لماذا خرج المسرح الي الشارع؟/ بقلم:حسام الدين مسعد

سؤال يطرح نفسه بشده علي كل صناع مسرح الشارع
إن كان ثيثبس خرج بعربته للشارع ليحاكي بعض المقاطع التشخيصيه للأساطير القديمه في الوقت الذي لم يكن للمكان المسرحي وجود في هذا العالم فإن هذه الظاهره تقودنا الي بداية بحث الممثل عن جمهور له فذهب الي الشارع ليصادف هذا الجمهور ليقدم لهم فنه لتكتمل عناصر مثلث العرض المسرحي بظهور أهم اضلاعه وهو الجمهور
حتي بعد ان اصبح للمكان المخصص للعرض المسرحي تواجد في عالمنا بطرازه المعماري (العمارة المسرحيه) تم تحديد وضعية هذا الجمهور بالنسبة للعرض المسرحي فخصصت له مقاعد تسمح له بأن يشاهد كل ما يقدم علي منصة التمثيل
وحين تم طرد المسرح من الكنائس بدعوي الإلحاد والوثنيه .خرج المسرح الي الشارع لكنه خرج بشكله التقليدي الذي لم يراعي وضعية هذا الجمهور بالنسبة للمكان الممسرح في الشارع .
إن الحاجة الي الجمهور كأحد أضلاع مثلث العرض المسرحي كانت هي الدافع لخروج المسرح الي الشارع وبالتالي سطرت نظريات التلقي أهمية هذا العنصر في تكوين العرض المسرحي وبحثت في سيكولوجية هذا المتلقي من اجل ان تحدث بخطابها المسرحي تفاعلا معه .فكانت تقنيات اوجستوبوال الخمس إيذانا بمرحلة جديده تحدد أهمية دور المتلقي بالنسبة لما يطرحه العرض المسرحي وتحدد ايضا دوره كمشارك في تغيير الواقع المطروح في هذا العرض ومن ثم فإن هذا التفاعل الإجتماعي الإيجابي كان يتطلب دراسة قضايا وهموم المتلقي اليوميه وطرحها ديالكتيكيا حتي تنتج هذا التفاعل الإيجابي مع العرض الذي يشارك المتلقي بنفسه وداخل رقعة التمثيل في تغيير الواقع المسرحي في العرض المطروح أمامه
 
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏‏أشخاص يقفون‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏
ولذا فإن خروج المسرح الي الشارع لم يكن أذان بموت المسرح بل كان إعلاء لقيمة المسرح ودوره الإجتماعي كفن يذهب الي المهمشين والغير قادرين من أجل تبصيرهم ومد يد العون لهم لتمييز صحيح الفكر من فاسده
ورغم أن الأشكال المسرحيه التي خرجت الي الشارع كانت في باطنها تحمل إحتجاج علي القهر السلطوي والظروف المعيشية القاسيه والنقد اللاذع لأنظمة الحكم مما أفقد بعض العروض جمالياتها الفنيه فتحولت الي مظاهرات إحتجاجيه وهتافيه افتقدت العرض المسرحي في الشارع الي القيمة الفلسفيه التي يهدف إلي تحقيقها وهي التثقيف والتبصير فنري مسرح العصابات هذا الشكل الإحتجاجي. الذي نشأ عام 1965 على يد سان فرانسيسكو مايم تروب، وبإلهام من كتابات تشي جيفارا التي تم من خلالها الحصول على تعبير حرب العصابات. وقد اشترك فرانسيسكو في عروض مسرحية في أماكن عامة تلتزم “بالتغير الاجتماعي السياسي الثوري وقد هدفت العروض التي تقدمها المجموعة إلى مناهضة حرب فيتنام والرأسمالية، وكانت تتضمن في بعض الأحيان موضوعات عن العري والألفاظ النابية والعزل، والتي كانت صادمة لبعض أفراد الجمهور في ذلك الوقت.
كما كانت تُطبق في العروض المسرحية، فإن حرب العصابات (من الكلمة الإسبانية “الحرب الصغيرة”) تصف العفوية والأداء المفاجئ في الأماكن العامة غير المحتملة لجمهور غير متشكك. وتهدف هذه العروض عادة إلى لفت الانتباه إلى قضية سياسية أو اجتماعية من خلال الهجاء والاحتجاج والتقنيات المهرجانية. وكان الكثير من هذه العروض نتيجة مباشرة للحركات الاجتماعية الراديكالية في أواخر الستينيات مرورًا بمنتصف السبعينيات من القرن العشرين .ويُعرف مسرح العصابات أيضًا باسم عرض العصابات، والذي يرتبط في بعض الأحيان بالمسرح السياسي الدعائي التحريضي الذي انتشر في ثلاثينيات القرن العشرين،
*ومن هنا يجب ان نعترف جميعنا ان الشارع في الغرب يختلف عن شارعنا العربي وأيدولوجيات المتلقي العربي تختلف عن إيدولوجيات المتلقي الغربي ومن هذا الإعتراف ينبغي علي صناع التجارب خارج العمارة المسرحيه ان تسبق تجاربهم دراسات ديموجرافيه وسيسيولوجيه وسيكولوجيه للمتلقي في شارعنا العربي هذه الدراسات هي المدخل الأول للخروج بالعرض المسرحي الي الشارع بقصد إحداث تفاعل إجتماعي إيجابي مع متلقي هذا العرض وحتي لا تخرج إتهامات لهذا المتلقي بأنه غير مؤهل لإستقبال المسرح في الشارع هذا المكان المادي الطارئ الذي تتم مسرحته أثناء العرض ثم تزول عقب إنتهاؤه
والذي يتطلب خصوصية نابعه من إنفلاتاته الجغرافيه وطابعه المعماري وطابعه الإجتماعي المكون لأيدولوجيات المتلقي المستهدف
ولذا فإن ممثل العرض المسرحي في الشارع يجب ان يمتلك مهارات فائقه عن تلك التي يمتلكها نظيره الذي يمثل داخل العمارة المسرحيه إذ أن طبيعة المكان الممسرح في الشارع تتطلب الي طاقة فائقه من الممثل في استخدام الصوت والجسد وردة الفعل إضافة الي مهارات التفاعل الإجتماعي الإيجابي واهمها إدارة الحوار مع المتلقي وإستيعاب الأخر والمنطقيه في طرح الأفكار والديالكتيكيه التي تقود الي معرفة
إن الإعتراف بأهمية دور المتلقي كمشارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض هو في ذاته التغيير الذي ننشده من خروج العرض المسرحي الي الشارع وهذا لن يتأتي لصناع مسرح الشارع إلا بالتفاعل الإجتماعي الإيجابي من المتلقي ولن يتأتي هذا التفاعل إلا بالدراسات العلميه للمتلقي كي تكون بمثابة تكوين روابط العلاقه الثنائية بين المتلقي وممثل مسرح الشارع فتحدث تفاعل مع قضية العرض
وعلي سبيل المثال فلقد استخدم بعض صناع مسرح الشارع في فرنسا تقنية المسرح الخفي بأن قاموا بإستيقاف السيارات الماره في الشارع وسحبوا التراخيص الخاصة بقائديها فظن الجمهور أنهم من أفراد الشرطه وظل الأمر لبضع دقائق ضجر فيها الجمهور وتعالت اصواتهم بالرفض ليكشف لهم صناع العرض ان ما تعرضوا له خلال دقائق معدوده يتعرض له كل يوم الفلسطيني الذي يعيش تحت سطوة الإحتلال الإسرائيلي .
ومن خلال هذا الموقف الذي تعرض له المتلقي استطاع أن يتجادل ديالكتيكيا مع ماحدث له ويبلغ غاية دلاليه من العرض مفادها تغيير وجهة نظره بالنسبة للقضية الفلسطينيه وما يتعرض له الفلسطيني داخل الأراضي المحتله .
هذا هو مسرح الشارع ببساطة طرحه للقضايا اليوميه حتي الإحتجاج فيه لا يأخذ الشكل الهتافي التظاهري إنما يهدف للتبصير والتوعيه لهذا المتلقي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت