نحو مستقبل المسرح ( المسرح اقرب الى المتلقي )/ علي محمود السوداني
المسرح يتغير ليس فيه نسقاً ثابتاً بل يتجاوز كل الامكنة والفضاءات باحثاً عن كشوفات جديدة ومركبات تجعله مواكبا للتطورات العلمية والفلسفية والتكنولوجية.
المسرح جسد حي بالضبط كالتقنيات الرقمية والوسائط المتعددة التي تجعل من حياتنا اكثر تواصل, ومن عزلتنا اكثر حياة من خلال الوسائل التي يتكون منها هذا الاتصال الحي المباشر الذي اعاد لنا الجمهور البسيط الاعتيادي, بعد ما كان للنخبة. وخاصة مسرحنا العراقي الذي لا تتجاوز عروضه أ ن تكون عبارة عن مناسبة ليومين او ثلاثة وبتالي يتحول العرض الى مادة ارشيفية او عينة يستخدمها الباحثون في دراساتهم البحثية. هنا العزلة الحقيقية فمسرحنا وتجاربنا مصابه بفايروس كورونا منذ زمن بعيد من خلال عدم وجود المتلقي الاعتيادي، فالتجارب المسرحية العراقية يتيمة في الداخل بسبب عدم وجود الادارة الثقافية للمشروع كباقي البلدان الاخرى بعيد البلدان التي لها مشاريع فنية وثقافية مستمرة او يقتصر على مشاركة خارجية هنا وهناك .
الان في وقتنا الحاضر يمر المسرح بافضل حالته وخير دليل التجارب الاوربية التي تعرض من خلال المنصات الرقمية عروضها المسرحية والاوبرا والامسيات الموسيقية الى… الخ اثبتت نجاحا كبيرا وتواصلا مع المتلقي بشكل رائع من خلال التعامل الصحيح للتقنية وطريقة استخدامها.
الوسائط الرقمية والوسائل التقنية هي ليست بعيدة عن المسرح او تحاول قتل المسرح بالعكس هي تحاول دائما الى الاستمرار بشكل عالي في انتاج الثقافة وبشكل اسرع واكثر اماناً , بحيث التطور لا يعني ازاحة التقليد بل التكيف مع المستجدات في عالمنا المعاصر ، ومن هنا نقول لكل عرض له خصوصية وله طريقة في الانتاج والعرض، ما ينقصنا هو الاستخدام الصحيح للتقنية, اي نتعرف على هذه التقنية بشكل اقرب ومعرفة كل سماتها الفكرية والجمالية والية اشتغالها وانتاجها .
المسرح عبارة عن منظومات عديدة تعمل بشكل دقيق من خلال تناغمها وانسجامها وتفاعلها والية عملها في انتاج عرض مسرحي حي يحمل كل المضامين الفكرية والجمالية . هنا علينا التفكير بمستقبل المسرح وفق هذا التطور لا ان نبقى رافضين التطور والاندماج مع الثورة التكنولوجيا الهائلة بالعرض المسرحي ، علينا ان نفكر في ابتكار يحافظ المسرح على الطقس والروحية وهذا الالتقاء المباشر عبر هذه الوسائل لماذا دائما ننظر تجارب الاوربية ان ترشدنا الى ما هو جديد ? او تحاول ان تكتشف لنا ما نريد استخدامه? ، لماذا نبقى شعوب مستهلكة وليس شعوب انتاجية نعمل وفق هذا التغير والتطور ? ونحاول بكل قوة من عمل توازن بين المنتج وبين طريقة الانتاج .
عالمنا مقبل على الرقمية وخاصتنا بعد اكتشاف السيارة الهايدروجينية التي تستهلك طاقة اقل واكثر امان واسرع بالاضافة الى التحكم بها يكون عن طريق العقل البشري فضلا عن قيادتها بشكل مباشر ، العالم يتطور بشكل سريع وعلينا ان نواكب هذا التطور وفق مبادئ صحيحة فالاتجاهات والتقنيات المسرحية تطورت بشكل ملحوظ بين الرافعات بالاكياس الترابية قديماً والان الرافعات بالريموت كانترول بين الاضاءة بالمشاغل والفوانيس ولان والمصباح الكهربائي الى تطور حتى وصل الى الليزر والاضاءة المتحركة متعددة الالوان, الاسقاط الضوئي والوسائط المتعددة بين الفضاء والمنظر الاعتيادي الى الفضاء الرقمي الافتراضي واستخداماتها حتى الخشبات المتحركة وحتى القاعات التي تتحول الى منصة وخشبة مسرح ومدرجات وبكبسة واحدة تتحول الى ارض منبسطة وقاعة تمرين ، الان من خلال هذه التقنيات الجديدة والوسائل الرقمية تغير حتى مكان العرض الان بالامكان العرض في اي حيز او فراغ ممكن العرض بشكل تكاملي تقني فني .
هي دعوة الى ان نتأقلم ونتعلم ونحاول الوصول الى كشوفات جديدة تجعل مسرحنا حي بكل الظروف والامكنة حتى نبقى على الحياة يبقى المسرح ضرورة حتى الاف السنين القادمة من خلال التكيف مع المستقبل والبحث الكبير في استثمار هذه التقنيات داخل المسرح او خارج المسرح كالمنصات الرقمية للمسرح اون لاين هذا لا يختلف عن ذاك فقط في طريقة الاشتغال واستثمار المنصة لطرح المنتج الفني من خلال المنصات الرقمية التي تختلف بتقنياتها وطريقة استخدامها من خلال التعرف على خصائصها والية العمل من خلالها لتحقق اكبر عدد من المشاهدين, الذي لا يسع اكبر ملاعب العالم اتساعه ، هناك عروض اوربية وصلت المشاهدة الى 50 مليون مشاهد ومتفاعل مع العرض من خلال الكومنت الذي يضعه على العرض بكلمات غاية في الدهشة والانبهار . وهذا يعني هناك تفاعل مع هذا المسرح عبر المنصة الرقمية وخاصتنا اذا كانت طريقة الانتاج بشكل احترافي عملي تقني. فعروض المخرج العالمي روبرت ليباج والتي انبهر بها العالم العربي لم نشاهدها الا من خلال هذه المنصات الرقمية كانت عروض عالية التقانة عروض مسرحية منضبطة فيها روح واحساس فيها شاعرية عالية يجسد الممثل مع الاداء الرقمي واشتغال الوسائط مع الكاميرات الرقمية التي نقلت العرض .
هي دعوة للتفكير .. فالفن نشاط عقلي حسي مدرك من خلال الوسائل الممكنة في تحقيق هدفها . هي دعوة الى استثمار هذه التقنية وهذه المنصات لتكون اكثر فعاله في خدمة الانسان في خدمة المجتمع في خدمة العلم .. هي دعوة الى التكيف مع العالم الرقمي للوصول الى غاية من الدهشة الفكرية والجمالية .
السينوغراف علي محمود السوداني العراق 2010/7/11