كتاب الخميس (الحلقة الرابعة)/ قراءة وعرض صادق مرزوق

اسم الكتاب : الهوية الثقافية لمسرح مابعد الكولنيالية
الكاتب: دكتور عامر حامد الربيعي
ترتبط الهوية ارتباطا وثيقا بالدراسات الما- بعدية والتي تناولت التعددية الثقافية مبحثا مهما صار من خلالها المنجز الأدبي والفني عابرا للحدود الجغرافية. وإن الهوية الثقافية هي الحد الفاصل بين الإمبراطوريات الاستعمارية وعصر ما بعد الكولنيالية . لأن الهوية حينما تتبع نظام المراكز الاستعمارية تعمل على ترسيخ الصراع بين (الاستعمار × المقاومة) وما يخلفه ذلك الصراع من الانتماء الضيق والتخندق حول الهوية. لكنها حينما تتجه نحو التعددية الثقافية فإن الهوية هنا تدخل ضمن ثقافات ما بعدية ترسخ التنوع والانفتاح والمرونة والقابلية على التفاعل كما يذهب إلى هذه المحددات ادوارد سعيد..
ويذكر الدكتور (عامر حامد) في مقدمة كتاب “الهوية الثقافية بان ما بعد الكولنيالية” جاء كرد فعل للمجتمعات الإنسانية التي وقعت تحت طائلة الاستعمار. وكان هدف تلك المجتمعات مقاومة ومواجهة المد الاستعماري من خلال التعبير عن هويتها الثقافية من حضارة وموروث تاريخي ومنجزاتها الفنية والأدبية .. ويعد المسرح جزء من تلك المنجزات باعتبار أن المسرح هو أحد وسائل التعبير عن الهوية الثقافية الوطنية التي مثلت تلك البلدان التي وقع عليها هيمنة المستعمر، وأن المسرح كونه يتأثر بمناخات سباسات الاستعمار وأدبيات المقاومة لابد له أن يكون أحد وسائل الرفض ورسالة ثورية تساهم في بناء هوية وطنية لتهدم بنفس الوقت هيمنة الاستعمار.
* الفصل الأول: ما بعد الكولنيالية/الريادة والمصطح
لطالما عمدت أوربا ومنذ نهضتها على نشر نفوذها وتصدير ثقافاتها عبر استعمار مناطق مختلفة من آسيا وإفريقيا وهي ترى بأن التخلف يسود الشرق، وأن هذا الاستعمار تجسد بالهيمنة الكولنيالية لبناء رأسمالية أوربية تنظر إلى الآخر المتخلف، ويرى الماركسيون أن هذه المرحلة على أنها ضرورة حتمية تاريخية تؤسس لما بعدها من خلال صراع عنيف بين الطبقات المتخاصمة، وكما ذكر ماركس أنه مع الرأسمالية يصبح كل شيء مادي وبعيدا عن الجوهر الإنساني. ولذلك في الرأسمالية يحل المال والسلع محل العلاقات الإنسانية، ويصبح الإنسان مهمشا مسلوب الإرادة، كما ساهمت الهيمنة الكولنيالية في جعل الدول التي استعمرتها ساحة الصراعات ونهب الثروات. وساهم التمدد الاستعماري في ظهور الرأسمالية الأوربية..
وبالتالي فإن الكولنيالية مهدت وفق تلك الضرورة التاريخية لظهور مصطلح (ما بعد الكولنيالية) الذي يهتم بدراسة الاستعمار ويستشرف ما بعد الاستعمار . وكان كان لظهور كتاب الاستشراق لادوارد سعيد عام 1978 ارتباطا وثيقا بظهور المصطلح. حيث يرى سعيد أن كل فرع من فروع المعرفة وثيق الصلة بالغزو الاستعماري الأوربي وهو جزء لا يتجزأ منها. لكن التركيز على النص الأدبي كان الأداة الفاعلة التي بواسطتها تم رسم معالم وحدود مابعد الكوليالية .
وكما يشير الدكتور عامر حامد أنه وبالرغم من ظهور الدراسات مابعد الكولنيالية في خمسينات القرن الماضي إلا أنه لفظ (مابعد الكولنيالية) بهذا الاسم إلا في عام 1985 من خلال الناقد الاسترالي (سيمون ديريتغ) في مقالته المعنونة (بلوغ اليابسة) ان الهدف من دراسات مابعد الكولنيالية تهدف في معظمها إلى تصحيح النظرة الاستعلائية التي كان ينظر من خلالها الاستعمار إلى دول الشرق المستعمرة..
يمكن النظر إلى مابعد الكولنيالية (ما بعد الاستعمار) بكونها تمتلك أهمية قصوى على أساس أنها تعد التحليل النقدي للتاريخ والثقافة وأنماط خطاب محدد سلفا للمستعمرات السابقة والواقعة تحت هيمنة انكلترا واسبانيا وفرنسا وباقي القوى الكولنيالية الأوربية.
يؤكد الدكتور عامر حامد أن وضوح الفعل الايجابي لما بعد الكولنيالية مرده إلى السلوكيات الاستعمارية السيئة التي تمارس داخل حدود الدول الذي وقع عليها حيف الاستعمار. وأن هذا التوجه النهضوي لما بعد الكولنيالية ما كان ليكون لولا وجود ثمة مفكرين أججوا فكر التحرر لدى الشعوب التي استعمرت ومن أولئك المفكرين: فانون، ادوارد سعيد، هومي بابا، وإعجاز احمد ..الخ.
كما يشير الكاتب إلى حقول المعرفة النظرية التي تدخل ضمن دراسات ما بعد الكولنيالية ومنها الانثروبولوجيا والسيسيولوجيا والجنوسة و النقد الأدبي والتاريخ ودراسات علم السياسة والفلسفة. ومن نتائج الدراسات الكولنيالية انهيار الإمبراطوريات الأوربية العظمى ومنها بريطانيا في أربعينيات القرن العشرين.
 فوكو (1926- 1984)
يركز فوكو حسب الكاتب في بحوثه على الممارسات الثقافية التي تتشابك فيها السلطة والمعرفة ، وهي بدورها تعمل على قولبة إدراكاتنا للفرد والمجتمع على حد سواء، إلى أن تظهر الأساليب والطرق التي عبرها ننظر إلى هويتنا الثقافية..
لقد توجه فوكو إلى نقد السلطة على وفق منهج آركولوجي حفري لمواجهة فكرة الهيمنة والتملص من رقابة المؤسسة المتنفذة. ويرى مؤلف كتاب الهوية الثقافية بأن فوكو كان بارعا في تأويل وتحليل ونقد المعرفة السلطوية وتاريخها .وساهم في ضرب النزاعات المرتبطة بالمركزية الغربية والعقلانية السائدة.
جاك دريدا
في كتابات دريدا وحسب الدكتور عامر حامد فإن له موقفا حازما من التمركز الغربي وإقصاء أي فكر مغاير لمركزية الغرب .. يعمل دريدا جاهدا إلى تقويض كل ما كان سائدا في الميتافيزيقيا الغربية والممارسات الاستعلائية تجاه الآخر .. وأن أهم معطيات دريدا النقدية في مشروعه التفكيكي تكمن في الاختلاف ونقد التمركز . وقد تعدى اثر التفكيك عند دريدا إلى تحدي القوانين السياسية والاجتماعية في الحياة وليس قوانين الثقافة وتمركزها الغربي فقط.
جيل دولوز
مع وجود هيمنة وسلطوية النظام الرأسمالي يرى دولوز أن هنام أقليات مهمشة تكون بمثابة اللغم القابل للانفجار في أي وقت. حيث اشتغل دولوز على تفعيل دور الهامش في الخطاب الفكري والسياسي والاجتماعي وهذه من أهم مرتكزات المفاهيم المؤسسة لما بعد الكولنيالية.
دوارد سعيد
يعتمد ادوارد سعيد في تشكيل آرائه من خلال قراءته للمنجز الثقافي الغربي، ويتضح ذلك في الثقافة الامبريالية حسب الدكتور (عامر حامد) فإن سعيد يعمل على مفهوم الثقافة والامبريالية وهو قائم على ربط الثقافة بتمرير المشروع الاستعماري وبثه عبر الفكر بكل أجناسه من رواية وقصة وشعر .. وأن قراءة ادوارد سعيد في (الثقافة والامبريالية) هي حفر في المتن سعيا لكشف المسكوت عنه والمهمش.
يؤكد سعيد على أن البلدان الواقعة في ظل الهيمنة الاستعمارية دائما ما توصف بمصطلحات سلببة.. حيث يوصف سكانها بالكسل والضعف والفساد وان ثقافاتهم نسخة بالية من مجد غابر.. وهو يؤكد دائما على الأساليب التعسفية التي تستخدمه الدراسات الرأسمالية لثقافة البلدان التي هيمنت عليها .
وبالمقابل فان وجهة نظر سعيد في الثقافة ودور المثقف لها أبعادها الكبيرة بالنسبة للقوى الاستعمارية حيث تحاول الأخيرة أن يستمر جهل الشعوب وعدم القيام بأي فعل حضاري .. لذلك يسعى سعيد إلى المواجهة للقوى المهيمنة وتفعيل الجوانب الفكرية كقوة مواجهة للسلطة وان لا تبقى ثقافة الشرق تحت حماية غربية . وهو يدعوا إلى تكوير الثقافة وكونيتها وأن يتجاوز فعل المثقف محددات الزمان والمكان .
يتعرض الدكتور (عامر حامد) أيضا إلى مفكري ما بعد الكولنيالية مثل هومي بابا، وإعجاز احمد وخصص لمباحث مفكرين آخرين مساحة ضمن الفصل الأول في طروحات لا تختلف كثيرا عن سابقيهم ضمن هذا الفصل..
* الفصل الثاني: التحولات المعرفية لما بعد الكولنيالية
يشير المؤلف إلى الرأي الأرسطي في التحول، حيث يقسمه أرسطو إلى قسمين التحول من اللاوجود إلى الوجود وهو الكون أو الحدث.. والتحول من الوجود إلى اللاوجود ويطلق عليه الفساد أو العدم. وأن التحول يشير إلى ما هو لاحق لشيء سابق، فالتحول نهاية شيء وبداية شيء آخر.
والتحول لا يتعلق بالظاهر من الأشياء بل هو يدخل إلى عمق عناصرها التي تكونها لأنه أمر يرتبط بالتجدد والكثرة أو التكثير..وأن مفهوم التحول ضارب في القدم. وقد استمر البحث في مفاهيم التحول مرورا بأفلاطون وأرسطو.. وأن التفكير في مفهوم التحولات الطارئة على العالم تشكل حافزا للفكر ومنبعا أساسيا لمعرفة الذات وثقافة المجتمعات. ويبنى مفهوم التحول عبر الصراع الدائر بينه وبين المفاهيم الفكرية السائدة والراسخة في الواقع. تلك المعركة التي تشكل الانطلاق من نقطة معينة تبدأ بإزاحة السائد.. وأن التحول في البني المعرفية صفة ملازمة للتطور لما يتجه من إبداع وانجاز معرفي متطور.
وأن مفهوم التحول يرجع إلى عاملين الداخل/الخارج وينتج التحول من تفاعلهما وصراعاتهما ويؤدي ذلك الصراع إلى انبثاق إلى انبثاق ثقافات ورؤى جديدة. وقد اتجه العالم عموما نحو تحولات معرفية لعصر ما بعد الكولنيالية من بناء وترابط حضاري وشمل هذا التحول مختلف الاتجاهات ومنها ما يخص المسرح بتحولاته النوعية. وفد برزت هذه التحولات مفهوم التعددية الثقافية التي ساهمت بدورها بتشكيل فرق متعددة الجنسيات عن طريق التداخل الثقافي والحضاري بين مختلف المجتمعات.
ويذكر مؤلف الكتاب حول تحولات المعرفة بان الفن والمسرح بشكل خاص ساهم في تأصيل الذات وإثبات الهوية. وقد تصدرت هذه التحولات محاولات التأسيس لمسرح العربي. أكدت الهوية الثقافية العربية في تجارب عديدة منها تجربة الطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد في الإحتفالبة التي اعتمدت الموروث العربي كذلك مسرح القراقوز لعبد الرحمن كاكي من الجزائر ومسرح الحكواتي في لبنان ومحاولات قاسم محمد في العديد من عروضه التي جسدت الهوية الثقافية العربية والعراقية على وجه الخصوص..
وإن اشتغالات الصديقي وقاسم محمد والمنصف السويسي كان لها الأثر الكبير في التأسيس لمسرح عربي من خلال إحياء التراث في عروض بديع الزمان للصديقي ومقامات الحريري ورسالة الطير وبغداد الأزل لقاسم محمد .. وانطلقت مباحث التأصيل لهوية عربية للمسرح من حيث التنظير بعد كتابات عبد الكريم برشيد التي أكد من خلالها على أن فن المسرح وافد من الغرب ويعمل بآليات مستوردة ولابد من البحث عن ملامح عبر التاريخ تؤكد حالة التمسرح لعلها تساهم في بنية نظام يمثل هوبة خاصة بمسرح عربي أصيل.. كما ساهمت الظروف السياسية والاحتماعية في بناء هذه الهوية الثقافية العربية.. ويعد المسرح هو الأكثر أهمية ومواكبة لمسايرة التحولات .
وتعد هذه المحاولات العربية منهجا معرفيا لضرب مراكز المسرح الغربي .. وتمثل متغيرات مابعد الكولنيالية هي الأكثر وعيا كونها ثورة فكرية في مقاومة قوى الاستعمار دون الاعتماد على عسكرة المجتمع . بل استخدمت المعرفة والقلم في تفويض المراكز وتأصيل الذات والبحث عن هوية وحضارة للشعوب المهمشة.
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت