خصائص في (المسرح البديل) / طلال هادي

الفوضى تحيط بنا…..
والعالم يتغيرمن حولنا وبخطى سريعه ..متوازنة ومرتبكه ..واثقة ومحبطه..متفائلة ومنكسره .. وفي جميع الاحوال هناك اشياء واشياء تتغير – سلبا وايجابا-  ولم يقتصر ذلك على الانظمة السياسية اوالاقتصادية او الاجتماعية بل تسارعت الاحداث وافضت لظهور دول جديده اتخذت من ركام سابقتها سبيلا لوجود جديد له كينونته وانساقه المختلفه , بل وتفتت دول اخرى الى دويلات وجماعات تحاول ايجاد نظرة مغايرة لكل ماسلف بحثا عن فضاءات تحقق لها انواع خاصه من الحريات والمعتقدات التي تدفع عجلة تطورها الى الامام في سباق محموم لاثبات قوتها وتاثيرها على الاخر
وفي خضم هذه الاحداث المتسارعه مع مارافقها من تطور في العلوم التكنولوجيه والبحثية وظهورانماط متنوعة في الادب والفن وعلم الاجتماع  , وانطلاق حرية الفكروالعقيده بما يمنح الحق لكل انسان ان يناقش و يجادل حتى في الـمحظورالذي كان عصي عليه ان يفتح ولو نافذة صغيره للنقاش فيه وخاصة علاقة الكون بخالقه..وحدود تلك العلاقه وتطورها ..او حتى تدهورها في كثير من المجتمعات التي تمردت على كل شيء ,وصار شعارها رفض كل ماهو قديم وشائع بحجة المعاصرة والحداثة والتطور..حتى وان كان القديم سببا لوجودها وعليائها
العالم يتغيرورياح التغيير اقتحمت  ابوابنا ونوافذنا ..وصار الهواء يحمل كل شيء سلبا وايجابا – خيرا وشرا – —- وصار كل شيء مباح — وربما مستباح…وبحجةالعصر الجديد – الزمن الجديد…صار النظر لكل ماهو قديم على انه زمن سابق ومتخلف..وغير ذي جدوى او اهميه .وعلى هذا الاساس (الحداثوي)  اخذت بالضمور الكثير من الاشكال الفنيه والادبيه والثقافيه عموما بما يسهم في القضاء  على الارث العظيم الذي صنعته وضحت من اجله اجيال واجيال…وبزعم التجديد والانسلاخ عن الماضي وصولا للمستقبل الزاهر…حدثت الفجوة الكبيره….وصرنا بين خيارين ….اما ان نعيش في اجواء الماضي وعبقه الذي يمنحنا القدره على الصبر بما يحقق العزله عن الاجواء الموبوءة والفوضويه …او نغادر كل ماعشناه وتعلمناه وسعدنا به …ونتماشى مع واقع فرض علينا عنوة او مصلحة …او محاباة ..وشعارنا (ادفع بالتي هي احسن) …..وفي جميع الاحوال الخاسر الاول والاخير هو البلد وثقافته وتاريخه
فالبقاء في الماضي وندب الحاضر والخوف من المستقبل …اندحار وانكسار….والولوج في كل معطيات الحاضروالتماشي معها بتجرد من كل تاريخ يصنع مستقبل مشوه ومشوش..لاينتمي لمكان وليس له خصائص او جذور….وهو ماينطبق ايضا على عالمنا الخاص – واعني – المسرح
(البنيويه وماتلاها …والحداثه ومادعاها…والرقمية وما بعدها )…اودت بكثير من الايقونات في عالمنا المسرحي وجعلتها اسيرة  المتاحف نقوم بزيارتها استذكارا  وتأسية على ماض جميل لم يعد له وجود ….
كثير من عروض الاساتذه الاجلاء (ابراهيم جلال – سامي عبدالحميد – قاسم محمد- عوني كرومي – محسن العزاوي – عزيز خيون – هاني هاني – حميد صابر)  والقائمة تطول..هذه الانجازات  اصبحت مجرد ارث عظيم نفخر به ونستذكره لاننا واكبناه وعشناه وتأثرنا به.. ولكنه قد يتعرض لانقطاع النسل …فالاجيال اللاحقه لاتعرف مسرحيات مثل ( دائرة الفحم البغداديه – ولا نديمكم هذا المساء- ولاتتصور بغداد الازل –او ترنيمة الكرسي الهزاز – او مسرحية لو – او قصة حب معاصره  …او مسرحية كاروك )

