بفرنسا: "الزمن في السينما والمسرح" بالندوة الخامسة للمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح/ حميد عقبي (باريس)
عقد المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، ندوتة الإليكترونية الخامسة بمساء الأحد 8 ديسمبر 2019، ناقشت موضوع “الزمن في السينما والمسرح”، شارك فيها الفنانة زوهاد ضيفلاوي من تونس ، الكاتب الروائي مصطفى لغتيري من المغرب، الفنانة سعاد خليل مت ليبيا، د. رباب حسين من مصر ، الفنان اليمتي يوسف هبة من الجزائر، الكاتبة السورية ايناس عزام من برلين و الفنان متصور عبدالغني من اليمن، حيث ادار الندوة من باريس السينمائي اليمني حميد عقبي ـ رئيس المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح.
تميزت النقاشات بالتنوع والعمق وإليكم ملخصا مختصرا لأهم الطروحات.
افتتح حميد عقبي هذه الندوة الخامسة مستعرضا أهمية الموضوع ومرحبا بالمشاركين والمشاركات وقال في مداخلته : ــ نحن في تناولنا لموضوع الزمن في السينما والمسرح فالنقاش يقودنا إلى الكثير من العناصر الدرامية لبناء أي عملا فنيا، فأي فكرة ونص ومن الكلمة الأولى لأي مشروع فني فنحن نطبع لحظة زمنية وأنا أميل لرؤية المخرج السينمائي الروسي أندرية تاركوفسكي الذي يرى أن السينما وأي فن هي نحت الزمن، فالشخصية والأماكن التي يبدأ بتخيلها ثم برسمها الكاتب أو السيناريست تعني لحظات زمنية فحيث يصف شخصيته شابة أو صغيرة وأي صفة للمكان لا يمكن أن يكون دون وصف زمنه، فأي حدث نصفه بالنهاري أو الليلي ونصف الفصل والموسم والأجواء حتى تلك الأعمال المتخيلة والفنتازيا فالزمن يظل أحد عناصرها بغض النظر في التلاعب به أو القفز عليه أو تجميده وهدمه، مشروع أي فيلم أو مسرحية قد يعبر عن الزمن بعبارات بسيطة وعند التنفيذ فهذا يعني توفر تقنيات وأدوات وتجهيزات كالأضاءة ونوعية العدسات والمرشحات وغيرها وتعني أيضا كلفة إنتاجية وحتى في المشاهد الداخلية فهي أيضا بحاجة لوعي إبداعي وهنا أي خيارات لأي حدث نهاري أو ليلي ــ داخلي أو خارجي ــ صيفي أو شتوي يجب أن يحمل الحدث دلالات درامية وقد تتفجر دلالات جمالية وميتافيزيقية مهمة وخطيرة متى كان لدى المخرج قدرات إبداعية وحساسية فنية لعنصر الزمن وبقية العناصر الدرامية.
ثم كانت مداخلة من الكاتب الروائي المغربي مصطفى لغتيري، تحدث مؤكدا على أهمية الزمن ووجود بعض الاشكاليات في فهمه والتعامل معه وقال :ــ يوجد تقاطعات عدة مهمة في التعامل مع الزمن في السينما والمسرح حيث توجد عدد وأنواع من الأزمنة وبصفتي كاتب روائي سأتحدث عن الرواية والزمن فيها مثل الزمن الواقعي والزمن الكرونولوجي حيث تكون البداية من نقطة معينة لينتهي في نقطة معينة، وأظن أنه زمنا وهميا ثم هنالك الزمن النفسي، أي أن الكاتب يستحضر عدة أزمنة في مخيلته وهو أيضا يتميز بتداخل الأزمنة حيث أن لحظة الكتابة تحضر في الذهن عدة أحداث من الواقع أو الماضي وربما المستقبل، كذلك يوجد تمايز للحكاية كما هي في ذهن الكاتب وزمن كتابتها وهذا علينا أن نضعه في الأعتبار.
كذلك في السينما هنالك من يستخدم الزمن الكرونولوجي أو يعكسه كذلك توجد روايات تكون البداية من لحظة النهاية ثم يحدث التطوير ونستكشف الأحداث لنصل إلى البداية وقد نلجاء إلى الفلاش باك للتذكر والاستحضار أي أن التعامل مع الزمن فيه اشكاليات متعددة وليس بسيطا، ومن مميزات الرواية الحديثة قدرتها وتنوع الأساليب والتقنيات الناتجة عن الوعي بالزمن وأهميته.
الكثير من الروايات تحولت إلى أفلام لذلك نجد تطور بالوعي بالزمن، حيث تم تخطي الأنماط الكلاسيكية القديمة، ثم تحدث لغتيري عن تجربته الروائية واستعرض عددا منها وكيف تعامل فيه مع الزمن.
ونوه أن الكاتب الجيد والمبدع هو القادر على التحكم وقيادة الأحداث وهو من يدرك أهمية كل لحظة زمنية وتأثيرها النفسي وتوليد مفارقات وعناصر تشويق ودلالات فنتازيا وميتافيزيقيا واستثمار كل التقنيات بشكل إبداعي وأن الزمن هو البطل الحقيقي وهو سيد المواقف الذي يجب عدم نسيانه.
ثم تحدثت الروائية السورية ايناس عزام من برلين، وأكدت على أهمية الموضوع وقالت : يوجد اتجهين للزمن ( اتجاه شكلي يتضح من خلال بين زمن الحكاية والسرد ويُكشف عنه بعدة تقنيات مثل علاقة الشخصية بالمكان فالزمن يشير لحالة الصيرورة والتحول ويكون الزمن في شكل الحدث الذي يقود إلى الصيرورة بغض النظر عن نوع الزمن وكذلك اتجاه الزمن الموضوعي).
واشارت عزام إلى أن الزمن هو العمود الفقري للرواية كونه يكشف عن تشكيل بنية النص والتقنيات المستخدمة فيه، ولهذا يعد القص من أكثر من أكثر الفنون التصاقا بالزمن، والرواية هي فن زمني والزمن الروائي هو تعبير عن رؤية أي رؤية الكاتب تجاه الكون والحياة وكما نعلم توجد أنواع للرواية فهي تقليدية تتبع خطوط زمنية سببية ولكن الروايات الأكثر حداثة تجاوزت هذا وأصبح يوجد تعامل مع زمن داخلي يعتمد على خيال الكاتب وهو نفسي وذاتي أكثر منه منطقي حيث تعتمد تشظي الزمن وهذا النوع بات أكثر معاصرة ونجد أن القارئ قد يواجه بعض المطبات فقد يتسم الأسلوب بالشعرية واتجاهات مختلفة متداخلة وصعوبة الامساك بخط زمني معين.
تقنيات الزمن يمكن تلخيصه في طريقة السرد ولكل كاتب أساليبه فهناك من يستخدام الإيقاع السريع ومن الملاحظ التوجه لتقليص الخطابة والمونولوج والتوجه للمعاصرة.
ثم تحدثت الفنانة المسرحية الليبية سعاد خليل، وأكدت في بداية حديثها أن العمل الفني بالمسرح أو السينما قد يعتمد على نص ومصدر أدبي وهنا خروج النص من يد كاتب مثقف ومبدع يمتلك الخيال والخبرة والتجربة سيمثل نقطة أساسية مهمة كونه سيكون واعيا ومدركا لخطورة عنصر الزمن وارتباطه بعنصر المكان حيث سيرسم لنا فترة تاريخية ماضية أو حاضرة أو مستقبلية أو يجمعها كلها معا، فهنا أيضا نوعا من التوثيق وبعدها تأتي قراءة وفهم ورؤية المخرج لتضيف أو تقدم وتناقش وتعرض الشخصية والزمن وفق نسق إبداعي مسرحي أو سينمائي.
ونوهت خليل إلى أن الأفلام القديمة لها مميزات وتدل على ذلك العصر فحركة أي شخصية وملابسها والأماكن تحمل إيقاع وعبق ذلك العصر، نحن في هذا الزمن حدثت تطورات ومتغيرات انعكست على طريقة حياتنا فكرا وسلوكيات وعادات حياتية، هنا أيضا لو درسنا الممثل وحركاته وأساليبه هذا أيضا حدث فيه متغيرات.
كما تحدثت خليل عن تداخل الفنون ببعضها اليوم وهناك من يوظف مشاهد سينمائية بالمسرح تأتي كأنها فلاش باك أو للانتقال من زمن إلى اخر، لكنها ترى أن قوة المسرح وسحره تنبع من المواجهة مع الجمهور وضرورة أن يقتنع الجمهور بالعرض من خلال الأدوات المسرحية وخاصة الممثل، فالمسرح يمتلك القوة في رسم اللحظة الزمنية وحفرها فكل ظل وضوء ونفسّ وحركة وعبارة لها دلالاتها وأبعادها وتجسيد لحالات مختلفة قد تكون أحداثا متداخلة ومتشابكة، فالزمن هنا يقود المتغيرات ويصنعها.
ثم تحدثت الفنانة التونسية زوهاد ضيفلاوي من تونس، وقالت أن للزمن مفهوم فكري وجمالي وفلسفي للزمن في السينما والمسرح، طبعا يوجد اختلافات خاصة أن زمن التلقي يختلف في المسرح عنه في السينما، كل فن يتعامل بتقنياته مع الزمن وفي المسرح توجد صعوبات عدة فهناك مواضيع حساسة بحاجة إلى إبداع وذكاء كوننا مع عرض حي مع الجمهور.
كما تناولت أن خرق وتفكيك الزمن أصبح يشاهد على المسرح والأفلام، فهناك نزعة لكسر المنطق وتجاوز الحدود، ثم تطرقت للحديث عن أنواع الزمن بحسب وجهة نظرها للزمن الفلسفي والدخول إلى عمق الإنسان الحسي والداخلي والمتعلق بالذاتية، ثم الزمن السردي المرتبط بالان وهنا وقد نوغل في البعد خاصة عند التعرض لأعمال اسطورية.
كما تحدثت عن ضرورة فهم الممثل للزمن فبعيدا عن الأحداث فاي شخصية لها تاريخ وعمر وزمن محدد وكل ما يمر بالشخصية أو يكون معها يوجد إيقاع زمني لكل شيء، مثلا يجب أن نأخذ فرضية الزمن من خلال الديكور.
إذن الزمن لا يتجلى فقط في الأحداث والفعل بل هو يتجسد في المشهدية وفي الصورة في السينما والمسرح والفنون تتجاوز التقليد ومن ثم اللامحدود والفن المسرحي هو أبو الفنون وفن الإيقاع أي إيقاع صوتي وحركي وبصري لذا يستفيد من كل الفنون ويقدمها بنكهته الخاصة ومذاقه السحري والخالد.
ثم تحدث حميد عقبي ـ مدير الندوة معقبا على المداخلات السابقة منوها أن هذه الندوة الفنية تتسم بمشاركات مبدعات من عدة دول ومختلف المجالات مما يعطي لها طابعا خاصا ومميزا، ثم تحدث عن خاصية الزمن في السينما وقدرتها في خلق حالات مثل توقف الزمن واطالة اللحظة لخلق تأثيرات نفسية وقد تكون حكاية الفيلم لحظات قليلة يتم عرضها بزمن أطول مثلا شخص في اللحظات الأخيرة من عمرة يستعرض شريط حياتة المتخمة بالمفارقات، كما أن هنالك تعامل مختلف في السينما السريالية والتجريبية والشعرية وأفلام الخيال العلمي والفنتازيا، فنحن هنا مع زمن يفجر الصدمة ويقودنا لدلالات ميتافيزيقية ونفسية وروحية أكثر من مجرد نسق حكائي بأزمنة فقد نخرج خارج نطاق الزمن ولا منطق يحكم الأحداث التي تحاول هدم المعنى الواضح بحسب السينمائي الشاعر جان كوكتو فالسينما شعرية بتدفق سيل من الصور التي تأتي من ذهن ودواخل الفنان ومتى أصبح لها مفهوما واضحا تفقد شعريتها كفن ساحر.
كما أن السينمائي الروسي اندرية تاركوفسكي يميل إلى خلق اللقطة ( الهايكو) فهي لقطة ومشهد ينحت في كل لحظة لحظة زمنية مكانية شعرية تتضافر فيها شحنات ميتافيزيقية وروحية وقد يهدم الحدود المكانية في أي لحظة فالهدف ليس الحكاية بحدودها الزمنية وعناصرها الدرامية بقدر خلق سحر صوري تشكيلي صوفي روحاني وهنا أيضا نزعة للطبيعة وتأثره بالسينما اليابانية وخلق قداسة روحية خاصة.
كما تحدث عقبي عن أهمية أن يُحس الممثل بالزمن فلكل لحظة زمانية إيقاعها وروحها الخاص فمشهد يصور بالشروق يختلف عن مشهد بالظهيرة والذين تتشابه ايقاعاتهم فهذا يعني ضعف وهنالك أفلام بها أحداث متشابكة مع أمكنة وأزمنة والأمر فيه كلفة إنتاجية وإبداع والذين يهربون إلى الاستديوهات الداخلية والثرثرة فالنتائج بطبيعة الحال لن تكون مدهشة.
كما تحدثت الكاتبة المصرية د. رباب حسين من القاهرة، حيث طرحت عدة نقاط معتبرة أن زمن عنصر مهم في الحبكة وهو كذلك يكمل المكان وعدة عناصر وهنا لابد أن نُحس أيضا بإيقاع كل لحظة وكذلك تلعب الثقافة والعادات دورها فلكل حقبة تاريخية زيها وملبسها وتفاصيل مكانية متميزة والعلاقات بين كل الأفراد والأماكن والأزمنة.
ونفهم من كلامها أن هناك حكايات تولد بزمن ما كبعض العادات عند الفراعنة مثلا موت ملك أو مولد ملك وكذلك في أغلب الحضارات نشأت ملاحم وأساطير مع نشوب حروب أو نهايتها أو حدوث كوارث كونية، ولدى كل شعب وحضارة تواريخ وأزمنة ولحظات من الأزمنة مقدسة.
كما طرحت عدة أسئلة التسلسل الزمني للحبكة بشكل منطقي أم تفتيته وللذين يستخدمون الفلاش باك بشكل اعتباطي دون وعي لخطورته وفاعليته فهم يضعفون أعمالهم.
وبحسب وجهة نظرها فالأسراف في الفلاش باك قد لا يخدع المتفرج بأحداث لا علاقة لها أو ضخ معلومات وحشو ممل أي أن أي استرجاع لزمن وحدث ما يجب أن يعطي دلالات جمالية وفنية وتكرار مشهد ما من الماضي بنفس التفاصيل والأسلوب والمحتوى يعد مضيعة لوقت الجمهور وسخرية منه.
تحدث أيضا الفنان اليمني يوسف هبة من الجزائر، وهو يرى أن الأدوات التقنية بيد المخرج المسرحي أو السينمائي سلاحا دو حدين فهو قادر أن يرسم بها الزمن ويحركه وقد تحدث النكبة في حال فشله، المكملات وأشياء بسيطة مثل المؤثرات الصوتية يمكن أن تخلق حالة زمنية خاصة مؤثرة ولا يمكن فصل الزمن عن المكان فنحن مع معادلة يصيغها المبدع.
تعددت التعقيبات والمداخلات ويمكننا أن نخرج بعدة نقاط مهمة
نوهت الندوة لأهمية عنصر الزمن كأحد أهم العناصر الدرامية الديناميكية ويستدعي هذا أن يعي المخرج السينمائي والمسرحي بخطورتة ويسأل نفسه الكثير من الأسئلة مع كل حدث وحالة ولحظة زمنية فلا شيء يأتي صدفة دون وعي.
حدثت وتحدث تأثيرات متبادلة بين الأدب والسينما والمسرح بما يخص تقنيات السرد والزمن وتوجد نزعة عصرية جديدة كسرت الكثير من التنظيرات والقواعد الكلاسيكية.
السينما والمسرح من الفنون الإبداعية المهمة التي وثقت وتوثق أزمنة ولحظات حياتية وتورشف ثقافات وأمكنة ويظل لكل مخرج اسلوبه وهناك من يعكس الظاهر من الجغرافيا والزمن لكنه يغوص في النفس الإنسانية ويصبغ عليها ذاتيته وفلسفته.
يوجد قصور لحد التخلف العربي بما يخص أفلام الخيال العلمي الخارقة للزمن ومن أسباب هذا الكلفة المادية وكذلك التقنية العالية لهذه الأفلام.
تم مناقشة قدرة المسرح الخلاقة وأن المسرح العربي يواجه تحديات جمه ولذلك يتحمل الممثل في أغلب الأحيان جهدا مضاعفا وكبيرا في كل مواجهة مسرحية والممثل المبدع يعكس حالات زمنية متعددة وقد لا يجد التقنية الداعمة وهو من يحاسب عند أي فشل.
اوصت الندوة بضرورة مناقشة موضوع الزمن وأن يهتم النقد وأن يتعمق في جوهر الأعمال الفنية ولا يكتفي بالوصف الشكلي.
ثم ختم حميد عقبي الندوة شاكرا كل المشاركات والمشاركين منوها أن موضوع الندوة السادسة سوف تتناول الحوار في السينما والمسرح وقال عقبي : نعتبر اقامة خمس ندوات أمرا مهما وحيويا خصوصا أنها تكتسب الجدية والمتابعة وهنا يؤكد المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح أنه يواصل بخلق مبادرات وبرامج وملتقيات تحاول أن تمد الجسور الفنية وبغض النظر عن ضعف الامكانيات وقلة المال إلا أن السمعة التي يتمتع بها المنتدى وما يحققه يأتي بفضل الشراكات الإبداعية وانفتاحه ليكون فضاءً إبداعيا للجميع وهو يرحب بالجميع أيضا.