده إطار هندسي ثابت وكانت عروض كروتوفسكي هي المصداق الواعي لحل شائكية المكان / الفضاء. وقد كان كرتوفسكي مخرجا للفضاء والمكان على حد سواء حيث تدخل حتى في توزيع مقاعد وجلوس الجمهور.. كذلك أعقبه بيتر بروك في تعددية الصياغات المكانية والخروج من الإطار التقليدي لمسرح العلبة. وأن المكان عند بيتر بروك عاري تماما يتشكل فضاء بيتر بروك بحركة الممثل وربما وضع المتفرج في أماكن لم يألفها من قبل على غرار كروتوفسكي ليشعل شرارة الشراكة الفاعلة بين الممثل والجمهور في العملية الإبداعية.
 الفصل الثالث:
يعد هذا الفصل الأكثر عمقا من حيث الدراسة الواعية لسيميولوجيا المكان، وفي هذا الفصل يخرج المؤلف من جلباب المخرجين والمنظرين تدريجيا حتى يصل إلى الفصل الرابع ليطرح رؤى جمالية تؤسس للمكان الذي يتناسب مع دراسته وخبرته في إنتاج رؤية جمالية موازية لرؤى بقية المخرجين سواء على المستوى العالمي أو العربي والعراقي أيضا .حيث يتعرض المؤلف للمكان المسرحي وعلم الدلالة انطلاقا من دراسات مدرسة براغ للعلوم البنيوية والسيميولوجية في محاولة لفهم العرض المسرحي بوصفه حقلا دلاليا وان كل ما هو موجود على المسرح عبارة عن علامات تشكل بعضها أيقونية وأخرى إشارية وأخرى رمزية، تشكل بمجموعها جماليات العرض من خلال تعاملها مع المكان المسرحي.
كذلك يدرس المؤلف إمكانية بعض العلامات وقدرتها على التحول والتوليد الدلالي في إطار المكان المسرحي وأن كل علامة لها وظيفتها الدلالية بمختلف تشكلاتها الكتلية واللونية ..
الفصل الرابع:
هو مبحث تطبيقي لما تقدم في الفصل الثالث ذو الإطار النظري.. حيث يمارس المؤلف في الفصل الرابع سياقات إجرائية لعروض عراقية لأهم المخرجين العراقيين بداية ينطلق من “يوليوس قيصر” لجعفر السعدي ومرورا بأعمال قاسم محمد وسامي عبد الحميد وصلاح القصب .
ويركز المؤلف على عروض قاسم محمد التي انطلقت من مشاكستها لنمطية المكان المسرحي في رسالة الطير ومقامات الحريري وغيرها من العروض . كذلك عروض عوني كرومي، وحسب ما جاء في الفصل الرابع، فإنها في تحدي كبير في الخروج من قالب المكان . ويجد المؤلف أن في عروض صلاح القصب سعي نحو اكتشاف أماكن مبهمة وجليلة حسب وصفه من خلال مجموعة عروض تؤسس لكيانات معرفية دلالية تسبح في فضاءات كونية مبهمة تقفز على المألوف لتؤسس لعوالم جمالية تملأ المكان المسرحي بتكوينات بصرية مستحدثة.
ملاحظة: تم نشر المادة أول مرة بتاريخ: 8 مارس 2018
ـــــــــــــــــــــــــ
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت