حرارة النص ، برودة العرض قراءة في عرض مسرحية (حنين حار ) للمخرج جواد الاسدي/ قراءة: د.حليم هاتف جاسم

كيف بنا أن نشاهد عرضا موسوما باسم (الأسدي) بعد قراءاتنا المتعددة لعروضه التي كونت في ذاكرتنا كثيرا من المغايرة مثل ” المجنزة ماكبث” التي ظلت راسخة في وعينا الجمعي فضلا عن “الخادمتان”و “حمام بغدادي” و “تقاسيم على الحياة”. وكثير من العروض التي أعطت لنا صورة واضحة في اشتغالات المخرج التي اتصفت باعتماد الممثل كليا في عروض الأسدي.
ولأننا ندرك تماما أن هناك مخزونا معرفيا يحمله (الأسدي) على مر السنين، وقد شكل هذا المخزون مكونات ثقافية متنوعة امتاز بها من دون غيره من المجايلين له والعاملين في المسرح العراقي من خلال تواصله وتنقله في بلدان متعددة في وطننا العربي والعالم الغربي، كل ذلك ساهم في ان يكون تحت مجهر جمهوره من النقاد الذين كتبوا عن عروضه بكونه يعتمد نص العرض من خلال تدوين البروفة كما في مؤلفه ( جماليات البروفة ) وكذلك تم تناول عروضه في الدراسات العليا (رسائل واطاريح) على أنها تحمل طابعا تفكيكيا بقراءات متعددة
.
كل هذه المقدمات أعطت جهوزية في الحكم النقدي لدى بعض النقاد وهم يتناولون نتاج (الأسدي) الذي غالبا ما يتشكل وفاقا لتناصات ذاتية من خلال ثنائيات (المرأة/ الرجل ، الحياة/ الموت ، الوطن/ الغربة ، الترف/ الاضطهاد ، الجنس/ ، الخمر ) وهو يتعامل مع النص على أنه انموذج يتم تجهيزه ضمن تركيبات التمرين حتى يتشكل على اسس عرضية اولا ومن ثم نصية ، بمعنى حضور النص من خلال تمرحلات التمرين، فهو يعيد أحيانا كتابة نصه وفاقا لمتطلبات تجربته الفنية التي تعيد صوغ النص والتي تساهم في تفجير كثير من النصوص الغائبة لديه في عملية تأمل وهو يرصد عملية الإفادة من تركيب شكل العرض المتكرر ، ويبتعد عن المناطق الجديدة في الاشتغال ، كونه يأمن المناطق المجربة التي تتمثل اولا في الممثل الجاهز الممثل النجم لا الممثل المفكر ، في تبنيه لعملية سردية بحتة يراهن في ذلك على طبيعة الأداء تاركا الشكل والصورة واشتغالاتها الدلالية في العرض ،
في العرض المسرحي “حنين حار” .. اختلف التشكيل الفكري والحركي للنص هذه المرة ، فقد شاكس (الأسدي) معمولاته المعروفة في التمرين ، فلم يكن النص نتاج ورشة أو نتاج بروفة وذلك لانه كتب سلفا ليمثل ولو شيء بسيط عن ذاتية المخرج التي عجز من خلالها عن إحالة النص إلى الواقع وما هو يومي ومتداول. فكان النص متخما بالاحداث الساخنة التي تهيمن على أية صورة فنية ينتجها خيال المخرج، الامر الذي اوقع الاسدي (مخرجا) في عملية ( تناصات اجترارية) تكاد تتكرر فيها بعض المفردات والعقد التي تؤلف بدورها تاريخ الشخصية وعلاقاته مع المجتمع وبالاخص المرأة التي لا تغيب في عروضه لتمثل لديه حضورا شبقيا ( الجنس /، التعدد ) وفق نرجسية عالية وهو يروم من خلالها تفجير مكبوتات حياة الشخصية. ويتجسد ذلك من خلال اختياره لشخصية (جبار ) الفنان التشكيلي النرجسي الذي لاهم لديه سوى معجباته اللواتي أصبحن جزء لا يتجزأ من يومه من خلال رسمهن بالطريقة التي تحلو له
ويؤكد لنا حوار شفيقة في قراءتها للجريدة ( حاطيلك صورة من رسوماتك ، وصور نسوانك ) .. وهي تحكي لنا قصة جبار الذي يصل بعدها في المشهد الخامس تحديدا ليكون هو الحالم وهو المضحي من أجل الوطن …
أما على مستوى التمثيل، فإن (الأسدي) يعتمد كليا على الممثل في توصيل كثير من المعاني والرموز والدلالات. فهو يعمل بذلك على المنهج النفسي، مما يجعله بحاجة تامة إلى ممثل ليس نجما فحسب بل ممثلا مفكرا عارفا بأدواته كما في عروضه السابقة. الا انه وقع في فخ الممثل النمطي ويتجلى ذلك من خلال أداء الممثل (مناضل داود) الذي لم يختلف عن أدائه في عرض (مخفر الشرطة) و (تقاسيم على الحياة) ، ولا أدري ما هو المبرر للتمسك بتكرار الممثل نفسه لعرضين متتاليين؟ على الرغم من أن الفنان داود كان أوفر حظا في العرض المسرحي تقاسيم على الحياة وكذلك الفنانة آلاء نجم مع أنها كانت قد امتازت في الأداء ممن سواها غير انها لم تصل إلى الشخصية التي كانت تؤلف محور العرض وكذلك إقحام عازف الكمان المبهر في عزفه ولكنه لم يكن مبهرا في أدائه للحوار ، إذ زجه المخرج في حوارات متكررة أفضت إلى ترهل في إيقاع العرض وكان الأجدر بالمخرج اعتماد شخصية شابة تمتلك أدوات الأداء كما في العرض السابق.
وكذلك فإننا نجد ان الاسدي يعتمد في عروضه المسرحية خلق فضاء النص بحذافيره وتفاصيله السردية الدقيقة، فهو لا يسعى إلى المغايرة في الشكل لخلق فضاء مغاير عرضيا على أساس من أن الشكل الثابت الموجود في النص هو منطقته الآمنة والمجربة في نجاح أغلب أعماله، فهو لا يؤمن بوجود سينوغراف مفكر. هو يرى ان الأولوية تقع على عاتق المخرج وهذا ما يضع المتلقي في وضع مقارنة بين الفضاء الذي هيمن على العرض المسرحي عرض (تقاسيم على الحياة ) الذي كان الشكل فيه بطل العرض. بحيث جعلنا ندرك اننا جزء من ذلك الفضاء ، والفضاء الذي يتسم بالتكرار والثبات في أغلب عروضه المسرحية. وهذا ما يؤكده لنا الأسدي من خلال استخدامه المسطبة التي تكاد تكون ثابته وجاهزة للسرد ويتضح ذلك من خلال وجودها في ( الخادمات ، حمام بغدادي ، وحنين حار ) التي ساهمت هي الأخرى في أن ترسل إلينا عرضا باردا لنص مترع بالحرارة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت