عرض الكونغو " التقليدي يواجه المعاصر"حتمية القبول بالاخر ..والتمازج مابين القديم والحديث/ رسمي محاسنة

في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي ال 26.

 
تعرضت القارة الافريقية لابشع انواع الاستغلال والابادة والتهجير والغاء الهوية، مما ولد عند شعوبها احساس بالتوجس من كل ماهو خارجها،والانكفاء للداخل، والتمسك بقوة بعاداتها وتقاليدها وطقوسها، وقد استمرت حالة التوجس بعد الاستقلال، وهذا ماخلق شرخ في البنية الفكرية لشعوب القارة، مابين المحافظة على الهوية والخصوصية، ومابين عدم القدرة على العيش في عزلة عن العالم، فكانت الدعوة الى تجاوز تلك الجراحات التاريخية، والدخول في مرحلة حوار الاخر، والتأثر والتأثير، والتفاعل.
في العرض القادم من الكونغو “التقليدي يواجه المعاصر”،لفرقة” رينها كرو”، ياتي في اطار الصراع بين ماهو تقليدي، وبين ما هو حديث، من خلال الرقص الذي يطوّع الجسد كلغة تعبر عن الروح الافريقية وهواجسها واحساسها، حيث في عمق المسرح كرسي خشبي كبير، وفتاة تجلس عليه بالزي التقليدي، وقارورة ماء تقليدية.

العرض من ثلاث لوحات، حيث الاولى عن الصراع والمواجهة بين ماهو تقليدي وماهو معاصر، فيدخل شابان بالملابس الحديثة يقدمان الرقص الحديث، وتتم مواجهتهما من قبل شابين بالملابس الافريقية يرتديان التنورة المعروفة، وعلى الراس طاقية من الريش ويحملان “الرمح الخشبي” مدبب الراس،ويحاول كل طرف ان يسيطر على الموقف ويفرض نفسه.
في اللوحة الثانية تدخل الفتاة، وهي تمثل سلطة ما، من خلال الكرسي الخاص بها،وحراستها من الشباب، واحتفاضها بقارورة الماء التي تشرب منها، وتسقي الشباب التقليديين منها.كما تسقي الشباب بالزي المعاصر، وهنا تخف حدة الصراع، وكانه تم الوصول الى تفاهمات اولية.

وفي اللوحة الثالثة تكون النتيجة المثالية الحتمية بالتعايش بين ماهو قديم وماهو حديث، في اطار القبول بالاخر، وحتمية الاشتباك مع الحاضر، والخروج من عقلية القلعة،وفي نفس الخروج من النظرة الاستعلائية لما هو تقليدي.
” التقليدي يواجه المعاصر”، مواجهة بالجسد والرقص، ومن خلال دلالات تفصح عن اسرار العرض،فالفتاة والكرسي الذي تجلس عليه وقارورة الماء ،قد تكون هي الارض والوطن والام، القادرة على احتواء الجميع، واروائهم، والوصول معهم الى تفاهمات للاستمرار في الحياة بسلام بعيدا عن الصراعات والحروب.

ودلالات اللوحة الثالثة الواضحة، عندما قام الشباب المعاصر بارتداء التنورة الافريقية التقليدية، فيماالفتاة والشابين الاخرين يلبسون الحذاء،وقبلها كانوا قد رقصوا الرقصة الافريقية التقليدية حول النار، وارتوائهم جميعا من قارورة المياه التي تحملها ” الام – الوطن”.
اعتمد العرض البساطة في طرح الفكرة،ورغم الايقاع اللاهث والسريع للراقصين، الا ان العرض لم يتقدم بالاحداث الى الامام بسرعة، ذلك ان طبيعة القبول والتمازج بين ماهو تقليدي وماهو معاصر، لاتتم بسرعة، لذلك ربما يكون مقصودا هذا الثبات في الاضاءة، دون اللجؤ الى تقنيات الاضاءة بدلالاتها الجمالية والمعرفية.
لكن الاداء المدهش للرقصات التي تم تصميمها بمهارة عالية، وادائها بحرفية تحسب للراقصين، بهذا الايقاع المتماسك الغني بالمشاعر البدائية النقية، والتكوينات الجمالية، فردية وثنائية وجماعية، وهذا المزج الذكي للجملة الموسيقية المعاصرة، مع الموسيقى التقليدية.

عرض” التقليدي يواجه المعاصر”..عن حتمية قبول الاخر،والتكافؤ في نسج علاقة دائمة ومنفتحة على المستقبل ومستجدات الحياة،دون تغول او اقصاء.
العرض من اخراج”فاراجا باتومايك” وبابمشاركة الراقصة” كريس كوبويا”،والراقصين ” كريستيان كامبل،وبايامانا بنجامين،وبمبليزا بنجامين”.
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت