نص مسـرحي:" المفتاح"/ تأليف: مثال غازي
( منظر خارج المنزل )
ثمة رجل في عقده الاربعين يقف خارج المنزل وهو يحمل جلكان بانزين ,يرتدي قبوط رث طويل وقديم حيث لا نرى من ملامحه سوى ظهره باتجاه الجمهور, عيناه تركزان على غرفه في الطابق العلوي من المنزل ,حيث يرى من خلال شباك المنزل المطل على الشارع خيال امرأة تستعد للنوم , فجأه تطفئ المرأة نور الغرفه ليجد الرجل الفرصه المواتيه لدخول المنزل , حيث نسمعه وهو يردد مابداخله من مشاعر غاضبة
الرجل: هو الان..وليس ثمة وقت اخر غير هذه اللحظه.. هو الان.. وليس ثمة قيامه اخرى غير الان .سأدخل حتى لو كلفني ذلك حياتي.. رغم ان لا حياة لامثالي بعدك ياباهرة .
(نرى الرجل وهو يدخل المنزل متسللا حيث لا نلمح سوى ظله وخطاه التي تحث سريعا الى الدخول , فجأة يصل الرجل الى باب المنزل الخلفي ليخرج الرجل مفتاحا معلقا على رقبته ليحاول فتح الباب , يتردد الرجل في وضع المفتاح في القفل ,يشعر بالفرح حال ان يكتشف انه لازال يعمل بوجود هذا المفتاح, يدخل الى المنزل وهو يتفحص البيت غرفه اثر غرفه وهو يستعيد ذكرياته في كل شبر فيها , واخيرا يرفع جلكان البانزين ليسكبه في كل زاويه في البيت وصولا الى بدايه السلم المؤدي الى غرفه نوم المرأة ليقرر الصعود وصولا الى باب غرفه نومها ليمسك مقبض الباب محاولا فتحه ايذانا للدخول)
(إظـــــــــــــلام)
(المنظر من داخل المنزل)
(المنظر عبارة عن غرفة نوم جميلة ذات سرير ملؤه الدفء والمحبة والجمال حيث تنام عليه شابة جميلة ترتدي أجمل ثياب النوم حيث تضع على جسدها المرمري أجمل العطور وأضوعها.
يدخل فجأةً رجلٌ غريب الى الغرفة متسللا وسط الظلام وما أن يدخل حتى يستثيره عطر المرأة الجميلة حيث نراه يشمه بعمق وهو يردد ).
الرجل : وكأني بعطرها يعلن عن نفسه مالكاً لهذا الجمال يعلن عن نفسه مالكاً لهذا السرير , لهذا الآثير , لهذي السماء , وذلك الحرير (ينتبه) ولكن لا.. ليس ثمة أمرأة غير باهرة (يقترب من سريرها بهدوء) (يحاول أن يقترب منها أكثر وهو يمد يده نحو عنقها وهو يردد)هذا السافل اللعين يجب أن ينال جزاءه بما أقترفت يداه , فلا عدالة غير عدالة الليلة فلتستحضر قبضتي كل هذا الظلام , كل هذا الألم وأنا امسك بعنقها وهي تتوسل حياتها كما أريد , سأقتلها نعم سأقتلها (ترتجف يداه فجأة من الأقدام على الفعلة) يا الهي يجب أن أمضي لما جئت لأجله ( تنم عن المرأة حركة يتكشف عن جسدها شيء من العري فيشيح بوجهه عنها ) ليس من العفة أن أترك ما يتكشف من جسدها عرضة لشبقي .. لا بد أن تموت شريفةً عفيفة , كما هذا البياض الذي يشع من وجهها ورقبتها المرمرية .. (يحاول أن يغطيها فتنتبه المرأة لتصاب بالرعب فيبتعد عنها في أحدى زوايا الغرفة المظلمة ) .
المرأة : يالهي … من هنا
الرجل : (يدير ظهره لها في الظلام ) (صمت)
المرأة : من أنت ؟
الرجل : (صمت)
المرأة : هل علي أن أكررها الف مرة , من انت ؟
الرجل : (صمت)
المرأة : (تسأله) هل انت لص قاده فقره الى هنا
الرجل : (صمت)
المرأة : إن كان لابد , فلا داعي لأن تفكر في شيء غير السرقة , ففي الغرفة ما يرضي نهمك وجشعك من أموال وجواهر
الرجل: (صمت)
المرأة : فكل شيء موجود هنا في هذه الخزانة , ولكن أرجوك لا تفكر في شيء آخر
الرجل : (صمت)
المرأة : أرجوك .. صدقني لن أصرخ ولن أسبب لك ما يستثيرك .. خذ كل شيء وأمضي في هدوء .. أرجوك أن تبتعد عني فقط .. خذ ما تريد .. خذ كل ما تريد .. ودعني
الرجل : (صمت)
المرأة: صدقني .. لن أخبر أحداً بمجيئك الى هنا , أعرف أن الحاجة دعتك الى السرقة .. لابد أن لك عائلة وأطفالاً تخشى عليهم من الجوع والفقر , فلا شيء أقسى من العازة , لابد ان اطفالك وزوجتك بانتظارك .. خذ ما تريد .. ولكن فقط دعني بسلام
الرجل : ولكني لست لصاً
المرأة : (صمت)
الرجل : ولا أملك زوجة
المرأة : (صمت)
الرجل: ولا حتى أطفالاً
المرأة: إذن مالذي قادك الى هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل .
الرجل : أنتِ
المرأة : (تخاف) … أنا
الرجل: نعم أنتِ وأياكِ أن تشي بحركة تستثيرني بعد الأن . فلا شيء يمنعني من الأقتراب منك كي أفعل بك ما أشاء
المرأة : (مستغربة) جئت من اجلي .. ولكن ألا يستثيرك المال والجواهر والذهب .
الرجل : كلا
المرأة : ألا يستثيرك الغنى فجأة ً والثراء
الرجل : كلا
المرأة : إذن مالذي قادك الى هنا
الرجل : انه انتِ مرةً أخرى
المرأة : ولماذا أنا
الرجل : هذا لأنكِ .. لأنكِ
المرأة: لأني ماذا
الرجل : (صمت)
المرأة : لأني ماذا
الرجل : (يقترب منها اكثر ليشم عطرها ,تبتعد عنه المرأة خائفه من اقترابه) (يسالها ) هل تعرفين معنى لهذا العطر
المرأة : (مستغربة) .. عطر
الرجل : عطر من … جسد من … جنة من … أمرأة من
المرأة: (تساله)هل جئت هنا من أجل عطر شممته
الرجل : بل جئت هنا من أجل عطر هو كل ما أملكه في هذه الدنيا (يسألها ) ترى هل تملكينه
المرأة : (تتردد) بالتأكيد, مادام على جسدي ويملأ جو غرفتي فهو لي .
الرجل : وبأي حق تملكينه
المرأة : (صمت)
الرجل : هل رأيتي .. فلا حق تملكينه فيه , هل تعلمين ماهو هذا العطر , هو ليس مجرد رائحة زكية يعبق بها جسدك .. . أنه المنزل … أنه الأمان … أنه الأطمئنان , هو كل ما أملك من هذا الزمان
المرأة: وهل أباحَ لكَ العطر أن تصلني وتقتحم على حرمي وتنازعني هنائتي دون وازع من ضمير
الرجل : (غاضباً) نعم لقد ابحت لنفسي ما لنفسي . كان لي ظل هنا فأنتزعوه مني , كان لي هنا كل ما في في هنا فصادروره مني
المرأة : (مستغربة) عن ما ذا تتحدث يا رجل , كل الذي أعرفه أن ثمة+ رجلٌ غريبٌ في بيتي , يطلبني ولا يطلب المال , يطمع بي ولا يطمع في الغنى والثراء.
الرجل: (يصرخ) هو لم يكن بيتكِ في يوم ما , (يبعدها)هيا أبتعدي عن هذا السرير الذي تملئينه دفئاً وحباً , هو ليس ملكاً لك, وهذا العطر لو كان بيدي لأنتزعت آثاره من جلدكِ سلخاً حتى الموت …هيا أبتعدي من كل شيء هنا , فلا شيء لديك هنا , هيا أبتعدي , أنتِ لا تعرفين معنى لكل شيء هنا , كما أنك الوحيدة التي لا معنى لها هنا.
المرأة : كما أنني الوحيدة التي لا تعرف لما أنت قادم لأجله ترى من أي تخوم جئت , ولأيها تذهب فأنت لا تعرف مالك هذا البيت ولا مالكي , كما أنك لا تعرف ما انت مقدم عليه كي تصل الى هنا , فكل شيء هنا معد لموتك القادم , فكل ثانية من الزمان هنا فيها اكثر من احتمال لفنائك القادم .
الرجل : (بألم) موتي , فنائي , ما عدت خائفا من اي شيء, لقد ضاع كل شيء فما عاد للقادم من معنى , فأنا مجرد رجل لا شيء ,لا حياه لدي قادمه لاخاف عليها فانا اللاشيء ذاته واياك ان تهددي رجلا عباره عن لا شيء فانا مجرد رجل من ذكريات فهي كل ما أملك وهي كل ما تبقي لي .حتى ذكرياتي حولتموها الى لا شيء
المرأة : هو سؤال واحد ولا غير
الرجل : (صمت)
المراة: كيف أستطعت الدخول الى هذا البيت , فكل شيء هنا محصن ومحكم الأقفال .
الرجل : ليس عصياً على صاحب هذا المنزل الدخول الى منزله
المرأة : وكيف وأنتَ لستَ صاحبه
الرجل : بل أنا صاحبه قبل خمسةَ عشرَ عاماً
المرأة : ولكنكَ بعته أليس كذلك
الرجل : لم أبع شيئاً
المرأة : أجرتهُ لأخرين
الرجل : ذكرياتي ليست للبيع كما أنه ليست للأيجار
المرأة : إذن , كيف كان دخولك الى هنا
الرجل : (يخرج مفتاحاً من جيبه ) بهذا دخلت (يسألها) هل تعرفين ما هذا
المرأة : مفتاح سرقته من هنا
الرجل: وكيفَ أسرق من مالي ولي وملكي.
المرأة : إذن كان عليك تسليمه الى صاحب البيت حال عثورك عليه بالصدفه ربما في الشارع او اي مكان اخر
الرجل : ولكني صاحبه القديم والجديد, رغم أني لا أملك غير هذا المفتاح, هو الوحيد الذي يثبت أحقيتي من هذا المكان, فهو ما تبقى لي من حياتي وتاريخي ومستقبلي.هل تعرفين أن هذا المفتاح كل ما تبقى لي من هذه الدنيا هو لم يفارق قبضتي ساعة من الزمان وأنا أنتقل من زنزانة الى أخرى, ومن محجر الى أخر, ومن سجن الى سجن. هذا المفتاح هو بوابتي الى دنياً لا أملك غيرها , سلبوني أياها, أنتِ لا تعرفين معنى أن تكوني في غيابة الظلمات, حيث لاماكن, لازمان, لا إنسان, فالكل يخضع لإرادة القضبان الباردة والجدران الرطبة وضيق المكان وعفن الطعام, ولا معاملة غير معاملة الكلا ب الضالة.. تصوري هذا أنا كله تلك السنوات, لا أقمار تطل عليك ولا شموس, لا ساعة تنبهك للوقت حيث لا وقت, كان المفتاح هو إشراقتي الوحيد وسط الظلام والظلمة والظلم (يسمع) لازلت أسمع صدى سياطهم على جسدي, لازلت أسمع صوت صعقات الكهرباء الذي يقشعر لسماعها الجلود قبل الأسماع.. لازلت أسمع خطواتهم قادمين حيث تعتصر أقدامهم أنامل أصابعنا, (يعد بأصابعه) كان عليك أن لا تصرخ و لا تشعر و لا تستجير . كان عليك أن ترتشف الألم كما يرتشفون قهوتهم صباحاً قبل مجيئهم الينا . كان علينا أن نلعق أحذيتهم بألستنا , كان علينا أن نلبي رغباتهم القذره كل مساء وكاننا نسائهم
المرأة: (تقاطعه) وهل كان عليك أن تأتي لتقتحم هنائتي وطمأنينتي , لتقتحم علي بعذاباتك . ألا تخاف أن تعود اليك سنواتك التي مضت لتستعيد بها سنوات قادمة أشد مرارةً وأقسى
الرجل : وهل علي أن أفكر بساعة غير هذه الساعة . أن أفكر بليلةٍ غير هذه الليلة. لقد كان حلمي الوحيد ان اتي الى هنا لانتقم من زوجك ومن كل الذين اضاعوني وصادروا حياتي
المرأة: ولكن ألا تفكر بالحياة مرةً أخرى
الرجل: لقد عشت مع باهرة ما يكفي من الحياة فلم يعد لحياتي معنى بعدها, فانا الان مجرد رجل ميت منذ زمن بعيد, مابين البوابة الخارجية وصولاً الى غرفتك حياةً عشتها, حياة عشقتها, حياةً ذكرتني وتذكرتها, هل تعرفين لم يتغير في هذا البيت شيء, لابد أن هذا اللعين زوجك أحب حياتي, طريقة عشقي للأشياء من حولي في هذا المنزل. المنزل هنا ليس جدراناً ونافذةً وأبواب, المنزل هنا جنةً دون أرتياب.الحقير لم يغير شيئاً .. أنية الزهور هذه أحبتها باهرة. وتلك الستائر هناك قبلتها باهرة الف مرة قبل أن تعلقها هناك, حتى العطر ذلك الحقير لم يجرؤ على تغييره, فهو لا يملك الخيار ولا الأختيار لم يملك سوى الأستلاب والأغتصاب لقد أستعار حياتي ومنزلي, أستعار خياري وعشقي, أستعار ما يملأ المنزل من روح هي كل روحي, كما يستعيرون أرواحنا في السجون. كي يسدوا بها نقائصهم . لقد أذلني ذلك الحقير وقبلها أذل باهرة, أذل روحينا بأغتصابه منزلنا, لم يكن حلمي طيلة تلك السنوات سوى هذا المقتاح, سوى هذه السفينة التي علقتها على رقبتي ليلاً ونهاراً . وكنت اصلي ان لا يغير هذا الحقير أقفال المنزل كي يأتي اليوم الذي أنتقم منه فيك ومنه فيما بعد .
المرأة : إذن هذا البيت بيتك
الرجل : (يصرخ) بيتي
المرأة : وهذا السرير سريرك
الرجل: سريري
المرأة : وهذا العطر عطرك
الرجل : (بألم) يا الله
المرأة : فأغتصب حياتك كما أغتصب امرأتك وسنواتك
الرجل: (صمت)
المرأة: وهل جئت لقتلي انتقاماً لسنواتك وزوجتك
الرجل : ليس وهذا العطر يملأ جسدك
المرأة: (صمت)
الرجل: هل تعلمين كان لباهرة جسد كجسدك وروح كروحك حتى الملابس على جسدك تتراقص فرحاً كما تراقصت على جسد باهرة.(يسالها) لماذا كل ما فيك يشبهها (يصرخ) لماذ, اية ليلة هذه علي ان انتهي منها
المرأة : وهل تجدني كباهرة
الرجل : (ينتفض) ليس وفي جسدك من لفحات لهاثة العفن (يسألها) ترى هل أحببته
المرأة: نعم
الرجل: هو لم يظهر لك ما يسوؤك
المرأة : كلا
الرجل : وما يشعرك بمثالبه وعيوبه
المرأة: كلا
الرجل: ولكنه ليس كما تظنين
االمرأة : بل لا أعرف غير الذي أعرف منه واراه فيه
الرجل : اذن انت تحبينه
المرأة : كزوج عشقته , ورجل ليس للمرأة غيره ملجأ
الرجل : (ينتفض) ولكنه سافل, حقير, خنزير .إن له حياة وذكريات لا تعرفينها، لقد أغتصب حياتي كما أغتصب الف حياة وحياة لآخرين, لقد منحته السلطة ان يحكم متى ما يشاء وبمن يشاء وقت ما يشاء, اقتحم بيتي باسم الوطن هجموا علي, اقتادوني, علقوني على سقف السجن باسم الوطن, اتهموني بالتواطئ والعماله والسفاله والخيانه باسم الوطن, صادروا اموالي وبيتي وزوجتي ومستقبلي باسم الوطن ولا اعرف بعدها هل عاش الوطن كما ينبغي له ان يعيش بعد ذلك, وهل ينبغي علينا نحن الذين لم يسمحوا لنا بالعيش طويلا فيه ان نهتف عاليا …عاش الوطن
المرأة: ماذا لو كان كل ما تقوله كذباً .. ماذا لو كان كل ما تقوله افتراءً, هل علي أن أصدق قصتك الملفقة هذه ماذا لو كنت مجرد رجل مجنون قاده هواه الى هنا
الرجل: بل ليتها كانت قصة ملفقة أو جنون, ليت كل ما أقوله محض كذب وافتراء (فجأة يرن جرس الهاتف تحاول المرأة فيمنعها) دعيه يرن ويرن ويرن كثيرا حتى يقلق او يشعر بالخطر حتى يأتي الى هنا مسرعا, دعيه يرن حتى يجن (يصرخ) هيا رن ايها الهاتف حتى يفقد صوابه كي يقرر المجئ الى هنا .
المرأة: أرجوك أني أتوسل اليك أن تخرج من هنا وفي الحال. قد يأتي الى هنا في اي لحظه انه هو من يتصل ,انت لا تعرف ما سوف يفعله لو رأك هنا, ارجوك اخرج الساعه فقط هذا من اجلك
الرجل: لا أستطيع, فدخولي هنا مستحيل وكذلك خروجي من هنا أكثر استحالة وتعقيداً, فكل شيء يبدأ هنا وينتهي. كل شيء يولد هنا ويموت, هنا جنتي وناري, هنا توهجي وإنطفائي .ربما لا أعرف طريق العودة كما عرفت طريق الدخول .
المرأة : ولكني سأضمن لك كل شيء ,خروجك من هنا , بداية لحياة جديدة الأمل ,الحياة,الخلاص كل ما تريده وتتمناه.
الرجل : وباهرة
المرأة: ما تختاره من النساء سيكون بديلا عنها , لطالما ستنسيك المرأة الثانية امرأتك الأولى.
الرجل : لا أستطيع , لقد جئت الى هنا لا طمعاً في الحياة بل طمعاً بالموت.
المرأة: ( تحذره) ماذا لو قدم الساعة
الرجل : لا يهم
المرأة: أذن مالذي يهم
الرجل : هو سؤال واحد لا غير.. في أني انا من أكون , فأنا ما عدت أنا كما كنت في السابق, لقد ضاع في كل شيء.. حياتي. ذكرياتي. زوجتي.. منزلي.. هل من شيء تبقى لي.. هل لازال في بقايا من روح تركها لي هذا اللعين.. ترى من يعيدني الى ما كنت عليه في السابق (يتذكر) لازلت اتذكر حين حضرت باهرة لمقابلتي في السجن ذات يوم , رغم انهم منعوني من اية مقابله تذكر, لم اعرف ساعتها لما سمحوا لها بمقابلتي ,حضرت وكانها ليست هي, وجهها شاحب, عيناها تائهتان لا تجرؤان على النظر الى وجهي, تحسست فيها شيء كرهته, تحسست شيء تمنيت الا يحدث لها فاخبرتها لما انت مطرقه الرأس يا حبيبتي, لما انت ليست انت مثل كل مره, لطالما عرفتك ابيه عصيه مرفوعه الرأس لماذا هذه المره ليست ككل المرات, اجهشت باهره بالبكاء فجأه , ساعتها عرفت كل شيء , مددت يدي من خلف القضبان لارفع راسها.. هيا أنظري يا حبيبتي الى وجهي الذي تعشقين.. أعرف أنهم غصبوك على كل شيء.. ساوموك على حياتي.. لا تخجلي وانظري في وجهي فأنت السماء وحدها ولا غير.. فداك روحي.. المهم أنتِ.. سيظلون يحملون عارهم حتى قبروهم.. وسيخجلون من ماضي أقذر من أي قذارة في الكون.. أرجوك أن لا تشيحي بوجهك عني فلا عار سوى ما فعلوه.. المنزل لا يهم . المهم هو أنت .. المهم هو وجودنا معاً .. سأخرج .. نعم سأخرج من السجن وسوف نبدأ حياة جديدة .. انتظريني ولا تيأسي (يبكي) لم تكن كلماتي وحدها قادرة على منعها في ما قررت ان تفعله, خرجت فجأة.. خرجت وبقيت أنا وحيداً بين قضبان السجن, لم اعرف ساعتها انها قررت ان تطهر جسدها من عهرهم لما استباحوه منها, لم اعلم انها قررت.قررت الانتحار حرقا حتى الموت.. هي النار وحدها من انقذها من عهر ضمائرهم وخياناتهم (يحاول رش الغرفة في البانزين وهو يتحدث)ساعتها توسلت الحراس.. توسلت السماء..توسلت القضبان والجدران والزوايا ان ينقذوها فلا من مجيب. فكانت أن أشعلت جسدها بعقب سيكارة طبعت عليه أحمر شفاهها عنواناً للرحيل, هل هناك قيمة لغير باهرة من النساء يمكن أرثيها وأنوح عليها طيلة حياتي .ساحرقه وساحرقك وساحرق كل شي هنا
المرأة : (خائفه) ماذا تفعل بالله عليك
الرجل : دعينا نحتفل من اجلها ان نوقد نارا جديده من اجل استذكارها, هل تعلمين ما هي هذه الرائحه إنها رائحة الموت, بل هي رائحة الثأر.. هو العطرذاته الذي أحرق حبيبتي.. أنه البنزين مرةً اخرى واخرى.. أنه العدالة والمساواة.. عدالة أن أطهر المنزل من حياة عشتموها معاً طيلة تلك السنوات. حياة كانت لي , سنوات كانت لي ..فاغتصبتموها… أنت لا تعلمين ما في القهر.. ما في من اليأس.. ما في من الثورة (يشعل عود ثقاب) بهذا يتطهر كل شيء .. أنها النار
المرأة : (تقف في وجهه متحديه غير خائفه )إذن أنت مصر على كل شيء.. على الموت.. على العقاب.. على البطش, على الدمار.. هيا أمض ِ لما جئت لأجله , لما قدمت اليه .. هيا إمضي لنصرك لحربك لثأرك . ما الذي تنتظر ليس عليك سوى أن تشعل هذا البيت بما فيه لتأخذ بثأرك لتنتصر بحربك.. هيا كرر كل شيء.. هو دنس حياتك, دنس عرضك وشرفك, فأنتزع حياته ودنس عرضه وشرفه بي (تقف امامه) هيا لا تتردد فليس بيني وبين باهرة وما أشعر به الأن فرق . فلا ذنب لنا ولا جريرة.. هيا أمض ِ لما جئت لأجله.. وأرم ِ بهذي النار كي تطفئ سنوات سجنك وظلمك .. هيا فها أنا أمامك وما نويت.
الرجل: (يتردد)
المرأة : ما الذي تنتظره فها أنا أمامك , أعرف أنك تقصدتني ولم تتقصده , كي تقتله بي , الموت وحده لا يكفيه اليس كذلك ؟ فأنت جئت لتقتل قلبه قبلها ,اعرف حجم ما فيك من الآلم ما يشعرك بأن الحياة لا تستحق أن تعيشها مع هذا الكم الهائل من الظلم .. اليس هذا ما تشعربه الان
الرجل : (صمت)
المرأة : هيا أمضي لما جئت لأجله
الرجل : (ينفجر) كفى.. كفى لا توهميني بقساوة لا أحملها وظلماً لا أملكه (يتردد ثم يطفئ النار) حسناً ماذا لو سمحت لك بمغادرة المنزل على الأقل
المرأة : هو منزلي
الرجل : هو ليس منزلك
المرأة: بل منزلي
الرجل : ليس منزلك
المرأة : مادام منزل باهرة فهو منزلي
الرجل : أنت تدعين بما ليس لك وتصرين .. سأسمح لك بالخروج ولكن بشرط ان تخرجي بما عليك من ملابس ولا غير.
المرأة : والعطر
الرجل : دعيه وغادري في التو والساعة , فلن اضمن لنفسي بعد هذا القرار قرار قد أرجع فيه
المرأة : لا أستطيع
الرجل: لا تستطيعين ..عن أي شيء تتحدثين يا امرأة. ثانية وأخرى سوف أحرق المنزل بما فيه, حتى لا ينعم بعدي بهناءة غير هنائتي, بسعادة غير سعادتي, هيا أخرجي من هنا ولا تضيعي الوقت بعنادك, سيأتي لأحرقه وهذا المنزل,لأحرق قلبه, لا حرق جسده لأشم فيه شواء روحه وأحلامه ومستقبله, أخرجي.. أخرجي من هنا …فلطالما سياتي .
المرأة : سأبقى هنا ولا يهم كل الذي تنوي فعله, لقد عشقت هنا كل شيء, ملابسها, عطورها, ستائرها ذوقها, حياتها,لا أستطيع أن أغادر هذا المنزل كما لا أستطيع أن أغادر باهرة فهي كل شيء هنا, فلا تحاول قتلها مرة اخرى ,لقد اصبحت كل شيء هنا فدع كل ما احبته ينبض من جديد وساحرص على ان ارعى كل ما تحبه باهره .فقط ارجوك لا تحرق كل ما تحبه هي ,فكل يوم اشعر ثمة روح تتحسس المكان وتنتقل به و تسير معي اينما حللت ,لقد امنت بوجود باهره وكاني واياها نعيش في ذات المكان. صدقني انها هن, تتنفس كل شي هنا,نرتشف كل صباح قهوتنا معا,كل ما في هذا المكان هو من روحها من عطرها ,صدقني لقد احببت باهره كما احببتها انت ,فانا واياها نحمل ذات الروح في حب هذا المنزل ,صدقني لا استطيع التخلي عنه بهذه السهوله .
الرجل : يالهي,أنت تصعبين علي الأمر يا أمرأة
المرأة: ليس بقدر الصعوبة التي خيرتني أياها , إن كان لابد فحرقي واجب كما حال ذكرياتك ومنزلك
الرجل: ولكنك تحولين بيني وبين حربي , بين وبين ثأري
المرأة : إن كان ما تريده حقاً فعليك به . فأنا أوهى من أن أقف بينك وبين ما تريد.
الرجل: ولكنها لحظة عشتها طيلة تلك السنوات , ربما هي سر بقائي حتى هذه اللحظة.
المرأة: ولكني لا أستطيع الخروج من هنا
الرجل: كما أني لا أستطيع الخروج من هنا ايضا
المرأة: (صمت) (وهي تنظر اليه)
الرجل: (صمت) (وهو ينظر اليها)
المرأة: (تساله ) ترى هل أحببتها
الرجل : هو سؤال لا يعصى على القلب أن يجيب عليه بنعم
المرأة : ماذا لو عادت باهرة من الموت
الرجل: لحظة أتوسلها كي أقبل ما تطئه من ذرات التراب تحت أقدامها كي أمنعها من ما قررت لقد أحببتها كما أحببت السماء . يقيناً دونك شك, حقيقةً دون خيالات . حياتنا معاً كان حلماً يتمناه أي رجل وأمرأة (بألم) ولكن فجأة انتهى الحلم حال ظهوره ,أعرف ما فيه ما كان ليمنع ما يعتريه . فكان أن تسلل الى بيتي مغتصباً حياتي ومن خلفه كلابه والحراس . هو لم يبق من حياتي سوى هذا المفتاح , ما كان يعلم بوجوده دائماً في جيبي لافأجأ به باهرة ليلاً خلسة كل ليله. ففي القلب ألف مفتاح لحبها, أما هذا المفتاح فكان للثأر من أجلهاأرجوك .. أني أتوسل سمائك وأرضك, أتوسل يقينك وصدقك أن تغادريني وتدعيني , دعيني لثأري , دعيني لحربي ,دعيني لما اريد.
المرأة : وهل علي أن أخلي بينك وبين الموت
الرجل: وهل كانت سنوات السجن إلا موتاً مؤجلاً
المرأة : : ربما عليك ان تعيش لالك بل لها , أن تعيش من أجلها, أن تعيش لي
الرجل : (يتفاجأ) أعيش لك , ولماذا أعيش لك فانا مجرد رجل اقتحم هنائتك وسعادتك ونومك . ثم لما عليك أن تخافي على الرجل لم تعرفيه قط
المرأة: بل تعارف لم يفصح عنه الزمان فيما سبق , وها هو يفصح عنه فيما لحق (وكان ثمة شي ولد بينهما)
الرجل: (يتأملان بعضهما) ولكن المنزل آيل للأنفجار
المرأة : نموت معاً أو نعيش معاً
الرجل : يالهي , أي لحظة لعينه هذه
المرأة : فيَ من روحٍ باهرة كما فيَ من روحك, أن كان لابد فعليك أن تنجو بنفسك على الأقل فنجاتك هي نجاتي, فربما هو قادم الى هنا بين لحظة الى أخرى,ارجوك ان تغادر سريعا من هنا,انت لا تعرف ما سوف يفعله بك فهو قادم الى هنا في اي ساعه
الرجل : فليأتي متى ما يشاء, فليأتي وقتما يشاء, فليس بيني وبينه خوف يتملكني فأنا عازم على أن أشم رائحة تفحمه وشوائه حياً حتى الموت.فلن أسمح له أن يسعد بحياتي كما يسعد بحياتك مرةً أخرى
المرأة: أرجوك ان تغادر سريعأً , فهو على وشك
الرجل : أو تخافين على رجل لم تعرفينه من قبل
المرأة: هل تعرف لقد بدأت أخاف عليك وعلى هذه الليلة من الانتهاء
الرجل: وهذا ما بدأت أخافه أن أغادر هذه الحياة بعد هذه اللحظة
المرأة: (تنظر اليه) ما كنت لأشعر بطعم الحياة قبل هذه اللحظة
الرجل: (ينظر اليها) بل ما كنت لأشعر بطعم الحياة بعد هذه اللحظة
المراة : أرجوك مرةً اخرى أن تغادر سريعاً من هنا
الرجل : أو تخافين علي من الموت
المرأة : كما أخاف على باهرة أن لا تغادرني وعطرها
الرجل: وهذا المفتاح
المرأة: دعه لقلبك الذي لا ينساها كما تدعه لقلبك الذي لا ينساني
الرجل: (بيأس ) ولكن لاأمل
المرأة: لا أمل
الرجل: وعود الثقاب
المرأة: دعه لألف شمعة قادمة
الرجل : (بالم ) لقد تورطنا اليس كذلك ؟
المرأة : هذا ما يبدو على الأقل
الرجل : ما ذا لو أعدنا الزمن الى الوراء
المرأة : في اللحظة الذي وجدتني كباهرة , عصية , قصية, آمنة , نائمة
الرجل : وهل فيك بقية من النوم
المرأة : ليس قبل أن تحدثني عن حبك لها, لأغتنم كلماتك زاداً لأحلامي
الرجل : مادام القلبُ فيه متسع لطبقات السماء.. لن يمل الكواكب والنجوم والقمر.. لن يمل الليل اذا طال أو أختصر
المرأة : ربما علي أن أعود الى مهجعي مرة أخرى , آمنة بأمان لم أعرفه من قبل , بروح لن تتكرر من قبل
الرجل : وهذا هو ما سيحدث ,حاولي أن تعيشي المكان كما كان , أن تجديني وباهرة نقتسم حياتك وهوا ئك وعطرك
المرأة : كما عليك أن تعرف أن للحياة بقية قد تطول ولا تقتصر
الرجل : (متردداً في الخروج) ما الذي علينا أن نفعله الآن , وكأننا معاً قد علقنا بشيء لا نملك قراره
المرأة : أن تمضي فحسب ذلك هو الأجدى دون أن تفكر كثيراً
الرجل : وهل علي أن أنسى هكذا ببساطة
المرأة : ليس المهم أن تنسى المهم أن تصفح
الرجل : وهذه الدقائق
المرأة : دعها تمضي ولا تلتفت إليها طويلاً , علق هذه الدقائق على رقبتك كحال المفتاح الذي لم يفارقك ابدا كي تعيش بعد ذلك
الرجل : حتى لو كانت هذه الدقائق فيها جنتي
المرأة : حتى لو كانت فيها جنتك
الرجل : (ينهار و يصرخ) وأنا
المرأة : (تصمت متالمه)
الرجل : وأنا
المرأة : (تبكي ) صدقني لا أعرف
الرجل : ومن الذي يعرف.. هو.. هو الوحيد الذي عليه أن يعرف كل شيء, كما يريد كل شيء, كما ينال كل شيء .. الحلم.. الحقيقية. الخيال.. كانت باهرة واقعُ كالحلم.. وها أنتِ تتجسدين أمامي حلم ٌ كالواقع,لماذا كل شي له ,لماذا علي ان اصفح ,لماذا علي ان انسى ,لماذا انا في كل هذا,لماذا على هذه الليله ان تنتهي سريعا هكذا,لماذا انا لماذا انت , اي الم واية عذابات اعيش
المرأة: لطالما سوف تنتهي الليله سريعاً
الرجل : كما أتمنى أن لا تنتهي سريعاً
المرأة : لقد بدأت تصعب الأمر علي
الرجل : لقد جئت الى هنا قبل قليل قاصداً وها ان سوف أخرج منها ضائعاً لا أمل لي إلا الخيالات والأحلام , ليتني لم الج هذه المحنة .. أن تريد وأن لا تريد أرادتان , يتقاتلان فيك ولا نصر سوى الخيبة
المرأة : أرجوك فأن الوقت يمر فلا بد أنه سيأتي بعد قليل
الرجل : وهل علي أن أمضي من هنا في الحال
المرأة : هذا فقط من أجلي كي أحيا ولا خجل في عينيك كي ينسيني بأني أمرأة حرة طاهرة غير مدنسة اليس هذا ما تبحثه في باهرة
الرجل : وهل علي أن أوصل لحظة دخولي الى هنا بلحظة خروجي من هنا
المرأة: هذا من أجلك وأجلي
الرجل : وهذا العطر الذي أحب
المرأة : لن يمر يوم إلا وأنا أملاْ كل زاوية في هذا المنزل منه ايذاناً بأحياء ذكراها هنا وذكراك هنا
الرجل : (يهم بالخروج ) ربما علي ان اغادر
المرأة : فقط هذا من اجلك واجلي ومن اجل اجمل ما مرت علينا من دقائق عشناها معا دون شي نندم عليه, ارجوك ان تعيش لما تبقى لك من الحياة ,ربما سياتي ذات يوم ليعود اليك كل شي ,حياتك ,ذكرياتك,احلامك .
الرجل : أو ستعودين الى سريرك آمنة مطمئنة
المرأة : بأمان هو أمانك وطمأنينة هي طمأنينتك
الرجل : وكأنه الحلم اليس كذلك .
المرأة : وكأننا في حلم
( يصيح ديك الصباح)
الرجل : هاهي الحكاية توشك أن تنتهي ككل مرة قبل مجيء الصباح
المرأة : سريعاً كما الحلم
الرجل : (يمسك يدها مفارقاً ) ربما عليك أن تعودي الى السرير كصفحة بيضاء.. نقيةً كما السماء وكأني لم أكن هنا.. وكأن شيئاً لم يكن
المرأة : وكأن شيئاً لم يكن (يغادر)
(إظــــــــــــــــــلام)
(المنظر من خارج المنزل )
( الرجل وهو ينظر الى فتحة الشباك من الخارج , حيث لا زال نور شباكها مفتوحاً في غرفتها نراها وهي تنظراليه من بعيد , الرجل يبتسم للنور , يخرج المفتاح من جيبه ليتامله ثم يقوم بتعليقه على رقبته مره اخرى ثم يمضي بعيدا)
(النهايـــــــــــــــــــة)
تألـــــيف
مثـــــال غــــــــازي
2013