كتاب الخميس (الحلقة السابعة)/ عرض وقراءة صادق مرزوق
اسم الكتاب: ” المسرح والانسان”
اسم المؤلف: دكتور مدحت الكاشف تقديم سعد اردش
يشير الفنان والكاتب المصري (سعد اردش) في مقدمته لكتاب “المسرح والإنسان” إلى أن هذا الكتاب يتناول موضوعا من أهم المواضيع حيث يتناول العلاقة بين المسرح والإنسان منذ انطلاقة المسرح الإغريقي وحتى مسارح اليوم فهو يركز على الرسالة التي من أجلها كان المسرح.
وفي مدخل الدكتور (الكاشف) لهذا الكتاب يشير إلى أن الإنسان الأول وجد في حالة التمسرح تجسيدا لكافة الظواهر الطبيعية التي يسعى إلى فهمها والسيطرة عليها. وقد اهتم المسرح منذ بداياته عند اليونان بالدور الاجتماعي الذي يلعبه مع الجمهور حيث كان ظهور المسرح كجزء من الاحتفالات الدينية لتحقيق حالة من التواصل الروحي بين مجموعة المؤدين والجماهير المحتفلة. وما ذهاب الجمهور إلى المسرح إلا تعبيرا عن روح الجماعة وهويتها المشتركة .. وهذا تأكيد على أن أصل المسرح ما هو إلا عملية تواصلية غايتها التقريب من خلال التطهير كما جاء في كتاب فن الشعر لأرسطو .
وفي الانتقال إلى المسرح الروماني يشير الكاتب أن المسرح توجه نحو منعطف آخر في غاياته عندما انتقل من المأساة إلى أغراض أخرى تأخذ سمة الاحتفالية لكن التهريج ساد حقبة المسرح الروماني فقد صار استعراض لفنون القتال حيث أصبح المسرح مرادفا للفساد والمتعة الحسية.
في العصور الوسطى مارست الكنيسة إقصاء للمسرح وتحريمه دينيا وبعد ذلك وفي عام 915 م وعلى يد احد الرهبان ويدعى توتيلو عادت الحياة تدب في المسارح تدريجيا ولكن يبقى المسرح آنذاك في خدمة الكنيسة وهكذا يتدرج المسرح بين نمو وتطور وانهيار وتقهقر حتى عصر النهضة الذي صار فيه المسرح هو عنوان لثقافة البلدان في العالم الغربي.
وعاد المسرح عنوانا للترابط الاجتماعي حتى انتقل من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف وصار المسرح يشكل جانبا اقتصاديا بالإضافة للأهداف الاجتماعية والسياسية وقبلها الدينية التي كانت ضمن أبجديات العرض المسرحي في الغرب، الأمر الذي أدى لظهور نهضة مسرحية شكلت مرتكزا أساسيا يحكم العلاقة بين المسرح والمجتمع. وفي القرن التاسع عشر عندما بلغ المسرح أوجه أصبح الهدف منه تحقيق الشراكة بين المؤدين والمشاهدين في بوتقة واحدة ، ليظهر جاك كوبو ليعبر عن رؤيته في حاجة المجتمع للمسرح عندما رأى الجمهور ليس مجرد مجموعة من الناس يجتمعون من أجل التسلية، ولكنهم عبارة عن تجمع في نفس المكان والزمان لإرضاء ذوقها وحاجتها للعيش معا ومن أجل ممارسة مشاعر اجتماعية تقرب الإنسان من الآخر . باعتبار أن المسرح نوعا من التواصل وهو تجربة اجتماعية ولها معالجات نفسية تشمل كافة طبقات المجتمع..وكذلك كان لإسهامات ستانسلافسكي أثرا كبيرا في تأكيد اجتماعية المسرح فمنذ تأسيسه لمسرح الفن بموسكو مع دانشنكو نميروفتش أعلنا عن التزامهما بالتعبير عن المشاكل الاجتماعية من خلال المسرح ومحاولة لإشاعة روح البهجة وخصوصا بين الطبقات الفقيرة وتوفير لحظات السعادة والسمو الجمالي وهذه الرسالة كانت من بين مرتكزات ستاسلافسكي وهو يتخذ من الواقعية منهجا لمسرحه.
حاول ميرهولد هو الآخر أن يبحث إمكانية تقديم مسرح شعبي يلبي حاجات المجتمع الجديد. وآمن أن المسرح احتياج عضوي مثل الجوع أو الجنس.. كذلك بسكاتور أكد على تحقيق هدف اجتماعي من المسرح ولذلك عمل على تأسيس المسرح السياسي. والكشف عن الصراع الطبقي والوقوف من خلال المسرح إلى جانب الطبقات العربضة.
كذلك الحال مع آرتو الذي يصف المسرح بأنه نوع من الفن العلاجي الذي يحقق وظيفة اجتماعية وهو عبارة عن مصحة نفسية . ويتبنى صانع العرض دور المحلل النفسي.. ويعد مسرح برشت الأكثر التصاقا بالمجتمع لأنه ظهر في ظل تقلبات سياسية وتداعيات اجتماعية ولذلك أسس مسرحه الجديد من حيث الشكل والمضمون وكان بمثابة العلامة الفارقة والانتقالة الكبيرة في تاريخ المسرح وكان مسرحه يهدف إلى قيام ثورة سياسية هدفها التغيير الاجتماعي معتبرا أن المسرح هو مؤسسة اجتماعية . وقد هيمنت مفاهيم المسرح الأرسطي لمدة قرون حتى جاءت نظرية المسرح البرشتي بمفاهيمها الجديدة.. وخصوصا أنه انطلق من الأيديولوجية الماركسية وكان مسرحه ديالكتيكيا اعتمد التغريب يوحي للمتلقي بان الواقع ليس ثابتا ولا بد من ثورة على التقاليد ومنه التقاليد الأرسطية الموروثة على مدى قرون..
ويمتد الحديث في مدخل الكتاب حتى كروتوفسكي ومسرحه العلاجي ذي الطابع الاجتماعي . كذلك بيتر بروك ساهم في تطوير المفهوم الاجتماعي للمسرح من خلال:
1/ أن يقوم الفن المسرحي بكشف الواقع الاجتماعي من اجل القفز على النمط والدعوة نحو التغيير.
2/ ضرورة وعي فناني المسرح بالسمات الجوهرية للفن المسرحي.
3/ ضرورة الشراكة الفعلية للمتلقي ليكون شريكا فاعلا في إنتاج العرض المسرحي.
4/ أهمية أن يتوافق المسرح مع السلوك الإنساني الاجتماعي مؤثرا ومتأثرا.
5/ لابد أن يقوم المسرح بنقد الواقع وتحديه وقد سعى بروك إلى تأسيس فرق مسرحية متعددة الجنسيات لكي يعطي للمسرح صفة الكونية باعتباره تجمع إنساني عابر للهوية.
اشتمل كتاب “المسرح والإنسان” على أربع فصول:
الفصل الأول: المسرح والعلوم الإنسانية
من خلال ما يملكه المسرح من عناصر جمالية تعبر عن البعد الاجتماعي لمجموع المشاركين في إنتاج العرض المسرحي فإن تحقيق التوازن هو الأصل في هذا المنجز الإبداعي توازن الفرد مع نفسه وتوازنه مع المجتمع انطلاقا من اللغة المشتركة وليس بالضرورة أن تكون اللغة هي المحكي بل توجد لغة عولمية توحد عموم البشر تتمثل بلغة الجسد وانثيالات الصورة والمسرح هو عملية تبادل خلاق بين منظومتي السمعي والبصري وان مجموع المؤدين يتعاملون مع الوسائل الجمالية بمختلف أشكالها بينما المتلقين يستخدمون الوسائل التأويلية ولا يمكن للخطاب المسرحي حسب إشارة المؤلف أن ينفصل عن الثقافة الاجتماعية ومجموعة العلوم الإنسانية..
إن أفضل ما توصل إليه المسرح من علوم إنسانية هو أنثربولوجيا المسرح وهي من مكتشفات باربا وان عمل بها قبله بعض المخرجين إلا أن تركيز باربا على هذا العلم الإنساني جعل منه رائدا في هذا المجال. فإن الانثروبولوجيا تختص بدراسة سلوكيات الكائنات البشرية السيسيو-ثقافية جنبا إلى جنب مع السلوكيات السايكولوجية .. ويرى باربا أن أي مسرح ينفتح على تجارب المسارح الأخرى ليس بغرض المزج بين الأساليب المختلفة في الأداء، ولكن من أجل إيجاد مبادئ رئيسية مشتركة يتم من خلالها نقل هذه التجارب من خلال تحفيز مفهوم التنوع الثقافي.
الفصل الثاني: الإخراج المسرحي
بين العرض الملحمي والعرض الانثروبولوجي يقوم المسرح عند برشت على أساس طابع ديمقراطي حيث تتم عروضه على أساس مناقشة وعرض وجهات النظر حول الشخصيات والأحداث لنص العرض الذي كتبه برشت. واعتبر برشت أن كلمة مؤلف غير مقدسة وأن المسرح ليس خادما للمؤلف بل خادما للمجتمع حسب وصف الدكتور الكاشف .. كذلك باربا في مسرحه الانثروبولوجي ركز على القوام الاجتماعي والحفاظ على جوهر مسرح برشت الملحمي حيث يعتمد على مجموع المؤدين في إنتاج العرض وليس على صياغة المؤلف .
والبحث عن عناصر فنية تعبيرية أكثر عمقا وانفتاحا، حيث يقوم الممثلون في مسرح الاودن لباربا بابتكار مجموعة من الأنماط لأفعال جسدية وخبرات صوتية والمزج بين السرد البصري والسرد المنطوق ،واستفزاز الخبرات الاجتماعية والنفسية لمجموع الممثلين باختلاف هوياتهم وتنوعهم الثقافي، هذا مضافا إلى خبرات المتفرجين وهم يشتركون في إنتاج العرض في محاولتهم تفسير الحدث المسرحي على وفق خبراتهم الشخصية.
الفصـل الثالـث:
في هذا الفصل يتطرق المؤلف إلى الأداء وتجسيد الصور الإنسانية، حيث يعتمد المسرح الملحمي ومن خلال أداء الممثل يتخذ عددا من الإجراءات التقنية وهي:
أولا: تعدد مجالات الرؤية تجاه الموضوع المطروح.
ثانيا: الاعتماد على أوضاع اجتماعية تستند إلى الانموذج المشابه في الواقع.
ثالثا: ضرورة أن يهتم الممثل بدراسة الكيفية التي تتطور بها العواطف الإنسانية التي تصاحب ظرفا اجتماعيا ما.
رابعا: أن الممثل يقوم بإعادة عرض الموضوع بشيء من التحفظ وقليل من الانفعال.
خامسا: أن الممثل يعرض الشخصية بصفتها إنسانا آخر غريب عنه ويستخدم في ذلك وسائل مثل التعليق والتوقف والسرد أو أداء شخصية أخرى وهكذا.
سادسا: أن الممثل لابد أن يضع في اعتباره انه مؤيد أو عارض.
سابعا: أن الممثل يؤدي دوره أو أدواره بشكل طبيعي وتلقائي.
في حين ركز باربا وممثلوه على نقطتين أساسيتين هما:
أولا: مرحلة البدايات:
1/ اكتساب المهارات بين الممثلين وبعضهم. فكل ممثل يمتلك قدرا من هذه المهارات الأولية، يقوم بتعليمها لزملائه بأسلوب المقايضة والتبادل بينهم وبين بعض ثم بينهم وبين جماعات مسرحية أخرى من الجماعات التي تعمل تحت لواء مصطلح المسرح الثالث.
2/ التدريب الخاص بالأبحاث، حيث حاول ممثلوا الاودن ابتكار برنامج تدريب خاص بهم يسعون من خلاله إلى اختبار واستكشاف قدراتهم الأدائية.
ثانيا:
مرحلة التركيز على التدريبات الجسدية والتي تضمن التدريب على حركات الكروباتيك التي رأى باربا أهميتها بالنسبة لعمل الممثل حيث يعد تدريب الممثل على القيام ببعض الحركات فائقة المهارة تأكيدا على أهمية التدريب الذي يؤدي إلى نتائج كانت تبدو للمثل ضربا من المستحيل.