نص مسرحي: "أوقات عصيبة" / تأليف: عبد المجيد ادهابي
المسرحية عن المجموعة الشعرية ” رماد فينيق ” للشاعر صلاح الدين بشر
(المكان عبارة عن زنزانة يتواجد بها ثلاث مساجين يسمع صراخ لا أحد يدري مصدره)
المسجون 1: إنه صوت المدينة، أبواب أخرى ، موتنا قادم ، قادم .. أتسمعون؟
المسجون2: ما موتنا إلا عبث في بعث، وما نفع الموت إن لم يلد عشقا أو وطنا أو إلها جديدا
المسجون1: معلوم لدى جبريل أن لا موت إلا موت الأنبياء، وأن لا طهر إلا في إشراق الندماء
(يلتفتان ناحية الجمهور)
المسجون2: لا تذكرني بالطهر ومدن الأنبياء ونحن قابعون في زنزانة تكتب موتنا
المسجون1: وقد تكتب حياتنا أيضا، من يدري؟
المسجون2: الحياة لا تكتب في زنزانة كهذه
المسجون1: (يضحك)
المسجون2: لماذا تضحك؟
المسجون1: من قولك ، كأن الحياة تكتب في زنازن أخرى دون هذه، كل الزنازن تتشابه
المسجون2: أقصد زنزانة لا يتواجد فيها أمثالك، حتى لا أسمع حديثا ماسخا عن الأمل والنجاة
المسجون1: من يملك الأمل قد يعيش في أسوء منها وبرفيق أسوء مني
المسجون2: من يملك رفيقا مثلك يموت بحسرته قبل أن تقتله الزنزانة
المسجون1:( يضحك) بالعكس، رفيقان مثلكما أسوأ من الزنزانة نفسها، الأول لا يكف عن الكلام والثاني لا يكف عن البحلقة والصمت
المسجون3: ينظر إليهما ثم يغير مكانه
المسجون2: لقد تحرك أخيرا
المسجون1: على الأقل لازال قادرا على الحركة
المسجون2: دعك من كل هذا، أتدري مر زمن طويل ولم أسألك عن سبب سجنك
المسجون1: جئت كما جاء الجميع، كنا نظن أننا سنسكن المدينة كما رسمناها في أحلامنا
المسجون 2: أجل تلك المدينة التي سكنها غيرنا ولم تنتظرنا
المسجون1: كانت تائهة
المسجون2: أحلامكم من كانت تائهة
المسجون1: أمثالك من رسمها لنا، كنتم سبب وجودنا هنا بين هذه الجدران الباردة
المسجون2: بالعكس أمثالكم من جعلوا الزنزانة أقرب إلينا، كلامكم في الطرقات و حيرتكم وخوفكم هي من فضحتنا
المسجون1: كان كل شيء حلما، الحلم في بلادي يموت
المسجون2: بخوفكم قتلتموه
المسجون1: كنت أمشي في ظلي، دون أن ينتبه لي أحد
المسجون2: تعودتم الظل
المسجون1: الظل أفضل من هذه الزنزانة
المسجون2: الزنزانة ولا ظل مسكون بالذل
المسجون1: كم يقلقني صمته، كيف له أن يكون معنا وهو بهذا الصمت
المسجون2: أخبرنا قصتك (يقترب و يكلم الشخص الثالث)
المسجون1: إنه صامت منذ مجيئه
المسجون2: أشك في شيء
المسجون1: أنت تشك في كل شيء
المسجون2: يقلقني صمته
المسجون1: أنا يقلقني كلامك، ماذا تقصد؟
المسجون2: ربما وجوده هنا عمدا؟
المسجون1: أتقصد جاسوسا؟
المسجون2:ربما..
المسجون1: فعلا صمته مخيف، يقلق
المسجون2: أتذكر يوم أخذونا كالجراء مكبلين بحبال رخيصة
المسجون1: لا أستطيع النسيان، كنت مثلخ خائفا .
المسجون2: ليلتها أخذوا كل شيء، كل شيء
المسجون1:كلاب، كلاب
المسجون 2: هل…؟
المسجون 1: أصمت ( يضع يده على حجره)
المسجون 2: ههههههههه
المسجون1: لماذا تضحك؟
المسجون2: لأنك مثلي .. أخذوا منك كل شيء، كل شيء
المسجون1: أول شيء فعلوه، كلاب .. كلاب
المسجون2: وقتها قالوا لم تعودوا في حاجة إليه، الزنزانة لا تحتاج رجولة
المسجون1: في غياب امرأة جميلة لا جدوى من الرجولة
المسجون2:لم أعد أذكر حتى تفاصيل امرأة
المسجون1: أتقصد امرأة بعينها؟
المسجون2: أي امرأة و السلام
المسجون1: (يوجه كلامه للمسجون3) لا يقصد امرأة بعينها، وأنت هل كل شيء فيك على ما يرام؟
المسجون2: دعه يسكن صمته .. أحس بزفيره المشتعل
المسجون1: إنه الخوف ، أحيانا الخوف يولد الصمت
المسجون2: الصمت يؤلمني
المسجون1: الصمت يذكرني بأشيائي المنزوعة
المسجون2: لكن صمته غريب لا يحتمل
المسجون1: لا يمكن أن أتفرج وأبقى صامتا، يجب أن أعرف حقيقته.
المسجون2: أنا أيضا لا أستسيغ صمته، لدي فكرة، اقترب، أكثر، أكثر ، اسمع سنختلق خصاما بيننا وبعدها نرى، كيف سيؤول أمره بيننا، إن كان معنا فهو ضد، وإن كان ضد فهو معنا
المسجون1: عظيم، لم أفهم ضد معنا ، معنا ضد
المسجون2: اسمع سوف نختلق شجارا ، فإن كان معك وأيدك فهو معنا، وإن كان ضدك وأيدني فهو ضدنا
المسجون1: هل أبدأ الخطة؟
المسجون2: أنت لا، قد تفضحنا في أي لحظة، دعني أجرب (يقترب من المسجون3) هل اشتقت إليها، أقصد أمك طبعا
المسجون3: (ينظر إليه باستغراب)
المسجون2: هي من تستحق التذكر، أظنها عانت كثيرا من فراقك، كذلك أمي ماتت بحسرتها علي، مسكينة أمك طبعا (يقترب من المسجون1) كلمته عن أمه، لم يتأثر وكأنه صخرة لعينة
المسجون1: دع عنك أمه، هناك نوع من البشر يكلمهم الخوف ( يقترب من المسجون3) سيأخذون منك كل شيء، كما فعلوا معنا، أولاد الحرام، لا أدري لم يكرهون رجولتنا بهذا الشكل، انتظر سيفعلونها معك أيضا، فقط لا تصرخ، إنهم يكرهون من يصرخ ( يكلم المسجون 2) لم يتكلم، كأنه صخرة لعينة.
المسجون2: كم أنت غبي، كيف تجعله يخاف
المسجون1: الخوف ينطق الحجر
المسجون2: لكن لا ينطق مثل هذا
المسجون1: هيا يا فيلسوف الزنزانة، اجعله يتكلم
المسجون2: الحب، الهيام ،المرأة (يقترب من جديد) أظنك اشتقت إليها، لا أتحدث عن أمك طبعا، حبيبتك، آه.. تصور معي لو يسمحوا لنا برقصة مع امرأة، أي امرأة، المهم أن تمتلك مقومات امرأة، أقصد ( يبتعد عنه )، رقصة كل شهر، كل أسبوع، كل يوم، لن أغادر هذه الزنزانة، المرأة و وحشة الزنزانة لا يلتقيان ( يكلم المسجون 1 ) لم يتكلم، كأنه صخرة لعينة، حدثته عن المرأة، الرقص، الحب المؤجل
المسجون1: الحب المؤجل، هههههه الأصح أن تقول له الحب الملغى؟ ملغى تماما، لا حب، لا امرأة ولا رقص، لقد أخذوا كل شيء أم أنك نسيت، حب مؤجل ههههههه
المسجون2: لم أنس شيئا، لكني ظننت إن كلمته عن المرأة قد ينطق، المرأة تنطق الجميع
المسجون1: انتظر أسمع وقع خطا
(يسمع صوت فتح باب الزنزانة)
المرأة: ( تدخل و هي تغني)
(تجلس بالقرب من المسجون3 فيبتعد)
المسجون2: امرأة ..
المسجون1: ما أجملها..كالغروب ، كاحمرار عرس الصبايا
المسجون2:( يقاطعه) امرأة .. النساء .. حتى نسيت شكلهن، لكن خطتنا
المسجون1: ضد معنا ومعنا ضد
المسجون2: تذكرت
المسجون1: عظيم .. الشجار
المسجون2: المرأة، تذكرت كان لدي امرأة
المسجون1: الاختلاف
المسجون2: أولاد ربما
المسجون1: نختلق الشجار الآن
المسجون2: كلب لا أظن، أنا أكره الكلاب
المسجون1: الخطة ، موضوع الشجار
المسجون2: الكلب
المسجون1: الكلب
المسجون2: المرأة، اسألها من تكون؟
المسجون1: اسـألها أنت، أنت صاحب الخطة
المسجون2: (يجلس بالقرب منها) كان لدي امرأة، أولاد ربما، الكلب لا أظن، أنا أكره الكلاب
المسجون1:(يقترب هو أيضا ) أنا أيضا كان لدي امرأة، أولاد ربما، كلب لا أظن ، امرأتي كانت تكره الكلاب
المرأة: أنا امرأة، اغتيال في اغتيال، أختزل أوراق الخريف، أنا من تسكنني الأشباح ولحود البراري، أنا رقص الأنجم حين يغفو البشر، أنا من تسكنون حين تنامون.
المسجون3: عرفتك، أنت المدينة، رأيتك مصلوبة على عتمة الليل، رأيتك تجرين كلهفة الموت، تموتين تم تبعثين، تموتين فتبعثين، عرفتك أنت المدينة التي سنسكنها
المسجون1: ما رأيك؟
المسجون2:جميلة
المسجون1: مجنون؟
المسجون2: المرأة
المسجون1: الخطة
المسجون2: تحتاج رجلا
المسجون1: المجنون نطق
المسجون2: المرأة جنون الجميع
المسجون1: كيف سنعرف الآن، هل هو معنا أم ضد؟
المسجون2: هي ستعرف
المسجون1: من ؟
المسجون2: المرأة
المسجون1: المرأة.. قد تكون هي أيضا مدسوسة عمدا
المسجون2: ممكن.. لكنها امرأة، والمرأة كانت دوما مدسوسة
المسجون1: يدهشني كلامك، في كل مرة أكتشف فيك جانبا
المسجون2: جوانبي مظلمة
المسجون1: ربما .. لكن يدهشني أمرك
المرأة: دعوا دهشتكم عارية، و تذكروا جرح السنين، اسألوا أنفسكم لم أنتم هنا ولستم هناك؟ لم سقطت المدينة من بين أصابعكم؟
المسجون3: كانت الخيانة في كل مكان، كلاب، كلاب
المسجون 2: ما أحزنهما
المسجون1: المجنون
المسجون2: المرأة
المسجون1: قلت لك تحتاج رجلا
المسجون3: عرفتك أنت المدينة التي اندثرت، أنت الموت والحب ، أنت رياح فنيق القادمة من بوح الموت
المرأة : لا أحد يعرفني
المسجون1: أنا نحب نتعرف بك، تنقدم لك نفسي ، انتظري كان لدي اسم ، رجولة أيضا،الرجولة هنا لا تهم أليس كذلك؟
المسجون3: يدندن
المسجون1: أصمت دعني أتذكر اسمي، دندنتك تلهيني
المرأة: لا يهم، أنت كما تصف نفسك، بقايا رجل و ذكرى على مر الطريق، أنت خلاصة خيانة مريرة
المسجون3: أنت المدينة التي سنسكنها، عرفتك
المسجون2: وأنا ماذا تعرفين عني؟
المرأة: أنت من أحرقته تراتيل الآخرين، صدقت انتصارا ما كان انتصارا، وهمك قادك خارج المدينة، أنت لم تعد أنت
المسجون3: يدندن ، دندنته تزداد حدة
المسجون2: أصمت دندنتك ترهقني، أصمت
المسجون3: اسمعا دندنا معي وكفى، كل الأسماء تبقى أسماء، دندن معي
المسجون1: من أنت، أصمت دندنتك تزداد حدة
المسجون3: دندنا معي
المسجون2: يقترب منهما يجلس ثم يدندن معهما
المرأة: اصمتوا دندنتكم تذكرني بوهج المدينة
المساجين: ها هنا نحيى، ونشرب من دم القروح منايا، نرسم حلم آلهة المدى، بنقر الدفوف، وقرع الطبول
(يسمع قرع الطبول)
المرأة: قرع الطبول يذكرني ببداية حرب ما أو موت ما
المساجين: الحرب خضناها وسكناها، وعبورنا إلى المدينة يحتاج مرفأ
المرأة: الموت كان دوما مرفأ للجميع
المسجون3: الموت نهايتنا
المرأة: في نهايتكم بداية أخرى
المسجون2: يأتي الموت من أشجان الرحلة الطويلة
المرأة: أنا نهاية رحلتكم
المسجون1: أعشق التوقف إن كانت المحطة بجمالك
المسجون3: أنت لا تعرف شيء، إنها نهايتنا وبدايتها
المسجون1: أعشق نهايتي إن كانت هي البداية
المسجو2: ما أجمل نهايتي إن كنت أنت البداية
المسجون3: لا تلمسها، اقترب فقط و لا تلمسها
المسجون2: لا يهم، اقتربت أم لم أقترب هي اقتربت
المسجون3: اسألها من تكون؟
المسجون1: أنا أسألها ( يقترب منها)
المسجون3: لا تلمسها، اقترب فقط
المسجون1: لن ألمسها سأقترب فقط، ما فيها باس إلى لمستها وخا غير لميسة ما شي كاع لمسة
المسجون3: قلت لا تلمسها ، في لمسها هلاكك و هلاكنا جميعا
المسجون1:( يعود) يكلم المسجون2، لم أعد أفهم شيئا، أقترب أم لا، ألمسها أم لا، هل هي بدايتنا أن نهايتنا؟ لنعد للخطة، ونكتشف أمرهما معا، هل هما مع أم ضد، إن كانا مع أقترب و ألمسها، وإن كانت ضد ابتعد ، نبتعد أنا وأنت
المسجون2: لم تعد هناك خطة، لا مكان لنبتعد إليه
المرأة: ما موتكم إلا بعث، وما المدينة إلا شظية شاردة في أذهانكم .
المسجون2: أحس بدوار، أحس بدوار
المرأة: يحاورك رمسك، من هنا تبدأ المقابر تروم نشورك
المسجون3: أنا أيضا أحس بدوار، دوار فظيع
المرأة: يحاورك رمسك، من هنا تبدأ المقابر تروم نشورك
المسجون1: (صمت ..)
المرأة: (تدفعه) يحاورك رمسك، من هنا تبدأ المقابر تروم نشورك
المساجين:نحن بخور الروح وخيالات تروم حياة، نحن الساقطون في متاهات المدينة
(يسقطون صرعى)
المرأة: معلوم لدي جبريل أن لا موت إلا موت الأنبياء، ولا طهر إلا في إشراقة الندماء
النهايـــــــــــــة