الكاتب حسين السلمان والمفرده اللغويه قراءة سريعه…في بعض نتاجه/ بقلم : الدكتور عزيز جبر الساعدي
أن حصيلة أي كاتب مهتم بالثقافة وهموم الناس لابد وأن تكون هناك مؤشرات نقدية من ذوي الاختصاص أو المتلقي الذي يمتلك ذائقة فنيه مصاحبة لمتابعة ذلك الأديب أو الفنان بكل صنوف الأدب والفن على السواء ..فكيف اليوم ونحن نتحدث عن قامة فنية ظهر نتاجها بعد جهد جهيد كما يقولون من الخبرة بشقيها العملية والنظرية ..الأديب والفنان حسين السلمان كاتب سيناريو وكاتب نصوص مسرحية وكاتب قصة برز في معظمها وبدء النقاد ينظرون إلى هذه التجربة نظرة تفاؤل بمستقبل يضيف للثقافة الأدبية في القطر العراقي بصمة جديدة تستحق الاهتمام والتقويم ..عرفت الفنان الأستاذ حسين السلمان وزاملته طيلة سنوات طوال في معهد الفنون الجميلة بغداد وهو أستاذ في قسم السينما وأنا أستاذ في قسم المسرح ..تلاقح الخبرات بين الأقسام الفنية تزيد من تماسك أصالة الثقافة التي تنتج طلبة يمتلكون الوعي والقدرة لأثبات الشخصية الفنية في المجتمع وهذا ما فعلناه طيلة تعاوننا المثمر في معهد الفنون الجميله ذلك الصرح الحضاري الكبير الذي تخرج من معطفه عشرات الفنانين في الساحة الفنية ..كان الأستاذ حسين السلمان من المتحمسين جدا لوصول المعلومة من المفردات المقررة وخارجها لطلبته وكان حريصا جدا على تحفيز المدرسين والطلبة لاستثمار الانترنيت لتلقي أكبر قدر من الثقافة السينمائية بحكم الاختصاص ..في الفترة الأخيرة ومن خلال المنتج الذي بين أيدينا في مجال النص المسرحي وبعض السيناريوهات التي كتبها حسين السلمان .جلب انتباهي موضوع قليل ما يتناوله النقاد وهو (المفردة اللغوية ) علًي أجد فسحة مناسبة لكي أدلو بدلوي لترصين ما ذهب إليه الأديب والفنان حسين السلمان .المتابع لمقالات وقصص حسين السلمان يجد انه يلتقي مع الكثيرين من الكتاب في الوسط الثقافي العربي والعراقي من حيث المضمون والمعلومة ولعله يختلف عنهم باللغة التي يستعملها والمفردة التي تميزه عن أقرانه .قبل أيام صدرت له مجموعة مسرحية بعنوان (أصوات خارج الزمن) تظم ثلاث مسرحيات هي على التوالي (جذور الماء)،(شظايا الروح)،(لعبة متوحشة). وها هو اليوم يصدر مجموعة أخرى(مهلا أيها الفرح) تظم أربع مسرحيات هي (نوح) و(أنه القادم) و(أبناء الجمهوريات)و(رحلة الطيور). قراءتي للنصوص المسرحية الأربع وجدت الكاتب(حسين السلمان) يمتلك خيالا واسعا يساعده في تأليف النص الذي هو أساس الفن المسرحي وأصعب عناصره من حيث اختيار الموضوعات والحبكات والشخصيات والبيئات وبناء عناصرها دراميا ،فالمسرحيات تكشف عن صراع بين الإيجاب والسلب بين الشخصية الرئيسية وخصمها وصولا إلى الهدف الأسمى ألا وهو الجوهر الفلسفي والفكري والعاطفي للنص…, وكما يقول الأديب حسين السلمان .. ما اكتبه للمسرح بشكل خاص هو الذهاب إلى السرد الصوري حيث اعمل على إخراج الصورة من مستواها البصري إلى سياقها الفني المسرحي . وفي هذا اعتمد الخيال وسيلة في البناء وهي حالة تقترب من إدراك معرفي وثقافي ، وهو أمر فاعل في الفنون الأدائية ، لهذا نجد أن هناك مسافة معينة تظل تلازم العلاقة ما بين السرد وبين المسرح ، فالدرامي بلا شك هو قاعدة الحكي الذي لا يشير إلى الخطاب بل إلى ما هو سردي .) و (وجدت الكاتب (حسين السلمان) يمتلك قدرة جيدة وكافية لصياغة حوار جذاب وكثيرا ما يتصف بالبلاغة ويسمح للقاريء أن يؤول ذلك الأمر .. أيضا في مسرحياته الأربع يجمع بين النثر والشعر ” أن المسرحيات الأربع تصنف كونها مسرحيات فكرية أكثر من أن تكون مسرحيات ذات أفعال محركة . وتبين لي أن هناك تنوعا في مضامين هذه المسرحيات وشخوصها وبنيانها. ولعل القاسم الفكري المشترك بين النصوص الأربع هو إدانة الحروب والاقتتال بين ابناء البشرية ، لذا حاول الكاتب (السلمان)في أكثر من موقع في هذه النصوص أن يسقط موضوعاتها على الواقع العراقي، وربما العربي أيضا وأن اضطر أحيانا إلى استخدام الجمل الشعارية. كما يقول (د.سامي عبد الحميد.) الصراع والأسطورة في مسرحية (نوح) ركز المؤلف على الصراع بين الرجل والمرأة حول الوقوع في الخطأ وتأثير أحدهما على الأخر في السلوك وقد جاء بمثل لذلك مقاطع من ملحمة كلكامش . واضح من ثنايا النص أن المؤلف قد لجأ إلى الأسطورة لكي يغلف موضوعته الرئيسية بغلاف سحري محدثا انزياحا كبيرا في تعرية الواقع فجاء نصا احترافيا .ساعدته المفردة اللغوية كثيرا في استثمار البناء الحداثوي لموضوعة مهمة كثر النقاش فيها على مر الأزمان .ففي حوار لنوح وهو يعنف أبناء جيله يقول ( ما من قوة لكم في تغير مساري وهدفي ، فأنا أعلن رفضي لما تفعلون ، لأنكم في حضيض الرذيلة ترفلون ، لكن عقولكم الخاوية الفاسدة تصوره لكم كأنه النعيم ، ما عادت عقولكم تميز الأشياء ، أنها تسقط كجدران متهاوية لا نفع فيها ، فما عليكم ألا أن تسلكوا حبل الحكمة والصراط المستقيم) بهذه الصرخة كانت دلالة المفردة قويه مستمدة من الوحي الفكري للنص الدرامي .وينتقل بنا إلى حوار لا يقل جودة عن بقية الحوارات في شاعرية المفردة ..
المرأة : ( تهز الرجل الذي يبدو مرحا ) يا أنت ..أنتبه يا رجل .
الرجل : رجل وليس ككل الرجال ..أنت تفكرين بإنهاء الأشياء بالموت فقط ..أما أنا فأن أفكاري لها شأن آخر ..ليت هذا الزمن يظل محاطا بالأسرار ، لان أرواحنا فاضت به ،بل تعثرنا به، لأننا لا نبصر الأشياء ..فهذا وطن غارق بموته.. فيا ليته يظل محاطا بها ..فلقد هتفنا كذبا وسرنا بدرب السائرين .. أشعر بالتعب فدعيني أتوضأ بجمالك
مسرحية (نوح ) ومسرحية (احتفالية الخليقة ) تعتمدان التاريخ كحالة مقاربة أو عملية إسقاط ذلك التاريخ على الواقع الراهن الذي نعيشه عبر حالة استرجاع للتاريخ العميق فنوح الذي يمثل تداخلات الشخصية الكونية صاحبة المتغير الأهم وتأثيرها في الحاضر، نوح (خارج الفهم الديني ) هنا هو إنسان يحاول التخلص من الواقع المرير ورفضه الدائم لما يفعله الآخرون ، نوح يبحث عن وطن خال من التخلف واللصوص والقتلة وهو يعمل للخلاص من هذا المكان المميت ليجد الأمان في مكان آخر . وهذا يكاد يقترب من مسرحية (أحتفالية الخليقة ) حيث الصراع الداخلي ( صراع الأخوين ) والتكالب للسيطرة والتحكم بالآخر… في مسرحية (أنه القادم) ينحو (السلمان) منحى مسرح اللامعقول. فالإنسان في هذا النص ضائع يدخل في متاهات ويحلم على الدوام ولا يجد ألا السراب. ومن صفات مسرح اللامعقول استخدام الغموض في الحوار وهنا نرى المؤلف يتحول فجأة من العبثية إلى الواقع العراقي ودخول المحتل محدثا غرائبية مثمرة لمضمون النص الذي كان الحوار فيه والمفردة اللغوية التي تمكن منها في هذا النص قريبه لوجدان القاريء وببساطة لا تخلو من غموض .من بين ثنايا النص نقتبس هذا الحوار مصداقا لما نبغي الوصول ‘ليه في استغلال المفردة اللغوية على المسرح .. .(
رجل3: أنا لا أحب الأحلام
رجل1: لكنك لم تكن نائما
رجل2: وهل الأحلام تأتي في النوم فقط!!
رجل1: هناك أحلام اليقظة
رجل2: لا فرق بينها ..أنه هو الحلم
رجل1: ليس كل ما يراه المرء في المنام أو اليقظة هو حلم
رجل2: يبدو أنت من مفسري الأحلام
رجل3: قل ما هو حلمك
رجل2: أنه حلم جميل ..حلم يأخذنا الى ما هو ممتع
رجل3: يا سلام ..أحك لنا
رجل2: أنا حلمت أنني أقودكم الى بناء جسر كبير ..جسر عملاق لا مثيل له ..هذا الجسر يذهب بنا إلى ربط تلك الطرق والممرات حيث الواحات الواسعة الجميلة…
رجل1: دعنا نبني البيت أولا (يلتفت الى رجل3)هل هذا عاقل!! ) وفي حوار آخر ينجح المؤلف قي بناء حوار يخدم الثيمة الأساسية في النص المسرحي فهو يقول ..
((رجل3: لماذا أنت صامت؟
الأعمى: لم أكن صامتا أنت الذي لم يسمع بكاء الموج أنت الذي لم يسمع نداء الريح
رجل3: (بحزن) في أحيان وحينما أجد نفسي قد فقدت أصدقائي الأنقياء أصنع لنفسي أصدقاء من ورق
الأعمى: لم أكن غائبا .أنت الذي غادرته الإرض ..هل تسمعني ..هل تراني..)
في (أبناء الجمهوريات) يبتعد المؤلف عن المسرح الإيهامي ويقترب من المسرح البرختي حيث الخطاب المباشر الموجه إلى المتفرجين ومحاولة إشراكهم في الفعل الدرامي.وفي حواريه جميله أجد أن المؤلف كان موفقا فيها يقول على لسان الشخصيات ما يلي:
(رجل 3 : ولماذا هذا الشكر !!!
رجل 4 : لأنك وصفتني بالدوران ..والدوران عنصر من عناصر تقدم البشرية ..أنت تعلم أن أجدادنا السومريين هم الذين اكتشفوا الدوران متمثلا ذلك باكتشاف العجلة التي أشرقت وجه الحضارة حيث استطاع أجدادنا تأكيد قوتهم وجبروتهم
رجل 3 : نعم وجاءت العربة لقتل الآخرين وتأكيد القوة والسلطة الجائرة
رجل 4 : لا يستقيم الكون إلا بالقوة
رجل 3 : ( إلى الجمهور )أيها الناس سيأتيكم زمن حينما تشتمون النظام تقتلون وزمن تشتمون النظام علانية حتى تنفجر رؤوسكم من كثرة الصراخ والعويل ……
أن الدخول في مناقشة النصوص المسرحيهة بحاجة إلى أكثر من وقفه وتأمل لدراستها ولكن مررنا على بعض هذه المسرحيات لنؤكد دلالة المفردة اللغوية وأثرها في تأجيج الصراع في جانب وفي انسيابية الحوار بين الشخصيات وصولا للذروة وما يري الكاتب إيصاله إلى المتلقي في منحى أخر.
كان بين يديٌ سيناريو كتب منذ فترة ويبدو انه لم يجد طريقه للأنتاج أطلق عليه الكاتب (أهلا بالصباح ) تفاجأت بعنوان هذا السيناريو كثيرا وأنت تقرأ بدايته تكتشف الغرائبية فيه ، فأي صباح هذا؟؟ الذي يبدأ بأطفال متسووليين و سراق وصانعي عاهات ولديهم القدرة على القتل في كراج علاوي الحلة وتتسائل هل هذا الجو المشحون بهذه النماذج يمثل شريحة وطن يريد العيش بسلام وأمان ,بلد يطفو على بحيرة من ثراء لا حدود له ؟ هؤلاء الفتيه تكتشف كلُ له عالمه ..هذا يعيل أبوه المقعد وذاك يحب فتاة ,وفتاة تهرب من قسوة زوجة أبيها وشرطي يساوم على مجلة فيها صور أباحية وووو الخ بعد قتل زميل لهم أثناء مشاجرة مع فتية آخرين في الكراج الشمالي ترمى الجثة في كارتونات الأوساخ ..يقودنا السيناريست بعد ذلك إلى نقلات سريعة إلى عوالم هؤلاء بتشويق جميل وبلغة بسيطة تحتاج إلى تكثيف في الرمزية الواقعية ،فالصورة عادةً تكون معبرة أكثر من الحوار في السينما ,وفي النهاية الإغراق في الواقعية تحمل السيناريو بعض الترهل وربما أراد المؤلف ذلك لأظهار الملل والرتابة اليومية التي تعيشها هذه الشريحة التي تنتقد نفسها كما في المشهد 18
جواد : لا تخاف صحيح الوضع تعبان بس ما أبوك حتى لو أموت جوع
علاوي يضحك ..
علاوي :جودي حبيبي كلنه أنبوك وكلنه ما نبوك.. بس وحك ربك كلنه حرامية.. قطع نقلات سريعة يتفق الجميع على أقامة حفل يجمعهم سرعان ما يدب الخمر في عقولهم ليكشف كل واحد فيهم أسراره ولكنهم ينشدون بصرخات الغضب على الحكومة التي أراد المؤلف قوله أن الفقر والجهل وعدم تامين أبسط متطلبات العيش الرغيد تتحملها الحكومة ، لذلك أنهى حكاية هذا السيناريو بهذا المشهد المؤثر
وحيده : اشتعلت صفحة الحكومة
الجميع : اشتعلت صفحة الحكومة
وحيده :الحكومه ما تحبنه …أحنه هم ما نحب الحكومه
الجميع : الحكومه ما تحبنه …أحنه هم ما نحب الحكومه ..يسيرون جنبا إلى جنب وهم يكررون الهتاف.. ( قطع). كان تسلسل المشاهد منطقية ومتصاعدة ومبهرة ، تشدك إليها ولا تتركك إلا وأنت قد أنجزت قراءتها إلى النهاية .أنها صور حية تلمسها بعينيك وعقلك..لأنك شاهدتها وربما تعرف بعضا من قصصها ..جهود مباركة لهذا الفنان الذي نعبر عنه (أبن الصنعة ) ليخرج لنا بهذا الأنتاج الراقي ..
** الدكتور عزيز جبر الساعدي كاتب ومخرج مسرحي