الدراما في زمن الكورونا ….عتبة رابعة وأخيرة للتقييم / د. عواطف نعيم

لم تكن الدراما العراقية في حالة معافاة منذ ما يزيد عن سبعة عشر عاما بل باتت شديدة الغياب والتباعد في حضورها وفي موضوعاتها ، سابقا كانت الرقابة الأمنية ومقصها وختمها الاحمر بالرفض والابعاد أحد أسباب تلكؤها ونكوصها ودورانها في حدود مسلم بها  ، الان ومع ما لها من انفتاح ومنفذ ولو صغير للحرية في الاختيار والبوح جاءت أسباب أخرى جديدة ومستحدثة لتعرقل تحركها ونهوضها  منها :
ـ غياب السيولة المادية التي تسمح بتقديم انتاج درامي معافى وبالذات لقناة العراقية وهي القناة الام بين القنوات العراقية المتعددة .
ـ كثرة القنوات وتعددها وعزوف الاغلب منها عن تقديم الدراما العراقية وان قدمتها فهي تقدمها ضمن أجندات تتبع سياسة وأيديولوجية  القناة .
ـ الرقابة الجديدة والتي تفرض على الكاتب مواضيع الكتابة المحرضة أحيانا والمبطنة أحيانا بتوجهات  بعيدة عن روح الدراما المسالمة .
ـ وجود شركات الانتاج الخاص والعاملة كمنتج منفذ لبعض القنوات وتعمدها أضعاف المنجز الدرامي من خلال حسابات الربح والخسارة على حساب الفنان العراقي و على حساب عافية المنتج الدرامي .
واحد + واحد واللون الواحد
في هذا المسلسل الذي كتبه الفنان باسل شبيب وأخرجه جمال عبد جاسم ولعب الدور الرئيس فيه الفنان قاسم الملاك يواجهنا سؤال هل هذا النص كوميدي أم أنه نص درامي اقحمت فيه الكوميديا المفتعلة! الجانب الاجتماعي وعظته موجودة في المتن الحكائي للنص في وجود عائلة لها أسرارها وخلافاتها والتي تؤدي بعد ذلك ومن خلال تتابع الاحداث الى صدامات بين أفرادها وصدامات بينها وبين شخصيات أخرى ترتبط معها بروابط عاطفية أو روابط قربى أو روابط عمل ، المشكلة في هذا المسلسل هو أختيار الشخصيات المؤدية فبعضها لم يكن المخرج موفقا في تقديمها لان هذا الاختيار جاء بقصد توجيه العمل قسرا نحو الكوميديا ! وعلى الرغم من أن المخرج حاول أظهار بغداد ومناطق شمال العراق بشكل جمالي ونظافة  متناهية الا أن هذا التعميم في أختيار مناطق التصوير أوقع العمل في عدم المصداقية وحدد زوايا الرؤية ومساحاتها وتوقف عند البيوت الفخمة والمليئة بالاثاث الحديث المذهب والملتمع والمشابه في كل البيوتات التي تم تجسيد العمل داخل منافذها وحتى بيت القصاب كان هو الاخر ينتمي الى بيت فنان تشكيلي أكثر من أنتمائه الى بيت قصاب يدير محلا بسيطا لبيع اللحوم ! والكل في ملابس غاية في الاناقة والنظافة حتى في كراج تصليح السيارات فلا وجود لبقايا الدهون أو المواد المستخدمة في تصليح السيارات من أصباغ وزيوت ، كما أن أغلب الممثلين يتنقلون باحدث المركبات وكأننا في عالم جديد ليس له علاقة بالعراق وتنوعه وأختلاف المستوى المعاشي بين طبقاته ! تدور حكاية العمل بين أخوين  توأمين أحدهما عاقل ومسالم والاخر حاد الطباع سريع الغضب ، لم يستطع الفنان الكبيرقاسم الملاك أن يفرز ما بين الاثنين الا من خلال تغيير الملابس والسلوك نسبيا وأن مال في الشخصية الثانية الى المبالغة واستخدام مفردات هدفها الاضحاك لخلق حالة من الجذب للمتلقين( وروحه لأبويه ) و( أمداني ) ، ما تزال شخصية رجب عالقة في أذهان العديد من العراقيين للفنان الكبير قاسم الملاك والتي أحبه المتلقون لاجلها ولاجل شخصيات أخرى تليق بموهبته قدمها في أعمال سينمائية ناجحة ( حب في بغداد ) و ( فائق يتزوج ) و ( ستة على ستة ) ، مر المسلسل مرورا خجولا على المتلقين بعد أن أوضح حكايته منذ بدايات الاحداث وسقط في التكرار والمط والتوقع ، رغم التمعات الاداء لبعض الفنانين المتميزين  الذين جمعهم العمل مثل بتول عزيز و جمانه كريم وشروق الحسن ومازن محمد ولم يكن دور الفنانة أسيا كمال يرقى لموهبتها ، وأدى باقي الممثلين أدوارهم بالحدود المرسومة لهم وجاءت النهاية على طريقة الافلام المصرية في الخمسينيات فقد تجمع الكل في طائرة  مع العرسان ولا ندري هل كانت الطائرة خاصة أم من طائرات الخطوط الجوية العراقية !! على الفنان مخرجا كان أم ممثلا أن يعيد النظر في أختياراته وما يقدم وما هو الجديد والمبتكر فيما يقدم أما التفكير في الظهور والربح دون أحترام للتأريخ  الفني والمكانة فذلك ليس في صالح الدراما العراقية ولا تأريخا ولا يمنحها فرصة المنافسة والتميز مع الاعمال العربية التي تطل  علينا بقوة  وجرأة ..
 
أحلام السنين وغياب الرؤية …
شوقي كريم كاتب عراقي متميز وعلي أبو سيف مخرج تشهد  مسلسلات الدهانة ورباب ورازقية على كفاءته ولكن أحلام السنين جاءت لتهز هذه القناعات وتثير لسعات الاسئلة عن مسلسل جمع العديد من نجوم الدراما العراقية المزكاة مواهبهم مثل الفنانين محمود أبو العباس وفلاح ابراهيم ومهدي الحسيني وهناء محمد وسمر محمد وأنعام الربيعي وأياد الطائي وحسين عجاج ومجموعة من الشباب و اعلاميات نقلهم الى موقع التمثيل لغرض تجديد الوجوه ! وتولت شركة انتاج عراقية كمنتج منفذ لأنتاج المسلسل وكانت (الام بي سي عراق ) هي الجهة الممولة للانتاج الذي جاء متواضعا في أغلب المواقع والزوايا المحصورة  مع تعدد الالوان في الاكسسوارات وخلو الاماكن من الحياة ثم فجأة وفي مشاهد تالية نرى تغييرا بوجود متعلقات جديدة وتوزيع عدد من الحيوانات  والاكسسوارات فيها وهذا أيضا ينطبق على وجود شخصيات ظهرت بعد مرور ما يزيد عن  التسع حلقات كزوجتّي الشيخ وخاله ، وحيرتنا شخصية الملا فلا هو معلم  للصبيان ولا هو صاحب ضمير معارض للشيخ وطريقته في قيادة الامور وظلمه للاخرين ولا هو شخصية كوميدية تنضم الى لّصي القرية الباحثين عن الغنائم بين الدجاج والحمير لذا ضاع الممثل في تجسيد الشخصية وتقديمها  ! من المفترض ان كان ثمة خلل في بناء الشخصيات أن يقوم المخرج اذا كان عارفا أن مهمة الاخراج ليس تنفيذ ما جاء في الورق المكتوب بل تقديم قراءة جديدة تلعب بها لغة المرئي التعبيري وتغيير البناء والحذف والاضافة دورا كبيرا لترصين المكتوب وجعله مقنعا ، جاءت بعض الشخصيات الدرامية دون أن يكون هناك مبرر لوجودها كشخصية الصبية التي تتابع القطار وتسأل عن طرقه البعيدة ! الشاب الذي كان يغني طوال وجوده  (  كان الصوت لمطرب أخر ) بالمسلسل دون عمل في الارض وهو فلاح وأصحابه والعارفين بحاله يعملون فيما يفترض أنها أرض زراعية وليست جزءا من بستان ، لم نعرف لماذا هناك محاولة لاخذ الثأر من الشيخ ولاجل ماذا تم القتل هل بسبب حب المرأة والتنافس على نيل قلبها وهي المتزوجة أصلا أم من أجل نيل السلطة والتربع على ديوان المشيخة وماهو ذاك السر مابين  الشيخ وسركاله  ولماذا وافق الشيخ وبكل سهولة على دفع فدية ظل ينكرها طوال الوقت ويزيحها كتهمة عنه ؟ ثم كيف ينتهي الامر بهذه السهولة بمقتل الشيخ على يد زوجته الصغيرة التي لم نره يعذبها أو يمارس معها ما فيه قسوة وأغتصابا ؟ ثم نقف أمام ذهاب الشابيناللذين  تعرضا للظلم والاهانة على يد الشيخ وفي ديوانه وأمام الجمع الذي لم يحرك ساكنا لنصرتهم الى المدينة وكل يذهب الى جهة ثم حين يلتقيان والفترة ليست بالطويلة لا يتعرفان على بعضهما وليس ثمة تغيير دراماتيكي لدى الاخر يضلل في معرفته ، وحبكة في صياغة حكاية داخل حكاية ليكتشف الفلاح القادم من أعماق الناحية أن الرجوع الى تلك الناحية البعيدة  التي جاء منها هو أكثر أمانا رغم وجود الشيخ وظلمه وبعد مقتل ابن عمه بسبب الغيرة والتنافس ،النص تشتت في عدم معرفة البيئة ودراستها والغور في أعماق الاحداث وقيادتها وجاءت مشاهد المدينة مبتسرة ومحددة والعلاقات سريعة وغير مقنعة وجاء الاخراج متعجلا غير متأمل ولا متعمق  في ايقاع بطيء وتركيبة مشهدية مرتبكة وانتقالات درامية متوقعة  وغاب عنصر الشد والتشويق ومضى العمل في توجهه  تاركا العديد من التساؤلات التي تحتاج الى اجابة !
واذ نبارك كل الجهود التي تبذل لتقديم دراما عراقية رصينة  لكن لابد من تشخيص حالات الضعف والاخفاق لوضع الدراما العراقية على السكة الصحيحة بدون مجاملات وتبريرات ، الدراما العراقية تحتاج الى دراما تورك يتابع وينّبه الى عادات وتقاليد  موجودة في الجنوب العراقي الذي تميز بخصوصيته بيئة وحضورا انسانيا  بعيدا عن الاجتهاد الذي ينعكس سلبا على العمل الدرامي .

دعواطف نعيم/ كاتبة ومخرجة مسرحية عراقية

 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت