التأطير في تكوين العلاقه الثنائيه في مسرح الشارع/ بقلم :حسام الدين مسعد
يقصد بـ«التأطير» أو «الإطار» الاختيار والتركيز واستخدام عناصر بعينها في نص ما، لبناء حجة أو برهان على المشكلات ومسبباتها وتقييمها وحلولها.
والتأطير، هو المبادرة من صاحب القرار لإحاطة اي موضوع بحدود ومفاهيم يلزم منها الوصل الى غايات معينة من ذلك الموضوع مهما كانت العناوين التي يشملها ذلك الموضوع.
فإذا كنا نسعي جميعا في مسرح الشارع لتكوين علاقة ثنائيه بين المتلقي والممثل في مسرح الشارع لاسيما ان مسرح الشارع هو التفاعليه الحقيقيه المباشرة لفن المسرح. فهو المسرح الذي يذهب للمتلقي بعد دراسة ديموجرافيه وسيسيولوجيه لمتلقي هذا الشارع بقصد تكوين العلاقة الثنائيه بين ممثل مسرح الشارع و المتلقي و التي من خلالها يستطع هذا المتلقي ان يجد نفسه مشتبك ومتشابك مع العرض المقدم له في الشارع، وهنا تثور تسأولات هامة هل للتأطير دور او تأثير علي هذه العلاقه الثنائية؟ وهل من يكون صاحب القرار في التأطير الممثل ام المتلقي؟ اي من هو صاحب القرار لإحاطة موضوع العرض المسرحي بحدود ومفاهيم يلزم منها الوصل لغايات معينه ؟
وقبل الإجابة علي هذه التسأولات، وجب علينا أولا ان نسوق تعريف للممثل في مسرح الشارع يتسق مع دوره كأداة توصيلية هامة يمكنها تكوين علاقه ثنائيه تفاعلية بينه وبين المتلقي المتواجد بشكل عشوائي في مكان عرض مسرح الشارع .
فممثل مسرح الشارع هو ذلك المبدع الذي يمتلك الموهبة الصوتيه والجسديه والإدراك الحسي وردة الفعل التلقائيه الممزوجة بالخيال وبالإيدولوجيات الثقافيه والتسويقيه التي يشتبك بها مع جمهور الشارع الذي قام هذا الممثل بجذب هذا الجمهور المتجمع بشكل عشوائي لمكان العرض مستخدما ذاكرته الإنفعاليه وتجاربه الحياتيه في احداث تفاعليه تبادليه مع هذا الجمهور و في إطار زمني محدد يلزم الوصل منه إلي غايات معينه تتسق ورسالة العرض .
أي أنني أري من هذا التعريف أن إدراك المتلقي لمسرح الشارع لا يكفي وحده لإحداث التفاعلية وتكوين العلاقة الثنائيه بين المتلقي وممثل مسرح الشارع كأداة توصيليه لرسالة العرض، بل يجب ان تكون التفاعليه متبادلة بين الطرفين لا سيما ان ما يميز نصوص مسرح الشارع عن غيرها من نصوص الفرجه. ان النص في مسرح الشارع يكترث للحوار المباشر مع الجمهور مستخدما اللغتين الكلاميه والجسديه حتي لا تغيب الدلالة عن الرسالة الإساسيه للنص.
إن الخيال جزء لا يتجزأ من عملية الإبداع المسرحي، إنه يتغلغل في كل أركانها، فإذا ما استعرضنا المسرح من الناحية الوظيفية، فلسوف نجد أن الخيال هو شرط رئيس في جميع الأعمال الإبداعية المتعلقة بالمسرح الذي يتميز بجماعيته.
فلا يجب أن يسعى الممثل لاتخاذ الأداء التمثيلي كوسيلة ينقل بها كلمات النص، ولكن يتحتم عليه أن يجعل من هذا الأداء نتيجة حتمية للمشهد الذي كونه في مخيلته فيأتي الأداء فطريًا يخلو من الزيف وبالتالي يصدقه
فالممثل هو أداة مهمة جدًا من الأدوات التي يستخدمها المخرج لتنفيذ رؤيته الإخراجية، ولكن هل يعني ذلك أن الممثل يجب أن يكون أداة طيعة في يد المخرج ينفذ تعليماته وهو مسلوب الإرادة الإبداعية؟ وهل سوف يتساوى جميع الممثلين في كونهم أدوات طيعة في يد المخرجين لا يملكون أية رؤية إبداعية تميزهم عن أقرانهم؟ وبالتالي سوف يتساوى ممثل مع آخر عندما يتناوبون على نفس الدور مع المخرج ذاته؟
أتصور أن هذا التسأول الافتراضي يجافي الحقيقة، فالأصل في عمل الممثل هو الإبداع المتفرد، خاصة أن هذا الممثل لديه أدواته الخاصة التي تمكنه من تقديم رؤية إبداعية متفردة، وهذه الأدوات تتمثل في الأدوات الخارجية المتمثلة في جسده وصوته، وأدواته الداخلية المتمثلة في الذاكرة الانفعالية وغيرها من الأدوات. وفي الوقت ذاته فإن الممثل هو أداة غير مباشرة للمخرج الذي يمتلك أدوات أخرى مباشرة أهمها الخيال.
اي ان الممثل يمكنه تقديم رؤيته الإبداعية المتفردة ولكن داخل إطار الرؤية الإخراجيه التي يطرحها المخرج للعرض المسرحي. اي ان التأطير بإستخدام عناصر بعينها و تحديد اطر محدده تتعلق بفكرة النص وبالرؤية الإخراجيه للعرض يخضع له الممثل الذي يسعي كأداة توصيليه لغايات معينه تساعد علي بناء العلاقة الثنائيه بينه وبين المتلقي في مسرح الشارع، في نفس الإطار المحدد لإحداث التفاعلية المتبادله وكذلك يخضع له المخرج صاحب الرؤيه الاخراجيه للنص الذي يحوي رسالة هي في حقيقتها بنيت بعد دراسة ديموغرافيه وسيسيولوجيه للمتلقي وداخل إطار زمني محدد.
إن ما قصدته بالإطار الزمني المحدد هو ان الأفكار المطروحه لمسرح الشارع تكترث بالحياة اليوميه لمتلقي مسرح الشارع وتناقش قضاياه الآنيه في عرض مسرحي مكثف مدته لا تزيد عن عشرين دقيقه فمن غير المعقول أن يتحمل متلقي مسرح الشارع ان يقف علي قدميه مدة زمنيه طويله يتابع فيها عرضا في الشارع مهما بلغت حرفية صناعه ولأن جمهور الشارع مختلف ديموغرافيا وسيسيولوجيا .
إن اللغات ليست سوى أصوات جمالية تضاف للمشهد الفرجوي و أن المعنى الحقيقي هو ما وراء الكلمة المنطوقة بأي لغة كانت، فالأرواح تتكلم لغة واحدة والمقصود هنا هي الحوارات الداخلية التي تُفعّل دوافعنا فأحاسيسنا التي نجسدها بتعبير مرئي أو مسموع بأي شكل كان. لأن التركيز في الماورائيات التعبيرية الحسّية يوصل المعنى الحقيقي عكس الشكل الجمالي او اللفظة الصوتية الخالية من الحسّ أو الإستشعار من خلال الحواس الغير ظاهرة.
لذا انني أري أن صاحب القرار في تكوين العلاقة الثنائيه بين الممثل المتلقي في عروض مسرح الشارع ليس الممثل وحده ولا المخرج صاحب الرؤية وحده ولا حتي المؤلف الذي طرح الأفكار في نصه . انني أري أن صاحب قرار التأطير في مسرح الشارع هو المتلقي نفسه الذي هو من بادر بإقامة العلاقه الثنائيه مع صناع مسرح الشارع فأكترث لقضاياه اليوميه مؤلف بعد دراسة ديموجرافيه وسيسيولوجيه اي ان المؤلف موضوع في إطار مناقشة القضايا اليوميه وطرحها ومحاولة إيجاد حلول لها في إطار زمني محدد .
وايضا يتناول المخرج رؤية طرح هذا النص في ذات الدراسه وذات الإطار الزمني مستخدما أداة توصيليه هي الممثل والذي علي دراية تامه باطر تكوين العلاقة الثنائيه مع المتلقي الذي يعد هذا الأخير صاحب قرار وضع الأطر في مسرح الشارع