مسيرة فنان: حسين السلمان ـــ أنموذجا / حميد السوداني

قراءة كاملة لمفردات ابداع الفنان حسين السلمان خلال الاربعين عاما الماضية يؤكد مفهوم  جماعي يختصر امكانية ان لا يكون ضمن العدد الكثير من مبدعينا  الذين ابتعدوا عن الاختصاص الدقيق ورحلوا الى الشامل الواسع ، وهي حقيقة كل ما نفكر فيه، حقيقة التخلف المستمر في تقنيات الفن اولا ، ووجود مساحات كبيرة للتحول من مشروع الى آخر..
ويعتقد البعض ان هذه الشمولية خاطئة في وضعنا هذا، وربما يتحول النقد الى جرح البعض او الكل لما آلت اليه قنوات المعرفة الفنية والادبية عند جماعات الاختصاص الاكاديمي العالي.
وتبدو العلاقة بين ما هو فني وما هو ادبي مرتبطة في كل شيء وخاصة في مجال المسرح والنص والسينما والسيناريو والاغنية والقصيدة والرسم والنظرية الابداعية ، ولهذا فان مجرد قراءة محايدة للمسرحي حسين السلمان ، ممثلا ، مخرجا ، كاتبا، في بداية خطواته الاولى في معهد الفنون الجميلة تبدو مثمرة وخصبة لذاته التي تطورت رغم عدم الاستشهاد بامكانياته في البداية ، اقصد بداية السنوات العشر الاولى من حركته الفنية والتي هي ترجمة تصاعدية مقارنه لكل زملائه سواء بهذا الاختصاص او غيره ، عدا بعض النقود المؤثرة في العمل الابداعي عرضا وتطبيقا .
وبما ان الطالب المسرحي هو قارئ جيد ليس في العراق بل وفي كل انحاء العالم قياسا لمفهوم عدد المبدعين والتواصل مع الثقافة الفنية والادبية وكذلك السياسة بشكل عام  وما مر على الحياة الاجتماعية لهذه البلدان من تحولات ثورية او قمعية ادت بالنتيجة الى الاحساس المرهف والواعي لما يحدث وما حدث وبالتالي فالهوية الاخيرة والبارزة في الوسط الفني والثقافي للفنان حسين السلمان هو ممثلا.. مخرجا ..كاتبا ..وربما سياسيا اذا مالت رغبته الى ذلك .
هناك من يجعل لهذا المفهوم شكا لهذه المقاربة ، وصعوبة تتبع فريق معين او عدة فرق لهذا الانتماء الذي نحن بصدد توقيع راينا العام الذي يبرز فيه الفنان حسين السلمان كانموذج لهذا المفهوم الفني الابداعي  في خلق جيل على الورق فتحت لهم طرق لحقول كانت بالاصل يابسة ، وبهذا التدخل الفني النظيف ،او المشوه ،فهو تقليد صار نهجا للخريجين من المعاهد والكليات الفنية ..ولكن كيف!!!..
في اواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي خرج العديد من خريجي فنون المسرح ، ولا اريد التوسع الى خارج العراق لدراسة الفن المسرحي الحديث، وفي مواقع هذا الفن وما يلحق من صالات عرض سينمائية ودروس ونصوص وزملاء من الطلاب والمدرسين، وما هو الاهم تحول الاختصاص من المسرح لدراسة السينما، والفنان حسين السلمان يمثل بجدارة هذه الحالة ،وعودة البعض الى الوطن حدث ما هو متوقع .. فقد ادت هذه الظاهرة الى كثرة الممارسة النظرية وغياب الانتاج ،ظروف الحرب وعدم قناعة المسوؤل  بمسيرة  هذا الفنان او ذاك، ولهذا طبقت مقولة الناقد السينمائي( روجر ابرت) :” لا علاقة للتامل النظري للافلام بالفيلم السينمائي نفسه” فقد انتج عدد من افلام الحرب وروايات سياسية لمخرج واحد او على عدد الاصابع ، سينما واقعية كلاسيكية بطيئة لم يصل مستواها للمهرجانات العالمية .
وفي كتابه( التطور الابداعي للسينما) يذكر السلمان في مقدمة مكثفة وقصيرة : “ان لكل كتاب مهمات ووظائف، وكذلك مهمة نقل المعرفة الانسانية للانسان ذاته باعتباره منتجها ومستهلكها في آن واحد…”وكذلك يعترف المخرج والكاتب حسين السلمان في نفس الوقت بان هذا الكتاب اوغيره سواء في التاليف او الترجمة هوسد الحاجة الماسة للمكتبة العراقية الفقيرة لهذا النوع من العناوين..
وعلى الرغم من كتابة نصوص مسرحية عدة للسلمان التي قدمت على مسارح بغداد وبعض المحافظات ونشرت على موقع الانترنيت وعدد كبير من المقالات والدراسات والبحوث في الصحف والمجلات الثقافية فان دار الشوؤن الثقافية اصدرت له العدد (36) من الموسوعة الثقافية كتاب( قراءات في الفرضية الجمالية للسينما)..والعدد(84) (التطور الابداعي في السينما)..وكذلك مجموعة سيناريوهات  باسم ( تحت ظلال الزقورة )، كما ان وزارة التربية كلفته بتاليف  مجموعة كتب باختصاصات السينما كمناهج لطلبة معاهد الفنون الجميلة في العراق ، كما يصدر له كتاب سينمائي جديد ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية2013 اضافة الى مشروعه الكبير باخراج الفيلم السينمائي ( يوم قتل المعلم ) الذي ينتظر اطلاق ميزانيته قريبا..
ومن خلال قراءتي لعدد من هذه المسرحيات والكتب اعلاه ، تولد لدي انطباع ربما لمشاهدتي بعض اعماله ان الفن لديه ليس الكمية من الافكار توزع بين الكاميرا ولسان الممثلين اولا وهو نفس ما ذكره (دولوز) في كتابه( الصورة ــ الزمن) : كثيرا ما يراودنا الشك بفائدة الكتب النظرية عن السينما، وخاصة اليوم لان المرحلة باتت رديئة “”
ان التحولات الذاتية التي اجتمعت عند الاستاذ السلمان ليست بغريبة عن الاخرين و لا هي محض صدفة  انما هي تفكير لما هو واقع ..فالمسرح اقل شعيبة من السينما ، وكذلك السيناريو اهم من المقالة والقصة ، ليس كتوثيق وانما وضع الحركة في الصورة والثاني وضع الحركة في الفكر كما هو الحال عند( برجسون) في كتابه( التطور الخلاق)..
كثيرا ما نتبادل الحديث عن الرؤية والرؤى الجديدة في السينما اوالتلفزيون ، يؤكد حسين السلمان ان علينا ان نتكيف مع فهم الجمهور لنا ونؤكد على المقاربة الجمالية ، ومشروع السلمان هذا يقلص حجم الغربة بالوسائل الحسية التي تثير رغبات هذا الجمهور وغيره ، وهو مدخلا لخلق علاقة جديدة ما بين الصالة والفيلم ، وهذا اجتهاد جاء من النظرية الى حيز التطبيق المتجسد في اغلب افلامه ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت