بتونس: دورةٌ لتأصيل المواطنة التي نستحق../ بقلم: وزير الشؤون الثقافية الدكتور محمد زين العابدين
اصداء الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية
تأتي هذه الدّورةُ الجديدة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية بعد النجاح المبهر لمهرجان الوطني للمسرح التونسي في دورته التأسيسية والذي مهّد الطريق سالكة لهذه الدّورة الجديدة للأيّام مُؤكدا أن الفعل المسرحي في بلادنا نَفَسٌ حيويّ لا ينقطعُ وجُهدٌ متواصلٌ لا يَنثني في جعل هذا الفن العريق في قلب الهاجس المُواطنيّ وفي مَسعَى آفاقِ الانخراط الإنساني والكوْني وضمن مَشْغلِ الاستحْقاق الاجتمَاعي والتنموي.
تأتي هذه الدّورةُ الجديدة وقد ترَسّختْ أركانُ هذا المهرجان العريق ضمن سلسلة من المحطات الكبرى المُتحرّكة على صعيد الاعتراف بجميع أنواع القطاعات المسرحية المشاركة في المهرجان، من مسرح محترف إلى مسرح الهَاو، ومن مسرح القطاع العمُومي إلى المسرح الخاص والمستقل، ومن مسرح الطفل الناشئ، إلى المسرح المدرسي اليافع، ومن المسرح الوافد الشّقيق، إلى المسرح العالمي الصديق، ومن مسرح الحريّة خارجَ جدران السّجون إلى مسرح الشّتات والهجرة على حدود التخوم.
تأتي هذه الدّورةُ الجديدة مُزدحمة بالأنشطة المسرحية العملية من أجل ترسيخ المهارات، وتطوير المهنة المسرحية، وضمان نجاعتها الحرفية والتقنية في اتجاه التطوير والتجديد، سواء تعلق الأمر بصناعة الفرجة من خلال سلسلة الورشات الخاصة بالدراماتورجبا والسينوغرافيا والديكور والتصميم والقيافة والأزياء المسرحية، أو تعلق الأمر بالتدريب والتكوين في اقتصاد الفرجَة عبر ورشاتِ التشبيكِ والتسْويقِ والتنظيم وتبادل الخبرات، إضافة إلى العناية بالمعرفة والثقافة المسرحية من خلال ورشات التكوين النوعي للشباب في مجال النقد وبناء الشخصية المسرحية والقدرة على القراءة والتأويل من السّردي إلى الدرامي ومن الدرامي إلى البصري وغيرها من المشاغل المعرفية.
تأتي هذه الدّورةُ متمسّكة بخيارتِها العربيّة والإفريقية ومنفتحة في ذات الوقت على التجارب المسرحية العالمية في أوروبا وآسيا والأمريكيتين .دورة قد تُراوِدٌها مستقبلا فكرة حضور الأيام دوليا خارج الحدود بعد أن وطنت المهرجان في الجهات تكريسا لنهج اللامركزية الثقافية.
تأتي هذه الدورة راسمة أفقَها المَعرفي وخط تحريرِها الفكري والنظري من خلال مساءلة الذاكرة المسرحية في بُعدها الحضاري والجمالي من خلال التفكير في تمثّلات الفضاء المسرحي وتقاطعات السينوغرافيا والتقنيات الحديثة عبر إقامة ندوتها الفكرية الدولية.
تأتي هذه الدّورةُ الجديدة لتؤكد أن بقعة الضوء فوق خشبة المسرح ليست مُجرّد بقعة ضوء عابرة تلتهمها الظلمة بعد نزول السّتار بلْ حزمة أنوارٍ تتسِعُ من مُهج المُبدعين ليتلقفها الجمهور المسرحي في تغذية حاجته للحريّة والإبداع الخلاق وتأصيل الكرامة والمواطنة التي نستحق.
تأتي هذه الدّورةُ ترجُمَانا للمشروع الثقافي التونسي وتعبيرا عن رُؤى السياسة الثقافية القائمة على مبدأ الحق الدستوري في الثقافة وعلى فلسفة القرب والاندماج الاجتماعي والانطلاق من الخصوصية المحلية ومعانقة الكونية والقبول بالاختلاف والغيريّة.
فهذا مهرجانُكم يأتيكُم في مَوْعدِه وتأتونَه أوفياء من كلّ حَدْبٍ وصَوْبٍ، فمرحبا بضيوفنا نساء ورجالا أشقاء وأصدقاء. وطوبى للمُبدعات والمُبدعين، وطوبى لتونس الخضراء منوّرة بكم ومنوّرين بها.
عاشتْ أيام قرطاج المسرحية، عاشتْ تونس أبيّة أبد الدّهر.