في بداية الندوة تحدث حميد عقبي، مرحبا بالمشاركين والمشاركات معلنا افتتاح النقاش الذي يركز حول أهمية المكان ودلالاته الدرامية في السينما والمسرح وقال إن المكان يعد من العناصر المهمة في بناء أي عمل فني أو حتى خلق حكاية،والمكان ليس فقط هو المساحة والفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات وتدور فيه الأحداث، هو أيضا يفجر الكثير من الدلالات الدرامية والميتافيزيقية ويساهم في شحن المتخيل ويخدم الفكرة الفلسفية وهو يتفاعل مع كافة العناصر الدرامية وشديد الارتباط بعنصر الزمن.
كما أن المكان بوسعه أن يكشف عن الشخصية ودواخلها ويساهم بشكل فاعل وديناميكي في حدوث متغيرات نفسية وروحية والفنان المبدع هو من يتفنن تصوير المكان وخلق عوالم جمالية تكسر حدودية المكان بجعلة لا متناهية وهناك أعمال مسرحية أصبحت تستخدم وسائل مرئية لخلق فضاء تخيلي رحب.
ثم تحدث الكاتب والسيناريست عباس الحايك وقال إن موضوع الندوة مهما جدا ويثير الكثير من الجدل ويستحق أن يناقش في مثل هذه الندوات ومواصل بحثه بشكل أكاديمي، المكان يفيض بدلالات درامية وكذلك زمنية، ولا ننسى في السينما أو المسرح توجد أمكنة واقعية توحي وتخلق أمكنة متخيلة وكذلك قد ننطلق من أمكنة متخيلة غير واقعية لخلق صورا لأمكنة واقعية.
ثم تحدث عن مسرحية هاملت لشكسبير مستعرضا دلالات المكان وكيف تكشف الأمكنة حياة الناس وطريقة عيشهم وتوضح الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية والفكرية وهذا ينسحب على الكثير من الأعمال السينمائية والمسرحية وقد يقود المكان لوظيفة ودلالة توثيقية مع الدلالات الجمالية والفنية، فنحن عرفنا عدة ثقافات من خلال الأفلام مثلا العمارة الصينية والبيئة الحضارة الهندية وغيرها.
تأثيث المكان بالجماليات مهمة فنية على السينوغراف والمخرج ضرورة الوعي بثقل المهمة ونرى أن الإمكنة تزخر بدلالات دينية وروحية حتى تلك الأمكنة التي تُصنع ويتم بناءها وقد تكون بها أخطاء رغم ذلك تظل مهمة وموحية وتدعم الموضوع أو الحكاية.
تحدث الممثل والمخرج البحريني علي سلمان واستعرض أهمية المكان وضرورة تهيئته ليخدم اداء الممثل وكلما كان المكان وخاصة بالمسرح أي الخشبه بها إمكانيات ومجهزة بوسائل الإنارة وديكور وأشياء، هنا الممثل يجد عناصر عدة تساعده وهو كذلك سيضيف دلالات للمكان بينما أن المسرح الفقير والمساحة المحدودة تتطلب جهودا اضافية من الممثل، وأكد بضرورة أن نسعى لدعم مسارحنا بالإمكانيات كون المسرح من ضروريات الحركة والنشاط الثقافي والجمهور يتفاعل بشكل إيجابي مع مسرح وخشبة مجهزة بوسائل لخلق فرجة فنية جميلة.
كما تحدثت الممثلة والمخرجة الليبية سعاد خليل، وأكدت على أهمية المكان كعنصر يخلق الصورة ذات الجمالية والدلالة وعدم التساهل في اختيار المكان وما يحتويه من ديكورات وهنا ثراء وقوة المكان يأتي من النص، فالكاتب المبدع يخلق أمكنة حساسة ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرين وكل شيء ممكن والتقنية قادرة أن تصنع لنا ما هو غير ممكن، أي أن الكاتب يتحمل مسؤولية مهمة ويأتي خيال وإبداع المخرج ليضيف ويجعل الأشياء ناطقة ونحن نرى أن السينما اعادتنا إلى حكايات وقصص تاريخية واسطورية قديمة وتطويع التكنولوجيا لخدمة الفن.
واكدت على ضرورة أن توجد علاقة فيزيائية وروحية بين الممثل والمكان، ودون هذه العلاقة يحدث فراغ ولذلك نحن مع عنصر جوهري نشط وديناميكي.
كما تحدثت الكاتبة الإعلامية المصرية د. رباب حسين مبدية فرحها المشاركة بهذه الندوة وضرورة إستمراريتها كونها تفتح عدة أفاق معرفية وفنية وهي ملتقى إبداعي مهم، تحدثت عن أهمية الدلالة كمحرك إبداعي نشط وهنا يصبح الشيء متعدد الدلالات يتجاوز كينونته المادية والوظيفية وضربت أمثلة من الدراما المصرية واليابانية مؤكدة أن الثقافة تلعب دورا مهما فالغراب مثلا دلالة شؤم عندنا العرب وقد يكون له دلالة مختلفة لدى ثقافة اخرى.
وأكدت أن المكان عنصرا مثيرا وأداة جذب له تأثيرات نفسية وهو مكمل وأحد عناصر الحبكة الدرامية ورابط اجتماعي بين الشخصيات ولكل مكان مغلق أو مفتوح تأثيراته كجزء من الحكاية أو من خلاله نمرر أفكارا فلسفية وهذا يعتمد على مدى وعي وقدرة المخرج الفنية والإبداعية وسنرى أن أمكنة قد أصبحت معروفة وخالدة والفضل يعود للفنون.
تلى ذلك تعقيب على المداخلات من مدير الندوة وتحدث عقبي عن بعض افلام المخرج السينمائي الروسي اندرية تاركوفسكي الذي منح الأمكنة معاني ودلالات شعرية وفلسفية عميقة وكان يحرص على حضور وتفاعل عناصر الطبيعة ( الهواء والتراب والماء والنار) حتى الأمكنة الداخلية فهي تفيض بالشعرية بوجود هذه العناصر وضرب عدة أمثلة من فيلم نوستلحيا وفيلم المرآة .
كما تطرق عقبي إلى المخرج الايطالي بير باولو بازوليني وولعه بالشرق وأمكنة بالمشرق العربي حيث صور عدة أفلام في المغرب العربي واليمن وسوريا وكان يرى أن الشمس وأهل هذه الأمكنة يمنحون أفلامه معاني إنسانية واسطورية وتطرق إلى العصر الذهبي للسينما المصرية فعشرات الأفلام حملت أسماء أمكنة وحارات ضرب مثلا فيلم موت السقاء للمخرج صلاح أبو سيف الذي صور بحارة بسيطة بديكوراتها وهنا تظهر قدرة المخرج الذي يجعل كاميرتة تستنطق الأمكنة وتجعلها مرآة لدواخل الشخصيات.
تحدث المخرج الكويتي نصار النصار عن تجربته في مسرحية محطة 50 وكيف انطلق من مكان بسيط به كرسي وشخصيات تنتظر في المحطة تلتقي بغير موعد لنحس بألمها وحكاياتها.
تعددت المداخلات والتعقيبات ومن الضروري التنويه على نقاط مهمة تناولتها الندوة وكذلك عدة توصيات :
* من الضروري أن يعي المخرج السينمائي والمسرحي أن العمل الفني ليس مجرد حكاية عابرة لذلك عليه الوعي بأهمية الأمكنة التي يختارها وتأثيثها بدلالات لخلق جماليات ومعاني إنسانية.
* النص الإبداعي الجيد يكون مادة خصبة يمكن تشكيلها والاضافة إليها لتتلاحم رؤية الكاتب مع المخرج وخاصة في التعامل مع عنصر المكان.
* لا يمكن فصل المكان عن الزمان وتم الاتفاق تخصيص الندوة الخامسة عن الزمن في السينما والمسرح وكذلك ارتباطه بالمكان.
ـ لكل فن لغته الخلاقة في التعامل مع المكان وهنا يلعب المبدع دورة وخلق رؤية خاصة
ـ أوصت الندوة بضرورة أن يتم الاهتمام بدعم مسارحنا العربية واعادة تأهليها ومنح دعم للمخرجين فالكثير من الأعمال قد تتعثر بسبب قلة الدعم.
ـ يحفل المشرق العربي بالكثير من الأمكنة المدهشة وأمكنة تاريخية ساحرة وطبيعة جميلة ومن الضروري تشجيع الإبداع السينمائي لتوثق هذه الدهشة والخروج من الديكورات الساذجة إلى رحب الطبيعة.
ـ ضرورة أن يحضى الموضوع بالمزيد من البحث والنقاشات وأن تستغل المهرجانات المسرحية والسينمائية منابر لندوات فنية تتناول مواضيع حيوية.