موريتانيا بين إشراقةِ تاريخٍ وثقافةٍ ومسرحٍ طموحُهُ النُّورُ والثَّبات/ علي باقر
بلدٌ عربيٌّ مسلمٌ أودُّ أن أستنطق مسرحه الذي يحاكي قضايا أمتنا العربية من أبنائه الفنانين الذين يحاولون تنشيطة بجهودهم المخلصة ليكون لهم وهجاً فنياً وثقافياً يبرز بلدهم بين بلدان العالم ، لذا تجدهم يحفرون لهم اسماً ناصعاً من النور، بل يسهمون كما يسهم شباب أبناء الوطن العربي كل حسب اجتهاده ومثابرته في رفد ” الرُّكح ” بسمو ثقافاتهم ودعم بلدنهم بما يتاح لديهم من إمكانات متواضعه لخلق الإبداع و اكتشاف الطاقات الشبابية بجهودهم الخلَّاقة المتواضعة ، أنهم أبناء الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وقبل أن أسبر أغوار مسرحهم الموريتاني وأسلط الضوء قليلا على هذا البلد .. أحببت أن أتعرف على هذا البلد العربي الذي أطلق الأوربيون عليه اسم بلاد ” المور” والتي يشمل آنذاك سكان المغرب العربي والأندلس و الأمازيغ فجاءت كلمة ” موريتانيا ” تعني بلاد المور أي بلاد ذوي اللَّون الأسود ، كما أن الفينيقيين أطلقوا على القبائل البدوية الأمازيغية التي تقطن الصحراء اسم ” مورو”. أما تسمية ” موريتانيا ” فيرجع إلى العصر القرطاجي والروماني فكانت آنذاك دولتان قديمتان في شمال أفريقيا أحدهما تسمى موريتانيا القيصرية و موريتانيا الطنجية ، لكن المشروع الاستعماري الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر الذي يقوده كزافيية كابولاني قائد الحملة الفرنسية هو الذي أطلق اسم ” موريتانيا ” على هذه البلاد الواقعة بين المغرب و السنغال التي كان يطلق عليها ” أرض الرجال السمر” ، أما عند العرب أهل المشرق فكانت تسمى صحراء الملثمين أو بلاد لمتونة أو بلاد شنقيط و أقدم التَّسميات أطلقت على بلاد موريتانيا عن الجغرافيين العرب ” بلاد أنبية ” أما عامة سكان موريتانيا آنذاك يسمونها ” أرض البيضان ” مقابل البلدان التي تقع جنوبها أرض السودان.
و اليوم الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي تعد نقطة وصل بين شمال أفريقيا و جنوبها و التي تمتاز بصحراء موريتانيا الشاسعة منذ آلاف السنين ، تجمع أيضا أصولا متنوعة من أعرق القبائل و كذلك الثقافات المختلفة عربيةً و أفريقيةً يطول البحث فيها.
هذا التعريف المتواضع لهذا البلد العربي المسلم دفعني أن أسبر أغوار المسرح فيه و كان يستلزم مني التعرف على فنانيه الكرام أولاً لأنهم بمثابة المفاتيح للولوج إلى التعرف على مسرحهم و همومهم .. فإلحاحي للنهل من معين ثقافاتهم كان دافعاً لي لغرس تواصل محموم و محب في إقامة صداقات إنسانية بيني و بينهم لذا فإنني لم أهزم أو أتراجع رغم محاولاتي التي طالت السنتين تقريباً في البحث و أخيراً ظفرت بأصدقاء من الفنانين الموريتانيين الكرماء مِنْ هؤلاء الفنان والمخرج المسرحي الشَّاب بنو مختار مختار.
المخرج بنو مختار مختار
الذي حاورته حول المسرح الموريتاني فلبي طلبي مشكوراً رغم انشغلاته ، كان شغفي أن أعرف البدايات عن المسرح الموريتاني ، كيف بزغ نوره ، ومَنْ هم رواد الحركة المسرحية في بلده؟
فأجاب أنَّ موريتانيا لم تعرف المسرح إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين بالتحديد في عام 1958 ، وإنَّ الفرقة ” الكيكوطية ” التي كان يترأسها آنذاك همام أفَّال الذي يعتبر من الجيل الأول في التأسيس للحركة المسرحية ، رغم أن هذه الفرقة اعتمدت على تشخيص النصوص أداء دون ترجمتها حركياً ، لكن يحسب لجيل الرُّواد الثَّاني من المسرحيين الموريتانيين التطوير في العروض المسرحية من حيث ترجمة النُّصوص الدَّرامية إلى أفعال تشخيصية للقضايا الاجتماعية على الخشبة ، فاعتمدوا في العروض المسرحية اللوحات و الحركات التعبيرية و الانتقال التفاعلي بين الشخوص على الخشبة و كذلك السنوغرافيا ، فقد ذكر الكاتب والفنان المسرحي بون ولد أميدة: ” يرجع الفضل إلى الفنان محمد الأمين ولد عداهي في إنعاش الحياة الثقافية المسرحية لدي الموريتانيين فقد اعتمد النصوص المسرحية الوطنية لأول مرة ، و كان الفعل المسرحي يؤدى بحركات فنية محسوبة والعرض لا يخلو من الديكور و الاكسسوارات و الإضاءة و الموسيقى “.
وفي منتصف الثمانينات ظهر فجر ” الاتحاد الوطني لمسرح الهواة ” الذي يعدُّ المنعطف المهم في تاريخ المسرح الموريتاني لما له من قوة ، فقد امتدَّ عطاؤه في الدَّاخل و الخارج وكانت له مشاركات في مهرجانات دولية أهمها ” مهرجان قرطاج و مهرجان يوم الطالب اللِّيبي و مهرجان المنستير و مهرجان أبي رقاق ، و مهرجان المسرح الفرانكفوني في أبيدجان العاصمة الاقتصادية لجمهورية ساحل العاج ، ولكن هذا الاتحاد النَّشط ترصدته عوائق حالت دون استمراره فانتهت مسيرته المسرحية بعد سنوات ناضجة من العطاء ، وفي عام 1990 ظهرت فرقة المسرح الشعبي و نالت تجاوباً منقطعاً في ظل غياب أي منافس في الساحة الفنية وهذه الفرقة لم تهتم بالجوانب الفنية و اعتمدت مسرحياتها على الفكاهة و التنكيت و المباشرة في طرح موضوعاتها على الخشبة ، أما المسرح الموريتاني الذي عرف بطاقاته المسرحية الإبداعية الواعدة كانت ولادته في منتصف التسعينات بالتحديد في 1996 من القرن العشرين ، فظهر المسرح الاحترافي و المسرح الجاد الذي قاد المسرح الموريتاني نحو التأسيس و الهوية و التَّميز والإبداع وقد ساعد ذلك على ولادة جمعيات وفرق مسرحية فنية مثل : المخضرميون و التَّضامن و التَّوعية والهلال والنُّجوم والمعرفة و المسرح الجديد الذي قاده المخرجان التقي ولد عبدالحي و بابا ولد ميني.
وما زال المسرح الموريتاني يتأرجح بسبب عوائق تواجه مسيرته الابداعية منها إدارية و مادية و إعلامية وتكوينية وتنظيمية و بشرية أيضاً ، فمن أهم المشاكل التي تحاصر المسرح الموريتاني و تؤثر فيه عدم وجود أماكن عرض مسرحي لا في العاصمة نواكشوط ولا في المدن الأخرى و تقتصر العروض اليوم في دار الشَّباب الجديدة و القديمة ، فكلتا الدارين تعانيان أوضاعاً يرثى لهما جراء الإهمال طيلة عقود من الزمن.
و بسؤالي لصديقي المخرج الفنَّان بنو مختار مختار عن الجمعيات المسرحية في موريتانيا المرخَّصة تحت مظلة وزارة الثقافة المويتانية والدَّور الذي تقوم به لتنشيط الحركة المسرحية في موريتانيا.
ذكر لي : أن من أبرز الجمعيات التي كانت تمتاز بالنشاط الفني أبان الفترة الزمنية جمعيات غرناطة و الرسالة و المرابطون و شنقيط وهي إحدى كبريات الجمعيات المسرحية الموريتانية و أكثرها صيتاً و عطاء وهناك فرق مسرحية منها الخلاص و المسرح الطلائعي و المرآة.
وسألته : ماهي المعوقات التي تعوق تقدُّم و نهضة الفن المسرحي الموريتاني اليوم ؟ تحدث لي
بمرارة : أن فرقنا المسرحية تأمل أن تحظى بمكانة مثلى لدى الدولة متمثلة في وزارة الثقافة فتعيرها الاهتمام الكبير لتتمكن من القيام بدورها الفني ، وتسهم إسهاما نهضوياً في رقي المسرح الموريتاني فنياً و ثقافياً.
تشجعت من ثرائه التَّوثيقي لبدايات المسرح الموريتاني وعوائقه فبادرته بالسؤال : سمعت عن تواصل فني نشط خلال السنتين الماضيتين بين الفنانين الموريتانيين في مجال المسرح و الهيئة العربية للمسرح في الشارقة التي لها فضل كبير على الثقافة بشكل عام و المسرح العربي بشكل خاص ، و قد تجسد هذا التَّواصل معكم من خلال زيارة رسمية لأمينها العام الكاتب الإماراتي الفنان والأستاذ إسماعيل عبدالله مع وفد إداري من الهيئة ، فما هي ثمرات هذا التَّواصل كما ترى و انعكاساتها على تطور النَّهضة المسرحية الموريتانية مستقبلاً؟
فأجاب : نعم .. ماذكرته كان صحيحاً .. كانت الحركة المسرحية الموريتانية في تنامي و نشاط منذ سنتين ، وهذا النشاط المتنامي تحقق نتيجة التعاون و دعم الهيئة العربية للمسرح الموريتاني و أرى أنَّ التَّعاون أثمر نتيجة النَّوايا الصَّادقة من الهيئة العربية والفنانين الذين يمارسون الفن المسرحي في بلادي موريتانيا . وقد تمخض هذا التَّواصل المثمر عن إقامة مهرجان مسرحي نظمته الدولة و تجلى فيه الإبداع المسرحي نأمل استمراره لو سنوياً مرة لنجتمع حول الخشبة المسرحية و نرى عروضاً مسرحية متنوعة من الشباب ، المسرح غذاء فني راقٍ فقد شهدنا من قبل مهرجانا مسرحيا مدرسيا في عام 2010.
بادرتُهُ قائلاً : أعرف عنك أنك فنان و مخرج من جيل الشباب ، أريد التَّعرف على تجاربك الفنية المسرحية ، ما هو إنطباعك عن الشَّباب الموريتاني اليوم مع المسرح؟
أجاب مباشرة : كلُّ تجاربي المسرحية مليئة بالكفاح ، إذ لايمكن أن أوفر ” فلسا واحداً ” ولا توجد لدي جهة داعمة أتكأ عليها ، كما أنني أتعب كثيراً في البحث عن مكان للتدريب و كذلك للعرض .. لكن ما يدفعني للاستمرار هو إيماني بهذا الفن الراقي و أحاول مع فريقي من الشَّباب أن نخلق فرجة فنية ، وهذا ما جعلهم ينحازون معي لهذا الفن وبالفعل أطلقنا دورات تكوينية وقد استقبلها شبابنا الموريتاني بروح فنية نشطةٍ وجدٍ و مثابرة.
قلت له : أعرف الكثير من المنافسات الأدبية في مجال الشعر ، وقد حقق الشعراء الموريتانيون تقدماً ، بل وتبؤوا مراكز السَّبق ، حدثني عن تلك المهرجانات المنافسات الأدبية التي شاركت فيها موريتانيا خارجياً ، وما نتائجها؟
اكتفي صديقي بنو مختار مختار بالقول دون إسهاب : ” أن الفرق الموريتانية شاركت في عدة مهرجانات خارج الوطن وكانت بمثابة تجارب وأخذ خبرة ” . و أضفت له : ” من خلال متابعتي للمنافسات الأدبية الموريتانية و بحثي وجدت أن شعراء موريتانيين يفوزون بجوائز السبق في مواسم برنامج ” أمير الشعراء ” وهو البرنامج الإماراتي تابعه الكثيرون عبر القنوات الفضائية مباشرة وقد أعلنت لجنة التحكيم في المواسم الستة لهذا البرنامج الأدبي فوز الشَّاعر محمد ولد الطالب في الموسم الأول و حقق المركز الثاني ، كما فاز الشَّاعر آدي ولد أدبا بالمركز الخامس في الموسم الثاني ، وفاز الشَّاعر الشيخ ولد بلَّعمش بالمركز الثالث في الموسم الخامس و أيضا فاز الشاعر محمد ولد إدوم بالمركز الثالث في الموسم السادس.
وجهت لصديقي الفنَّان الموريتاني بنو مختارمختار سؤالي الأخير: ماهو طموحكم كفنانين مشتغلين بالمسرح الموريتاني و أنتم ترون أزدهار المسرح في بلدان الجوار لكم على سبيل المثال الجزائر و تونس و المغرب.
قال بإيجاز: ” طموحنا خلق مسرح موريتاني حقيقي يكون برعاية و اعتراف ودعم من الدَّولة .. و أملنا في بلادنا أن تفتح الدَّولة لنا معاهد أكاديمية لدراسة المسرح و علومه التَّخصصية و تشييد لنا صالات و قاعات و مسرح مجهزة للعروض المسرحية.
وفي أخر اللقاء وجهة له الشكر الجزيل لوقفته و لرحابة صدره .
علي باقر – مملكة البحرين