اختیار الممثل (الحلقة: 5) / بقلم: عبد الصاحب ابراهيم أميري

من كتاب دروس في فن المسرح

 
بقول الفنان المبدع ستانسلافسکي صاحب المدرسة الواقعیة في التمثیل :” حیاة الشخصیة یخلقها الکاتب ، وظیفة الممثل والابداع الفني تکمن في أن الممثل علیه أن یوجد هذه الحیاة الغریبة لنفسه وللوصل لذلک الهدف علی الممثل أن یهدي عینیه وأذنیة وأعصابه للشخصیة ( الدور ) “،
الممثل یجب علیه أن یری ویسمع ویتصرف حقیقة ویتعامل مع الممثل الآخر المقابل له لا بشکل متفق علیه مسبقاً إنما یعیش الحیاة الیومیة العادیة ، وتتصرف وفق هذا، فوظیفة المخرج تنصب في البحث عمّن یستطیع أن یدخل الشخصیة ویذوب فیها ویجسدها للجمهور وکأنه هو الشخصیة ذاتها ، حتی یصعب علینا أن نفرق بین الشخصیة المرسومة علی الورق والشخصیة التي یجسدها الممثل ، إبتداءاً من هیکلها الخارجي وإنتهاءاً باخلاقها وتصرفاتها الیومیة ، وحتی عاداتها والأهم من ذلک ینبغي أن یکون الممثل المنتخب مثقفاً واعیاً لدوره یمکنه أن یحلل الشخصیة ویفهمها ، فالممثل الذي علیه أن یؤدي دور شخصیة تاریخیة من القرن الرابع الهجري ( علی سبیل المثال ) یجب علیه أن یدرس تلک الفترة الزمنیة ، یدرس أخلاقیات الناس في الفترة عاداتهم ، مذاهبهم وأفکارهم ، فهو علی خشبة المسرح سیصبح واحد منهم .

وهو لا یستطیع أن یکون من شخصیات القرن الرابع للهجرة إذا کان لا یعرف شیئا عن تاریخ وأحداث ذلک القرن ، کأن نکون. من أبناء القرن العشرین ونجهل کل شيء عن تاریخه وأحداثه ، ونرید في نفس الوقت أن نؤدي دور شخصیة تنتمي للقرن العشرین, فالممثل المنتخب یجب أن یکون له خلفیة ثقافیة ، یستطیع بواسطتها أن یدرک الشخصیة ، ویدرک أحداث وزمان ومکان الشخصیة العامة وعلی الممثل أن یطیع المخرج ویناقشه مناقشة هادفة ومن ثم ینفذ أوامره ، ویحاول أن یفهم الشخصیة فهما علمیاً ( جوهریاً) لا سطحیاً أن الممثل المحترف ، أو کما یسمی الممثل النجم ، لا یستطیع تسلیم زمام أمره للمخرج، فهو یحاول دائماً أن یحتفظ بطابعه الخاص ، ویمثل کما یری هو ، ولإنشغاله الدائم فهو لا یستطیع أن یمنح کل وقته للعمل الواحد ، وإن الأدوار المتعددة المقترحة علیه في فترة زمنیة معینة لشخصیات مختلفة ، لا تسمح له بالدخول في الشخصیة وفهمها کما یجب ، فهو وبدون إرادته نجده ینحاز الی إحدی الشخصیات التي یمثلها في آن واحد ، لذا فإنّ النجم مع خبرته ورصیده الجماهیري لن یستطیع تحقیق طموح المخرج المسرحي.
اعتاد المخرج ستانسلافسکي الإعتماد علی القابلیات الشابة في تقدیم أعماله المسرحیة ، حیث أن فترات التمرین لعمل واحد کانت قد تستغرق عاماً کاملاً أو أکثر ، دون أن یتعب الممثل الشاب أو یضجر ، وهذه الفترة کانت کافیة لیقول ستانسلافسکي کل ما عنده ، یُشرّح الشخصیة ، ویوضح أفکارها وأبعادها الإجتماعیة والسیاسیة ، ویتباحث معهم في الحوار المکتوب اللامکتوب ، ویدرس کل الإحتمالات ، حتی یشعر الممثل بعد هذه المدة الطویلة کأن ما یحدث علی الخشبة هو حقیقة ، وإنها تکاد لا تنفصل عن حیاته الیومیة . وکان ستانسلافسکي لا یترک الممثل الا إذا أقتنع تماماً إنه یستطیع أن یجسد الشخصیة علی حقیقتها، أو یترک الممثل ویختار غیره ، إذا أقتنع بأنه لا یجدي نفعاً.
خلاصة القول : “إن الممثل کالسلک الکهربائي الذي نستطیع بواسطته بث أفکار المؤلف وتعلیمات المخرج وحرارة الممثل للجمهور ، وإذا کان هناک عیب أو خدش في ذلک السلک ( الممثل ) فسیؤدي في النهایة الی کارثة” .
فالممثل الجید یجب أن یکون مطیعاً یفهم الموقف ویحترم المخرج والمسرح والجمهور والنص، وبالتالي یکون عجینة بید المخرج یعجنه کیفما یشاء ، لیخلق الصورة التي من أجلها أخرج العمل ، وهذا لا یعني إنَّ الممثل یجب أن یقبل کلُ شيء دون أدراک وفهم ، فالأولی به أن یفهم ثم یقبل ، والا ستکون الصورة مشوشة .

عبد الصاحب ابراهيم أميري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت