كتاب الخميس (الحلقة السادسة)/ عرض وقراءة صادق مرزوق
اسم الكتاب: ” مسرح الشارع”
اسم المؤلف: د. بشار عليوي
* الفصل الأول: حفريات التأسيس
ينطلق المؤلف في هذا الفصل منذ البدايات الأولى للمسرح باعتباره حاجة إنسانية ورسالة اجتماعية له هدف نبيل يتمثل بالسمو المعرفي والجمالي والقيمي، حيث الإشارة إلى النشأة الأولى للفعل المسرحي وتبلوره بواسطة الطقوس التي كانت تمارسها المواكب المحتفلة بالمناسبات الدينية.
حيث نشأ المسرح من الطقوس الدينية تكريما لألهة الخصب ديونسيوس من خلال الاستعراضات الديثرامبية . وهذا المنطلق لمؤلف الكتاب هو إشارة إلى أن الشارع كان إحدى محطات المسرح منذ القدم، حيث كانت تقام الاستعراضات ذات الطابع الديني في الشوارع والساحات العامة . ودلالة الشارع هنا هي تلك لعلاقة والصلة الوثيقة بين المسرح والجماهير بمختلف شرائحها وتوجهاتها ومستوياتها العقلية.
ويسجل التاريخ ،حسب مؤلف الكتاب، إلى أن أول عرض مسرحي قدم في الشارع كان من تقديم (ثيسبيس). وتأكيدا لما جاء في كتاب “مسرح الشارع”. يؤكد الدكتور مدحت الكاشف في كتابه المسرح والإنسان؛ كان اهتمام الجمهور الإغريقي يؤكد على العلاقة بين المسرح وفلسفة العصر التي أشار لها سقراط وتتمثل بالحوار والجدل، حيث يصل جمهور المسرح لدى الإغريق إلى عشرين ألف متفرج. وهذا تأكيد على أن المسرح ومنذ نشأته الأولى كان يتوجه إلى الجمهور العريض برسالته الإنسانية خارج القاعات المغلقة كونه حاجة إنسانية وتوجها شعبيا ولم يكن نخبويا في انطلاقته الأولى ..
وكما هو الحال لدى الإغريق، ظهرت الفرق الجوالة عند الرومان التي كانت تقدم عروضها في الشوارع كذلك وبعد الانتكاسة التي تعرض لها المسرح في العصور الوسطى جراء معاداة الكنيسة له إلى أن الاهتمام بالمسرح عاد للواجهة مرة أخرى بعد أن شعرت الكنيسة أن حالة التمسرح تمثل حاجة إنسانية ملحة. حيث ظهرت الفرق المسرحية الجوالة تقدم عروض كوميدية وساخرة في الشوارع والأسواق مثل مسرحيات “الأسرار” وكانت تمثل توجهات دينية تذكرنا بالبدايات الأولى للمسرح عند الإغريق من حيث الهدف في التوجه نحو الجماهير في ترسيخ الرسالة أو الهدف من المسرح ..
ويستعرض الدكتور (بشار عليوي) أيضا وضمن القرون الوسطى ظهور شكل من أشكال الفرجة تمثلت بعروض الحماقات والذي انبثق عن الكرنفال . وكذلك مسرحيات التنكر في انكلترا كذلك المسرح العرباتي الذي كان يقدم على عربة في الشوارع والأماكن العامة ..
وفي نهاية القرون الوسطى وبداية عصر النهضة ظهرت الكوميديا (دي لارتي) التي تأسست على يد محترفين يقدمون عروضهم في مدن ايطالية غايتهم ربحية ويقدمون عروضا .. وكانوا يعتمدون تقنية الارتجال وكانوا يتمتعون بالحرفة والمهارة الصوتية والجسدية وكانت تقدم هذه العروض في الساحات والشوارع.. وفي فرنسا برزت عروض مولير الهزلية حيث كانت تقدم في أماكن العامة وفي البلاط والشوارع وهكذا توالت عروض مسرح الشارع حتى يومنا هذا.
ـ مفهوم مسرح الشارع:
يشير المؤلف إلى أهمية الخطاب المعرفي لعروض مسرح الشارع بالاعتماد على إيجاد وسائل تفاعل فنية تقرب الجمهور من العرض المسرحي، حيث أن عرض مسرحي في الأماكن العشوائية خارج القاعات المغلقة يخلق فاعلية أكثر بين مجموع المؤدين والجماهير وهذا التفاعل يفوق ما يحصل في العرض التقليدي .
وغالبا ما يكون مسرح الشارع هو مسرح سياسي له رسالة توعوية، ومن الناحية الفنية فإنه فقير إنتاجيا لكنه يعتمد على مهارات عالية في الأداء من أجل تحقيق تفاعل أكثر مع الجماهير. وهنا يكمن مفهوم مسرح الشارع بأنه خاضع للعلاقة الثنائية التي تربط مكان تقديم العرض بالتفاعل الجماهيري المتجمع في أماكن عشوائية ويستخدم الحوار المباشر أحيانا مع الجمهور لتحقيق التواصل بين الطرفين ويساهم الجمهور غالبا من خلال دخوله المرتجل في إنتاج العرض من خلال تحقيق ردود أفعال متجانسة مع جماليات العرض .
ولابد من شروط يضعها المؤلف في مسرح الشارع يجب مراعاتها (ص 32) تعتمد على كسب ود المتفرج وعدم التعالي عليه وكيفية اختيار لشخص المؤدي الملائم لهكذا عروض وكيفية استخدام التداخل مع المتفرج أثناء العرض. وكذلك والأهم هو معرفة نوعية الجمهور واختيار العرض الذي يناسب ذلك الجمهور.. وتمتاز عروض مسرح الشارع بالتفاعلية بين المؤدين والجماهير.
ـ شروط تقديم مسرح الشارع:
1/ يجب أن يكون العرض مخصص لتقديمه في الشارع والأماكن العامة.
2/ اختيار موضوع مناسب يناقش قضايا عامة تهم الجمهور الذي يتابع العرض.
3/ تدريب الممثلين وتطوير إمكانياتهم الأدائية بما يناسب عروض مسرح الشارع.
4/ استخدام وسائل جذب الجمهور للعرض في مكان واحد كالغناء الجماعي والألعاب الشعبية والموسيقى.
5/ يجب أن يكون الجمهور غير معزول عن منطقة الأداء التمثيلي في حدود واضحة ومحدد. (وهنا نؤشر أن الفقرة 5 لا تعد شرطا أساسيا في مسرح الشارع لأن الضرورة ربما تقتضي العزل لغايات خاصة بسياسة العرض المسرحي )
وشروط أخرى يضعها مؤلف الكتاب في أغلبها تؤكد على إمكانية جذب الجماهير لهكذا عروض. كما يعتمد مسرح الشارع على استخدام قطع ديكورية سهلة الحمل تساعد في عملية تجوال الفرق لتقديم عروضها في أماكن متعددة
ـ أهداف مسرح الشارع:
يشير المؤلف هنا إلى مجموعة من الأهداف نلخصها بنقاط محددة لوجود تكرار وتداخل بين مجموع ما تم ذكره ..
1/ قول شيء ما للجمهور بأسلوب اتصال يحقق التفاعل والحيوية بين المؤدين والجماهير.
2/ تحقيق إضافة معرفية للجماهير.
3/ محاولة الوصول للجمهور العادي لأن رجل الشارع لا يذهب إلى المسرح.
4/ ترسيخ مفهوم المسرح ونشر الثقافة المسرحية بين عامة الناس.
5/ التخلص من النمطية والروتين في عروض مسرح العلبة.
* الفصل الثاني:
يشير المؤلف في هذا الفصل إلى أهم التجارب العالمية في مسرح الشارع وينطلق من العروض الأمريكية التي تمثلت:
أولا: المسرح الحدثي
وهو عبارة عن عرض غير متوقع نشأ عام 1952 على يد جون كيج يضم عناصر مختلفة وتمثيل غير مرتبط بزمان ومكان تحكمه الصدفة. وتقدم هذه العروض في الشقق والشوارع والمقابر والمزابل وزمن العروض غير محدد وتوجد العديد من الاختلافات بين المسرح التقليدي والمسرح الحدثي ابتداء من عدم وجود نص محدد وعدم وجود حبكة مبنية بناء درامي تقليدي وليس هناك دور محدد بل مجموعة أداءات ما داخلة للمؤدين ومشاركة الجمهور في الحدث المسرحي.
ثانيا: مسرح الخبز والدمى
تأسس هذا المسرح عام 1962 على يد بيتر شومان حيث استعان هذا المخرج بالعرائس الضخمة والأقنعة الكبيرة في تقديم عروضه المسرحية في الشارع لجمهور لم يرتب موعدا معه للعرض، بل يصادفه في الشارع وممارسة طقوس آنية تتمثل بإشراك المؤدين مع الجمهور بأكل الخبز في الشارع بوصفه اتصال ومشاركة. ويؤكد شومان على استخدام لغة بسيطة يمكن أن يفهمها الجميع.
ثالثا: مسرح الجنوب الحر
أسسه جونز اونيل و جلبرت موزز عام 1963 في جو من التعاون بين السود والبيض من خلال تقديم عروض في شوارع الأحياء السكنية التي يقطنها الزنوج.
رابعا: المسرح البيئي
تيار مسرحي أسسه ريتشارد شنشر عام 1967 يدمج بين الفن والحياة ويدخل الجمهور مع المؤدين في مكان واحد .. وهنا لم نضع هذه التجارب على وفق التسلسل الذي أشار لها مؤلف الكتاب بل حسب أهمية تلك المسارح وفاعليتها مع الجماهير حيث ذكر المؤلف في هذا التصنيف أربعة عشر فرقة مسرحية. بالإضافة إلى العديد من المسارح التي تعرض في الأماكن العامة والشوارع في عموم العالم..
* الفصل الثالث
يعرض التجارب المسرحية عند العرب تشبه الفرق المسرحية العربية إلى حد بعيد تجارب الغرب مع اختلاف الأفكار والمواضيع التي تطرح ضمن هذه المسارح وبعض تلك العروض في التأسيس الأول امتلكت خصوصية عربية كعروض الحكواتي وخيال الظل وعروض السامر الذي يعتمد على الارتجال وفيها نقد للحياة السياسية والاجتماعية ومسرح الحلقة الذي اشتهر في المدن المغربية .
وكذلك مسرح المقهى الذي يقترب كثيرا من حيث المفاهيم من مسرح الشارع كونه مسرحا تحريضيا تعبويا ويذكر المؤلف العديد من الفرق والعروض المسرحية التي اختصت بمسرح الشارع.