بفرنسا: الشخصية الدرامية في الندوة الثالثة للمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح/ حميد عقبي (باريس)
عقدت الندوة الثالثة للمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، مساء الأحد 24 نوفمبر 2019 حيث ناقشت الشخصية الدرامية في السينما والمسرح بمشاركة الكاتبة السورية ايناس عزام، الكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك، الفنان البحريني محمد الحجيري والكاتبة المصرية د. رباب حسين ومحمد الحجري من اليمن ومتابعة ما يقرب 150 متابع ومتابعة، بادارة المخرج السينمائي اليمني حميد عقبي ــ رئيس المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، وطرحت عدة قضايا ونقاط مهمة تناولها المشاركون والمشاركات إليكم ملخص مختصر للنقاشات.
تم افتتاح النقاش بكلمة ترحيبية من مدير الندوة حميد عقبي حيث رحب بالمشاركين والمشاركات مستعرضا موضوع الندوة الثالثة للمنتدى “الشخصية الدرامية في السينما والمسرح” وعرض أهمية الموضوع والنقاط المهمة التي يمكن تناولها ثم بدأ الندوة بمداخلة قال فيها ؛ من الأسئلة الهمة التي يوجهها أي مخرج لنفسه كيفية تقديم الشخصيات وما الذي تحمله من أفكار وقيم؟
هنالك أفلام عربية وجدت شهرة كبيرة واعتمد على نصوص روائية مثلا روايات نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وغيرهما، هؤلاء الكتاب رسموا لنا بحرفية فائقة شخصيات ظلت محفورة في ذاكرتنا وهي تصوير صادق لفترات زمنية صعبة مر بها المجتمع المصري ولم تكن توثيقا ولا كتابة تاريخية بل حكايات غاصت في الألم والحلم ولو أخذنا ابسط مثال شخصية حميدة الشابة الجميلة في زقاق المدق ترى نفسها حبيسة الحارة المثخنة بالمشاكل والصراخ والبؤس وشخصيات متنوعة وابدت حميدة رغبتها في الخروج من هذا البؤس حيث أن خياراتها محدودة أي انتظار خطيبا عباس الحلاق الذي أحبها بجنون وسافر للعمل بالكمب الأنجليزي ليجمع مهرها، حلمها قادها للهروب والوقوع في شراك حياة أكثر تعاسة وفي نهاية الفيلم تعود حميدة جسدا هامدا إلى زقاقها الذي ظل على حاله.
هذا الفيلم وغيره من الأفلام المصرية في الاربعينات إلى التسعينات سعت لفهم المجتمع ورصد متغيراته حتى الأفلام ذات الطابع الكوميدي كان بها ما يقال وفيها شخصيات درامية وإنسانية وهناك دائما قضية ولعل هذا يرجع إلى قوة النصوص وبراعة المعالجات ووجود نهضة سينمائية وكوادر إبداعية أحبت هذا الفن وأخلصت له.
السينما أصبحت مرآة الأدب
ثم تحدثت الكاتبة السورية ايناس عزام من برلين، وتعرضت إلى اختلافات مهمة للشخصية الدرامية في الرواية عنها في السينما معتبرة أن الأدب كان سباقا في خلق شخصيات تُعرض بشكل صوري ولكنها تعتبر أن السينما أصبحت مرآة الأدب.
وقالت إن الشخصية في الرواية أو الفيلم اداة ووسيلة ومن الوجهة الفنية فالشخصية تمثل الطاقة الدافعة للعمل الفني أو الأدبي وتحلق حولها كافة عناصر السرد، هنا يجب التركيز على الشخصيات الرئيسية والثانوية، فالشخصية الرئيسية تأخذ مقود الأحداث والشخصيات الثانوية تظل مهمة وضرورية في أغلب مراحل العمل.
كما أننا يجب التركيز على وجود نوعين: شخصية نمائية متطورة وديناميكية مثيرة تخلق الأحداث وشخصية ثابتة وجامدة أو عادية.
نعلم أن الرواية نصا مكتوبا والشخصيات فيها تُرسم بالكلمة المكتوبة وامام القارئ فرصة للمشاركة بخياله وفهم الشخصيات وفي السينما فنحن نرى ونسمع الشخصيات مشخصة تتحرك وتتحدث وتعبر عن ذاتها، كما أننا يجب ألا ننسى أن الشخصية قد تكون مكانا أو حيوانا أو مخلوقا خياليا ونرى ذيوع هذا النوع من الأعمال وفيها أنسنة المكان أو الحيوان، من المهم أن يكون البناء فنيا بلمسات إبداعية وليس حشوا زائفا وفارغا.
الوصف المباشر يقتل الشخصية
ثم تحدث السينارست الكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك، ومن وجهة نظره فإن الشخصية الدرامية هي الحامل للأحدث واأفكار بغض النظر عن نوعها وشكلها تكون إنسانا أو حيوانا أو شيء اخر، نتعرف على الأحداث بواسطة شخصيات كونها الوسيط بين الكاتب وبين المتلقي عبر رؤية مخرج وعبر تضافر كافة العناصر الفنية والتقنية.
ويرى الحايك أن الشخصية هي الأهم وهنا من المهم أن يدرك السيناريست والكاتب المسرحي هذه النقطة ويتحمل مهمة الابتكار وأن يكون ملما بالابعاد وعناصر البناء الدرامي وأن لا يهمل أي بعد أساسي (المادي، الاجتماعي والنفسي) وعليها أن تكون واقعية ومنطقية أي منطقية سلوكياتها وردود أفعالها ومنطقية علاقتها بمحيطها والشخصيات والأمكنة والأحداث في الفيلم أو المسرحية أو حتى الرواية.
كما تطرق لعدة أخطاء تحدث مثل تقديم معلومات كثيرة ووصف كبير في المقدمة، فالوصف المباشر يفقد العمل رونقه كون التعرف على الشخصية يكون عبر أحداث ومواقف درامية، ومن الضروري وجود انسجام وتناسق متناغم.
كما أن مشكلة تشابه الشخصيات في العمل الواحد وتكرار النموذج ومن الضروري أن يقدم العمل الفني سينمائي أو مسرحي شخصيات متنوعة ومختلفة وعميقة فالشخصيات السهلة المكررة تضعف العمل وهنا أيضا على الممثل أن يشارك بدوره كفنان مبدع ليضيف على الشخصية لمسات إبداعية وهذا لن يكون دون فهم وثقافة والجدية مع كل دور وينجح العمل الفني عندما تتضافر جهود طاقم إبداعي يحسٌ بمسؤولية أنه يقدم عملا فنيا إبداعيا.
ثم كان تعقيب لمدير الندوة حيث اتفق عقبي مع وجة نظر ايناس عزام واضاف أن فهم المخرج وقناعته بالعمل الأدبي تترجم في المعالجة وتحديد الشخصيات التي ستظهر أو تختفي في الفيلم فقد يصبح صعبا ظهور كل الشخصيات وقد يستحدث المخرج شخصية جديدة، مساحة الرواية قد تكون كبيرة وقد يحتل الوصف لشخصية ما عدة صفحات وبها عدة عقد ثانوية، الفيلم لا يعني النقل الحرفي لأصله الأدبي بكل شخصياته وأحداثه وكما يقال هنا خيانة العمل الأدبي قد تكون اضافة جديدة له وليس ذما أو تصغير، والشخصية المبهرة هي تلك المتطورة كما اشارت الكاتبة ايناس عزام ولو أخذنا شخصية المهرج في فيلم الجوكر الذي احدث الكثير من الجدل فقوة هذا الفيلم تأتي من براعة عبقرية في خلق الشخصية التي تحدث صدامات متتالية ومن هذه البيئة البائسة والظروف المحيطة به تكون الكارثة، فنحن هنا لسنا مع شخصية تحكي أو لغرض حكائي أو عاطفي بل شخصية مركبة وتواجه تعقيدات وهي هنا كي تربكنا وتثير الأسئلة وتهز أعماقنا.
وفي تعقيبه على مداخلة الكاتب عباس الحايك وركز على مشكلة تكرار القضايا أو التقليد والنسخ للشخصيات في الأعمال الفنية، وأكد عقبي أن الفيلم السينمائي أو العمل المسرحي يعني أن نرى شخصيات تتصارع أو شخصية تصارع قدرها أو تتصارع مع نفسها وكل شخصية تقدم نفسها جسدا وروحا وفكرا والتنوع الفكري والاجتماعي ترسم حقيقة الواقع والحقيقة الإنسانية فالشر قد يكون بطلا وقد ينتصر أو يفلت من العقاب وكذلك فإن ما ذكره الحايك مهما بخصوص أن هناك مسؤولية على الممثل وألا يستسهل أي شخصية وسبق وأن ناقشنا هذا الموضوع في الندوة الثانية ويمكن لمن يحب العودة للملخص الخاص بها.
ثم تحدث الفنان البحريني محمد الحجيري وناقش تكوين الشخصية وخاصة في الرواية وأن القارئ هنا يكون مساهما بخياله في تشكيلها لأنها لا محدودة وهذه الشخصية ستكون متعددة خاصة في الروايات الجيدة حيث يكون الكاتب المبدع قد خلق روحا تتشكل وتتنوع بحسب الحالة النفسية والمستوى الثقافي والفكري وخيال القراء، هنا تصبح الشخصية متعددة، ثم تطرق إلى أن السينما وفي بعض الأفلام قد تكون الشخصية محدودة وتوضح في اطار وقالب محدد وهنا تزيد مهمة الممثل وعليه أن يضيف عليها من إبداعه حتى لا نخسر المتلقي.
الشخصية الدرامية ليس بالكائن السهل
كما تحدثت الكاتبة والناقدة المصرية د. رباب حسين، واستعرضت نقاط حول خصائص الشخصية والتي يجب أن تكون عميقة ولها وجهة تجاه قضايا مجتمعية وإنسانية وتعكس حالة تأمل وتحليل للواقع وذاتها أيضا وهنا فالكاتب يعرف لماذا يختار شخصياته وما تحمله من أفكار وقيم وما ستعكسه من صور عن المجتمع.
كما ركزت على أهمية الحوار وكذلك المؤثرات الصوتية والموسيقا وحتى الصمت فهذه العناصر تكملية ومصاحبة للصورة وهي تتعاضد لخلق جماليات والصورة في السينما تحمل جماليات فائقة متى فهم المخرج لغة وادوات السينما فلكل لقطة تأثيرها ويأتي التأثير بحسب التفنن في اختيار نوع وحجم اللقطة وكذلك حركة الكاميرا وغيرها.
نستنتج من المداخلة أن الشخصية ليس بالكائن السهل الذي يمكن صناعته دون إبداع وفكر، كما أن الكاتب يمرر أفكاره ثم يأتي السينمائي والمسرحي ليضيف بالتأكيد من أفكاره وقناعته إلى الشخصيات والعمل الفني.
تعددت النقاشات وعادت الكاتبة عزام للحديث مشيرة أن كتابة السيناريو من الفنون المهمة وليس كل كاتب سيناريست وليس كل سيناريست له قدرة الكتابة الروائية وكل يؤدي عمله في خدمة الإبداع، كما أشارت إلى تاثر الرواية بالسينما ووجود كتابات تمتاز بقوة وسلاسة صورية متحركة تجعلك كانك تشاهد فيلما مثل الكاتب دان بروان.
ثم عادت د. رباب حسين للحديث وتناولت فن الدراما الإذاعية وسحرها في رسم الصورة الذهنية وتحفيز الخيال، كما تحدثت إلى تغير عادات المشاهدة وان المتلقي لكل هذه الفنون اليوم يستخدم هاتفه المحمول في الفرجة والتلقي وهذا يضعنا امام جمهور أوسع وكذلك مختلف جدا.
في ختام الندوة تحدث حميد عقبي ليعقب على مأتم طرحه ويمكن الخروج بنقاط مهمة جدا :
بناء الشخصية الدرامية من اهم القضايا الشائكة والمهمة والتي تحتاج إلى مزيد من الدراسات التحليلية ويحتاج كتاب الدراما والمخرجين الشباب إلى خوض ورشات تدريبية وتجارب عملية للتغلب على تحديات كثيرة تؤدي إلى ضعف المنتوج الأدبي والفني بسبب ضعف الشخصية أو الاعتماد على اكليشهات مكررة.
العمل الفني السينمائي أو المسرحي يعتمد على عناصر ابداعية والتجديد والابتكار والعمل الجماعي حيث تمونوالشراكة الابداعية والفنية وليس نشاطا فرديا سهلا.
بناء الشخصية عنصر دراميا لا يأتي الا بتلاحم كافة العناصر الدرامية، فالشخصية تتحرك في مكان وزمان وتحمل أفكارا عدة وتخوض صراعات ومفارقات وهنا الوصف الهش المباشر والسطخي لا يمكنه أن بخلق دراما ولا متعة فرجوية تثير المتلقي وتجعلها يشارك ولا يكتفي بفرحة سلبية.
ـــ وختم حميد عقبي الندوة بشكره المشاركين والمشاركات والتاكيد بوجد عدة إشكاليات بحاجة إلى نقاشات جادة وعميقة ومثل هذه الندوات مفيدة وضرورية والمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح سوف يستمر بعقد ندوة أسبوعية إليكترونية مساء كل احد وهو يرحب بالأفكار والمشاركات، كما يسعى إلى عقد عدة ملتقيات وورش تدريب وهو يأمل أن تجد أنشطته الرعاية والدعم لبرامجه الطموحة لعام 2020 .