مرة أخرى .. عن النقد والنقاد / محمد الروبي
أثق أن أساتذتى وأصدقائى من النقاد الجادين سيسامحوننى على ما سيقرأونه .. فالأمر يخص النقد والنقاد وعلاقتهما بتطور مسرحنا أو تراجعه .
وأثق أيضا أن العقلاء ممن أعرف سيأخذون كلامي هنا على محمله الوحيد الذى أقصده والذي يدخل في باب وجهة النظر التى تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، لكنها في الحالتين تستحق المناقشة ، وهو ما اعتادت عليه “مسرحنا” منذ يومها الأول ، فلا حجر على رأى ، ولا منع لوجهة نظر، والساحة متاحة، طالما كان الحديث فى حدود العلم والأدب .
والآن لندخل فى الموضوع الذى أشعر بوعورته بدليل هذه المقدمة المتمحكة ، التى تقدم قدماً وتؤخر ثانية .. لكن لا بأس .
الموضوع يا أصدقائى هو مفهومنا للنقد ..
أسمع الآن من يقول “ مرة أخرى يا محمد !”
وأذكّر القائل بأننى صاحب شعار “فلنضع كل مسلّماتنا تحت مجهر الأسئلة لعلنا نكتشف جديدًا أو على الأقل نكتشف الخطأ فيما كنا نعتقد أنه الصواب الأوحد.
نعم إن مفهومنا للنقد يحتاج من وجهة نظرى إلى بعض المراجعة، فقد بتنا نقرأ للبعض ما يمكن أن نسميه “كتابة ترويجية” للعرض المسرحى أكثر منه نقداً بالمعنى العلمى، وأظن أننى لست فى حاجة إلى التذكير بأن النقد بمعناه العلمى ليس هو ما يبحث عن الأخطاء ويبرزها، ولكنه ذلك الذى يجتهد فى قراءته للعرض وتفاصيله سواء اختلف مع مضمونه أو اتفق، ما دام يدلل على اتفاقه واختلافه بحيثيات من داخل العرض ولا يفرضها عليه .
ودعونا نذكّر بعضنا البعض بأن “الترويجية” هى نوع من الكتابة المعروفة فى العالم أجمع، لكن يقوم عليها ( دراماتورج العرض ) وتلك واحدة من وظائفه المتعددة بهدف اجتذاب الجمهور عبر تسليطه الضوء على أبرز ما يتميز به ذلك العرض وعلى ذلك الجديد الذى يقدمه . وهو نوع من الكتابة له قدره واحترامه فى حدود هدفه والمقصود منه . أما أن يسمى هذا النوع نقداً ، فذلك ما كان سبباً في ميوعة الأنواع وتداخلها ، ومن ثم سيطرة الأسهل، حتى وصل الأمر، بحكم تكراره واعتياده، إلى أن البعض يمارسونه – أى الترويج – دون قصد، فيدخلون دون أن يعوا فى شريحة من يظنون أنهم “يحسنون صنعاً ” .
إذن ما العمل ؟
برأيي المتواضع أن العمل يبدأ من المراجعة ، من إعادة طرح الأسئلة ؟ من أن يسأل كل منا نفسه : ما النقد ؟ ما دوره ؟ ما أدواته ؟ والأهم : من هو المؤهل له ؟ .
أظن بهذه الأسئلة التي سيطرحها كل منا على نفسه في إطار المراجعة الذاتية لعمله ولدوره ، ربما – أقول ربما – نعيد للنقد المسرحي جلاله وقداسته .. هل قلت قداسته .. نعم .. فالعمل – أى عمل – إن لم يؤمن صاحبه بقداسته ، سيكون مجرد وسيلة لأكل العيش، أو ربما لاغتنام شهرة زائفة .. بينما هو الحياة ذاتها برأيي …. فهل نفعل ؟ ! .