الشخصيات الزائدة في النص المسرحي (الحلقة: 6) / بقلم: عبد الصاحب ابراهيم أميري
من كتاب دروس في فن المسرح
في المسرح کل شيء له حساباته الخاصة ، زمن المسرحیة ، مکان المسرحیة ، المناظر ، الشخصیات ، الحوار ، وعشرات الأمور الأخری ، فکل شيء في المسرح قواعده الخاصة به ،والشخصیات کذلک وإن إنتخابها یجب أن یتم بذکاء تام کما أسلفنا وبعد الإنتخاب علینا أن نحدد دورها في النص المسرحي الذي بین أیدینا ، ندرس الشخصیة ونتفهمها تفهماً عمیقاً ، فوائدها وحتی مضار وجودها في العمل المسرحي ونقصد بالمضار إنَّ الشخصیة المنتخبة بدلاً من قیامها ببناء العمل تبدأ بهدمه ، وقد تکون الشخصیة نافعة ومفیدة في عمل آخر الا وإنها قد تکون مضرة في عمل آخر أیضا ،وأبسط مثال علی ذلک الغذاء الذي یدخل أجسامنا ،فالسکریات تکون مفیدة بنسبة معینة للشخص السالم ، ومضرة بالنسبة للشخص المبتلي بمرض السکر . ونفس هذه المقولة تنطبق علی المسرحیة کوجود شخصیات معینة تؤدي دوراً معیناً في العمل المسرحي ومن ثم یضیف إلیها المؤلف شخصیة أخری تؤدي نفس الدور الذي تقوم به الشخصیة الأولی .
– إذن ما فائدة وجود الشخصیة الجدیدة الثانیة ؟
– وماهو تأثیرها في الفعل الدامي ؟
– وإذا کان لها تأثیر … فما هو ؟
– وما هو فعل الشخصیة في العمل المسرحي ؟
– وما هو مدی تقبل الشخصیات الأخری لهذه الشخصیة ؟
وعشرات الأسئلة الأخری . وإذا وجدنا أن الأجوبة ناقصة وغیر مقنعة بوجود الشخصیة علی الخشبة فلا شک إنها ستکون شخصیة زائدة وکل الأشیاء الزائدة تقذف الی الخارج ، کما تفعل ربَّة المنزل ، عند تغیر الفصول ( فصول السنة ) إذ ترمي بعض الأشیاء للخارج وأخری للمخزن وثالثة تغیر موضعها ورابعة تصحح وضعها ، فیظهر المنزل بالشکل اللائق
یؤسفني أن أقول أن مرض الشخصیات الزائدة ،مرض سائد في أعمال الکثیر من الشباب وفي الأعمال التجاریة واذا أردنا أن نتخلص من هذا المرض الخطیر علینا أن نعرف دورنا في الکتابة ، ومن ثم نحدد دور الشخصیة في العمل المسرحي ومسیرها ،وهل تحتاج الی بدیل ؟ أم إنها تستطیع أن تقوم بجمیع الأمور وحدها وتؤدي الی تصاعد الحرکة الدرامیة داخل العمل المسرحي، فتشد المتفرج الی صالة العرض ؟
– هل تحتاج هذه الشخصیة الی متمم ؟
– وما هو دور الشخصیة في العمل ومتی ینتهي دورها ؟
وأسئلة أخری کثیرة وإذا تمکنا من کل هذه الأمور فهناک سؤال آخر یطرح نفسه الآن :
-کیف نستطیع أن نطرد الشخصیات الزائدة ؟
للجواب علی هذا السؤال ینبغي لنا أن نضع جدولاً بطباع کل شخصیة …
1- علاقاتها ؟
2- إرتباطها بالآخرین ؟
3- حرکتها داخل العمل المسرحي ؟
4- زمان ومکان وجودها ؟
5- الأثر الناتج من وجودها في العمل ؟
وأسئلة أخری ، ومن ثم نبدأ بالسؤال التالي :
– هل یمکن للشخصیة الجدیدة أن تؤدي دور الشخصیة الأولی ؟
إذا کانت الإجابة بالإیجاب ، إذن ما فائدة بقاء هذه الشخصیة علی خشبة المسرح ؟ وإذا لم نجد إجابة مقنعة فالأولی بنا حذفها وعدم أشغال خشبة المسرح بالشخصیات التي لا تردد الا ما یقوله البقیة ، ونحن بتلک الشخصیات الزائدة ستؤذي المشاهد . وإذا حاولنا أن نطبق هذه المقولة علی کافة شخصیات العمل المسرحي الواحد تمکنا من الحصول علی شخصیات مدروسة ومفهومة ووجودها یؤدي بالعمل المسرحي الی النمو والتکامل
قلنا إن وجود الشخصیات الزائدة أو الشخصیات المتحررة من سیطرة الکاتب قد تهدم بناء العمل الدرامي وتؤدي بالنهایة الی دفن العمل في مقبرة مجهولة ، لذا یجد الکاتب الجید نفسه مجبراً علی رسم خط واضح لتحریک شخصیاته وأقوالهم وأفعالهم . صحیح إنک کمشاهد لا تحس ولا تشعر بهذه الحالة ، بل إنک تری إن الممثل یؤدي دوره ببراعة فائقة ،فهو لم یفعل ذلک الا لوجود قیود عملیة أحیطت بالشخصیة قبلها المخرج وظهرت علی الخشبة بوضوح بفعل الممثل والمقصود بالقیود الخطوط التي لا تسمح للشخصیة أن تخرج منها الی شخصیة لا یمکن أن تکون أصلا ، ثم لو إن الکاتب تعامل مع الشخصیة علی إنها حیة ومن لحم ودم ولها طبائع محددة وأخلاقیة واضحة لتمکن من رسم خصائص کل شخصیة وطرد الشخصیات الزائدة وجعل عمله وحدة هندسیة متکاملة . نفهم مما جاء إن الشخصیة في العمل المسرحي تشبه تماماً الإنسان الحاضر الذي نتعامل معه في حیاتنا الیومیة ، ولکل إنسان طباعه ، وهذا ما نجده في المدرسة الواقعیة والحال یختلف في المدارس أخری
عبد الصاحب ابراهيم أميري