الحوار اللامكتوب في العرض المسرحي (الحلقة: 1) / بقلم: عبدالصاحب ابراهیم اميري

قبل الدخول في بحث موضوع الحوار المكتوب واللامكتوب، لابد من القول إنَّ الأدب المسرحي من الأداب التي يصعب على المتلقي العادي فهمها وإدراكها، عکس ما یتصورهُ العامة ، وإنَّ الکاتب المسرحي علیه أن یتسلح بأسلحة خاصة بهِ شأنهُ شأن أي صاحب حرفة ، الإ إن أدواته الفنیة تعتمد علی الموهبة والعشق والفکر واللغة وسعة المعلومة ،في مجالاتها المختلفة شأنه شأن الأستاذ المحاضر ، الذي یسأل منه الطالب أسئلةً ، لم یفکر بها في یومٍ ما، فالموهبة الفنیة یجب أن تتوافر في شخصية الكاتب بشكل أولي، وهي أساس إندفاعهِ نحو الکتابة ، الی جانب الفطرة الفنية ، و التي تتمثل في قدرته على رؤية الواقع ، و القيام بتحليله ، و بشكل ٍمتعمقٍ مع إدراكه العالي للمشاكل التي سيكون ملقى على عاتقه طرحها للجمهور ، و كيفية مناقشتها من جانبه بذلك الأسلوب الواعي ، والإدراک المتکامل إلى حدٍ عالٍ ، لكي يتمكن من إيصاله لأكبر عدد من المشاهدین أو القراء أو الأثنين معاً.
و من أدوات الکاتب ، عشقه للمسرح : لو لم يكن الكاتب عاشقاً للمسرح لما تمكن من أن یصبح أباً لمولودٍ ناضج ومؤثر في المجتمع ( الا وهيَّ المسرحیة ) ، و ذلك يرجع إلى أن الكتابة المسرحية في الأساس مختلفة بشكل كبير عن غيرها من الكتابات الأدبية الأخرى ، و ذلك من حيث معرفة دقائق و تفاصيل العروض المسرحية ، و ما الذي يمنحها الجودة الفنية من عدمها .
وهذه الأدوات لم تکتمل ، الإَّ بالخبرة العالية لغوياً ، وذلک لأن البناء المسرحي یعتمد علی الحوار بأنواعهِ ، لفهم وإدراک العمل المسرحي ، حيث يجب على الكاتب أن يكون عارفاً جيداً لقواعد اللغة التي يقوم بالكتابة بها ، و إدراك دلالات الكلمات التي يكتبها علاوة على ضرورة أن يقوم بالكتابة بشكل مكثف من أجل العمل على تطوير مهارات اللغة لديه ، و القدرة على المزج بين اللغة العامية ، و اللغة الفصحى ، و ذلك في الجمل الحوارية التي تعتمد عليها الكتابة المسرحية . شأنه شأن المعمار الذي یقوم ببناء وهندسة البناء ،یحسب لثقل البناء الف حساب وحساب ، کي لا ینهار في یومٍ ما ، وأخیراً ولیس آخراً یجب أن یکون ملماً بثقافة ، من یکتب عنهم ، ویعرفهم معرفة دقیقة ،کأنه قد عاش معهم فترةً من عمرهِ وسافر معهم . إذا ما وجد الکاتب في ذاته هذه السمات ، یستطیع أن یذهب ویکتب مسرحیتهِ الأولی التي تعتمد علی القصةِ والشخصیاتِ والحوار .

والحوارُ في هذا المبحث ، هو ما نرمي إلیه والذي يجب أن يكون الحوار مناسباً للحالة ، و للشخصية المسرحية التي تتحدث ، و لذلك كما يجب أن یکون هناک وضوحاً في تفاصیل الحوار المکتوب واللامکتوب ، فالحوار كل الحوار ،ليس هو الحوار الواضح والمكتوب في النص فحسب ، بل هو الحوار الذي یختفي خلف المکتوب ، قد یکون مغزیً ، وقد یکون تفسیراً ، وقد یکون صمتاً ، والصمت هو أشد أسلحة الکاتب الحواریة ، فالكاتب المسرحي الجيد ، هو ذلک الغواص المتبحر في عملهِ ، الدارک لشؤون البحار وخبایاها، وعليَّه أن یعرف جیداً ، کیف یستعمل کلماته والأحرف ، والآهاتِ ، في أماکنها، کي تکون مؤثرة وکذلک الصمت .
يجب علی الکاتب أن يتقمص الشخصية المسرحية ویعیشها ویعرف تفاصیل حیاتها الیومیة ، وجزئیات تلک الحیاة ،ومعتقداتها وثقافتها حتی لکنةِ لسانها وطریقة حدیثها وکل شيءٍ یخصها ، فالکاتب عندما یرید أن یدون حواره بما فیه المکتوب واللامکتوب والسؤال والإستفهام والتعجب ، وحتی الصمت والآهات ، علیه أن یدونها کما هيَّ ، کما تنطق ، بصراحة متناهیة ومن دون خجل، فمنها تتکون الشخصیة ، ومنها نتعرف علیها ، ومنها تشتد العقدة ومنها یختلق الصراع، فلا مجال لنا من حذف شيء من ملامح الشخصیة ولا من جزئیات الحوار، الا إذا تطلب الموضوع درامیاً .هذا شأن الکاتب…..
أما شأن القارئ ، فأن قراء المسرحية يجب أن يمتلكوا خيالا ً خصباً طريا ، يسهل عملية القراءة وتحليل النص وفك رموزه، وشانها يختلف كثيراً عن شان القصة والقصيدة ، فالوصف في القصة، یرسم جمیع أبعاد الحدث ویجعلک وسط الأحداث ،کذلک حال الشعر ، أما في المسرح ، فسلاح الکاتب الحوار وبالتالي الحرکة والإثارة التي تدفعنا للدخول في الأحداث علی منصة ذات أبعاد یصعب الخروج منها ومعرفة أعماق البحار تصویریاً ، فيكاد أن يكون الحوار المسرحي العمود الفقري في النص ، وبالتالي یجب أن یکون سهلاً للوصول الي قلبِ وعقل المشاهد القابع في الصالة.
إذا ماتمكن الكاتب من إستعمال الحوار بكافة أنواعهِ وملابساتهِ إستعمالاً صحيحاً ، أستطاع بالتالي من کتابة نص خالٍ من العیوب . لذا قررتُ أن أقف الیوم في موضوعي تفصیلاً علی الحوار المکتوب واللامکتوب ، ومن هو مؤلف الحوار اللامکتوب الحقیقي ؟ الکاتب؟ الممثل ؟ المخرج ؟ أم کلُ هؤلاء الثلاثة معاً؟
یفهم العامة إن النص المسرحي ما دام یکتب من قبل الکاتب فإنَّ مؤلفهُ ، هو الکاتب لا غیر .
هذا المفهموم صحیح ، الإ إنَّنا لو غرنا في تفاصیل الموضوع ، نجد إنَّ عوامل الإبداع تتجسد في شخص الممثل والمخرج ، إضافة الی الکاتب ، فالنص المسرحي لم یکتب للقراءة فقط ، بل إنه کتب للمنصَّةِ ، وما دام الممثل هو جزءٌ مهم في العرض المسرحي ، والمخرج مهندسه ، إذن لابد أن یکون لهما سهماً في وصول الحوار المکتوب واللامکتوب والحدث الی قلب المشاهد ، بإستعمال کل اللغات والأشارات ، التي تؤدي الی وصول المفهوم ، کلغة الجسد و الإشارة والفانتومیم والصمت ، وحتی الإضاءة والموسیقی،کلها عوامل مؤثرة في وصول الحدث والحوار وبالتالي الحکایة الی قلب المتفرج . بناءً علی ذلک ولد موضوعي الحوار اللامکتوب وأصبح درساً مؤنساً ، لمن أرادَ التوغل الی عالم المسرح ، هذا العالم السحري العجیب والمدهش ، والذي سیضل باقٍ مادامت الإنسانیة تتنفس ، سؤالٌ یطرح نفسه … هل ان كُلَّ ما يكتب كحوار يفهم كما هو مكتوب… ؟ أم إنَّ خلف بعض الكلمات والجمل معاني ومغازي ورموز ، لم يتمكن الكاتب من النطق بها صراحة والا أنهدم البناء على رأسه . لذا تجده يلف ويدور ، تارة يستعين بالمقدمات لايصال مفهومه ويحقق أهدافه تارةً تجد يخلطُ بين الحوار المكتوب واللا مكتوب في النص المسرحي وأحیاناً یطرق باب لغة الصمت ، أو الإشارة یستنجدها کحوار لحل بعض رموز حوارهِ .. وللبحث صله…
 

عبد الصاحب ابراهیم اميري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت