زيانى شريف عياد: القاهرة وقرطاج أهم تظاهرتين دوليتين فى العالم العربى/ بشرى عمور
المتمرد على النص صانع التجارب الفارقة
تميزت تجاربه المسرحية بالاختلاف، والتمرد على كل التصورات المسبقة والراسخة التي تكبل حرية الإبداع، فهو ليس مجرد مسرحي، وإنما مثقف صاحب رؤية ومشروع كبير، مشروع يحمل هما مجتمعيا من خلال فن المسرح، مشروع يعتمد على مساءلة كل ما هو سائد، لتعكس مسيرته الإبداعية رحلة من الاكتشاف، رحلة جعلت منه قامة كبيرة في عالمنا العربي، هو الفنان الجزائري زياني شريف عياد الذي يكرمه المهرجان في دورته السادسة والعشرين.
عياد ولد في الخامس عشر من يناير عام 1948 بتلمسان، والتحق بالمعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج كيفان عام 1966، واحتضنته خشبة المسرح الوطني الجزائري تسع سنوات ممثلا، ليقرر بعدها خوض غمار الإخراج المسرحي، ويقدم للجمهور “سي بونوار وجماعته” (1979)، “قالـوا لعرب قالـوا” (1983)، “عقـد الجوهــر” (1984)، “حافلة تسيــر” (1985)، “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” (1987).
شغل عياد منصب المدير الفني للمسرح الوطني الجزائري عام 1985 ولم يستطع أن يتحمل روتينها غير سنوات ثلاث، ليصنع مسرحه الخاص “مسرح القلعة، ويقدم مسرحيات “العيطة” و”فاطمة” و”حافلة تسير 2″ في إنتاج مشترك مع مسرح عنابة الجهوي (1991)، “باية” و”ما بعد الحب” (1993)، “منعرج الفنانين” (1994)، “وسط الدار” (1995)، “محطة ثابتة” (1996).
ويعود عياد في 2001 مديرا عاما للمسرح الوطني ليقدم مسرحية “صيف الرماد”، ثمّ أعاد إخراج “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” (2003).
أنشأ مسرح “القوسطو” الخاص (2005) وأطلق مشروع “الدراماتورجيون العرب المعاصرون”، قبل أن يشرف على ورش شملت أعمال “عبد القادر علولة”.
في عامي 2006 و2007، أخرج مسرحية “الآلة” برسم تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، و”صعوداً إلى النيجر” في مارسيليا. اشتغل على مسرح “كاتب ياسين” في 2008 و2009 من خلال عرض “نجمة”.
أخرج “مقهى السعادة” في 2010، ثمّ “إرث الأسطورة” في 2012، مثلما خاض في المسرح الآخر سنتي 2013 و2014، وأنتج “عين الخبزة سيدي فلتان”، فضلا عن إخراجه “ليلة دم” مع مسرح عنابة الجهوي (2014)، وأخيرا “بهيجة” عن رواية “ليلى عسلاوي” الموسومة “بدون خمار وبدون ندم” (مايو 2017) للمسرح الوطني الجزائري.
نال جائزة الإخراج في مهرجان “قرطاج” 1980 عن مسرحية قالوا العرب قالوا المأخوذة عن رائعة محمد الماغوط “المهرج”، كما أحرز الجائزة الكبرى لأيام “قرطاج” المسرحية عن مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع المأخوذة عن رواية الروائي الجزائري الشهير الطاهر وطار، ومسرحية العيطة التي أنتجها في فرقة القلعة التي أنشأها مع فريق من الممثلين، وأخيرا زياني بالفعل تجربة مسرحية كبيرة تجسدت في جولات مسرحية في الجزائر، تونس، المغرب وسوريا، العراق، مصر، لبنان، البنين، ألمانيا وفرنسا. وما زال العطاء مستمرا.
واليوم نحتفل بالأستاذ بتكريمه المستحق في التجريبي 26 وكان لنشرة التجريبي هذا الحوار معه..
بداية المهرجان التجريبي والمعاصر في دورته 26، يحتفى بكم ضمن الشخصيات المصرية والعربية والدولية المكرمة.. ما إحساسكم بذلك؟
إحساس متناقض، الأول يجعلني في منتهى السعادة والفرح بهذه الالتفاتة التي تعبر عن تتويج لمسيرة مسرحية استطاعت أن تترك بصمة تميز صاحبها، أما الثاني فيجعلني أشعر بالخوف بأن يكون هذا التكريم هو شهادة بنهاية الخدمة أو مباراة اعتزال، فأنا أحس أنه ما زال في جعبتي ما يقال وما زلت قادرا على العطاء وأكرر في قناعة نفسي كل لحظة: “إنني في البداية”.
من خلال مسيرتك المسرحية المخضرمة وحضورك الغني، ما رأيك بمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي في ضوء فلسفته التي تعلي من قيمة التجريب؟
ما يميز مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي هو حالة التفاعل الخلاقة بين ممارسي المسرح عالميا، وفتح آفاق تبادل الخبرات، هذا إضافة إلى الاطلاع على ثقافة وإنجاز الآخر، سواء من خلال العروض أو الورش التدريبية أو الندوات، فأنت تخرج من هذه التظاهرة بتراكم معرفي يجمع بين التأطير والتنظير الذي حتما يساعدك على تقييم وتقويم تجربتك الخاصة، لكن حتى نكون موضوعيين أريد أن أنقد نقد المحب، فالمهرجان ينقصه الحث على خلق عروض مشتركة بين الدول ينتج عنها عروض مسرحية تجوب العالم وتقدم باسم مهرجان القاهرة.
كيف ترى التجريب في مسرحنا العربي في ضوء مهرجان القاهرة الذي يحفز تلك المسألة في عالمنا العربي؟
يظهر لي جليا أنه ليس هناك إلا مهرجان القاهرة الوحيد والمنفرد بتيمة “التجريبي”، لكن ما ألاحظه أولا هو ضرورة التدقيق في مصطلح “التجريب” و ماهية تفعيله في المسرح العربي، لأنه واقعيا في ضوء الممارسة لم نر أو نتلمس جوهره الحقيقي في مسرحنا العربي الذي لم يستطع حتى الآن أن يتجاوز المرحلة التقليدية في ممارسته للمسرح، مقارنة مع أوروبا وأمريكا اللتين لهما تاريخ كبير جدا في التجريب على الفن المسرحي، وهو ما تجسد في عروض ناجحة حققت انتشارا واسعا ولاقت نجاحا جماهيريا كبيرا واستطاعت ان تكون علامة موفقة في ما يسمى بالمسرح التجريبي. من دون أن ننسى دول جنوب أفريقيا التي تميزت بروح البحث برغم ضعف الإمكانيات بسبب غياب الدعم، لكن بسبب مثابرتها وإصرار فنانيها على الاستمرارية جعلها تقدم عروضا مستوفية لشروط “التجريب” أو ما يسمى “المسرح التجريبي. وفي رأيي هناك سببان رئيسيان في هذا الاخفاق للتجريب في المسرح العربي: الأول هو اكتفاؤنا بالأساليب النمطية البسيطة، الثاني الاعتماد على الجهود الذاتية، لهذا ليس أمامنا سبيل للخروج من هذا الإخفاق هو أن نرتكن على إمكانيات قوية وحقيقية ومتطورة، وتوفير الظروف الملائمة التي تنمي آفاق الإبداع والبحث، فالتجريب هو تكاتف جهود صناع العمل بوتيرة متناسقة ومنسجمة تعمل تحت إدارة محكمة تعاقبية، أي أن يتبناها النظام المؤسسي لا النظام الفردي.
هل كانت لكم مشاركة سابقة بالمهرجان؟
نعم، كنت ضيف شرف بدورته الرابعة والعشرين، وكانت بنسبة لي فرصة كبيرة للتعرف على عدة تجارب خاصة التجارب العربية نظرا لأن أغلب تجاربي كانت تتراوح بين الجزائر وأوروبا.
ما الكلمة الأخيرة التي تود أن تقولها؟
أقر وبكل إيمان منبثق من تجربة واعية أنه بالرغم من وجود مهرجانات مسرحية عربية، يبقى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي وأيام قرطاج المسرحية أهم وأقوى تظاهرتين مسرحيتين دوليتين في الوطن العربي.