جماليات الحكاية المعاصرة في نصوص مسرح الطفل ومسرح الدمى / د . سعد عزيز عبد الصاحب
تشترع الكاتبة (زينب عبد الامير) في مسرحيتيها “رحلة زمن عبر الزمن”و “علاء الدين والكتاب السحري” فضاءا جماليا متعالقا ومتناصا مع ادب الرحلات وهو ادب معروف كتب فيه (لويس كارول) قصة (اليس في بلاد العجائب)وكذلك (ماركو بولو)و (تشارلز دارون) والسارد الشعبي في (الليالي) بحكايات السندباد ورحلاته السبعة .. الا اننا في المسرحيتين ننفتح على خطاب درامي معاصر ففي مسرحية (رحلة زمن) نقرأ توظيفا دراميا مائزا لمسائل النظرية العلمية في الكتابة لمسرح الطفل ، حيث سهلت المسرحية فهم مضمون النظرية النسبية لـ(انشتاين) من خلال رحلة زمن الى العالم الخارجي (الفضائي) فكأننا امام مسرحية من الخيال العلمي ممزوجة ببرقشات ملونة وتعالقات منفتحة على التراث العربي كسندباد الليالي ، فشخصية (سايباد) هو حفيد مسلسل للسندباد الشعبي يشرح سيرته ومرجعياته الراوي في المسرحية ،
تهدف المؤلفة من ذلك ان لا تبعد الطفل عن جذوره التراثية والاسطورية من جانب وتأخذه الى فضاءات الحداثة والمعاصرة والتكنولوجيا من جانب اخر ، حيث تنظر زمن الى المستقبل وتحلم في ان تنتقل اليه وتتعرف عليه لترى في رحلة فضائية عجائبية ان الارض قد خربت وسكانها رحلوا الى كوكب اخر .. في افتراض درامي متخيل يدعو اطفالنا ان تفكر في بناء الارض والطبيعة والانسان قبل كل شئ كي لا يدمر كوكبنا الجميل ، ومن الاشارات الفنية الواعية والذكية في المسرحية هي حالات كسر الايهام التي تلعبها شخصية المؤلف في اختفاءه وتلصصه في مشهد (سايباد)و(زمن) وتعريف الاطفال بأن العرض الذي امامهم بسحره وفضاءاته الخيالية هو تمثيل وليس من قبيل الحقيقة وهذا بتصوري مهم جدا لتغذية الجانب الذهني لدى الطفل بمعنى ان شخصية (سايباد) والعالم الخارجي الفضائي قد يثير الخوف والهلع والشطح في الخيال السلبي لدى الاطفال ، حين يغمز المؤلف ضاحكا للجمهور وبيده مقاليد الحبكة المسرحية ويكون بذلك قد اثار وعي الطفل وادراكه العقلي ، اما في مسرحية (علاء الدين والكتاب السحري)
تنفتح المؤلفة على حكاية اطارية جديدة وماتعة ثيمتها الرئيسة هي عودة الطفل للكتاب بوصفه المعين المعرفي والثقافي له والتقليل من اهمية التقنيات الرقمية والعاب (البوبجي) وما شابه ، والادمان المرضي عليها والاثار السلبية (نفسية وجسدية) التي تتركها على اطفالنا ، اضافة الى ان رحلة (علاء) هي رحلة معرفية في الجغرافيا والتراث الوطني المسكوت عنه والمضمر ، مما يكسب الطفل معرفة وثقافة بتضاريس بلاده وذلك من خلال تقنية (الرحلة) ايضا فالصراع على اشده بين التكنولوجيا والتقانة من جهة والتراث من جهة اخرى ،هو صراع ازلي تأريخي على الانسان ان يخلق توازنا في العلاقة بين الوسائل الكلاسيكية للمعرفة كـ(الكتاب)و (المخطوطات) و(الخرائط) وبين التكنولوجيا الرقمية ، ان المدخل الواقعي للحكاية الاطارية جاء محببا لذهنية الطفل في علاقة (علاء) بأبويه المشغولين دوما بموبايلاتهم الذكية في حين هو يبحث عن رحلة مدهشة في بطون التراث يرشده جده الى الكتاب المسحور الذي هو بديل وظيفي عن البساط السحري في حكايات الليالي وجاء اختيار كربلاء كمحطة للرحلة اختيارا موفقا لكثرة المعالم الحضارية والتراثية والعقائدية فيها ومن الممكن التعريف بها ،
وهناك بعض الملاحظات البسيطة التي لا تؤثر على السياق الدرامي والابداعي الذي اختارته المؤلفة لنصها (علاء الدين والكتاب المسحور) فمثلا اجد من الضروري عدم اشراك شخصية حمدان / الراوي في الدفاع عن (علاء) بوجه شخصيات (تقون ووحود وصفور) لان شخصية الراوي في بعض مسرحيات الطفل من الضروري أن تكون مستقلة عن الحدث قدر الامكان الا في بعض النواحي الارشادية والتعليمية والتربوية ، وثانيا حوار الكتاب السحري لا يوجه للجمهور مباشرة والذي نصه : ـ سأقول لكم حكمة عظيمة .. ليس عليكم ان تحرقوا الكتب لتدمروا حضارة فقط اجعلوا الناس تكف عن قراءتها .. هذا الحوار ينتقل الى مشهد الصراع بين (تقون ووحود وصفور وعلاء) والكتاب السحري ويكون رسالة للاشرار على لسانه .. وفي المسرحية الثالثة (جرس حقي) تنفتح المؤلفة على مسألة (الحرية) وكيف يتم تقييدها بالنظام او تنظيم حركتها بالنظام والثيمة هذه مهمة جدا للاطفال لاسيما بعد استغراقهم باللعب مع الاجهزة الذكية لفترات طويلة لا يحدها حد ! وتنبثق الرسالة التربوية للمسرحية من فضاء المدرسة نفسه حيث شخصيات (حقي) وزميله (عادل) والمعلم وصاحب الحانوت ومواقف فيها تمردات حقي على النظام فالاكل على حساب وقت دخول الدرس .. ثم ينتقل الحدث الدرامي الى البيت حيث يجلس حقي مع حاسوبه وبعد فترة طويلة من اللعب نام على حاسوبه الذي تنهض وتخرج منه شخصيتي آلي وآلية ، وبنظام التغذية الراجعة يعاد ترتيب ذهن الطفل (حقي) من خلال ادخاله في رحلة الى مدينة الآليين حين يضيق ذرعا بالنظام الصارم في رحلة افتراضية في الحلم يتعلم منها ان النظام والحرية صنوان لا يفترقان ،
والمسرحية الرابعة مسرحية دمى بعنوان (فارس المشاكس والورقة العجيبة) وهي من مسرحيات الخيال العلمي أيضا وتقوم حكايتها على أن الطفل فارس طفل مشاكس يقطع الاشجار والاغصان والاوراق بسيفه وهو اشبه بدونكيشوت السرفانتسي في محاربته طواحين الهواء مع اختلاف المعنى والهدف في كلا المسرحيتين ، يقوم فارس بعد ان تناول طعام الغداء بالنوم وينتقل الحدث الى عالم اخر تدخل فيه شخصيات (ورّوقة وقطّورة وشمّوسة وكف كف اي عنصر الكلوروفيل وco2 ) في حوارية حلمية وهنا لست مع توظيف تقنية الحلم لاخراج الشخصية من عالمها وادخالها في عالم تشويقي اخر لانها اصبحت قديمة وعفى عليها الزمن وايضا لان تأثير الحلم في مسرح الدمى لخلق دهشات وتشويق وتوتر درامي من خلاله يبقى ضعيفا جدا لتعذر زج وسائط مسرحية أخرى ضوئية وصوتية وتقانات تكنولوجية فيه ، وعلى الرغم من ذلك امتلكت المسرحية لغة علمية وتربوية رشيقة بحوارات تلغرافية غير مطنبة او مسهبة نمت عن وعي مؤلفتها والمامها بالحرفة المسرحية لمسرح الدمى ،
اما المسرحية الخامسة والمعنونة (يدا بيد) والتي شارك (حسين علي هارف) المؤلفة في نسجها فهي بحق مسرحية دمى بأمتياز لما تحفل به من آليات وتقانات مسرحية لمسرح الدمى في ضوء فرضية اللعب التي تبدت بشكل صراع بين اليد اليمنى واليد اليسرى نصل فيها الى ثيمة مفادها ان اليد الواحدة لا تصفق وخطاب فيه رسائل في الوحدة الوطنية ولم الشمل من خلال حب الاخر (اليد اليمنى لليسرى)
عموما المسرحيات الخمس امتلكت عناصر ولغة مسرح الطفل البشري والدمى وخاضت المؤلفة بشجاعة في ثيمات آنية ومشكلات حاضرة وجوهرية في حياة الطفل اضافة لتوضيفها لتقانات ووسائط مسرحية وسينمائية حديثة وأنتاجها للتواصلية مع الطفل بفرضيات واساليب اللعب والارتجال وكسر الايهام وتقانات كتابي كـ(الرحلة) و(الحلم) بمعالجات فنية متنوعة غذت عناصر التشويق والادهاش والتوتر لدى الطفل اضافة للنواحي التربوية والتعليمية برسائل ذات قيمة تنويرية وجمالية عالية .