بالمغرب: بيان الدورة الاستثنائية للمجلس المركزي للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية
الدار البيضاء- فاتح فبراير 2020
عقدت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية مجلسها المركزي في دورة استثنائية يوم السبت 01 فبراير 2020 بدار المحامي بمدينة الدار البيضاء، تحت شعار “لنرفع الستار على فصل جديد”، لدراسة مستجدات الساحة المسرحية الوطنية وتفاعلاتها، ولتحديد مهام المرحلة.
وبعد استعراض المجلس لمختلف مظاهر التراجع التي يعرفها الموسم المسرحي والساحة الفنية عموما، من جراء مقاربات الوزارة أحادية الجانب، وانعكاساتها وتداعياتها، ولا سيما في جوانبها المهنية، وتأثيرها على انتظام الممارسة ومسار تجويد الحياة الثقافية المغربية عموما؛
وبعد تحليله للأبعاد المختلفة لهذا الوضع، يسجل المجلس المركزي للنقابة ما يلي:
– يتبنى المجلس جملة وتفصيلا مضامين بياني المكتب الوطني للنقابة، الصادرين بتاريخ السبت 11 يناير 2020 والأحد 19 يناير 2020 من تحليل ومواقف وتوجهات؛
– يؤكد أن الحوار الجاد بين السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة، وبين نقابتنا، وحده الكفيل بإيجاد الصيغ الملائمة لتجاوز وضعية الأزمة وصيانة المكتسبات وتعزيزها؛
– يعتبر المجلس أن الحوار الناجع لن يتم عبر لقاءات مناسباتية وشكلية لامتصاص التوتر، وإنما هو منهجية عمل ممتدة في الزمن وفق هدفية مسطرة بدقة وبرنامج واضح المعالم، وآليات قائمة أولا على معيار الوزن التنظيمي، وإعمال التحليل والدراسة والتقويم، بشكل مشترك، للوقائع والمقترحات والبدائل الممكنة، بغية الوصول إلى أجود الصيغ وأنجعها وتحمل مسؤولية تفعيلها في إطار تعاقدي ملزم لكل الأطراف، يحدد الحقوق والواجبات ومعايير التقويم والمحاسبة، ورهان الزمن والظرفية.
وفي أفق مواصلة ترسيخ وإغناء أسس هذا الحوار، يؤكد المجلس المركزي على ما يلي:
• إن المصلحة العليا للوطن، في هذه الظرفية التي دعا فيها عاهل البلاد إلى إقرار نموذج تنموي جديد، يطلق ديناميات الإبداع والابتكار، تقتضي، في نظرنا، تبني السلطات الحكومية ممارسات فضلى تقطع مع الأساليب العقيمة التي لم يجن منها البلد إلا مزيدا من إهدار الزمن وبالتالي تضييع الفرص وتبديد الطاقات والمس بالتراكمات الإيجابية وعدم استثمار المؤهلات القائمة.
وفي هذا الصدد، تعتبر النقابة أن مطالبها واقتراحاتها، فيما يخص السياسات الثقافية، في قطاعات: المسرح، السمعي البصري، حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الحماية الاجتماعية لمهنيي الفنون، تنظيم ممارسة المهن الفنية… هي مقاربات متشابكة ومندمجة ومرتبطة ببعضها وغير قابلة للانتقاء. وأنها تساهم في إعادة إطلاق دينامية بناء سياسة ثقافية متكاملة ومنخرطة في التنمية الشاملة للبلاد.
• إن النقابة تدرك أن عبء وضع وتفعيل السياسة الثقافية الناجعة لا يمكن أن يقع على عاتق وزارة الثقافة وحدها، بل هو موضوع عرضاني أفقيا وعموديا، مركزيا ولا مركزيا؛ غير أن هذه العرضانية لا تعفي الوزارة الوصية من مسؤولية قيادة الدينامية المؤدية إلى هذه السياسة عبر تعبئة الفاعلين الآخرين ذوي الصلة وتنسيق تدخلاتهم في إطار تعاقد وطني واسع.
• تؤكد النقابة على أن أي نقاش حول ربط السياسة الثقافية الوطنية بالصناعات الثقافية، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن ينطلق من كون هذا الربط رهينا بالتراجع عن مبدإ الخدمة الثقافية العمومية، التي ينبغي أن تظل العنصر الأساسي المحرك للدينامية الذاتية لهذه الصناعات، باعتبار الدولة محفزا لها عن طريق دعم الإبداع وزبونا رئيسيا لها عبر ما تقدمه من خدمات ثقافية موجهة للعموم، الأمر الذي يقود حتما إلى بروز تلقائي لسوق ثقافية تتخذ فيه بعض الأعمال بعدا اقتصاديا مهما وبمردودية، وفقا لخصوصية الصناعات الثقافية ونموذجها الاقتصادي كما هو متعارف عليه دوليا.
كما أن هناك إجراءات أخرى ينبغي القيام بها تهم تشجيع الاستثمار في المجال الثقافي، وتحديد الحقول الثقافية الفاعلة اقتصاديا ومواكبتها، دون المساس بحقول أخرى ذات أبعاد قيمية – ثقافية مراعاة لخصوصية العمل الثقافي ذي الأهداف المتنوعة.
وانطلاقا من هذه الأسس، واستحضارا لوثائق ومخرجات المؤتمر الوطني السابع للنقابة، والمضامين القوية للتقرير التوجيهي الذي ألقاه رئيس النقابة باسم المكتب الوطني في الجلسة الافتتاحية لهاته الدورة، واستنادا على مشروع المذكرة المطلبية التي تداولت فيها الدورة الاستثنائية، وتمت المصادقة عليها بالإجماع، يعلن المجلس المركزي للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية ما يلي:
1. الرفض التام لسلوك ضرب مبدإ الاستمرارية في جوانبها الإيجابية، والتلويح بإعادة العداد إلى الصفر كلما شُكلت حكومة أو عُدِّلت، وهذا ما يفضي إلى افتعال أزمات في المشهد المسرحي هو في غنى عنها، مما يؤدي موضوعيا إلى اعتبارها سعيا إلى إجهاض تطور المسرح المغربي، في وقت يعرف فيه جزء مهم من منجزه توهجا وإشعاعا كبيرين وطنيا ودوليا.
2. الإدانة الشديدة للاستمرار المتعمد لمظاهر الحيف التي تعرفها معظم المؤسسات ذات الصلة بالإنتاج الفني، ولا سيما السمعي البصري، في علاقتها مع الشغيلة الفنية، بإهدار حقوقها، من خلال الإمعان في فرض عقود الغبن عليها والاستغلال الفاحش لوضعية الهشاشة وقلة فرص الشغل؛ مما يلزم السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع تحملها لمسؤوليتها بفرض احترام القانون وتطبيقه بشكل تام.
3. التأكيد على أن الدعم العمومي الموجه للثقافة والفنون بما في ذلك المسرح، ليس موجها إلى دعم المهنيين العاملين في القطاع، في حد ذاتهم – كما يتم الترويج لذلك – بل هو موجه في جوهره إلى تعزيز الخدمات الثقافية المقدمة للمواطنات والمواطنين، لتسهيل وصولها إليهم وتيسير مسالك ولوجيتهم لها.
وإن مهنيي القطاع، في علاقتهم بالدعم العمومي، هم قنوات وآليات إنجاز وإيصال هذه الخدمات التي تكلفهم جهدا مضاعفا في الإبداع والإنتاج والتنظيم والعرض؛ إضافة إلى كونهم يتحملون جزأ من تبعات التكلفة يصل حاليا إلى نسبة أربعين في المائة، وقد يفوقها في حالات كثيرة، وهي تكلفة تنهك كاهل المهنيين وتستنزف طاقاتهم علاوة على معضلة تأخر الإعلان عن طلبات العروض، وعدم وفاء الوزارة بالتزامها في صرف دفعات الدعم في وقتها، مما يربك كل مجهودات بلوغ موسم ثقافي فني منتظم، وإن هذا ليقتضي العمل بتقييم وتقويم جديدين لتكلفة الخدمات الثقافية المدعمة انطلاقا من المعطيات المذكورة، وإيجاد شروط الندية والتوازن المنصف في العقود المبرمة بين الوزارة والمهنيين، تقوم أساسا على احترام مجهودهم بصفتهم شركاء للوزارة في تنفيذ مهامها الدستورية، وما كانوا ولن يكونوا مجرد طالبي إحسان أو ريع.
4. الإلحاح على أن كل إصلاح لمنظومة الدعم ينبغي أن يشمل تنويع الشبابيك وإقرار تدابير مصاحبة تهم تسويق المنتجات المسرحية وإيصالها إلى الجمهور كخدمة ثقافية في أحسن الظروف، وربط علاقات منتظمة وفعالة بين الجمهور والعروض المسرحية، من خلال مواكبة وإعادة توجيه برنامج دعم التوطين والفرق المسرحية المسند إليها تنفيذه.
وفي انتظار اكتمال الشروط الموضوعية والذاتية، لنقاش جدي ومسؤول وفق برنامج محدد في الوسائل والغايات، فإن النقابة تطالب بكل إلحاح تفاعل الوزارة السريع مع ما يلي:
– الإفراج عن الموسم المسرحي لسنة 2020 الذي ما زالت الوزارة تحجر عليه دون مبرر معلوم – تلافيا لسنة مسرحية بيضاء تلوح في الأفق – وذلك بالإطلاق الفوري لبرنامج الدعم بتعديلات تقنية جزئية كما هو معمول به عند بداية كل موسم، على أن تتم – وهذا هو الأهم- مباشرة الجلسات مع المهنيين من أجل إصلاح وتطوير المنظومة في فلسفتها وأبعادها وآلياتها الشاملة، في أفق الموسم المسرحي المقبل لسنة 2021، ضمانا لفعالية الإصلاح وجودة مخرجاته، مما سينعكس إيجابا على انتظام الموسم المسرحي وحصيلته الفنية والثقافية.
– ضرورة التعجيل بإصدار قانون التكفل بالفنانين الرواد الذي يحدث بموجبه حساب خاص لهذا الغرض في قانون المالية، انطلاقا من اعتبار هذا المطلب قضية حقوقية صميمة، تدخل في نطاق جبر أضرار الماضي التي لم يكن للفنانين الرواد يد فيها، وإنما هي من صميم مسؤولية الدولة التي لم تضع في الماضي أي نظام لتمكينهم من المساهمة في تأمين تقاعدهم وتغطيتهم الصحية.
– ضرورة الإسراع بالحسم في مسألة الحماية الاجتماعية للفنانين، مع الأخذ بعين الاعتبار خلاصات الورشة الدولية التي نظمتها النقابة بمشاركة القطاعات الحكومية المعنية وخبرات وطنية ودولية. ومنظمات مهنية شريكة.
وفي الختام، وإذ يتوجه المجلس المركزي بعبارات التقدير للمهنيين من مختلف الأجيال والحساسيات، وكذا الهيئات الحليفة، على المواقف النبيلة المعبر عنها في هذه المرحلة، والتي وجدت صداها لدى الرأي العام بفضل منابر الصحافة والإعلام والتواصل، فإن المجلس يجدد دعمه للمكتب الوطني في ما سيتم اتخاذه من خطوات، وما سيعبر عنه من مواقف، ويفوض له اتخاذ جميع التدابير المناسبة لقيادة المرحلة في سياق كل التطورات المحتملة، ويعبر عن استمرار تعبئة كافة القواعد النقابية واستعدادها للدفاع بكل الصيغ عن مكتسبات مهنيي الفنون الدرامية ووقوفها بحزم وقوة في وجه كل مساس بها أو تراجع عنها، واتخاذ الخطوات النضالية التي تفرضها المرحلة.
عاشت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية،
إطارا ديمقراطيا تشاركيا مستقلا، جادا ومسؤولا.
وحرر بالدار البيضاء بتاريخ فاتح فبراير 2020