عين الذاكرة … ذاكرة السيدة السريعة (د. عواطف نعيم )/ بقلم:عزيز خيون
أحاول أن أغري جميلات الكلم ممن لهن صولجان القدرة ، أن يصعدن حيث نخيل بهائك ، لابارك لك هذه المناسبة التتويج ، ولو أني أجزم أن كل الايام أيامك وأعيادك ، كل الاعوام … كلها تتبارك بجريك اليومي شغفا وأيمانا بما تحدثه وسائط الجمال من فعل أيجابي ، في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ملتبسة وما تزال ، لكنك ، لكن ارادتك العزوم تمكنت من ليّها جميعا وقطف ثمار حراكك المميز في الاذاعة والتلفاز ، في المسرح والسينما والدراسة الأولية والأكاديمية .
تبكرين بايقاظ الشمس ، وبعد أن تكوني قد أمنت لنا ما يتوفر من نعمة الصباح .. تغادرين المنزل لقيادة التدريبات المسرحية وشواغلها المتعددة ، فيها أنت كاتبة ومخرجة ، وأحيانا كاتبة ومخرجة وممثلة ، تتابعين كل صغيرة وكبيرة ، تصارعين العسر الانتاجي وكسل البرامج وبعض الادارات الغبية ، وفوضى الجهل والامية الضاربة أطنابها في الوسط الثقافي بعامة والمسرحي بشكل خاص ، ومن ثم تعودين الى الدار كما هي عادتك جريا ومباشرة الى المطبخ تعدين ما قسمه الله لنا من نعمة الكفاف في ذلك اليوم وترفضين أية مساعدة ومن أي أحد كان ، مترجمة أن هذا هو واجبك ومسؤولية تفاخرين بها ربة ومديرة لهذا البيت – الوطن .
ما تعللت يوما بنفاذ الوقت وأعذار التعب … هكذا أنت بين المسرح والمطبخ والكتابة والطلبات اللاتنتهي لبيت في العراق ، ليس هناك من هدنة في معركتك اليومية الا في وقت متأخر من الليل ، بعد أن تكوني قد أسكت كامل قائمة طلبات المنزل ، وبعد أن تكون هذه الطلبات قد أجهزت على ما تبقى من طاقة لقواك المنهكة .
عواطف نعيم الحبيبة والصديقة والزوجة ، رفيقة الخطى التي مشيناها نعاكس التيار وأغراءات حاجات هذه الدنيا من أجل أن نظل بشرا ، رفيقة الحياة الكانت ضاجة ومتفجرة بأحداثها الدرامية ، حتى انها لم تسمح لنا أن نسعد بعبير نسيجها الآ في لحيظات هاربة وعلى عجل ، رفيقة درب المسرح الذي اخترناه مشاكسا وشائكا .. يا أمرأة وجدت في فن المسرح كنزا لا يضاهيه أي كنز ، رصيدا لا ينتهي ، بضاعة لا تبور ، وعملا يوميا لا يمل ، تنشغلين بين وسائطه المعرفية والجمالية كاهنة عاشقة ، كاتبة ، ممثلة ، مخرجة ، ناقدة واكاديمية مرموقة ، بما تصممين وتنجزين ، وجدت في المسرح فضاءا جماليا للتنوير والبناء ، لم تعرفي الهدوء والسكينة ، لم تتوقفي أو تعتذري ، ما كنت يوما متعللة عاطلة ولا شاكية وفي أصعب الظروف .
وفي الوقت الذي يتجاهلك فيه المسؤولون عن المسرح والثقافة في عراقنا الصامد البهي برغم ما نعانيه ونكابده ، ويحيلك وزير المحاصصة والفساد على المعاش وأنت فنانة وأكاديمية ما تزالين في ذروة نشاطك وقمة العطاء لا لسبب سوى أنك وقفت في ساحة التحرير تهتفين ضد الفساد والفاسدين الذين حوّلوا الوطن الى بقرة حلوب ، خيرها ليس لنا نحن العراقيون ، انما منحة للآخر الغريب ، ولم يشفع أن تمدد لك سنوات الخدمة ، أنك فنانة وأكاديمية منتجة ، وبما يقول القانون ، علما أن هذا الاجراء معمول به مع أخرين ويحصل ، لم يشفع لك أنك قدمت لهذا العراق وما تزالين ، هذا العراق الذي ضحيت واخرون من أجله ، تشبثت بترابه عبر كل سنوات الخطر ، منذ وعيّنا الحياة في مطلع السبعينيات .. حرب الثمانية سنوات مع ايران ، سنوات الحصار وسنوات الاحتلال والفساد ، الفشل في ادارة شؤون البلاد والعباد .. حتى لحظة الان .
لم تتراجعي أو تتكاسلي بسبب ظرف خرافي ينتجه تصادم القوى ، أو ارادة مسؤول امي مريض وقصير النظر يرى في المرأة مخلوقا عورة ، أو بسبب شحة الاهتمام بالجانب الانتاجي للظاهرة المسرحية ، انما كنت وما تزالين تتحركين وتنفعلين طاقة عراقية ، تبتكرين فرصة للعمل أيا كان حجمها .
المهم أن تفوزي بنعمة الحركة مهما كانت ذئبية الظرف في المسرح والحياة ، ومشاركة مشرّفة في المهرجانات المحلية ، العربية والعالمية ، تجمعين الفنانين والفنانات حولك لتصميم تجربة مسرحية تبشر بالحياة ، ولا تعترفين بكل سيناريوهات الأعاقة التي يهندسها ذاك الاداري الجاهل الذي لا يعّي أهمية المسرح ودوره في حياتنا الاجتماعية المتفجرة منذ عقود .
أقول هذا لا مدحا لك أو تفضيلا ، لكنها الحقيقة ما ينطق بها كتاب سيرتك ، وكوني الأقرب اليك ، من يقيس حجم معاناتك اللاتطاق أحيانا ، وأنت تجتهدين وتبادرين مع أقرانك ومن جميع الاعمار بقصد ادامة دورة الحياة المسرحية في العراق .
ولا تترددين أن تضيفي لمشاغلك الكثيرة مهاما أخر اجتماعية وانسانية ، تتابعين زميلاتك وزملاءك من الفنانين في أفراحهم ، حاجاتهم وأحزانهم بروح الراعية المسؤولة ، تجرين لخدمة هذا وتسارعين لنجدة تلك ، ما سهوت يوما عن أداء واجب أو مساعدة ، ولم يحصل أبدا أن شكاك أحد يوما ما ، انما تبادرين بحلاوة روحك ، وبما حباك الله من محبة وحضور الى تصفية خلافات الاخرين مع بعضهم ، ما حملت حقدا ولا ضغينة بل ودودة ومتسامحة مع الجميع ، أيا كانت الاسباب والمواقف .
أقول هذا وفي هذه اللحظة الفارقة يأتيك التكريم شكرا وتقديرا من خارج الحدود ، ومن أعلى أكاديمية للفنون في موسكو ، عرفانا بأهميتك في التعريف بأدب الكاتب الروسي الكبير ( تشيخوف ) من خلال العروض المسرحية التي أبدعت حياتها كاتبة ومخرجة ، وكيف قرأت مضامين وتوجهات الأدب الروسي بعيون ومشاعر عراقية متميزة وجديرة بالأشارة والاعجاب ، وبما يؤكد للجميع أن المسرح فن لا يعترف بقوانين الجغرافية ، ولا باللغة وفصيلة الدم ، انما هو فن عابر للقارات ، فن لا وطن له ، فن منطقته العالم .
التكريم الأخر ويأتيك هو الأخر من خارج الحدود ، تكريم له خصوصيته ومعناه ، وهو تتويج لجهدك في مجال الكتابة المسرحية ، وذلك فوزك بجائزة الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي ككاتبة لأفضل نص مسرحي عربي للعام 2020 عن النص الذي يحمل عنوان ( اثنان في العتمة واحد في …. ) ضمن المسابقة الرسمية التي تقام في الشقيقة تونس ، من بين تسع وثلاثين متسابقا من دول عربية مختلفة ، وكان تشريفك أن تكوني الأولى ، وأن تكوني أول أمرأة عربية وعراقية تفوز بهذه الجائزة الهامة .
مبارك غرسك ، مبارك زهدك ، مباركة سنواتك تلك التي سبقتني ورفعت تلويحة الأحتفاء بك ازدهارا وفخرا ، مبارك حراكك وأنت تضيئين مختبرك اليومي بكل ما هو خاص ومنتمي للثقافة والوعي وجمهورية الفن ، للوطن والأنسان ، وأنت تنادين بمسرح يتجدد في العراق يسهم بفلاحته الجميع رواد ، شباب ، هواة ، وأنت تصرخين بعراق واحد في المسرح وفي سوح التظاهر بعيدا عن الطائفة والقومية والدين والمذهب والكتلة والحزب ، انما عراق واحد مستقل وقوي يتشبث بتربته الجميع .
احلمي ، تحركي ، وشّدي بأعتاب هذا السيد النبيل – المسرح – تجاهلي من اختار أن يكون صغيرا ويختفي سريعا ، قدرك أن يكون مركزك بهاء هذا الضوء ، تلوحّين بسراج العدل والحرية والحقيقة ، أن تكوني مع الكبار … وانظري خلفك بغضب .
** عزيز خيون
مؤسس ورئيس محترف بغداد المسرحي
ممثل ومخرج وباحث أكاديمي