بسبب الانغماس في لذة المعاصرة والحداثه والرفض القاطع لكل التجارب السابقه بدافع التمرد والتعالي الذي لااساس له سوى الغرور والتعالي
من هنا كان لابد لنا ان نفكر في حل يحقق الاتي
اولا/ المحافظه على ارثنا وتاريخنا ومنجزنا المسرحي العراقي الكبير باعلامه ورجاله الاصلاء الذين ضحوا  من اجله, وانطلاقا من مبدأ آمنا به وهو ( ..الماضي يتجانس مع الحاضر ليكون الوليد هو المستقبل) …..من هنا جاءت فكرة ( البديل المسرحي) الذي سيكون هو المستقبل اذا ماتمت تنشأته على اسس مبدئية واخلاقيه وانسانية صادقة وصحيحه
ان ناخذ من الحداثة والمعاصرة قدرتهما على احياء الموروث القابع في دهاليز المتاحف وخلق نموذج متحرك متحرر يستطيع المساهمة وبفاعلية كبيره ويعلن عن وجوده في كل زمان وظرف  اي ان الماضي والحاضر ينتجان المستقبل..وغياب احدهما ..يفقد الولاده
او لقاح ينتج – مسخ – او – هجين
ثانيا/ مد جسور التواصل بين الازمان والاجيال …وهو مانقدر عليه كوننا نشكل الجيل الوسط الذي عاصر من قبله ..ويعايش من بعده من الاجيال الثائرة المتمرده
ثالثا/ انتشال واقعنا المسرحي من الضغط الفوضوي الصاخب الذي يعج بكل شيء
*(اشكال لارابط بينها سوى تشكيك المتلقي بوعيه وثقافته والاغراق بالصور المدعيه للتجريب )
*(الوقوف بوجه الافكار التي تمادت بقسوه انطلاقا من فسحة الحرية التي اسيء استعمالها)
…..طبعا هناك دائما استثناء لبعض التجارب والافكار والاشكال…..
وانطلاقا مما ذكرنا …نضجت فكرة – المسرح البديل – والزمن كفيل بتطويرها وتحويلها  الى منهج عمل يستمر الى ماشاءالله..وبعزيمة الاجيال المتعاقبه والمنتميه لارثها وتاريخها الحضاري
المسرح البديل :
& طقس مسرحي يستوعب الجميع ويستوعبه الجميع..يرتبط بعلاقة تفاعلية وتناغميه بين مكان العرض ومساحة التلقي في انسجام عاطفي وذهني وفكري وجمالي بحيث تتوزع هذه التأثيرات حسب مدركات المتلقي لحظة العرض(بمعنى –ان يكون الاختيار حرا في انتقاء نوع التذوق …اما عاطفيا ..او ذهنيا ..او فكريا او جماليا) دون التركيز على اجتماع كل العناصر كشرط اساس للتقَيم…وعكس ما ألفناه في مجمل التقيمات النقديه للعروض المسرحيه حيث يكون السائد في التقيم هو النظر الى وحدات العرض كوحدة متكامله وجسد ابداعي واحد
& في المسرح البديل ليس هنالك ثبات في منظومة المشاهد وتسلسلها الواقعي –الدرامي …فكل وحدة مشهدية قائمه بحد ذاتها ولها دورها وخصوصيتها وتأثيرها في المجمل العام للهدف الرئيسي….المشهد يقدم نفسه …يقول كلمته ويمضي…يحدد اهدافهه ومضامينه ورؤاه …وللمتلقي الحق ان يسلسل تصوراته للبناء …فيكون مثلا… المشهد الاول هو الرابع …والمشهد الثاني هو الاخير ….وهكذا …بحيث نخلق في نهاية العرض (المتفرج – المؤلف) الذي يكون في جميع الاحوال ايجابيا , وبهذا ننسجم كثيرا مع اهداف الملحمية ومسرحها الذي دعى اليه – بريشت-
ونقترب كثيرا من – الفرجة المسرحيه –  التي ابدع فيها – قاسم محمد –
& الشخصيات في المسرح البديل هي – فكره – مضمون – هدف نسعى الى تحقيقه واثبات وجوده ….ولاترتبط هذه الشخصيات باي قياس واقعي  تقليدي  او منطقي ….فهي ليست شخوص من لحم ودم ….بل افكار ومواقف وافعال تتخذ شكل انسان…بحيث لايترتب عليها ضرورة  الانسجام في الفعل وردة الفعل…بينها وبين الاخر
& غياب البطل الملحمي …وحضور المجموعه التي تمثل العنصر الاساس في العرض البديل
فالجوقة هي البطل (وهنا نستعيد عنصر البناء في الكلاسيكيات العظيمه) وبطريقتنا الجديده بحيث لانعتمد اسلوب  السرد او التعليق على الاحداث الذي كان سائدا عند اليونان القديم
& الصفة الملازمه للمسرح البديل …هو التمرين لعرض مسرحي…وتذكير المشاهد دائما انه امام تمرين مسرحي …الخطأ فيه وارد …بل وضروري احيانا …ونفتعله ان لم يحصل …كي نتواصل في احداث التغيير المعلن امام المتلقي وصولا للـ (تغريب)…..هذا النوع من التمرين يعطي حرية التغير ليس في نسق العرض المسرحي فحسب بل وحتى في اختيار الحدث او الموضوع الساخن الذي يدور ساعة العرض …انطلاقا من ان الحياة تتغير وبشكل سريع وقد نغير بشكل ومضمون المسرحيه …وربما نلغي التجربه برمتها ونأتي بعرض جديد في اليوم التالي
& الاقتباس من كل المنهجيات المسرحيه امر وارد في المسرح البديل شريطة اعادة انتاجها وفق تصورات معاصرة تنتمي للزمن الذي نحيا فيه …على ان يتوفر عنصر الانسجام العام ساعة العرض – التمرين المسرحي
& حضور قائد العرض المسرحي (المخرج او مديرالمسرح )…امر مهم في تمرين العرض المسرحي…لانه يشكل القاعده الرئيسيه في كسر الايهام وتاكيد مفهوم التمرين من خلال اعطاء الملاحظات لكادر العمل …بل وحتى افتعالها …لاعادة تصدير المشهد من جديد
& التاكيد على الفضاء المسرحي المفتوح واعتماد الكتل التي توحي الى الزمان والمكان..واعطاء الفرصة للحن والغناء والشعر ومايترتب على ذلك من خلق اجواء تغازل عاطفة المتلقي كاساس للولوج في التأثيرات الانسانية الاخرى
 

الواقع …فرض البديل
ان ماتتعرض له بلداننا العربيه ومنها العراق جراء الانفتاح الفوضوي على المتغيرات العالميه وماتمخض عنه ماسمي- بالربيع العربي –  وتسلل الافكار والرؤى الغير واقعيه وتعالى الاصوات الداعية الى الانسلاخ عن كل التراكمات المعرفية والعقائدية والثقافية وصولا الى عالم تغيب فيه (السمات والميزات ) ويتحول الجميع الى مواطنين في  القرية الصغيره التى تقاد بسهولة
عندما أطلقنا مفردة – المسرح البديل – لمشروعنا المسرحي (كوميديا الخوف) والتي عرضت على المسرح الوطني في بغداد (28/11/2016) والتي تعتبر استمرار لتجارب سابقة وأعني بها (مسرحية كوميديا الاحزان – 2013) و (مسرحية سيلفي – 2015)… أقول عندما اطرحنا ذلك المشروع المسرحي اعتقد البعض من جمهرة المثقفين والنقاد والمهتمين بفن المسرح أننا نحاول إيجاد فرصة من المشاهده المسرحية تحاول مسك العصا من المنتصف وأن – البديل – الذي نحن بصدد تقديمه يهدف الى الموازنه بين العروض المسرحية السائده والتي اصطلح على تسميتها بـ(المسرح التجاري) وبين المسرح الملتزم (الجاد) والذي نعتقد أنه أفرط في جديته حدّ التطرف ، بل وراح الكثير منهم (مختصين وجمهور) يثنون على التجربه كونها حققت المتعه والفائدة والبساطة التي تنطوي على رفعة كبيرة ، وإقتراب تلك التجربة من هموم الناس والواقع الذي يسيطر عليهم بما يحمل من آلام وآمال وأفراح وأتراح ومرارة كبيرة ارتفعت بها المسرحية الى حد السخرية منها واستهجانها(استشهاد برأي من صحيفة)
إن ما توصل اليه الجمهور الغفير الذي حضر العرض (التمرين للعرض) والتعاطف والفهم الكبير لـ- بعض – من اهدافنا التي أردنا تحقيقها جعلنا نشعر بفخر و زهو كبيرين أزاء الجو العام والطقس الذي تحقق ليلة عرض التمرين المسرحي (كوميديا الخوف) بل واستمرار التجربه وامتدادها للأيام التالية خارج التوقيتات المفترضة لهكذا عروض والتي لا تتجاوز في العادة عن اليومين ، ادخلنا هذا الشعور الجميل في عالم من السعادة الحقيقية التي ربما لا نجدها في الكثير من العروض المسرحية المحملة بالشجن والآلام والتي يخرج منها الجمهور بين مستاء أو ناقم و مؤيد او غير مهتم .
لقد تحقق الاجماع في الرأي على أن (كوميديا الخوف) تمثل الوجه الحقيقي للمسرح الذي نحتاجه  .على اعتبار ان الذائقه قد تغيرت والتلقي بات مختلف …وهي حقيقه صادقه..وصادمه في نفس الوقت ….فالبقاء على الانماط المتوارثه وبشكلها التراثي الموغل بالتطرف لم يعد امرا مقبولا عند المتلقي (المعاصر)….والايغال في المعاصره يفقدنا الكثير من (الموروث) الذي نفخر ونتباهى به ….فكان لابد من ايجاد نقطة التقاء بين الماضي والحاضر ….فكان – المسرح البديل- الذي يستوعب الجميع ….ويستوعبه الجميع
 
دام المسرح …وطن للجميع
 
المخرج طـلال هـادي (بغداد –  11/12/2018)
 
 
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت