كيف تؤلف موسيقى العرض المسرحي ../ قيس الكناني
بين الدوافع النفسية والمتطلبات الفنية
أن صياغة وابتكار الألحان التي ترافق العرض المسرحي لدى المؤلف الموسيقي تتطلب دوافع نفسية ومبررات فنية تسهم في بناء وبلورة فكرة العرض المسرحي بصورة إبداعية متكاملة, كما يحتاج التأليف الموسيقي في المسرح الى تلبية المتطلبات الفنية للعرض المسرحي لا سيما التي تترك ثغرات او مساحات فارغة يتطلب فيها من الموسيقى المعالجة الفورية لتلك الثغرات والفراغات الشاغرة التي تسبب إرباك في إيقاع العرض المسرحي, وهذه المتطلبات والدوافع لا تأتي من دون خبرة ودراية في الجانبين المسرحي والموسيقي للمؤلف الموسيقي الذي يصمم ويؤلف موسيقى العرض المسرحي, لأن مهمة التأليف الموسيقي يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار التعامل مع روح العصر، وتحمل مسؤولية الارتفاع بالعمل المسرحي أو الهبوط به من خلال ابتكار الموسيقى الملائمة للحدث وهذه المهمة لا يمكن بلوغها إلا عن طريق الخبرة الممكنة والمتواصلة أو المقدرة على التمييز بين الألحان الضعيفة والألحان القوية التي تصاحب العرض، لذا فأن المؤلف الموسيقي عند صياغة الألحان يسعى إلى هدف جمالي فني يدعم به الفعل المسرحي ويعزز من دور المشهد الدرامي ويسهم في بناء الأحداث المسرحية، ومن خلاله يستطيع أن يقدم فكرة اللحن بصورة جمالية مشوقة عندما تتجانس مع عناصر العرض الأخرى التي تسعى إلى تقديم العرض بصورة جمالية متكاملة لذلك فأن دور الموسيقى يقتصر على التعبير من خلال المضمون المحدد لألفاظ الدراما التي تصاحبها أي (الحوار مع الموسيقى) وهنا يتقيد اللحن بالمضمون الذي يعبر عنه النص المسرحي اذ يصبح اللحن في خدمة فكرة النص ورؤية المخرج، فعندما يتجانس اللحن الموسيقي مع عناصر البناء الدرامي وضمن إيقاع موسيقي منظم وموزون عندها ندرك تلك العناصر ونفهم صورة وفكرة العرض بسهولة، لذلك على المؤلف الموسيقي تدبير الحلول لانسجام العرض المسرحي مع صورة اللحن بحيث يجعل المتلقي يشعر بأن الألحان الموسيقية تمثل اتجاهات الفعل المسرحي وصراعات الشخصيات وبناء الأفعال المسرحية، وبالتالي يزيد اللحن الموسيقي بالعرض المسرحي من الحركة الانفعالية المبررة للشخصيات المسرحية وصراعاتها، وبهذا فأن التفاعل بين اللحن الموسيقي والبناء الدرامي هو مجال المؤلف الموسيقي الذي يقوم بتأليف الألحان المناسبة للعرض بصورة منسجمة وداعمة ومتكاملة مع العرض المسرحي وفي كيفية الاختيار للمقامات والتنقلات والزخارف اللحنية التي تشكل مجمل الصورة المسرحية، لذلك فأن المؤلف الموسيقي يقدم لنا العديد من مظاهر الاحتكاك المقامي، والتي تبرز بدورها الإثارة والتشويق، ولعل ذلك ما يماثل الاحتكاك والصراع بين الشخصيات في العمل المسرحي وبهذا فأن حرية المؤلف الموسيقي تلعب دوراً كبيراً في إبراز معنى العرض وتحديد معالمه، لأنه يستعين بأدواته الفنية ومهاراته لينتج منها ولادة فكرة جديدة تناسب العمل الذي طرحت لأجله هذه الفكرة اللحنية الجديدة.
وهذا ما حدده (هيجل)عندما رأى أن الموسيقى التي ترتبط بنص أو موضوع فأنها تعلو على موسيقى الآلات، لأن إضافة اللغة بوصفها تعبيراً عن العقل إلى الحركة الشكلية أو الصورية التي يضيفها الإيقاع على اللحن، تصبح الموسيقى حافلة بالمعنى بعد أن كانت خيالية، وتغدو محددة المعالم بعد أن كانت غامضة فتصبح عقلية بعد أن كانت انفعالية خالصة، وبهذا أصبح اللحن الموسيقي ينقل المعنى ويحدد المعالم للعمل الفني، واللحن يعكس الصراع بين حرية خيال المؤلف الموسيقي وإطلاق العنان لهُ، لذلك فأن اللحن الموسيقي يجعل غايتهُ تتطابق مع مضمون الموسيقى المرافقة للعرض، من حيث إن دورها يقتصر على التعليق والتعبير من خلال فحوى الدراما التي ترافقها.
لذلك فإن المؤلف الموسيقي الذي يبتكر وينظم اللحن يجعله قائماً ضمن فكرة لحنية معينة تدعم الصراع الدرامي وتعزز الفعل المسرحي لذلك يقول بتهوفن : أنني احمل أفكاري معي قبل تدوينها، حيث تحتفظ ذاكرتي بالفكرة اللحنية وكذلك يرى (هيجل) و(شوبنهاور) إن اللحن وحده مصدر الإبداع، لذلك فالمؤلف الموسيقي في العمل المسرحي له مكانه تسهم في عملية الإبداع الفني من خلال الانسجام والتوافق في المؤلفات الموسيقية ودعمها لأشكال الصراع الدرامي وأنواعه وفكرة العرض المسرحي ومضمونه .
قيس الكناني