كتاب الخميس (الحلقة السادسة عشر)/ عرض و قراءة: د. هشام بن الهاشمي

اسم الكتاب : ” المسرح المغربي.. جدلية التأسيس”
الكاتب: محمد أديب السلاوي
 
يندرج كتاب “المسرح المغربي جدلية التأسيس” للأستاذ محمد أديب السلاوي، ضمن إستراتيجية أساسها تعميق التفكير في طروحات وأفكار سبق أن قاربها الناقد في كتابه: “المسرح المغربي: البداية والامتداد”. ولا يؤرخ الناقد للحركة المسرحية المغربية، وإنما يضيء بعض تجاربها وانجازاتها. وهو ما يتوافق مع اختياره لمصطلح الإضاءة بدل الفصل. فالكتاب في جوهره إشارات خاطفة هدفها تسليط الضوء على أبرز محطات المسرح المغربي، ويعي الناقد هذا الأمر، إذ يقول في المقدمة: “بين دفتي هذا الكتاب…توقفات سريعة عند أهم “المحطات” و”الأشكال” التي يعول عليها لأن تكون قاعدة انطلاق نحو المستقبل”.(1)
يشتمل الكتاب على خمس إضاءات. ففي الإضاءة الأولى المعنونة بـ”الأشكال ما قبل المسرحية، في التراث الشعبي المغربي”، هدف الناقد إلى تبيان البذور الفنية والإرهاصات الدرامية التي تختزنها الأشكال ما قبل المسرحية. وهو ما يشهد على حركية السياق الثقافي المغربي وحيويته، ويدحض الادعاءات الواصفة له بالخمول والهمود والكسل.
وحتى تتسم هذه الإضاءة بطابع الكلية وسمة الشمولية، فقد عمل الناقد على استنطاق عدد وافر من الأشكال ما قبل المسرحية، سواء تعلق الأمر بتلك التي تتضمن خاصية التمسرح أم بتلك التي تتميز بحضور المقدس إلى جانب العناصر الدرامية. علاوة على المزج بين ما ينتمي إلى الثقافة العربية مثل الحلقة، والبساط، وعبيدات الرما… وما تنحدر أصوله من الثقافة الأمازيغية الخصبة مثل: أحواش ، وبوجلود، وأحيدوس… مما يؤكد تلاحم الهوية المغربية وتماسكها. فقد انصهرت كل الروافد الفنية لتأسيس هوية مشتركة، ساهم فيها كل المغاربة باختلاف انتمائهم العرقي.
تلتقي مجمل هذه التقاليد الفنية- التي شكلت مجال عمل وميدان اشتغال الناقد- مع الفن المسرحي. فهي” أكثر التصاقا بفن التمثيل، وتقوم على قوة التعبير والحركة والأداء، ترتبط بالرقص/لغة الجسد، بالشعر /سيد اللغة”.(2)
ونشير بخصوص هذه الإضاءة إلى ثلاث ملاحظات أساسية :
1 – لقد تجاوزت الأنثروبولوجيا الثقافية تسمية الأشكال ما قبل المسرحية منذ زمن بعيد، وآثرت عوضها الأشكال الفرجوية. فالمسرح فرجة وليس كل فرجة مسرح. كما أن تسمية ما قبل المسرحية تنم عن تراتبية فنية، قد تتضمن مركزية غربية.
2 – لا يكمل الناقد التحليل إلى نهايته. فإذا كانت هذه الطقوس الاحتفالية “تتوافق في جملتها مع طبيعة الفن المسرحي، لأنها تختزن في طياتها عناصر التمسرح ومواصفات الفرجة الشعبية”(3) فلماذا حُكِمَ عليها بالثبات والسكونية؟ لماذا لم تخضع لناموس التطور وقانون الارتقاء الذي تخضع له كافة الأجناس الأدبية والفنية؟.
3 – نلمس تضاربا في مواقف الناقد أحيانا، بخصوص طبيعة التعابير الفنية المغربية. فالأشكال ما قبل المسرحية حينا تقترب من المسرح، لما تتضمنه من عناصر درامية وتقنيات فنية مارسها المغربي بكل عفوية وتلقائية، وحينا آخر”مسرحا طلائعيا” (4).
وفي الإضاءة الثانية المعنونة بـ: “المسرح المغربي وإرهاصات التأسيس” يَعتبر الناقد أن الحمالة الاستعمارية على المغرب لم تكن سوى ملامسة عنيفة، إذ ساد العنف، والقمع، والدمار. ويستحيل في ظل هذا الجو المشحون بالرعب الحديث عن مثاقفة فنية بين الفرنسيين والمغاربة. وهذا لا يعني نفي الناقد روح التواصل والتفاعل بين الحضارات والثقافات. بل إن ذلك يستلزم ظروفا سلمية. وهو ما تحقق مع فرقة محمد عز الدين المصرية، فبواسطتها تعرف المغاربة على المسرح الغربي عبر الوسيط الشرقي.
ولم يكن من باب الصدفة أن تُقدم الفرقة مسرحية صلاح الدين الأيوبي، بل عملا مبرمجا هدف إلى بعث حماسة المغاربة ووصل مسرحهم بعجلة الأحداث السياسية… يقول الناقد”اندمج المسرحيون المغاربة في أتون النضال الوطني، واتخذوا من فن المسرح أداة للتوعية والتحريض، وربطوا الخشبة بوظيفتها التاريخية، وجوهرها الحقيقي، حيث سيسوا الخطاب المسرحي”(5)
وللتدليل على ارتباط المسرح المغربي بالنضال الجماهيري -بوصفه صوتا ثقافيا وليس مجرد شكل جمالي معزول عن هموم الناس وقضاياهم- استعرض الناقد أعمال كل من مجمد القري، ومجمد الحداد، وعبد اللطيف الطريس. ورغم التباين في الكتابة الدرامية وصيغ التعامل مع الواقع. فقد حدد الناقد القاسم المشترك بينهم في المواجهة الصريحة للاستعمار.
فقد تحول محمد القري من “فقيه شاعر الى مؤلف مسرحي، ومنظر في المجال الثقافي، يحمل لواء الدعوة الى تأسيس الفرق المسرحية، وتوجيه شباب المدارس والمعاهد والجامعات الأصلية الى التمثيل”.[6] وبعد أن تتبع الناقد مختلف المتابعات الإعلامية التي واكبت عروضه ضمن جمعية “الجوق الفاسي”، وقف مليا عند ملمحين:
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
الأول سياسي: الغاية منه بعث همم المغاربة، وإثارة حماسهم، والثاني اجتماعي: تجسد في التركيز على الظلم، والفقر، والانحلال الأخلاقي.
وفي نفس السياق، سار ممد الحداد إذ اقتبس الغزوات، والمعارك، والأحداث، والشخصيات وعمل على مسرحتها، لإبراز النضال العربي والإسلامي كما في مسرحية “الوليد بن عبد الملك”. أما عبد الخالق طريس، فقد اتخذ من المسرح واجهة سياسية. وهو ما جسدته مسرحية “انتصار الحق بالباطل” التي تُعتبر أول نص مسرحي أُلف وطُبع ومُثل بشمال المغرب.
ولا نلمس في هذه الإضاءة تعالقا عضويا بين مضمونها ودلالات عنوان الكتاب: “المسرح المغربي وجدلية التأسيس”، لما يفترضه الجدل من عرض للمواقف ووجهات النظر المتباينة، مع ترجيح بعضها أو إحداها استنادا على مسوغات موضوعية واعتبارات منطقية مبنية على حقائق أو أدلة.
عموما، انخرط المغاربة في الفعل المسرحي، لأنهم مهيئين لتقبله بفضل الأشكال الفرجوية الشعبية الموشومة في الذاكرة الجمعية والراسخة في الوجدان الثقافي. وإذا كان المغاربة تبنوا المسرح الغربي عبر الوسيط الشرقي، فلأنه ممارسة تشخيصية جديدة قادرة على تحديث أنماط التعبير الفني والثقافي.
وقد اتضحت معالم هذا التحديث في الإضاءة الثالثة الموسومة بـ: “المسرح المغربي في أفق التحديث”. فقد اعتبر الناقد مسرح الهواة الوريث الشرعي لجيل التأسيس. ولأنه انبجس في فترة اتسمت بألقها الفكري وهيجانها الأيديولوجي، فقد طغى مفهوم الالتزام، دون أن يتحول الفن المسرحي على أطروحة تقريرية جافة، غذ طفح بنسغ جمالي وحركية فنية. فأعمال رواده منفتحة على “آفاق البحث في الأشكال والأفكار والنظريات والتيارات الحديثة، تطل منها طلائع شباب المغرب الجديد على العالم…وعلى ثقافاته المتداخلة”(7)
فإذا كانت أعمال جيل الرواد التأسيس، اتصفت بالبساطة الفنية، فإن رواد مسرح الهواة حققوا إنجازات فنية هامة على مستوى آليات الكتابة الدرامية والتقنيات المسرحية. وهكذا رصد الناقد أبرز الأسماء المؤثرة في حركة مسرح الهواة. ويتعلق الأمر بمحمد الكغاط، ومحمد تيمود، وأحمد العراقي، ومحمد شهرمان، ويوسف فاضل، ومجمد مسكين.
فقد أوجد الكغاط خطا مغايرا لخطابه الفني قوامه الاشتغال على النص والعرض بخلفيات مختلفة وترسانة نقدية ثرية، وفق منهج واضح المعالم. فهو لا يختصر قراءته على النص المسرحي ، ولا ينظر إليه من زاوية واحدة دون الالتفات إلى المستويات الأخرى المتعددة، لأنه أدرك طبيعة المسرح المركبة. لقد انزاح الكغاط عن منطق التكرار، ومبدأ الاجترار ليعانق الخلق والإبداع والابتكار. لذلك جاءت أعماله “في معظمها فتوحات وإشراقات، تتطلع الى آفاق جديدة وتنزع الى خلق الممكن والمحتمل بدل تكرار الكائن”(8)
واصل محمد تيمود طريق التجريب، فابتعد عن الوسائل التقنية التي اهترأت من كثرة التداول، وآثر أخرى جديدة من قبيل : التغريب وتكسير الجدار الرابع، والتباعد لدفع الجمهور إلى نقل الخبرة الفنية المتحققة في العرض المسرحي إلى الواقع الاجتماعي، دون تفجير العلبة الايطالية والاكتفاء بتغيير قوانينها. فقد مزج بين المحلي وأحدث النقلات الفنية الغربية”بطريقة الفنان الذي يعرف كيف يخلق تركيبا كيميائيا بين معطيات ذاكرته الشعبية، وإيحاءات فكره وثقافته المعاصرة ومتطلبات لحظته التاريخية”[9]. فمسرحه محاورة بين أصالة يجسدها التراث ومعاصرة يضمنها الغرب.
ومع بداية السبعينيات، بزغ اسم أحمد العراقي الذي انخرط بدوره في مسار التجريب، وظل هاجس “الالتزام” حاضرا بقوة في أعماله. كما هو الشأن في مسرحيته الأولى”لحوم المزاد”، إذ تواترت المفاهيم ذات الشحنة السياسية التي تتوافق مع المناخ الثقافي السبعيني من قبيل: الصراع الطبقي، والنضال، والفعل الثوري، وأزمة الوعي السياسي. كما عانق العراقي القضايا القومية في مسرحيته: “حزيران شهادة ميلاد” التي عرض من خلالها القضية العربية الفلسطينية.
أما يوسف فاضل فتشكل مسرحياته نقلة نوعية وإضافة هامة في جدارية مسرح الهواة. فلم يحصُر اهتمامه الإبداعي بقضية الالتزام التي اتخذت أحيانا طابعا انقلابيا، لأنه تجاوز الصراع الطبقي والتطاحن الفئوي الى الصراع الداخلي الذي تحضر فيه نفحات صمويل بكيت وعوالمه الغرائبية، وسخرية فرديناند آربال الحادة. ولذلك فلا غرابة إن شكلت مسرحيات يوسف فاضل “النواة لمسرح مستقل ينطلق مما هو محلي الى ما هو إنساني”(10)
ولأن محمد مسكين ينتمي بدوره إلى الجيل السبعيني الثائر، فقد وجد نفسه في قلب الصراع الفكري المغربي التواق الى إبراز الهوية الثقافية الخاصة، بروح تجريبية ترفض القوالب الجاهزة. فالكتابة المسرحية عنده ذات بعدين هامين: بعد معرفي، وآخر جمالي.
أما في الإضاءة الرابعة المعنونة بـ: “المسرح المغربي في أفق مسرح الممثل الواحد”، فيؤكد الناقد أن مسرح الموندراما صوت احتجاجي يُنشد التحرر والانعتاق من الخط المرسوم له من قبل المؤسسة المهيمنة . لذلك فهو يُقدم نفسه بوصفه مشروعا بديلا للعمل المسرحي الجماعي بنفس تجريبي تتضح معالمه في مسرحيات كل من: محمد تيمد، ومحمد الكغاط، وحوري الحسين، ونبيل لحلو، من السميحي، وعبد الحق الزروالي….
والملاحظ أن النفس التجريبي الذي ميز مسرح الموندراما هو ذاته الذي أثث أعمال رواد المسرح الجماعي . وهنا نُسائل الناقد: أليس هذا التوافق الذي يصل حد التطابق دليل انسداد آفاق التجريب في المسرح المغربي؟. وما دامت أعظم الأعمال المسرحية الطلائعية، لم تتجاوز سلطة التراث وسطوة بريشت، فإننا نتساءل: هل همد المسرحيون المغاربة ال قراءة التراث بآليات غربية وافدة؟ أم أنهم قرأوا الانجازات الغربية من خلال التراث؟ أي هل شكلت الآليات الوافدة السراج لمنير الذي مكن من إضاءة عتمة التراث وفتح مغاليقه واستكشاف تقنياته؟ أم أن التراث يتعالق في الكثير من تقنياته مع الانجازات الفنية الغربية؟.
عموما، وقف الناقد وقفة متأنية وفاحصة عند مسرح الموندراما وملامحه الأساسية، فمادام رواده ينتمون إلى الجيل السبعيني الذي عاش انكسارات وهزائم، فإن ذلك يسمح بإمكانية النظر إلى “الفردية” بوصفها عودة إلى الذات بمفهومها القومي الشامل. فالفردية في مسرح المونودراما تجسد النزعة الإنسانية، دون أن تعكس فلسفتها، فهي وسيلة تقنية، هدفها إشراك الجمهور لإبداء مواقفه إزاء قضايا عديدة ليختفي الصوت الواحد وتتوارى الموندرامية ويحضر التعدد النبري والتنوع الصوتي.
أما بواعث ظاهرة الموندراما بالمغرب، فيحددها الناقد في:
-الباعث الفني : من خلال العودة إلى النبع المسرحي العربي الذي يتمثل في رجل الحلقة. وهو ما يتفاعل في الآن نفسه مع التراث الغربي.
-الباعث الاقتصادي : فليست ظاهرة مسرح الموندراما اقتناعا فنيا واختيارا جماليا، وإنما نتاج الأزمة المادية التي عاشها مسرح الهواة بشكل عام، وانعكست تجلياتها على الأدوات الفنية.
-الباعث السياسي : يتمثل في مسايرة الخيارات السياسية بالمغرب، والهادفة إلى إذكاء روح الفردية والمبادرة الخاصة.
وفي الإضاءة الخامسة المعنونة بـ: “في البحث عن هوية مسرحية أصيلة”، توقف الناقد عند تجربة كل من أحمد الطيب العلج، والطيب الصديقي، وعبد الكريم برشيد بوصفهم مبدعين شكل التراث محور اشتغالهم.
فقد عمل أحمد الطيب العلج على نقل النصوص المولييرية من السياق الثقافي الغربي إلى السياق الثقافي المغربي الحاضن، في إطار موجة الاقتباسات التي طالت الحركة المسرحية المغربية، بدءا من الخمسينيات. مع ما يتطلبُه هذا النقل من تغييرات جوهرية مست الشخصية، والحدث، واللغة…وتلك من منظور الناقد إحدى سمات عبقرية أحمد الطيب العلج وعلو حرفيته المسرحية.
بيد أن الناقد لا يقدم تفسيرا أو توضيحا لموجة الاقتباسات، واكتفى بالتساؤل: “فلا أحد يدري أهو ميول إلى السهولة واليسر، أم هو العجز عن خلق أعمال مسرحية أصيلة وليدة ثقافة المغرب، وحضارته، وقضاياه، خلال تلك الفترة”.(11)
والواقع أن اقتباس أحمد الطيب العلج ، يندرج في سياق تلك الإستراتيجية المحكمة لمركز معمورة الذي كان من أبرز مهامه نزع طابع المقاومة وسمة التحريض التي وسمت المسرح المغربي في بداياته. وهو ما تحقق جزئيا مع ذيوع كوميديا موليير. وقد تنبه العلج نفسه – بدءا من الستينيات- إلى ابتعاد تلك الكوميديات عن الوجدان الشعبي المغربي، فاستمد “موضوعاته من الخرافات الشعبية والحكايات والقصص التي تنتمي للمأثور الشعبي”.[12] إلا أن ظلال موليير ظلت حاضرة بشكل لافت . وهو ما يعكس من وجهة نظر الناقد أزمة إبداعية في مسرح العلج. ولم يحقق العلج التحرر من عوالم موليير والانفلات من حصاره إلا بدءا من مسرحية “شجرة التفاح”.
وتقترب تجربة الطيب العلج من تجربة الطيب الصديقي، الذي عرض الناقد مختلف مساراته الفنية، محددا قيمته الإبداعية في قدرته على المزج بين “الأدوات الاجراجية الغربية وتقنيات إنتاج الفرجة الشعبية في الساحات العمومية”.[13] مستفيدا من تمكنه الواسع من أدوات صناعة الفرجة وإلمامه بأسرار الركح. فالصديقي مقتنع اقتناعا عميقا بأن تأصيل المسرح لا يعني الانكفاء على الذات ووضع الأسوار الفولاذية بين الثقافات، لأن الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص لا يعيش الا في إطار التفاعل الثقافي والحوار الفني، وأي تصور انطوائي سيحكم عليه بالموت والانتحار البطيء.
وحين يصرح الناقد بأن الصديقي لم يكتف “بإعطاء هذا التراث في أصوله بل أعطى موقفه منه ونظرته إليه، إذ كان تعامله مع الحكاية والخرافة والأمثولة والقصة والحلقة والبساط وسيد الكتفي وسلطان الطلبة وعبيدات الرما والمداحين والمنشدين، تعاملا مع المنطق الفكري…”.[14] فإننا نسائل الناقد: أين تبرز تجليات وتمظهرات الموقف النقدي والمنطق الفكري في مسرحيات الصديقي؟.
ويكتسب هذا التساؤل شرعيته لسببين:
الأول: إن مسرحيات الصديقي شكلانية بحثة، فالتأصيل عنده يقف عند حدود الإطار الجمالي ولا يتعداه إلى التأثير الفكري والمعرفي. لذلك تطغى على مسرحياته الملابس التقليدية والأناشيد الصوفية والملحون والموشحات والرقص الشعبي وكأننا في عوالم ألف ليلة وليلة وأجوائها المخملية.
ثانيا: إن الموقف الفكري في مسرحيات الصديقي مهربة ومغيبة. وهو ما يفسر السماح له بتقديم عروضه المسرحية في الفضاء العام، لأنه يتمتع بحسن السيرة والسلوك والقبول من قبل الجهاز الرسمي.
وانسجاما مع هدف الناقد والمتجسد في تقديم إضاءات خاطفة ووقفات سريعة للتجارب المسرحية المغربية، اكتفى بتحديد مفاهيم احتفالية برشيد في تحدي الزمان والمكان واللغة والرمز والإدهاش الذي يحرر الإرادة من سحر العادة لخلق واقع مسرحي مغاير تطبعه الغرابة والاحتفال بحثا عن تواصل إنساني قوامه العفوية والتلقائية. وهو ما أوضحه الناقد في تحليلاته لأعمال برشيد المسرحية من قبيل: موال البناديق، وعنترة في المرايا المكسرة، وعرس الأطلس، ولعبة الوجوه والأقنعة أو منديل الأمان، وعطيل والخيل والبارود، وقراقوش، وفاوست والأميرة الصلعاء، وابن الرومي مستخلصا أن ما يميز التجربة الإبداعية لعبد الكريم برشيد هو أنه “تنطلق من تجميع التراث المختلفة، لتضع ما هو بصري إلى ما هو نفسي، ولتربط الواقعي بالأسطوري والوهمي والتاريخي بالميتافيزيقي، تستقطب البعد السيكولوجي/الاجتماعي/الأسطوري إلى جانب إسقاط بها لأبعاد الواقع العربي/ الإنساني المركب”(15).
** الإحــالات:
محمد أديب السلاوي” المسرح المغربي جدلية التأسيس”، منشورات مرسم، مطبعة بورقراق، 2010، ص: 19(1)
– نفسه،ص: 48(2)
– نفسه، ص: 49(3)
– نفسه، ص: 50(4)
– نفسه، ص: 60(5)
– نفسه، ص: 61(6)
– نفسه، ص: 84(7)
– نفسه، ص: 87(8)
– نفسه، ص: 91(9)
– نفسه، ص: 99(10)
– نفسه، ص: 146(11)
– نفسه، ص: 147(12)
– نفسه، ص: 160(13)
– نفسه، ص: 165(14)
– نفسه، ص: 189(15)
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت