المسرح الناقص في زمن الحظر / محمد الروبي

يبدو أن الحظر الذي فرضه على العالم ذلك الفيروس المستحدث، قد فرض أيضا علينا – نحن المسرحيين – محاولات للتفاعل مختلفة عن تلك التي عاهدناها قبله، منها استعادة لمشاهدة عروض مسرحية أعيد بثها عبر الشاشات الأصغر (أجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة)، فمنحنا بذلك فرصة أطول لمشاهدة عروض لم يسعفنا ضيق الوقت – وربما بُعد المسافة – أن نشاهدها مشاهدة مباشرة. بل ومنحنا هذا الحظر استفادة أكبر مما تتيحه تقنيات التواصل عن بعد في إجراء مناقشات حول المسرح عبر مجموعات خاصة أو عامة. وأظن أن الكثير منّا قد استفاد استفادة عالية من هذا التواصل المسرحي في تأمل أفكاره المسرحية ومراجعتها. لكن يبقى أن أكثر ما لفت نظري في هذا التفاعل هو ظهور ما أسماه البعض بـ(مهرجانات أون لاين)، وهنا لي وقفة مع هذا (الجديد) سواء على مستوى مدى صحته أو على مستوى ما لمسته من صراع بين البعض في إثبات أنه أول من ابتكر الفكرة.
فيما يخص النقطة الثانية (من هو أول من طرح الفكرة) فأظن أن الأمر أقل من أن يستأهل هذا الصراع الذي تابعناه على الصفحات الإلكترونية طوال الفترة السابقة. لكن وفي الوقت نفسه لا بد من أن أدلي هنا بشهادتي للتاريخ وأقول إن أول من طرح هذا الأمر ومنذ ثلاث سنوات (أي غير مدفوع بحظر إجباري فرضه ذلك الفيروس) هو الفنان محمد فوزي الذي فاجأنا بتدشين مهرجان دولي لعروض العرائس عبر مؤسسته (كيان ماريونيت)، تابعه الكثيرون بشغف وشارك بعضنا في مناقشات محاوره، بل وشارك فيه أفراد ممن يعلنون أنفسهم الآن (الأول الذي اكتشف النار)!
أما النقطة الأهم بالنسبة لي والأولى بالنقاش فهي التي تخص مدى صحة مشاهدة المسرح عن بُعد. في ظني أن هذا الأمر يضرب طبيعة المسرح في مقتل، فالمسرح كما ولا بد نعرف جميعا هو فن اللقاء الحي المباشر، بل هو في تعريفه المجرد (مكان يجمع المتلقي والمؤدي في اللحظة نفسها). ومن ثم فمهما نجحت تقنيات البث المباشر في نقل عروض المسرح إلى مشاهدين في أماكن مختلفة سيظل العرض مفتقدا لأهم شروطه وهو اللقاء الحي المباشر. وهنا سأجدني مضطرا لذكر واقعة تخصني حين دعاني أحد أشقائي العرب لمشاهدة عرض أرسله لي عبر حجرة الدردشة الخاصة بموقعي الإلكتروني مطالبا إياي بالكتابة عنه. فما كان مني إلا أن اعتذرت للشقيق قائلا “هذا أمر أكبر من قدراتي النقدية إذ إنه يتناقض مع فهمي لطبيعة المسرح” وقد تقبل الشقيق مشكورا اعتذاري بصدر رحب.
يمكنني أن أتفهم أنه يضطر المرء لمشاهدة عرض عبر الشاشة لأنه لم تتح له الفرصة لمشاهدته حيا، فقط ليأخذ عنه فكرة عامة، أما أن يتناوله بالقراءة النقدية فذلك ما لا يمكن أن أتفهمه، لأن الشاشة – وأيضا كما لا بد وأننا نعرف – لن تتيح لنا مشاهدة كل عناصر العرض في اللحظة نفسها كما تتيحه لنا المشاهدة المباشرة، إذ إن الكاميرا ستركز مثلا على الممثل الذي يتحدث وستغيب عنا رد فعل الممثل أو الممثلين الآخرين، وستغيب عنا علاقة ما يقول بتغير الإضاءة على جزء من المنظر المسرحي و… و…. وغيرها من عناصر هي في مجموعها تشكل طبيعة العرض المسرحي.
المدهش بالنسبة لي أن البعض مد هذا الخيط إلى مداه لدرجة أنه تنبأ بأن الحظر ومن بعده هذه المشاهدات ومعها هذه الـ (مهرجانات) ستكون بداية لتغيير وتطوير لشكل العرض المسرحي! متناسيا أن التطوير والتجديد لا يمكن أن يمسا أسس الطبيعة التي يختص بها عالم العرض المسرحي وإلا تحول إلى فن آخر غير المسرح.
فلنشاهد العروض على الشاشات كيفما نشاء، مضطرين أو مخيرين، لكن علينا ألا ننسى أننا نشاهد عروضا ناقصة، وبالتالي لا يصح أن نطلق على مجموعة عروض تعرض في أيام محددة عبر هذه التقنية اسم (مهرجان مسرحي) حتى وإن أضفنا إليه وصف (أون لاين).
 
عن/ مسرحنـا
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Mohamed Elrouby‎‏‏، ‏‏نص‏‏‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت