كتاب الخميس (الحلقة التاسعة عشر)/ عرض و قراءة: حسام الدين مسعد

اسم الكتاب : “ريجيس دوبريه الفيلسوف المفكر والمثقف الإنسان“
الكاتب: د. بشار عليوي
الناشر: الاتجاد العام للأدباء والكتاب في العراق

******************

ريجيس دوبريه وبشار عليوي وقراءة ميديولوجيه في المسرح المعاصر

 
من الشائع ان يجتمع الكتاب والمفكرون علي الحديث عن التاريخ وعن الأشخاص اللذين خلدهم بطريقة شعريه في محاولة منهم الي اختراع «عالم هجين » يثير كثيرا من حس التاريخ التقليدي والإنتماء الي شئ ما جماعي .في تمهيد ممكن لعصر نهضة جديد .
وهذا ما طرحه الناقد العراقي د.بشار عليوي في كتابه (ريجيس دوبريه الفيلسوف المفكر والمثقف الإنسان) في سبعة فصول تناول فيها حياة ريجيس دوبريه واثاره المعرفيه وفلسفة الصوره عنده وتأسيس الميديولوجيا وعلاقة دوبريه بالمسرح ودوبريه في مرآة الثقافة العربيه وفصل أخير هو عباره عن مقالات ودراسات ميديولوجيه لكتاب عرب من ضمنهم مؤلف الكتاب د.بشار عليوي الذي تحدث عن ملخص لكتابه الميديولوجيا والمسرح المعاصر .
ولكن يثور ثمة تساؤلات حول ماأهمية كتاب الدكتور بشار عليوي (ريجيس دوبريه الفيلسوف والمفكر والمثقف الإنسان )؟وماجدوي نشره الآن وفي ظل هذا التوقيت المعقد بالغ الأهمية الذي يعتقل الناس فيه داخل منازلهم بسبب جائحة وبائيه عالميه ؟
وماهي تمظهرات الميديولوجيا في المسرح ؟
وفي سبيلنا للإجابة علي هذه التسأولات ينبغي لنا عقد مقاربة بين الكتابين اللذين ألفهما د.بشار عليوي مستندا الي اراء دوبريه وفلسفته وفي قراءة ميديولوجيه حول اهمية وجدوي الوسائطيه في المسرح المعاصر .
بداية لا يمكن قراءة النصوص الأبداعية ادبية او فنيه وذات البعد الرقمي فهما وتفسيرا أو تفكيكا وتركيبا إلا في ضوء قراءة نقديه جديده تراعي مقومات الأدب الرقمي وخصائصه ومميزاته وبنيته ودلالته ووظيفته.
وهذه القراءة النقديه هي ما تعرف بالقراءة الرقميه أو الوسائطيه او القراءة الميديولوجيه والتي ترتبط بكل وسائل الإتصال التقنيه في العالم.
فالميديولوجيا عبارة عن نظرية علميه تجمع بين الثقافة والتقنيه ومن ثم يحاول هذا العلم أن يقرأ العلامات الرمزيه والسيميائيه في سياقها الزماني والمكاني والفني والجمالي .
ويعد «ريجيس دوبري» من أهم الفلاسفة المعاصرين، إهتماما بفلسفة الصورة، ويمكن عده فيلسوف تاريخ الصورة، إذ تتبع تطور مفهوم الصورة وتجلياتها الوجودية وتحقيبها الرمزي منذ القدم إلى الراهن. قاد هذا الاهتمام التاريخي بالتطور المفهومي والتجلي الرمزي للصورة، ريجيس دوبري إلى تقسيم العصور التي مرت بها إلى ثلاثة عصور مرتبطة فيما بينها، وهي عصر الخطاب وعصر الكتابة، وعصر السمعي البصري، وبذلك فلسفته أطروحة مهمة لتأسس «ريجيس دوبري» لعلم جديد هو علم الميديولوجيا، ليعتبر الصورة أهم وسيط في العصر الراهن، تنعكس في شكل صورة تلفزيونية، وصورة سينمائية وحتى رقمية الكلمات.
لقد قاد وجود الصوره بوصفها وسيطا الفلاسفه والمفكرين الي التمعن في دراستها وفقا لأهميتها ووظيفتها ودورها المؤثر في الفكر الإنساني ولأن أهم مايميز الصوره من خصائص الكمال والصنعة المتقنه وتقديمها للواقع بشكل محايد وموضوعي .مما يعني ان هذا الإرتباط بين الصورة وعالمنا المعاصر متحقق وذو فاعليه في عموم الحياة الإنسانية.
ويقول (دوبريه)في كتابه (حياة الصوره وموتها)[حين يغدو كل شئ مرئيا فلا شئ يغدو ذا قيمه فتجاهل الإختلافات يتقوي مع إختزال الصالح في المرئي والمظهر)
إن خطورة ان يصبح كل شئ مرئي هي واقع فعلي عنيف في وسائل الإعلام المعاصره والأجيرة لصالح الأيدولوجيات التخريبيه القائمة علي الإيهام والتزوير والمراوغة البصريه من أجل إثارة العاطفة الجمعيه
ويضيف (دوبريه)[إن عصر الشاشة حين يغدو مسيطرا أينما كنا ستكون فضيلته الفساد ومنطلقه الأمتثاليه وافقه عدمية مكتمله ] ويشير دوبريه الي المرحلة التي وصلنا اليها بوصفها ثورة تقنيه واخلاقيه لا تشكل آخر الأمر ذروة مجتمع الفرجه وانما تعلن نهايته
ويري (دوبريه) ان التليفزيون اصبح اداة مثاليه لدي المتحكمين بالأصداء والإدراكات وبالتالي اصبحوا هم أسياد التاريخ المباشر.
إن دوبريه قصد ان عصر الشاشة هو نهاية مجتمع الفرجه وإذا ماحدثت كارثه فإنها ستكون حاضره فبعد ان كنا أمام الصوره اصبحنا داخلها وإن الوقوف ضد المحرمات القديمه المتعلقة بالألغاز سيكون عبارة عن شعائرية لها اهميتها
بيد أن قوانين السوق تجعل من ابداع الصورة الجديده مقارنة مع القديمه كلفة مفرطه مرهونة بصراع يعمل ضد مقولة «كل شئ للصوره»
ولن يضفي طابع الوثوقيه علي كل مرئي ما يضيفيه علي كل خطاب آخر
*وهنا يمكن للقارئ ان يجيب علي التسأول الهام الذي تم طرحه في صدر المقال ما اهمية كتاب دكتور بشار عليوي ؟
إن اهمية كتاب دكتور بشار تكمن في طرح وتحليل نظرية (دوبريه)وإيضاح منهج التطبيق السليم لها وهذا ما ورد بكتابه (الميديولوجيا والمسرح المعاصر ) بتوسع عن ما اورده في كتابه (ريجيس دوبريه المفكر والمثقف الإنسان) والذي اعتمد فيه علي ذكر السيرة الذاتيه لدوبريه وفلسفته
لكن هذا الكتاب حوي لفصل هام جدا عنوانه (دوبريه في مرآة الثقافة العربيه )
والذي لفت انتباهي لمقدمة هذا الفصل والتي يقول فيها د.بشار(تم التعرف علي دوبريه عربيا في ستينيات القرن الماضي ومن خلال مزاملته لجيفارا ومن ثم سجنه…..)
وكأن دكتور بشار يؤكد علي اهمية الوسيط بالنسبة للثقافة العربيه هذا الوسيط المتمثل في التعرف علي دوبريه من خلال اعمال الترجمة في ستينيات القرن الماضي والتي ما كانت ان تتم لولا مزاملة دوبريه لجيفارا وسجنه معه .وهذا يؤكد أن الوسيط الثقافي او الترجمة كانت متأخرة وغير مواكبة للنظريات الحديثة والمتطوره وما جذب المترجم للحديث عن دوبريه هو مزاملته لجيفارا ايقونة الثوره البلشوفيه لا نظريته وفلسفته المستنيره .لكن عزائنا الوحيد ان كتابي د.بشار عليوي قد عمد فيهما الي تحليل وفلسفة دوبريه وربط نظريته بالمسرح المعاصر ومن هنا تكمن اهمية وجدوي نشر هذا الكتاب في ظل الظرف التاريخي بالغ التعقيد .
*كما يتحدث دكتور بشار عن علاقة دوبريه بالمسرح ومن خلال مقاربة مفاهيميه للميديولوجيا في المسرح المعاصر فيقول :
[إن المسرح لديه الإستعداد الكامل لإستقطاب مجمل التحديثات داخل العرض المسرحي فالميديولوجيا قد ركزت علي ابراز الدور الحيوي للوسيط عبر ترحيله من ماهيته الماديه الي كينونته الجديده بوصفها رسالة مرتبطة بمجمل آليات التلقي عند الأفراد والحاملة للروئ الفكريه والجماليه علي حد سواء وصولا الي تحقيق المعرفه .]
فمسرح اليوم هو مسرح وسائطي يعكس الواقع اليومي ويخلق تحفيز للعقل علي التأمل والإستنتاج
وان الوسائطيه غيرت طبيعة التلقي لدي المتلقي المسرحي .اذ يمكن تسميته بالمتلقي الوسائطي بعدما دخلت الوسائطيه كمكون لثقافته اليوميه ومن ثم اصبحت لديه القدره علي فهم العرض المسرحي الوسائطي.
ومن هنا يتضح لنا اننا أمام كتاب هام يناقش فلسفة واثر الميديولوجيا والسيرة الذاتيه لمؤسسها (دوبريه) وأن توقيت نشر الكتاب وطرحه علي القراء هو توقيت بالغ التوفيق استطاع فيه المؤلف الإجابة علي تسأولات هامه وآنيه حول جدوي العروض الوسائطيه للمسرح والذي أجد الأجابة عليها منطقيه في ظل حجر مسرحي إستثنائي بسبب جائحة عالميه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت