قراءة في النص المسرحي (حـــــــــذائي) للكاتب: علي العبادي/ علي الخباز
البحث في الذاكرة بموهبة تمنح الانسان جمال التفرد، والنص المسرحي (حذائي) للكاتب علي العبادي، هو بحث في ذاكرة الكون تاريخاً وحاضراً، وفي الذات (الأنا والنحن). استعراض الألم بخبرة تجريبية اعتمدت ركائز عدة، استلهمت الواقع عبر التراث والتراث عبر الواقع ذاكرة مثقوبة تسرب كل شيء من اجل استنطاق الجرح، وكان صدق الانتماء في سفر يمنح الموقف, ويطل على أهم عتبات النص النواة الأساسية العنوان الذي قد يهب التصور الأنسب لمعنى الرحلة الفكرية داخل حذاء ليصير كوناً يتحرك من الداخل والخارج في لعبة ماكرة المعالم والحذاء في عالم،
فالعنوان مضمون حمل الدلالات التعبيرية ليرسم العلاقة بينه وبين عوالم المنجز مع ما يمتلك من قوة تأثير عالية له وظيفة تحفيز المتلقي او المشاهد الى ترجمة استباقية تشغل ذهنيته تتصل في معنى ما هو موجود في ذاكرته ومعنى ينفصل عنه ليبني مقتربا آخر.
العلاقة بين (الحذاء – البيت) وهذا الامر يأخذنا الى تغريبية المكان بل تمكين عنصر المكان لجذب الاهتمام على باقي عناصر المنجز ليثير ويؤثر, المكان في هذا النص هو دلالة يتمثل بها الواقع المرير ويمثل حضوراً كبيراً في النص، فهو الملاذ الآمن وهو الشاهد الحي وهو البيت وهو الانيس وهو التابوب القسري وهو الزنزانة والقبر والمكان هو سلطان النص جميع المكونات كبرت في داخله وبه افتتحت الرؤيا ويطل على مبنى اخر للنص هو الفعل التغريبي والذي يعني يقظة الدهشة لجعل الشيء الذي يألفه المتلقي بعيدا عن النظر.
أشياء كثيرة قيلت عن التغريبية في النص المسرحي، ويرى النقاد انها عملية اشراك المتلقي في رؤية النص ليشكل وجهة نظر، والكاتب العبادي أراد من تغريبيته أن يعبر عن المشاكل الاجتماعية بصورة مغرية، وكأنه يريد أن يصدم بها المتلقي ومن ثم الشعرية في النص المسرحي منحت هذا النص فاعلية الخلق، وكونت روح النص فمنحته الحيوية والجمال، وهي أحدى اهم مرتكزات علي العبادي:(الى متى يبقى حذائي عاقرا)
او نجده يقول: (لماذا دوما يرسم الخريف على اجنحة الحلم وجوها بلا ملامح) الشعرية لا تقف عند حدود نمط الرؤيا وموقع الحدث تجاوزته الى شعرية اللغة لتصبح الشعرية عنصرا أساسيا في تشكيل اللعبة الفنية: (أنا الذي غرست الوجع جذورا نابتة في روحي) والشعرية في النص المسرحي تعني استثمار إمكانيات اللغة: (ما أقسى أن يكون قاتلك اسمك؟ اسماؤنا ليست عناوين لنا بل مقصلة لأحلامنا التي ارهق الليل جفنيها).
نعود الى التأمل في نص المسرحية لنجد ان الاستفهام وهو القادر على المشاكسة والمغايرة استطاعت ان تجعل من النص عملا فنيا يصلح للقراءة وللعرض المسرحي, الاستفهام مطواع يجعل النص مشروع عرض، وله القدرة على منح النص قوة فاعلة وحراكا في التحاور الداخلي: (انا الذي يروف جرحك الازلي؟, هل صليتم لكن لمن؟) فضاءات مفتوحة يهبها الاستفهام أي اشغال عقل المتفرج والاستفهام مهد حقيقي للثورة لاكتشاف الذات وتطويرها: (ما هذه الفوضى؟ من على دين من؟ لماذا غيومنا تمطر وجعاً؟ لماذا دوماً لا نعرف الى السلام طريقاً الا في التحية المزيفة؟) والركيزة الأخرى هي الجرأة والجرأة الفنية لا تعني بالصراحة، فهناك تورية وهذه التورية هي التي تثير الابداع، لكنها لا تمثل شرطاً أساسياً في إبداعية العمل الفني، جرأة العبادي في هذا النص ملتزمة بالوعي الخلاق:
سهام غدرهم الموجه صوبي على أهبة الاستعداد للنيل مني وهم يهتفون باسم ابي الاحرار) جرأة عالية: (من يشتري الـ(لا) للبيع مع تخفيضات هائلة) رفض بيع هذه الـ(لا) لأنهم ليسوا بحاجة ماسة لها، هنا محور الاشتغال الذي قصده المؤلف ولا شك ان مؤلفا مسرحيا ومخرجا يعيش في كربلاء ان يتأثر بواقعة الطف ورموزها وبعض احداثها وتتشكل في وعيه واقعة الطف اثرا مؤثرا في الناس يستقطب التعبير الجمالي، هناك تعاشق مع المكان: (لهيب الطف نار يتجدد كأنه نذر سنوي علينا اتباعه).
هنا دلالات زمانية مثلاً: (في العاشر من محرم اوقدوا الينا شموع بؤسهم وحقدهم حتى تناسلت بطريقة رثة ماذا عساني فاعل) وهناك في النص دلالات اشارية: (منذ احترقت المحبة التي كانت على شكل خيام لم يهدأ عصف دخان الضياع)، وهناك اشتغالات انزياحية عالية (بالأمس قتلوا رضيعا، وحفيد نبي، وابن بنت نبيهم) كان متعة ان اقرأ نصا مسرحيا امتلك حبكة نصية متمكنة لشخصية غريبة تعيش في بيئة غرائبية.
نص مسرحي متقن أتمنى لمؤلفه كل الخير.