جائحة كورونا ..وعزلة المسرح / حسين العراقي

عندما قال برنادشو أن المسرح هو كنيسة القرن العشرين، لم يكن يبحث عن استعارة متألقة يبهر بها عيون قرائه ولاشيء بعد هذا. وعندما سعى (برشت) إلى تحويل رواد المسرح من مجرد متفرجين يتتبعون أحداث المسرحية إلى قضاة يحكمون على هذه الأحداث لم يكن يجري وراء التجديد وحسب.. وعندما وضع (لوركا) أذنه على قلب اسبانيا يتسمع نبضاتها ثم يصوغها فناً أدبيا رائعاً.. لم يكن يتطلع إلى (بعد) أدبي أو سياسي يضع اسمه في الأخبار.. أنما صور هؤلاء الثلاثة الكبار ما أملته عليهم تجربتهم في المسرح وهو لصق العنوان بالحياة. وان الطريق لتغيير المجتمع والناس يمر حتماً بالمسرح ولا يمكن أن يتخطاه..
إذاً المسرح فن جماعي فلا يكتمل إلا بالجماعة فهي أهم ركائزه .وهذا على مستوى العمل والتكوين الإبداعي أو مستوى التلقي لدى الجمهور .  فان التجربة تقول أن كلاً منا يبحث عن دور يحبه ويريد أن يؤديه… فإذا وجد من يؤديه عنه لم يشعر بالسعادة وإنما أحس بالضياع والدليل على هذا نجده في الإقبال الهستيري على مباراة كرة القدم في بلادنا وفي بلاد العالم الأخر.. أن هذا الإقبال يرجع إلي أن المباريات تعطي كل متفرج حقه في أن يشكل المباراة ويتدخل في مستوى اللعب بالتشجيع والتسخين.. أن يتخيل نفسه واحداً من اللاعبين وانه ينفس عن رغباته المكبوتة عن طريق اللاعب الذي يختاره ممثلاً له والذي يقدم نيابة عن المتفرج بكل البطولات التي يتوق المتفرج نفسه إلى القيام بها في عالم الواقع فلا يستطيع (باختصار المتفرج يتحول بالوساطة إلي لاعب) وبهذا يصبح له دور في المباريات ومثل هذا يحدث في المسرح على مستوى العواطف والأفكار.
كل منا له دور يحبه ويريد أن يؤديه فإذا حالت الظروف المحيطة بينه وبين هذا لجأ إلي الخيال انه يرى خصمه في شريرها أو الشخص الذي يتناوله النقد فيها. والمتفرج في المسرح يقابل ممثليه وجهاً لوجه يشعر بهم ويشعرون به ويقوم بين الطرفين سيل كهربائي في حالة العرض المسرحي الناضج ينقل التفاعل من والى خشبة المسرح حيث يستطيع المتفرج أن يرفع من شأن العرض المسرحي أو يهبط به عن طريق الاستحسان أو الاستهجان. لهذا كله ولأسباب أخرى يشعر المتفرج في المسرح أن هذا الفن حي وانه مدعو للمشاركة الايجابية وان وجوده في القاعة شرط أساس لقيام الفن ذاته وهذا الأمر لا يحدث في حالة الفلم أو السمعية والمرئية. حيث تجلس أمام أي جهاز عرض وتشاهد وتتفاعل عكس ما هو في داخل صالة العرض المسرحي حين ترى وتتحسس الشخصيات أمامك تنبض مع نبضك وتتنفس نفس الهواء الذي تتنفسه وتدرك أنها لعبه لكن مبنية بإحساس متبادل ..
ولهذا مهما حاول أهل المسرح من نقل التجربة نحو المنصات الوسائط الالكترونية من مبادرات لإشباع رغباتهم في التواصل مع ما يحبون وهو المسرح ..من خلال عرض مسرح الكتروني . مغلف بعزلته وترهل فاعليته وتفاعله وكأنها إبرة بنج لجموح الرغبات النابعة من الإحساس واللهفة والاشتياق للعودة إلى صالات العرض  لخلق طقوس مسرحيه خاصة بالمسرح لا تجدها بغير المسرح ..الذي أبعدتنا تلك الجائحة اللعينة عنها . وأتمنى أن تنتهي هذه الجائحة وتعود الأمور إلى طبيعتها ويعود مسرحنا يحتضننا بدفيء العروض ونبقى نتذكر كل الحقيقيين من أرادوا أن لا تنطفئ شمعة المسرح من خلال مبادرتهم بالعروض على المنصات الالكترونية .
 

حسين العراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت