مفهوم الرقص الدرامي (لغة الجسد)/ د.عمار عبد سلمان محمد و أ. كمال عبد الله كاظم العامري
يعتبر الرقص الدرامي احدى لغات الجسد و احدى وسائل التعبير الفنية التي امتدت جذورها منذ النشأة الاولى للمسرحية وللمسرح بصورة عامة عند الاغريق , اثناء الممارسات الطقسية احتفالا بأعياد (باخوس) , وكذلك في الحقبة الرومانية اذ كانت تقدم الرقصات امام الاباطرة احتفاء بالانتصارات ولتسلية الملوك والعظماء في تلك الفترة , وكذلك في عصر النهضة اذ كانت تقام رقصات الفالص والباليه في بلاطات القصور الملكية . واشتهرت من خلاله فرق فنية مثل (كوميدي فرنسيس) وفرقة مسرح (كلوب) .
اما في القرن العشرين فقد اصبح الرقص احدى ثقافات الشعوب , واتسعت تطورا حتى اصبح لها ورش ومعاهد للتدريب ومن رواد الرقص الدرامي ( لغة الجسد- كيروغراف ) العالمي , بينا باوش , وايريان منوشكين , مارثا ابراهام , اما على المستوى العربي فكانت , مجد القصص وكلثوم امين وعلى مستوى العراق طلعت السماوي و انس عبد الصمد .
ولسهوله توفر مصادر المسرح العالمي تناول الكاتب احدي رموز الرقص الدراما العالمي وهي ( مارثا ابراهام) اذ عملت مارثا في ورشتها على الابتعاد عن القيود الشكلية التي كانت متبعة في الرقص الكلاسيكي من خلال تقنية جسدية معينة من خلال استعراض تاريخ الجسد الإنساني يهدف إلى تحرير الجسد من كل القيود الاجتماعية والبيولوجية والنفسية باعتباره أيضا عالما له كيان مستقل وأداة اتصال مع المتلقين معتمدة على الأصول الأولى للطقوس الدينية التي تُعدُ المنابع الأولى للفن الإنساني بشكل عام .
وقد طورت مارثا في ورشتها تقنيات التوازن باستعمال ” الحركة ذات التأثير القوي , وفي التوكيد الحاد للحركة ثم الارتداد عنها كالضربة القوية للإقدام الحافية في لحظة تغيير الوزن , وفي الضربة الخفيفة كتوكيد ميلان الجسد باتجاهات مختلفة “(1)
تسعى مارثا في تعاملها مع الجسد للتخلص من رواسب القيود الثقافية والاجتماعية كافة التي وجد الإنسان نفسه محاصرا بها والبحث عن لغة الجسد الحركية مختصرة بذلك الكثير من التسلسل المنطقي للأحداث بالاعتماد على الحركة حيث تذكر مارثا ” توجد هناك ضرورة للحركة عندما لا تفي الكلمات بالمطلوب ” (2) .
وفي إعداد الممثل لا تطلب مارثا من الممثل أداء الدور في المسرح الراقص* من خلال خبرته الذاتية الفردية والشخصية البحتة التي تأتي من خلال التمارين والتدريب فضلا عن الخبرة المتراكمة في استغلال تطويع الممثل لجسده نحو التعبير الحركي ” ولكنه معني بنقل الخبرات والمدركات الحسية والاستبصارات “(3) باعتماد صيغ من التقطيع ( المرن للجسد ). فضلاً عما تقدم هنالك تقنية التعبير عند الممثل تأخذ مداها في ” استكشاف الوظيفة التعبيرية للرقص الذي يعتمد على تصميم المتقن لحركات الراقصين , بحيث تشكل إيماءاتهم شبكة من الدلالات التي يتم توليدها من اجل إيصالها إلى المتلقين “(4).
اهتمت مارثا بالحركة بوصفها تعبيراً عن القوى الانفعالية التي تجسد بإشكال جسدية مختلفة لذا كان اهتمام مارثا في إعدادها للممثل هو الاهتمام ” بنوعية من الحركات ترتبط بإيقاعات الموسيقى ( النقر والقرع ) , تلك الحركات غير المعتادة للجسد , مثل حركة الانحناءات الإنسانية الحادة في اتجاهات مختلفة “(5) التي تختلف بشكل جوهري عن التعبيرات الجسدية في فن البالية الذي يبني الخطوط والتكوينات الجمالية الهندسية لحركة الراقص بينما عند مارثا كان للتعبير الانفعالي المعبر عن حركة الجسد لدى الممثل هو الهدف بغض النظر عن جمالية الحركة وهندستها .
وعلى المستوى العربي تلعب تجربة (القصص) في المسرح الحديث , ضمن خارطة التجريب في مسرحنا العربي المعاصر، والتي توجهت نحو البناء التشكيلي القائم على اللوحات الحركية للجسد والاشتغال على فضاء الطقس (كورغراف) , حيث تعمل (القصص) على خلق رسم اللوحات عبر الإضاءة والموسيقى والبناء الإيقاعي الأدائي للممثل . ففي عرضها الأبيض والأسود “ركزت على حركة الجسد والتعبير المقرون بديناميكية هذه الحركة في بنائية اللوحة لأجل حصول حالة الإبهار المترابطة مع الموسيقى والإنارة وكل المفردات من رقص وغناء حتى يتم الاندماج بين العرض والمتلقـــي ” (6).
كل ذلك لأجل صناعة فضاء طقسي بعد أن حيّدت المنظر، واعتمدت على بناء سينوغرافي يوحي بطبيعة الموضوعات المهيمنة في فضاء العرض الطقسي دون تحديدها أو إرجاعها إلى بنية نص أدبي من حبكة وخطاب لغوي حواري منطلقة من مفاهيم نظرية مسرح فيزيائية الجسد ، والذي يكون, قائم على مزج ما بعد الحداثة في المسرح، وما بعد الحداثة في الرقص , وأساس هذا العلم قام على أساس التجريب في الجسد والعودة إلى الجذور من اجل تجديد المسرح ومنحه حياة بين أشكال الفنون الأخرى. لا يمكن وصفه بمسرح الصورة، وان كان للصورة دور كبير في تشكيله، ولكن الأساس أن تكون لغة الجسد هي الغالبة على الخشبة أي يمكن أن نقدم عروضا كاملة بلا حوار، ويمكن تقديم بعض الحوار (7)
أن تجربة (القصص ) , تقوم على السرد البصري و تعمل على تحرير الجسد عن طريق الرقص, لتوليد علامات , يقوم المتلقي بتحليل تلك الدلالات , إذ يعد الجسد لدى (القصص) طاقة مولدة للدلالات القابلة للتأويل , بمصاحبة الموسيقى والضوء والمنظر التجريدي الإيحائي, وهي مشابهة لتجربة (ارتو) في التفكيك والتفسير وإنتاج المعنى .
ومن السمات الواضحة في تجربتها مع ممثلين فرقة (المسرح الحديث) , بأنها لا تنحاز للنص , وإنما تقوم بتحويله إلى ارتجالات جسدية يحمل عدة موضوعات وصور مركبة , وحركات راقصة لتشكيل لوحات مشهديه .
وخلاصة لما ورد أن الرقص أصبح وسيلة للتواصل ولغة تعكس ثقافة المجتمعات والشعوب و ما الرقص ألا ثقافة حركية رياضية .
الإحـــالات:
(1) افنز , جيمز رووز : المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى بيتر بروك , تر أنعام نجم – بغداد – ( دار المأمون للترجمة والنشر ) – 2007., ص140 .
(2): افنز , جيمز رووز : مصدر سابق , ص141 .
* – تم التأسيس للمسرح الراقص منذ بداية القرن العشرين ابتداءا من الأمريكية ايزادورا دنكن ومارثا ابراهام وميرسي كننغهام وصولا الى الالمانية بينا باوش وهو مسرح درامي في المقام الاول بيد ان الذي يميزه عن الدراما بشكلها التقليدي والحديث هو ان المسرح الراقص يختزل الدراما في التعبير الجسدي الراقص الذي يعتمد الجسد مستعرضا بذلك تاريخ الجسد ورموزه وايماءاته – للمزيد ينظر الى – القصص , مجد :, مدخل إلى المصطلحات والمذاهب – الأردن ( منشورات أمانة عمان , مطبعة الروزنا ) – 2006. ص178-179 .
(3): منصور , مصطفى : مفهوم العرض المسرحي في ضوء التجريب المعاصر , مجلة الفصول , العدد الاول , المجلد الرابع عشر , ( مصر , الهيئة المصرية للكتاب , 1995 ) , ص32 .
(4): الكاشف , مدحت : اللغة الجسدية للممثل , مصر ( مطابع التجارية , قيلوب ) – 2006., ص137 .
(5): الكاشف , مدحت : المصدر نفسه , ص138 .
(6): مؤيد داود البصام : ابيض واسود مسرحة فيزياء الجسد في الحرب (صحيفة الزمان الدولية ، العدد 3050، بتاريخ 19/7/2008) ، ص 12
(7) ينظر: مجد القصص : المسرح السهل يضعنا على هامش الحضارة ، حوار: مؤيد البصام ،( جريدة الزمان الدولية ، العدد 3101 ، بتاريخ 16/9/2008 ) ، ص11.