أبو صامولة …. ساذج مع سبق الإصرار/ نسرين نور

في إطار فعاليات مبادرة اضحك .. فكر .. اعرف.. بدعم من وزارة الثقافة المصرية وعلى قناتها على اليوتيوب وبإشراف الإداري النشيط المخرج سامح بسيوني ..كان العرض المسرحي أبوصامولة المأخوذ عن قصة قصيرة لأنطون تشيكوف (مع سبق الإصرار)
تحكي القصة عن فلاح بسيط شديد البساطة والسذاجة لكنه _مع أهل قريته _يتسببون في كارثة حادثة قطار راح ضحيته العديد من البشر. القصة التي اتخذت الحوار شكلا لها يأتي المحقق للقرية للتحقيق مع فلاح ضبط _بعد الحادث بشهور_ متلبسا بالجرم المشهود وهو يفك “صواميل الفلنكات” مما يتسببب في الحوادث الكارثية  حين يخرج القطار عن قضيبه.
التزم المعد والمخرج  محمد مرسي بالقصة مضمونا وحبكة لكن استبدل شخصية المحقق بشخصية الطبيب النفسي وشخصية الفلاح بشخصية صياد ينتمي لقرية للصيادين ، ولم يلتزم بالزمان حيث كتبت القصة قبل مائة وخمسة وثلاثين عاما وتدور احداثها في زمن كتابتها _حيث لا يوجد ما يدل على عكس ذلك _ في حين أن المسرحية تدور في زمننا الحاضر.

من الرائع تناول أعمال كاتب كبير مثل تشيكوف لأن شخصياته عالمية ذلك لنحيازه  للنفس البشرية بكل تناقضاتها وتتبع الدوافع وراء افعالها يجعلها أكثر قربا لشخصيات نراها ونتعامل معها احيانا في حياتنا اليومية ، ومع تشابهه الظروف حيث الشبهه بين المجتمع الروسي (خاصة الريف) والمجتمع المصري . يجعل من اختيار أعمال تشيكوف حلا عبقريا .،تشيكوف الطبيب  جراح يٌشًرح شخصياته ويعرضها الطبقة تلو الطبقة فلا تستطيع أن تحكم على شخصياته أبدا أحكاما اخلاقيه مطلقة .، فلا أخيار ولا أشرار .
لا أدري لما أراد المخرج بوصفه معدا للنص الانتقال بمكان الحدث من غرفة تحقيق إلى مكتب طبيب نفسي مٌكًلف من قبل السلطات_ومٌراقب منها_  بالكشف على القوى العقلية للمتهم ، الذي حرص تشيكوف على عرض سذاجته والإشارة إليها بشكل صريح فهو كالطفل الذي ولد بالأمس . فلاح لا يريد الشر أبدا وليس مدركا لأبعاد فعلته ، ليس عن قصور عقلي أو مرض نفسي ولكن فقط (هذا ما قيل صراحة في النهاية)جهل ، غباء ، إنعدام وعي .

العرض في مجمله ممتع وكان سيزيد إمتاعا إذا ما خفت حدة محاولات الإضحاك المستمرة من قبل الممثل رضا أدريس التي سببتفي التشويش  على الحدث الرئيس ومن ثم على الشخصية ذاتها _غالبا لم يدرك الممثل أبعادها بدقة _ذلك التشويش على المشكلة الأساسية (سرقة صواميل قضبان القطار لإستخدامها في الصيد مما تسسبب في كارثة وسذاجة هذا الصياد وانحصار رؤيته للعالم من خلال زاوية ضيقة جدا هي زاوية مصلحته الشخصية)
هذا التشويش كان من الممكن قبوله إن نجح الممثل في إضحاكنا مثلا لكن ذلك لم يحدث . “الإفيه” كلمه محوره من EFEECT أي تأثير لذا أي “أفيه” لا يؤدي الهدف من وجوده وهو الضحك إزالته والتخلص منه أفضل لإنه طالما قيل سيحدث تأثيرا  ما إن لم يكن إيجابي فهو سلبي بالتأكيد .
آداء رصين للممثل إسلام عبد الشفيع في دور الطبيب النفسي الذي لم يجنح للمبالغة واللهث وراء الكوميديا المفتعلة ذلك أن شخصية الطبيب النفسي من الشخصيات المغرية لأي ممثل بالمبالغة في الآداء والحركة .
الديكور للمهندس المخضرم “وليد جابر” كان مريحا للعين ويوحي بالاتساع والفخامة كذلك الإضاءة التي عبرت عن مختلف الحالات وإن كنت لم اتمكن من معرفة السبب وراء تغير حالة الإضاءة  _حيث يتم تبادل الأدوار_وعلاقته بتطور الحدث الرئيسي أو الشخصية ، حيث لقطات كاميرا وكادرات ثابته توحي للمشاهد بتبادل الأدوار بين الطبيب والصياد حيث يسيطر الصياد ويرتدي نظارة شمسية كنظارة الضباط وأصحاب الهيمنة والسلطة ويخضع الطبيب لسيطرته ولم اتمكن من فهم العلاقة بين تلك الحالة والحدث الرئيس أو الشخصية ، ماذا يعني ذلك وهل كان حٌلما أم ماذا ؟؟ وهل يحلم شخص يتم التأكيد باستمرار على سذاجته بأن يصبح مكان الطبيب ؟!!

تنتهي القصة عند تشيكوف بالذهاب بالفلاح بوصفه متهما إلى السجن ، الذي بدوره لم يقتنع أبدا للنهاية بأنه رجل شرير أو أجرم في حق احد فماذا يعني أخذه للصواميل وهل هو وحده من يفعلها ويصرخ معلنا أنه إنسان صالح ومتدين ولم يكذب أبدا أذلك يكون جزاءه وكأن تشيكوف لم يرد أن تنتهي القصة دون أن يعرض جوانب شخصيته كافة ، فهو يرى نفسه والعالم من زاوية مفردات وبيئة عالمة الضيقة جدا (آلا يشبه الكثير من البسطاء في عالمنا الأن حتى بتدينهم الرافض لكل ما هو مختلف ) .
في حين يبدأ وينتهي العرض بالطبيب النفسي جالسا يشاهد الدكتور مصطفى محمود وهو يتحدث عن النفس البشرية والطبيعة الحية الفطرية ، عادة ما يرتبط في اذهان _جيلنا_ الدكتور مصطفى محمود وبرنامجه الشهير “العلم والإيمان” بالحيوان والحشرات وكائنات تحيا بالقرب منا لكن لا نعرف الكثير عن حياتها أو طريقة رؤيتها للأشياء أوفهمها للعالم . ولكم كان الشبهه شديدا بين الشخصية التي يعرضها (الصياد الساذج) وبين أناس وحيوانات وكائنات تحيا ملاصقة لنا تقريبا ولا ندري عنها شيئا.

أبو صامولة عن قصة (مع سبق الإصرار للكاتب العالمي تشيكوف)
ديكور : وليد جابر
إضاءة : إبراهيم الفرن
تمثيل : رضا إدريس ، إسلام عبد الشفيع
إعداد وإخراج: محمد مرسي
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت